لم يكن اسم المخرج الراحل أسامة فوزي عابرًا على استحياء في تاريخ السينما المصرية، بل كان مؤثرًا لا يخشى الصدام. ورغم عدد الأعمال المحدود الذي قدمه على الشاشة، صنع هذا المتميز اسمًا نافس كبار مخرجي جيله والأجيال السابقة، ولم تتوقف مسيرته التي امتدت لـ 57 عامًا، راحلاً في 8 يناير 2019، إلا تاركًا رؤية مختلفة تمزج بين الواقع بالخيال ولا تخشى الصدام.
“عفاريت الأسفلت”.. رحلة أسامة فوزي إلى الواقع المرير
أربعة أفلام أخرجها أسامة فوزي كان كادرها الأساسي الشارع المصري بتفاصيله التي تجعلك دائمًا في حالة تأكد بأنك سترى حكاية من بيوت مصرية عتيقة شاهدتها من قبل بنفسك أو سمعت عنها يومًا ما. بينما كان محمود حميدة بطل 3 من هذه الأعمال، مثلت البدايات المثيرة في مسيرة أسامة فوزي.
كانت أول مشاركة لمحمود حميدة في أعمال أسامة فوزي بفيلم “عفريت الأسفلت”، الذي طرح بالسينمات عام 1996. شارك في بطولة هذا العمل سلوى خطاب ولطفي لبيب وجميل راتب. وهو عمل من تأليف صديق الدرب مصطفى فكري.
الفيلم في أجزاء كثيرة منه نموذجًا لواقع خشن يقدم البشر كما هم، بينما الجزء المحوري في هذا العمل يدور حول عائلة سائق الميكروباص سيد، ووالده عبدالله، وجده العجوز المريض علي، وأمه تفيدة، وشقيقته التي تأخر زواجها انشراح. وذلك كله في حكاية تدخلك إلى مسكن هذا المصري، لترى واقع هذه الأسرة وأحلام أفرادها المكبوتة.
جنة الشياطين التي دخلها أسامة فوزي
بعد ذلك بـ 3 سنوات، اقتحم أسامة فوزي وعي جمهوره مجددًا بـ”جنة الشياطين”، المأخوذ عن رواية “ميتتان لرجل واحد” للروائي البرازيلي جورجي أمادو.
هنا، يروي أسامة فوزي حكاية مختلفة تمامًا، بطلها جثة “طبل” الرجل الذي عاش حياة بوهيمية في الحانات مع عدد من فتيات الليل والمقامرين. بينما يكتشف أصدقاؤه ذات ليلة أنه مات وهو جالس بينهم. فتذهب رفيقته لأخبار أهله، فيكتشفون أن صديقهم الصعلوك كان من بيت عريق ويعمل موظفًا كبيرًا فيما مضى. وقد هجر أهله وبيته ليعيش حياته البوهيمية لمدة عشر سنوات. تعد ابنته لجنازة تليق بمقامه ويذهب أصدقاؤه لإلقاء نظرة الوداع عليه قبل مراسم الدفن. وحينها يختلون به ويقررون سرقة جثمانه ليودعوه على طريقتهم الخاصة.
من قمة الواقعية في “عفاريت الأسفلت” إلى قمة الخيال في “جنة الشياطين” صنع أسامة فوزي قصته الجديدة المثيرة للجدل مع جمهوره في عمل حصد محمود حميدة عنه جائزة أفضل ممثل.
أسامة فوزي.. يطرق الأبواب المغلقة
في 2004، قدم أسامة فوزي للجمهور المصري فيلم “بحب السيما”. وهو العمل الذي فتح عليه بابًا كبيرًا للانتقاد والاتهام بالإساءة للديانة المسيحية. ذلك لما تطرق إليه من أمور إيمانية وأسئلة مشروعة حول علاقة الإنسان بربه. لا تتوقف فقط عن شخصيات العمل مسيحية الديانة، وإنما قد تعصف بحياة غيرهم من أصحاب الديانات الأخرى.
“هل لو مفيش جنة ولا نار كنت خفت؟!”.. “أنا معرفكش وكل اللي بتكلموا عنك ميعرفوكش”.. “كلنا بتفق في حاجة بس إننا بنتكلم عنك ومنعرفكش”.. “أنا بعترف وبصوم وبصلي لكن مبحبكش.. أنا دايمًا خايف منك.. نفسي أحبك”.
كانت الثيمة الرئيسية في “بحب السيما” تلك الأسئلة التي رآها صناع العمل مشروعة وأبرزها أسامة فوزي في مشاهد حملت تساؤلات عن علاقة الإنسان بربه. وكيف من المفترض أن تحكمها المحبة لا الخوف.
بالألوان الطبيعية.. معركة جديدة لأسامة فوزي
بعد 5 سنوات من “بحب السيما”، واجه أسامة فوزي جمهوره بعمل آخر يفتح به بابًا مغلقًا جديدًا حول علاقة الفن بالدين.
قدم أسامة فوزي في “بالألوان الطبيعية” حكاية طالب ثانوية عامة تتنازعه عدة صراعات، بين أن يصبح فنانًا ليشبع ويثري موهبته، وبين إرضاء أمه، الأرملة التي ترفض وتحمله أمر تحويل مصيره من طبيب تفخر به أمام الجيران إلى طالب بكلية الفنون الجميلة، يمارس فنًا يحكم عليه المجتمع بمعايير التحريم والتحليل الدينية.
