بكت (ن) لأيام رافضة بحسم أن تفتح هاتفها ليتصفحه والدها وأخوها، بينما تمضي الأم في حيرة، وكلما تحدثت (ن) إلى أحد أفراد العائلة. وعدت أن تفتح الهاتف أمام طرفًا آخر هو ليس موجود لحظة الحوار، تبكي الصغيرة التي أتمت بالكاد خمسة عشر عامًا منذ أيام. وتقول لابنة خالتها أنها فكرت أن تبتلع كل علبة دواء الجدة، او تُلقي بنفسها من الشرفة.

تحكي لي الأم وهي في قمة الغضب، ماذا فعلت الصغيرة يجعلها بكل هذا الرعب؟ وكيف ستعاقبها، ألقت الأمر للأخ الأكبر ليتصرف، وكنت معارضة لرأيها.

طرحتُ على الأم سؤالًا: ماذا تظنين أنها فعلت؟

الوساوس تنهل من الأم، تأخذها الظنون لكل طريق، وتخاف على الفتاة التي تفتتح بيبان الحياة بطرقات على باب خاطئ.

قلت لصديقتي أم الفتاة، خذي الهاتف من أخيها، وامنحيه لها وأطلبي منها أن تدخل غرفتها وتحذف كل ما تخاف منه ثم تأتي. وتحذف كذلك كل كلمات المرور على التطبيقات المتنوعة. لم تقتنع الأم التي رغبت في أن تعرف ماذا تفعل ابنتها. ساعات من الحوار والأم آخذة في مسارها، اكسر للبنت ضلع، وأخوها مسئول عنها فهي تعبت.

اقرأ أيضًا: بـ3 مشروعات.. مصر تستعد لعصر “النقل الذكي” في 2021

صديقتي العزيزة.. نحن في زمن مختلف

حين تقرر كل امرأة أن تُنجب هي تحقق حلم شخصي، تضع نفسها وطموحاتها ومشاعر الأمومة أولوية، لكنه بعد أن يأتي انسانًا. آخر إلى هذا الكوكب. فإن الأنانية لابد أن تتراجع، وعلينا أن ندفع ثمن اختيارات الأمومة التي اخترناها بوعي وعن طيب خاطر.

كانت قضايا فتيات التيك توك تتصدر التريند، والقراء والمتابعين يحشدون آراءهم بين وصم الفتيات بانعدام الأخلاق، أو التماس الأعذار والمبررات لهن. ولم نسمع عن دراسة جادة وحقيقية للظاهرة، للتطبيقات التي تربي بداخل أولادنا أحلام الثراء، وتدفع بهم في طريق التربح السريع الغير مرهق. في إغفال لقيم عديدة وإهدار لفكرة الجهد والاجتهاد والتعليم.

اقرأ أيضًا: عزة سلطان تكتب.. “مش أم أبوها”

خفتت قضية فتيات التيك توك، ككل قضايا التريند، وظلت التطبيقات تعمل، وفتيات عديدات تنضم، وكل فتاة لديها هاتف ذكي يُسجل ويصور ويبث. ونحن الأهل والمجتمع منسحقين في سباق الحياة، مضغوطين ومتعلقين بأحلامنا الصغيرة لتوفير حياة آمنة لأولادنا هؤلاء الذين تركناهم دون تربية حقيقية وتوجيه سليم. فماذا تفيدنا المكاسب التي نحققها، ونحن نخسر أولادنا؟

قد تكون الفتاة الصغيرة لم تفعل سوى التقاط صورة لها مع شاب في عمرها أو أكبر قليلًا، لكنها في لحظة خوف، لحظة بناء لشخصيتها. هي تحتاج الثقة والخصوصية والحسم، الثقة التي تدفعها للتقدم في الحياة وخوض الحروب، الثقة التي تكتسبها الفتاة في بيت أهلها لا يمكن معادلاتها بأي ثقة من نجاحات أو أصدقاء.

