تظهر بين الحين والآخر قضايا غريبة، يلجأ فيها بعض الرجال إلى القضاء متهمين شريكة حياتهم من النساء بأنها قامت بالخيانة الزوجية “الزنا” عقابًا لها على قرارها بإنهاء العلاقة الزوجية، وطلب الطلاق أو الخُلع أو المطالبة بحقوقها.
ومن ناحية أخرى، لا تزال هناك العديد من القوانين التي تكرّس التفاوت وسياسة التمييز بين الرجل والمرأة في كثير من القضايا والحقوق.
ومن تلك القوانين النصوص الخاصة بجريمة الزنا حيث يوجد تمييز بين عقوبة الرجل وعقوبة المرأة، لذلك فإن هذه المواد مخالفة للدستور.
كما انتشرت خلال السنوات الأخيرة حالات اتهام بالخيانة الزوجية لابتزاز الزوجات لحرمانهن من حقوقهن المالية ليصبحن عالقات بين التهديدات وخوفهن من الحرمان من أطفالهن، فضلًا عن ملاحقاتهن بتهم كيدية تنال من سمعتهن، أو تجبرهن على البقاء زوجات مع إيقاف التنفيذ لسنوات طويلة، محرومات من حقوقهن ونفقات أولادهن، بسبب استغلال أزواجهن لحبال المحاكم الطويلة، على أمل إنهاء الابتزاز، أو الانتقام الذي يتعرضن له بأقل الخسائر.
ولعل الجرائم التي تأخذ وجهة الخيانة الزوجية “الزنا” تعد من أكثر أنواع الجرائم التي يتم اتهام الزوجات فيها للتنصل من أي حقوق مالية خاصة بهن في مصر، وقد لا ترتقي الجريمة إلى الخيانة الزوجية بحد ذاتها، ولكنها تكيف وفق المادة الـ274 من قانون العقوبات المصري.
ومن النادر أن يتم اللجوء إلى المحاكم في مثل تلك الجرائم، لأن معظمها قد تحل عن طريق الصلح العرفي، والتفاوض بين العائلات، بسبب لجوء أغلب الرجال إلى استخدام تلك الجرائم ومنها الخيانة الزوجية ضد الزوجة، من أجل الضغط عليها، كي تتنازل عن حقوقها المالية.
وعند إلقاء الضوء على النصوص الخاصة بالزنا نجد الآتي:
1- التفرقة بين الرجل والمرأة في قيام جريمة الزنا:
المرأة المتزوجة ترتكب جريمة الزنا أيًا كان مكان وقوعه، أي سواء حدث في منزل الزوجية أو خارج منزل الزوجية، لكن القانون لم يعترف بذلك بالنسبة للزوج، لأن جريمة الزنا لا تقوم في حق الزوج من الناحية القانونية إلا إذا كانت في منزل الزوجية.
2- التفرقة بين الرجل والمرأة في عقاب الزنا:
لم يقنع القانون بمحاباة الرجل في مجال قيام الجريمة، لكنه سار في منهجه التمييزي بين الرجل والمرأة حتى بالنسبة للعقوبة المستحقة عن جريمة الزنا، فعقوبة الرجل أخف من عقوبة المرأة.
– الزوجة التي ثبت زناها، داخل أو خارج منزل الزوجية تعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين (م274ع).
– الزوج الذي ثبت زناه في منزل الزوجية يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على 6 شهور (م277ع).
3- التفرقة بين الرجل والمرأة في عذر التلبس بالزنا:
تنص المادة 237 من قانون العقوبات على تخفيف عقاب الزوج الذي يفاجئ زوجته حال تلبسها بالزنا فيقتلها في الحال هي ومن يزني بها.
ووجه التخفيف أن هذا الزوج لا يعاقب بالعقوبات المقررة للقتل العمد أو للضرب المفضي إلى الموت، وإنما يعاقب بعقوبة الحبس وحدها الأدنى 24 ساعة.
