يثير الصعود الكبير لـ”البيتكوين” تساؤلات عدة حول مأمونيتها، وهل هي مخزن للقيمة يمكن ادخارها كالأموال والذهب، في وقت وصلت فيه قيمة البيتكوين الواحد إلى 37 ألف دولار، بزيادة 77% عن ديسمبر 2020، و305% عن مطلع 2020.

العملة المشفرة أطلقت أول مرة عام 2009 كعملة رقمية بقيمة 6 سنتات فقط، واعتبرت لفترة من الوقت أموالًا رقمية على هامش الاقتصاد.

واحتلت المرتبة التاسعة من حيث القيمة السوقية لأكبر الأصول في العالم بما يقرب 630 مليار دولار. بينما تجاوزت شركات عملاقة مثل “باي بال” و”فيزا وماستر كارد” وتقترب من كبار عالم التكنولوجيا مثل “تسلا” و”آبل” و”علي بابا”.

اقرأ أيضًا.. “الملاذ الآمن”.. “كورونا” يغير خريطة مبيعات الذهب في مصر

نشأة البيتكوين وكيف تعمل

العملة التي أطلقت عام 2009 من قبل شخص ياباني يدعى “ساتوشي ناكاموتو”، لا تزال هويته الحقيقية غير معروفة حتى الآن.

ومنذ انطلاقها تقلبت قيمة العملة الواحدة بشكل كبير، وكسرت الألف دولار للمرة الأولى عام 2013، قبل أن تنخفض إلى أقل من نصف هذا المستوى، ثم انتعشت في 2017 لتصل إلى 19 ألف دولار. لكنها فقدت 80% من قيمتها خلال العام التالي.

وعلى عكس العملات التي تصدرها البنوك المركزية، ليس لدى بيتكوين سلطة نقدية مركزية. بدلًا من ذلك فهي مدعومة بشبكة كمبيوتر على غرار الشبكات التي تدعم برامج تبادل الملفات “Bittorrent”.

ويتم إنشاء عملات المشفرة رياضيًا حيث تقوم أجهزة الكمبيوتر في هذه الشبكة بتنفيذ مهام صعبة في معالجة الأرقام، وهو ما يعرف بـ”التعدين”.

اقرأ أيضًا.. 2021.. “عام الذهب” واستقرار الجنيه

“عمال المناجم”

ويتم ذلك من خلال مشاركة “عمال مناجم” أو الأشخاص الذين يختارون تشغيل برنامج للتحقق من صحة المعاملات وهم أشخاص يختارون تشغيل برنامج للتحقق من المعاملات ويشاركون بنشاط العملات المشفرة.

وتجري مكافآتهم بالعملات التي يتم إنشاء المزيد منها كل 10 دقائق. لكن المكافأة المدفوعة لعمال المناجم تقل إلى النصف كل 4 سنوات، بدأت بـ50 عام 2009. بينما تبلغ الآن 6.25 وحدة كل 10 دقائق.

أعدت رياضيات “البيتكوين” بحيث يصبح من الصعب تدريجيًا “تعدينها” بمرور الوقت، ويقتصر العدد الإجمالي الذي يمكن تعدينه منها على حوالي 21 مليون. هكذا لا توجد وسيلة لأي بنك لإصدار طوفان من البيتكوين لخفض قيمة تلك المتداولة بالفعل.

تعدين البيتكوين

هل تصبح البيتكوين بديلًا للذهب؟

تتحول البيتكوين تدريجيًا للاستخدام كنوع من “الذهب الرقمي”، وأصبحت تشكّل أحد الأصول الرقمية النادرة. كما يتزايد هوس البيتكوين المتجذر من احتمال أنها قد توفّر في النهاية مخزنًا آمنًا للقيمة ولكنه أكثر ملاءمة.

وعلى عكس بيتكوين التي تحقق أرباحًا هائلة لا يدفع الذهب أي فائدة أو أرباح. فقط الطلب المتقلب من المستثمرين هو ما يدفع الأسعار للتحرك لأعلى أو لأسفل.

ووفقًا لبنك “JP Morgan” فأنه إذا أصبحت البيتكوين شائعة الاستخدام كالذهب، سيرتفع سعرها إلى 146000 دولار.

من ناحية أخرى هناك الكثير من الأسباب للشك في أن البيتكوين يمكنها محاكاة الذهب. على سبيل المثال سعر العملة الرقمية أكثر تقلبًا ويتأثر كثيرًا بسوق الأسهم، وهو أمر غير مرغوب فيه كملاذ آمن كالذهب مثلًا.

ولا يزال تداول العملات المشفرة غربًا متوحشًا ينتشر فيه الاحتيال والسرقة، ما يسهّل ارتكاب جرائم مثل بيع المخدرات ويجب أن يتحمل المستثمرون مخاطر مالية متعلقة بالسمعة.

اقرأ أيضًا.. وسط ضربات “كورونا” .. فرص عمل جديدة وقيود على شراء السلع

أسباب الارتفاع التاريخي ومستقبل البيتكوين

في مواجهة حالة عدم اليقين العالمية، يعد شراء البيتكوين وسيلة لتنويع الأصول، ويمكن مقارنة قيمته السوقية بقيمة الأصول الأخرى التي يتم الانتقال إليها مثل الذهب.

ووسط حالة الاضطراب العالمي بسبب وباء كورونا، وتسليم الرئاسة الأمريكية المشوب بالتوتر، والصراعات الجيوسياسية، أصبح المزيد من الناس ينظر إلى الذهب وبيتكوين على أنهما بدائل أفضل للدولار.