إخفاقات الحصول على التمويل
يرى الفنان أسامة أبو العطا، الذي عمل مع أسامة فوزي مساعد مخرج في فيلم “بالألوان الطبيعية”، أن الراحل مخرج مرموق وأحد المواهب الاستثنائية في تاريخ السينما المصرية. فقد كان خير من مثل جيله منفردًا، وجاء امتدادًا للمخرجين الكبار في السينما المصرية.
ويوضح أبو العطا، لـ”مصر 360″، أن أسامة فوزي إلى جوار كونه مخرج هو بالأساس منتج تشرب هذا الفن من والده المنتج الكبير جرجس فوزي وشقيقه المنتج والمخرج هاني جرجس فوزي. ولقد أنتج أسامة أول أفلام المخرج شريف عرفة “الأقزام قادمون”. ثم كان مشروعه الأول إخراجًا وإنتاجًا “عفاريت الأسفلت “. فمشروعه التالي “جنة الشياطين” من إنتاج الفنان محمود حميدة. وهو نمط إنتاجي نستطيع أن نطلق عليه أن به ريادة لما سمي لاحقًا بـ”السينما المستقلة”، كا يقول أبو العطا.
يضيف أبو العطا أنه في السنوات الأخيرة تغيرت كل أنماط الإنتاج والعمل السينمائي في مصر، ما جعل أسامة فوزي وهو المخرج الاستثنائي المرموق، لا يجد تمويلاً لمشروعه مع الأديب وكاتب السيناريو مصطفى ذكري “أسود وردي”. وهو أمر محزن جدًا، كما يشير أبو العطا.
مع أزمة التمويل التي واجهها مشروعه “أسود وردي” كان على أسامة فوزي مواجهة صدمة جديدة، كما يقول أسامة أبو العطا. إذ حاول المخرج الراحل الحصول على تمويل من مهرجانات مصرية كالقاهرة والجونة. لكنه لم يحصل على ما تمنى. وهو أمر غير مفهوم، كما يوضح أبو العطا، الذي يتساءل: كيف لمخرج مثل أسامة وكاتب سيناريو مثل مصطفى ذكري ألا يحصلان على دعم لمشروع بـ”أسود وردي”؟
لم يحصل أسامة فوزي أيضًا على دعم مالي خارجي لإنتاج أعماله. وهو ما يفسره الباحث السينمائي محمد حسين. فيقول إن الدعم المالي الخارجي الذي يصل إلى الأفلام المصرية يكون عن طريق المنصات العالمية والمصرية التي تتولى إنتاج الأفلام أو تدعم المشروعات الفنية في بدايتها. أما التمويل الخارجي فيأتي للأعمال السينمائية إما عن طريق جوائز مهرجانات أو تقدريات مادية لتلك المشروعات. وهو ما لم يحدث مع أعمال أسامة فوزي.
خريطة الإنتاج السينمائي ومتطلباتها
ويضيف محمد حسين، لـ”مصر 360″، أن أسامه فوزي هو منتج وابن عائلة من المنتجين المعرفوين. وساعده ذلك في إنتاج أفلامه الأولى. لكن مع تغير متطلبات السوق لم يحالفه الحظ. ويرجع حسين أزمة أسامة فوزي مع شركات الإنتاج إلى مشاكله مع الرقابة المتعنتة ضد أفكاره. وفشله في التوجه للمنصات بأن الأفلام التي أخرجها لم تحقق إيرادات على المستوى القريب. وبالتالي لم يكن المنتجون ليتحمسوا لها.
بمحاولة استيضاح خريطة الإنتاج السينمائي ومتطلباتها، أوضح الباحث السينمائي محمد حسين أنه لا توجد قواعد أو معايير يتم حساب السوق على أساسها. فالفيلم من الممكن أن تتم المراهنة عليه بأنه سيحظى بإيرادات هائلة. لكنه لا يحصل على هذه الإيرادات وفقًا للظروف التي تم عرض الفيلم بها. على سبيل المثال لا الحصر، كان قد عُرض فيلم “الغسالة” في موسم عيد الأضحى الماضي محققًا لإيرادات وصلت إلى 15 مليون جنيه. وذلك لطرحه بدور العرض منفردًا. لكن لو كان تم عرضه في ظروف ملائمة بعيدًا عن الكورونا مصحابًا لأفلام أخرى ما كان ليحقق هذه الإيرادات.
ويشير حسين أنه لا يمكن الاعتماد على الجمهور كمعيار لعمليات الإنتاج أو مُديرًا لها. فأذواق الجمهور تحكمها العاطفة والظروف المحيطة وعامل الملل من تقديم فنان لدور محدد دون الخروج عنه. ذلك كما حدث مع محمد سعد ومحمد رمضان. وهذا على عكس ما يحدث في هولييود التي تختار الفئة التي يتم طرح العمل لها والموعد المناسب التي ستجني بعده الإيرادات. إلى جانب غير ذلك من العوامل التي تسهل عليها عملية الإنتاج. وهذا على عكس ما لدينا في مصر.