نحن في زمن مختلف، زمن أسرع من قدرتنا على الفهم والتحليل والتنظير، والتمسك بصور قديمة عن الفتاة، ونحن نربي أولادنا ونشكك في كل ما يفعلونه، نزعزع ثقتهم بأنفسهم، ندفعهم إلى خنادق التخفي والعزلة، نصنع بجدية فشلنا.

ترى يا صديقتي حين كنتي في مثل عمر ابنتك ألم يجذبك شاب؟ ألم تُفكري في كتابة خطاب له، أو معرفة رقم تليفونه الأرضي ومعاكسته؟ هي نفس السلوكيات لكن الأدوات مختلفة. عندما تتفهم الأم طبيعة المرحلة التي تمر بها ابنتها المراهقة فهي تحميها بمحبة، تطرح لها طرقًا شرعية للوعي. التكنولوجيا مهمة لها منافع كبرى في حياتنا وكل نفع بداخله ضرر.

يمكن أن نلتقط الصور لتوثيق لحظات السعادة ومواقف نحبها، ويمكن أن نلتقطها لكشف الحقيقة وكسر العزلة، ويمكن أيضًا أن نلتقط صورًا لأجساد عارية، ويمكن كل شيء.

الاختيارات تأتي من الداخل بناء على القيم والتربية والوعي، فهل قمتي بدورك؟ مع العلم دورك ليس اختيار مدرسة جيدة، وضخ الأموال في الدروس الخصوصية. وملابس تليق بالطبقة الاجتماعية والجيران، هذه أشياء لا تبني انسان.

اقرأ أيضًا: تحرش وعنف وتجاهل.. لماذا تسدد النساء فواتير الخذلان؟

صديقتي العزيزة.. مجتمعنا يسجن المرأة

ليس المنع هو الحل، قد يبدو سهلًا أن نحرم بناتنا من هواتفهن الذكية، ونلازمهن في الطريق إلي المدرسة وإلى مكان الدروس، سنفعل ذلك يومًا وعشرة. ثم تهن قبضة المنع، تخفت قيود المراقبة، وبعد فترة طالت أو قصرت سنتركهن وحدهن وسنعيد إليهن هواتفهن الذكية.

لكن مع تجربة سيئة، فتتعلم  الفتاة فنون المراوغة والاخفاء، تفتح سكك لكسب المال دون علم الأهل، كيف توفر احتياجاتها بعيدًا عن سلطة الأم/الأب/الأخ. وبعض الأهل سيفرحون حين يعرفون أن بناتهن قادرات على كسب المال من مجرد صور ولقطات فيديو، فمفهومهم عن الأخلاق والشرف مازال واقفًا عند غشاء البكارة.

القيم لا تتغير والأخلاق لا تتغير لكن المتغير هو السلوك، هذا السلوك الذي بات متأثرًا بمعاملات عِدة التعليم والطبقة الاجتماعية والمجتمع والإعلام. الصادق سيظل صادقًا سواء كان صحفي أو مدرس أو طفل.

حان الوقت لنفكر بشكل مختلف، لنُعيد التفكير في طريقة تربية الفتيات في مجتمع مازال يسجن المرأة في سجن الشرف والبكارة، ويُدرك أن مسارات عِدة مفتوحة.

اقرأ أيضًا: يا عزيزي كلنا لصوص

الهاتف المحمول والذكي بات ضرورة في أيدي أولادنا ولذلك علينا أن نتعامل بوعي أكبر، نمنحهم الثقة فيما يفعلون، لكننا نعلمهم الاختيار. نُدرك أن المراهقة فترة شديدة الحساسية، والاعجاب بالجنس الآخر ليس جريمة، ولكن حين نحصن بناتنا بالثقة والوعي والأخلاق. ستكون قادرة على الخروج من العلاقات المسمومة، والعلاقات التي تعرقل تكوينها، وستتجاوز كل عقبة، وكل خذلان.

صديقتي الأم

افتحي قلبك وعقلك حتى تستطيعي أن تُغمضي عينيك باطمئنان.