وضع المركز المصري للحقوق الاقتصادية -في تقرير حديث- سيناريوهين لتفشي فيروس كورونا في مصر. وكان أحد السيناريوهين متشائمًا يفترض تسجيل إصابات تقدر بنحو 43 ألف إصابة في شهري يناير وفبراير. بينما كان الآخر أكثر تفاؤلاً، يتوقع تسجيل مستوى 6.9 ألف إصابة. ووفقًا لذلك طالب المركز الحكومة المصرية بمزيد من الإجراءات الاحترازية التي سبق تطبيق عدد كبير منها في الموجة الأولى للجائحة. وأشار إلى ضرورة البدء بإلزام صارم بهذه الإجراءات. مع إلغاء الاستثناءات عن كافة وحدات الجهاز الإداري للدولة. خاصة التي تتعامل مع الجمهور.
تفشي كورونا مرهون بإجراءات الحكومة
صمم المركز السيناريوهين وفقًا لافتراضين أساسين؛ أولهما إذا ما تأخرت الحكومة في اتخاذ مزيد من الإجراءات الاحترازية، واستمرت الاستثناءات حتى الأسبوع الثاني من يناير. مع استمرار معدل التغير في عدد الإصابات على نفس النسبة التي تم تسجيلها في ديسمبر الماضي.
أما السيناريو الثاني، فيعرض ما قد يؤول إليه الوضع حال اتخذت جميع الإجراءات الاحترازية المناسبة وفعلت التطبيق الصارم لها اعتبارًا من الأسبوع الثاني من يناير. على أن تستمر أيضًا معدلات التغير في الإصابات (84%) في الأسبوعين الأول والثاني من يناير. حينها ستنخفض الزيادة إلى النصف في الأسبوعين التاليين. ثم إلى الربع في الأسبوعين التاليين، لتصل إلى 15% بنهاية فبراير، وفق هذا السيناريو.
ووفق السيناريو المتشائم، فإن مصر قد تعاني فجوة في عدد الأسرة بالمستشفيات تُقدر بنحو 7808 أسرة، ونحو 378 سريرًا في العناية المركزة. أما السيناريو المتفائل فُيقدر الفجوة بنحو 1233 سريرًا، فضلاً عن 58 سريرًا في الرعاية المركزية.
هنا، يطالب المركز بضرورة تبسيط الإجراءات الحكومية وتقصير مدة الحصول على الخدمة. ما يعمل على تغيير الصورة التي تصدّر للمجتمع. خاصة أن سلوكياته تستند إلى الصورة التي يستقيها من البيانات الحكومية.
تأتي مطالب المركز في ظل جدل عالمي حول كيفية مساهمة سياسات الإغلاق التام في الحد من كورونا. ففي تقرير لـهيئة الإذاعة البريطانية تحدث علماء عن السلالة الجديدة من الفيروس. وكيف أنها تنتشر بسرعة أكبر بـ 50 إلى 70 % من سابقتها. هنا يتشكك البعض في إمكانية أن يكون الإغلاق العام كافيًا للسيطرة على هذه السلالة.
لذلك، طلب المركز التوسع في تبني حلول غير تقليدية على مستوى تقديم الخدمات. خاصة ما يتعلق بالتشخيص والأشعة والعلاج عبر القوافل الطبية المتنقلة. وكذلك تدريب الأطباء البيطريين على كيفية التعامل حال الاحتياج لهم. سواء في المواجهة أو التطعيم أو المتابعة. أيضًا طالب بوضع ضوابط لتكاليف تقديم الخدمة الصحية بمستشفيات القطاع الخاص، وهي تكاليف تضاعفت بشكل كبير ومبالغ فيه خلال هذه الجائحة.
لحسم فكرة انتشار الفيروس، يضع العلماء ما يعرف بالعدد “أر”. وهو معدل تكاثر أو إعادة إنتاج الفيروس، الذي يمثل عدد الأشخاص الذين يمكن لشخص مصاب أن ينقل الفيروس إليهم. ووفق ذلك، فإن كل 1000 مصاب في فترة الإغلاق الأولى نقلوا الفيروس إلى 600 آخرين. وبدور هؤلاء فإن المرض انتقل إلى 360 شخصًا آخرين، وهكذا. لكن مع انتشار السلالة الجديدة فإن العدد “أر” في ظروف إغلاق عام مشابهة سيجعل كل 1000 مصاب ينقل الفيروس إلى نحو 900 آخرين، وهؤلاء سينقلونه بدورهم إلى 810 وهكذا.