وربما أدى الارتفاع العلني للمراقبة الرقمية استجابةً لوباء كورونا إلى زيادة المخاوف بشأن الخصوصية والأمن عبر الإنترنت. لكن هذا أثار اهتمام الكثيرين بإمكانيات البيتكوين كبديل آمن ومشفر لتعاملاتهم المالية.

وتضررت أغلب العملات خلال وباء كورونا بسبب قيام الحكومات في جميع أنحاء العالم بإغراق الأسواق العالمية بالأموال استجابة لخطر الانهيار وتعزيز الإنفاق.

لكن زيادة المعروض من النقود يقوض قيمتها وتؤدي بالناس إلى البحث عن أصول مقاومة للتضخم، وفي هذا المناخ أصبحت بيتكوين وسيلة حماية ضد التضخم.

سبائك ذهب

البيتكوين تحل محل العملات التقليدية!

تتجاوز القيمة الإجمالية للبيتكوين المصدرة الآن قيمة الدولار الكندي المصدرة والتي تشمل الأوراق النقدية واحتياطيات البنك المركزي. لكن قلة من المتحولين الجدد للعملات المشفرة يعتقدون أن لديها فرصة لاستبدال أموال الحكومات.

وما يزال حلم المؤمنين الأوائل بالعملة الرقمية أن تكون فاعل كبير في المدفوعات المالية غير محتمل التحقق في القريب. حتى لو كانت بيتكوين قادرة على معالجة أقل من 10 معاملات في الثانية.

ويمكن شراء وبيع بيتكوين مقابل العملات التقليدية في عدة بورصات، ويمكن أيضًا نقلها عبر الإنترنت من مستخدم إلى آخر رقميًا.

كل هذا يجعل بيتكوين عملة جذابة محتملة لتسوية المعاملات الدولية، دون الجدال المرتبط بالرسوم والأسعار. كما يمكن استخدامها في الدفع مقابل بعض خدمات الإنترنت مثل استضافة مواقع الويب.

اقرأ أيضًا.. تحذيرات وقائية من جرائم الأطفال الجنسية عبر النت

لكن تعقيد النظام وغموضه يعني أيضًا أنه يجذب أولئك الذين لديهم أغراض شائنة إلى العملة المشفرة.

على سبيل المثال تجذب بيتكوين عمليات غسيل الأموال أو دفع ثمن المخدرات. لكن معظم الناس سيحجمون عنها لو استمر البرنامج المطلوب لاستخدامها معقدًا للغاية.

إذا تم حل هذه المشكلات، فإن الحكومات ستضغط بسرعة على أي تقنية تهدد سيادتها النقدية. لقد أجبرت تلك الضغوط بالفعل عملة فيسبوك الرقمية “الميزان” على تقليص طموحها المبكر في المنافسة. كما تحتدم المنافسة مع قيام البنوك المركزية بتحسين أنظمة المدفوعات وإطلاق عملات رقمية خاصة بها.

بيتكوين

الاستثمار في البيتكوين وآثاره على الاقتصاد العالمي

مثل إعلان شركة “باي بال” السماح باستخدام بيتكوين وغيرها من العملات المشفرة في عمليات البيع والشراء على موقعها دفعة هائلة لهذا القطاع.

ومع بداية عام 2021 سيتمكن مشتركي الشركة من التعامل مع أكثر من 26 مليون متجر في العالم تتعامل على شبكة “باي بال”.

كما استثمرت شركة “رافر” البريطانية للخدمات المالية حوالي 745 مليون دولار في بيتكوين منذ نوفمبر الماضي فقط، حسب صحيفة “فاينانشيال تايمز”.

لكن تصميم مؤسس بيتكوين لها بحيث يكون الحد الأقصى لتعدينها 21 مليون وحدة فقط يتم الوصول إليها خلال 119 سنة وهو أمر لا يمكن تغييره. كما أن إغلاق مبتكر العملة عليها وتجاوز المعروض منها بالفعل 18.5 مليون، ستكون قدرتها على استيعاب جزء من التجارة العالمية أمر محل شك كبير.

حلم الطبقة الوسطى والفقراء بالثراء السريع

يغري الصعود الكبير للعملة الطبقة الوسطى والفقراء بحلم الثراء السريع عبر دخول مغامرة تكوين محافظ إلكترونية والادخار في العملة المشفرة.

تكالب المشترين عليها كان أحد أسباب صعود سعرها، مع انخفاض المعروض منها بسبب تصميمها الفريد والذي يجعل من “تعدين” وحدات جديدة منها أكثر صعوبة.

وتتحكم نسبة 2.8% من محافظ العملة في 95% من إجمالي وحداتها المصدرة. بعض تلك الحسابات لم تستخدم أي عملة بيتكوين على مدار نصف العقد الماضي، ولم يتم تحريك أكثر من 63% من المعروض في 2020.

ومع ذلك، سيكون من الخطأ استبعاد أن تحقق العملة طفرة في نهاية المطاف، مع قمع النشاط الإجرامي، وعدم المبالغة في إخفاء هوية المستخدمين، يمكن أن يمنحها جاذبية واسعة.

تم بيع البيتكوين في الأصل على وعد بقلب النظام النقدي العالمي، يتوقف نجاحها الآن على إيجاد دور أكثر تواضعًا داخل الاقتصاد العالمي.

كتبت- أسماء فتحي