في موقف كوبري الخشب بالجيزة، تتراص عشرات سيارات “الترامكو رمسيس” القديمة التي مر على تصنيعها نصف قرن. لا يشغل بال سائقي هذه السيارات حاليًا سوى المبادرة التي أطلقتها الحكومة الإثنين، لاستبدال المركبات القديمة بأخرى جديدة، تعمل بالوقود المزدوج “البنزين والغاز الطبيعي”.
المبادرة تم تدشينها في معرض ضم غالبية وزراء المجموعة الاقتصادية وحضور كبير من البنوك وأصحاب ماركات السيارات. وتتيح للمواطن وأصحاب “التاكسي” و”الميكروباصات” استبدال مركباتهم التي مر على إنتاجها 20 عامًا بأخرى حديثة.
زوكا وتي 1.. سيارات النصف قرن إلى الإحلال
تنتشر سيارات الترامكو التي ظهرت لأول مرة في بلوسكا ببولندا قبل 60 عامًا تحت اسم “زوكا” في عشرات المواقف بأحياء مصر القديمة والجيزة. إلى جانب سيارات فولكس فاجن الألماني من طراز “تي 1” التي يعود عمرها أيضًا للعام 1950. لكنها على وشك الاختفاء تطبيقًا لبنود قانون المرور الذي يجيز عمل السيارة لفترة 20 عامًا فقط. وهي البنود التي لم تكن مفعلة قبل أن يتم تفعيلها بإطلاق المبادرة أمس.
ينص قانون المرور على عدم تجديد الرخص للمركبات. ومنها السيارات الأجرة التي مضى عليها 20 عامًا. وقد تم تعطيل تفعليه لحين توفير آلية حكومية تعمل على تعويض أصحاب تلك السيارات أو مساعدتهم على استبدالها بأخرى. وذلك ضمن شروط ميسرة.
ضم المعرض بين رحابه سبعة نماذج للسيارات المُتاحة للاستبدال بالسيارات “المتهالكة”.
وتستهدف المبادرة خلال عام 2021 استبدال 70 ألف سيارة قديمة. بواقع 55 ألف سيارة “تاكسي” و”ملاكي” و15 ألف ميكروباص. على أن يتمّ استبدال قرابة 180 ألف سيارة في عامين 2022 و2023، وفق ما ذكرته وزيرة التجارة والصناعة.
تقدم الحكومة حافزًا ماليًا للمواطنين المشتركين بالبرنامج يصل إلى 60 ألف جنيه. وهو مبلغ سيتم اعتباره مقدم للسيارة، على أن يتم تمويل باقي ثمن السيارة على أقساط بنكية. وذلك بفائدة أقل من 3%، ولفترات سداد قد تصل حتى 10 سنوات.
اشترطت الحكومة في أنواع المركبات الجديدة ان تكون مجمعة محليًا ما يجعلها بالنسبة للميكروباص محصورة في فئتي كينج لونج الصينية بسعر 212 ألف جنيه بعد إضافة الفائدة، و”فوتون” والأخيرة تتضمن عدة فئات تتراوح بين 230 ألف و 324.9 ألف جنيه حسب الفئة والكماليات.
مخاوف 270 سائق من إحلال السيارات
يخشى السائق عباس محمود (55 عامًا) فكرة ارتفاع سعر السيارات؛ فأقل سيارة ميكروباص صيني في السوق يبلغ سعرها 260 ألف جنيه. هذا الأمر يضطره لدفع نحو 1600 جنيهًا شهريًا كأقساط هو في غني عنها، على حد قوله. إذ أن سيارته تعمل ودخلها “كله في جيبه”، ولديه التزامات أهم تتعلق بتجهيز ابنته للزواج.
وفقًا لإحصائيات الإدارة العامة للمرور، يبلغ عدد السيارات العاملة في مصر التي مر على إنتاجها 20 عامًا نحو مليون سيارة، بينها 270 ألف ميكروباص.
أحمد تيخا (25 عامًا) سائق آخر يحكم على هذه المبادرة بمنطق يختلف فيه مع زميله “عباس”. فيقول: “ستغنينا هذه المبادرة عن سياراتنا القديمة التي تستهلك كميات كبيرة من البنزين، وهي دائمة الأعطال”. حتى مبلغ التقسيط الذي قد يدفعه مقابل السيارة الجديد يراه “أحمد” بسيطًا مقارنة بمزايا قيادة سيارة جديدة مريحة تكفيه مشاكل السيارة القديمة.
وتوفر المبادرة الجديدة لإحلال السيارات لأصحاب السيارات الخاصة أو “الأجرة” ما يصل إلى 50% من مصروفات التشغيل. ذلك بسبب الوفر الذي سيحققه استهلاك الغاز الطبيعي في آلية عمل “الوقود المزدوج”، مقارنة بالعمل بالبنزين وحده.
وتشبه هذه المبادرة كثيرًا أخرى تم تدشنها عام 1999 بإنشاء صندوق تمويل شراء بعض مركبات النقل السريع لإحلال سيارات الأجرة التاكسي الأسود التي مر على صنعها 20 سنة بأخرى حديثة. وقد تحملت حينها وزارة المالية 31 ألف جنيه من ثمن كل سيارة. ونجحت المبادرة في بيع عدد سيارات تاكسي أبيض بلغ 376 ألف سيارة.
لكن مشروع التاكسي الأبيض لم يخل من التحديات بداية من عام 2016. وذلك حينما ظهرت شركات النقل التشاركي ممثلة في أوبر وكريم، والتي اقتطعت كثيرًا من أرزاق السائقينK ولعبت على وتر رغبة الزبائن في الوجاهة وركوب سيارات ملاكي حديثة بأسعار واضحة ومعروفة قبل تلقي الخدمة.
هدفين للإحلال وإنعاش للصناعة
وزير المالية محمد معيط، أكد في تصريحات سابقة، أن المبادرة الأخيرة تهدف إنعاش صناعة السيارات في مصر، لإحلال عدد ضخم من السيارات بأخرى جديدة ستتلقى دعمًا من الدولة بإلغاء الجمارك على مستلزمات الإنتاج القادمة من الخارج.
وقال حسين مصطفى، المدير التنفيذي السابق لرابطة مصنعي السيارات، إن الدولة تسعى بهذه المبادرة إلى تحقيق أمرين؛ الأول تقليل نسبة التلوث بالاعتماد على الغاز الطبيعي، والثاني تقليل التكلفة على المواطن والخزانة العامة بتقليل واردات البنزين.
تبلغ معدلات الاستهلاك المحلى من البنزين بكافة أنواعه نحو 18 ألف طن يوميًا، بما يعادل نحو 7 ملايين طن سنويًا. وتخطط الحكومة إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي الكامل منه ووقف استيراده نهائيًا خلال عام 2023.
وتشير إحصائيات غير رسمية إلى ارتفاع عدد السيارات التي تعمل بالغاز الطبيعي في مصر إلى 320 ألف سيارة. مع تزايد عدد مراكز تحويل ماتور السيارة من 6 إلى 86 محطة. هذا إلى جانب زيادة عدد محطات التزود بالغاز إلى 210 محطات، منتشرة في أنحاء الجمهورية.
ويقول المدير التنفيذي السابق لرابطة مصنعي السيارات إن المبادرة تتضمن العديد من المزايا التي تغري المواطنين؛ أهمها الحوافز وبرامج التمويل الميسرة التي لا تمثل عبئًا كبيرًا على المواطن؛ فالتقسيط في المبادرة يبدأ من 1500 جنيهًا شهريًا فقط.