مبادرة حكومية لمرضى العزل المنزلي
مؤخرًا، أعلنت وزيرة الصحة الدكتورة هالة زايد عن إطلاق مبادرة خاصة بمرضى فيروس كورونا تحت شعار “100 مليون صحة”. على أن تعنى هذه الحملة بمتابعة الحالات البسيطة إكلينيكيًا ممن يخضعون للعزل المنزلي. سواءً الذين تم تشخيصهم بمستشفيات وزارة الصحة. أو الذين ثبت إصابتهم من خلال التشخيص بواسطة طبيب خاص ويخضعون للعزل المنزلي.
قدمت المبادرة خدمات قياس نسبة تشبع الأكسجين في الدم. وكذلك قياس درجة الحرارة، ومتابعة تطورات الأعراض الصحية. وخصصت لتلك المهمة 5400 وحدة صحية ومركزًا طبيًا. بالإضافة إلى تشكيل فرق طبية للمرور على المنازل. على أن تكون هذه الفرق مزودة بأجهزة “تابلت” لتسجيل كافة البيانات الخاصة بالحالات على النظام الإلكتروني. مع اتخاذ جميع الإجراءات الوقائية والاحترازية خلال العمل بالمبادرة. فضلاً عن تمركز 800 سيارة قوافل علاجية بالمناطق التي بها معدلات إصابة عالية.
لكن “المصري للحقوق الاقتصادية” يقول إن التأخر في الإجراءات الاحترازية المشددة والتطبيق الصارم قد يؤدي إلى زيادة مطردة في أعداد المصابين. ومن ثم الحاجة لفرض مزيد من الضغوط غير العادية على المنظومة الصحية. خاصة الرعاية وأجهزة التنفس الصناعي والأطقم الطبية. فالفجوات -وفق تقرير المركز- تشير إلى احتياج كبير في كافة الخدمات الطبية. على سبيل المثال تحتاج مصر إلى 11 ضعف الإمكانات الحالية من الرعاية المركزة في سيناريو المركز الأقل تشاؤمًا. وقد تصل إلى 77 ضعفًا في السيناريو المتشائم.
في دراسات حديثة صادرة عن وكالة الصحة العامة في بريطانيا، تبين أن تأخر قرار غلق الحضانات والمدارس والجامعات ساهم في تصاعد منحى الإصابات بصورة قياسية. فإنجلترا سجلت أكثر من 50 ألف إصابة بالسلالة الجديدة من كورونا يوميًا على مدار أسبوع واحد.
اقرأ أيضًا: “كورونا” يعبث بمؤشرات التجارة العالمية.. هل ستتأثر مصر؟
وفقًا لتقديرات المركز المصري للحقوق الاقتصادية، فإن العدد الإجمالي للإصابات في مصر سيصل في يناير وفبراير إلى 7 ملايين. وذلك وفقًا للسيناريو الأقل تشاؤمًا. بينما قد يصل إلى 43 مليون وفق السيناريو المتشائم. ما يعني ضرورة الإسراع في بدء تشديد الإجراءات والتعاقد على اللقاح.
وسجلت مصر منذ تفشي كورونا وحتى أمس الجمعة إجمالي عدد إصابات بالفيروس بلغ 147 ألفًا و810 حالات، بينها 117 ألفًا و529 تعافت. و8 آلاف و85 حالة توفيت.
وفي اجتماع مجلس الوزراء الأخير، أصدر رئيس الحكومة المصرية مصطفى مدبولي، توجيهات واضحة لكل الوزارات والجهات المعنية بضرورة الالتزام التام بالإجراءات الاحترازية. ذلك في سبيل تجنب الغلق الكامل للمنشآت. وحذر من الآثار الاقتصادية المرتبطة بهذه الخطوة، والتي قد تؤثر بشكل واضح على حياة المواطنين.
قامت الدولة المصرية خلال الفترة الماضية برفع جاهزية مستشفيات وزارة الصحة. حيث تم تجهيز 364 مستشفى تتضمن 35 ألف سرير، بينها 5 آلاف أسرة رعاية مع 2400 جهاز تنفس صناعي. ما يمثل 11% و4% و2% على التوالي. مقارنة بما كان متاحًا في الموجة الأولى.
يفترض المركز المصري للحقوق الاقتصادية في سيناريو الوضع الوبائي بشقيه التشاؤمي والمتفائل أن 80% من إجمالي المصابين يتلقون العلاج بالمنازل. وأن نسبة المصابين الذين يلجؤون إلى المستشفى 20% فقط من إجمالي عدد المصابين. كما أن طبيعة الخدمات الصحية ستظل كما هي وفقًا لافتراضات وزارة الصحة. وإن كان الواقع قد يحتم مراجعتها في ظل اتجاه الحجر للعلاج المنزلي وازدياد الطلب على الرعاية المركزة وأجهزة التنفس الصناعي.