وعلة التخفيف هنا حالة الغضب والاستفزاز الذي يسيطر على الزوج الذي يفاجئ بزوجته متلبسة بالخيانة الزوجية، ولو كان ذلك في غير منزل الزوجية.
هذا العذر المخفف للعقاب لا تستفيد منه الزوجة التي تفاجئ زوجها متلبسًا بالخيانة الزوجية، ولو كان ذلك في منزل الزوجية الذي تقيم فيه مع زوجها.
ومن أمثلة الاستغلال الذكوري للتمييز القانوني المجتمعي ضد النساء في جريمة الزنا:
حالة السيدة “ص.ن” التي اتهمها زوجها بالزنا لمجرد إقامتها دعوى للخلع على خلفية معاملته السيئة لها لدرجة وصول الأمر في إحدى المرات لمحاولة خنقها، بالإضافة إلى عدم الإنفاق على الأسرة لانغماسه في شراء المنشطات الجنسية، الجدير بالذكر أن الزوجة تم احتجازها بمجرد تقديم البلاغ ضدها لحين العرض على النيابة العامة، ويظهر التمييز القانوني هنا بشكل واضح عندما تم إحالتها برقم قضائي للفحص خلال 24 ساعة، ولم يتم الإفراج عن السيدة سوى بعد استغاثتها بمؤسسة القاهرة للتنمية والقانون، ونجاح فريقنا القانوني في إثبات كيدية الاتهام أمام النيابة العامة أثناء التحقيق معها، والطريف أن الزوج صاحب الاتهام ضدها كان يقوم أثناء فترة الاحتجاز الخاصة بها بإحضار الطعام لها، ومقايضتها على التنازل عن البلاغ مقابل التنازل عن دعوى الخلع.
أما عن الإشكاليات التي تواجّه الناجيات من العنف في محاضر الخيانة الزوجية “الزنا” فهي:
1- احتجاز الناجية بمجرد تقديم البلاغ لحين العرض على النيابة العامة ما يتسبب بحدوث أزمة نفسية ومعنوية لها.
2- الوصمة المجتمعية التي تتعرض لها الناجية بسبب هذا الاتهام، وهو ما حدث بالفعل حيث ترك أحد المحامين الناجية قبيل العرض على النيابة لمجرد علمه باتهامها في محضر زنا، دون النظر لمصلحتها القانونية، ويستمر الوصم حتى في حالة البراءة وثبوت كيدية الاتهام مما يدفع بعض الناجيات أحيانًا للانتحار رغم تبرئتهن من الاتهامات الموجهة ضدهن بسبب استمرار حالة الوصم من المحيطين بهن سواء الأقارب، الجيران أو زملاء العمل.
3- صعوبة حصول الناجيات من العنف في جرائم الخيانة الزوجية على حقوقهن القانونية في رد الاعتبار، أو التعويض المالي لتفضيل الناجيات عدم إقامة دعوى بلاغ كاذب خاصة في حالة حفظ محضر الاتهام.
وفي رأيي أن هناك العديد من النصوص بقانون العقوبات الحالي التي تكرّس حالة العنف، والتمييز ضد النساء، وقد يكون ذلك بسبب النص العقابي أو بسبب تطبيق النص، بالإضافة إلى بعض النصوص التي يغيب عنها الدفاع الحقيقي عن مصالح النساء.
أيضًا هناك العديد من النصوص التي لا تتلائم مع التطورات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي يعيشها العالم ومجتمعنا، تلك المتغيرات أصبحت هي اللاعب الأساسي في تحديد وتنظيم العلاقات ما بين الناس وثبات التشريعات، ما يعني بضرورة وجود فجوة يصعب ردمها بالطرق التقليدية والتي لا تتناسب مع العصر الحديث بما يحمله من مفاهيم الجديدة للواقع المعاصر.