تظهر مخصصات مواجهة جائحة كورونا الفكر الاقتصادي للحكومة في منح القطاع الخاص والشركات الأولوية في الدعم. بما يضمن استمرار النمو والتشغيل. بعدما استأثر هذا القطاع وحده بنسبة 53% من إجمالي الإنفاق الحكومي. وذلك منذ ظهور وباء كورونا بمصر في مارس 2020.

كشفت بيانات لـصندوق النقد الدولي أن الحكومة أنفقت ما يزيد على 58 مليارًا لمساندة الشركات والقطاع الصناعي والخاص حتى أكتوبر الماضي. في مقابل 14 مليار جنيه على الرعاية الصحية، و37 مليارًا لمساندة اﻷسر. وقد خصصت وزارة المالية 100 مليار جنيه لتمويل خطة مواجهة تداعيات كورونا وتخفيف العبء عن المواطنين. ومع بداية الموجة الثانية تم الإعلان عن حزمة جديدة من المساندة المالية لمجابهة الآثار السلبية الجائحة دون تحديد المبالغ المخصصة لها.

وأطلقت وزارة المالية أخيرًا مبادرة “السداد النقدي الفوري” لمبالغ الدعم المتأخرة لدى صندوق تنمية الصادرات. وتتضمن السداد الفوري مقابل تنازل الشركات المصدرة عن 15% من مستحقاتها نظير السداد الفوري للمبلغ.

ووفرت “المالية”  20 مليار جنيه ضمن مبادرة “السداد الفوري” إلى الآن استفادت منها مئات الشركات. إلى جانب مبادرات أخري للمصدرين بقيمة 8 مليارات جنيه، تتعلق بإسقاط ضرائب وغرامات.

حصل قطاع الشركات الصناعية على النصيب الأكبر من الإنفاق الحكومي بقيمة 17 مليار جنيه. ذلك وسط وعود من وزارة المالية بأن تشهد المرحلة المقبلة دورًا أكبر للقطاع الخاص في عملية التنمية، باعتباره قاطرة النمو الاقتصادي.

دعم مستمر للقطاع الصناعي

وقد ساندت الحكومة القطاع الصناعي بإعفاء المصانع المتعثرة التابعة للقطاع الخاص أو القطاع العام أو قطاع الأعمال من نحو 5.3 مليار جنيه. وهذه القيمة تمثل مديونيات غرامة الحد الأدنى للكميات. وأيضًا غرامة تجاوز الكميات التعاقدية، ومديونية فوائد التأخير، الخاصة بعقود توريد الغاز الطبيعي لهذه الجهات.

وفي بيان أمس الأحد، أكد وزير المالية محمد معيط أن الحكومة مهتمة بفتح آفاق تنموية جديدة تُسهم في تعزيز مشاركة القطاع الخاص بالمشروعات الكبرى غير المسبوقة. بما يُساعد في توفير فرص عمل جديدة، على نحو يؤدى لدفع عجلة الاقتصاد القومي، ورفع معدلات النمو.

وقال مصدر بوزارة المالية، لـ “مصر ٣٦٠”، إن الحكومة مهتمة بالقطاع الخاص على اعتبار أن استمرار نشاطه يعني مواصلة الإنتاج وتغطية حاجة السوق المحلية. وهو ما يساهم في رفع نسبة التشغيل والتوظيف، ورفع أرباح الشركات. ما يعني زيادة إيرادات الضرائب التي تعتبر المورد الأساسي لإيرادات الموازنة.

لكن الحكومة تؤكد في الوقت ذاته أنها بادرت باتخاذ إجراءات فورية لدعم القطاع الطبي، ليرتفع إلى 14.4 مليار جنيه إجمالي المبالغ الإضافية المتاحة لدعم القطاع الصحي بالدولة في مختلف مساراته على مستوى الجمهورية منذ بدء جائحة كورونا وحتى الآن.

بمقارنة بيانات صندوق النقد ومصدرها وزارة المالية حتى أكتوبر الماضي، وبيانات الوزارة ذاتها الصادرة مطلع يناير الحالي، يتضح أن وزارة المالية ضحت ٤٠٠ مليون جنيه إضافية خلال شهري نوفمبر وديسمبر الماضيين. وهما الشهران اللذان سجلا ارتفاعًا كبيرا في أعداد الإصابة بكورونا.

موازنة مفتوحة

قال معيط، في مؤتمر صحفي أخيرًا، إن هناك تكليف رئاسي بتوفير موازنة مفتوحة للقطاع الصحي؛ بما يُمكنه من أداء دوره بفاعلية في مواجهة الموجة الثانية من كورونا، وتوفير الرعاية الطبية اللازمة للمواطنين.

واكتفي الوزير بالتأكيد على أنه تمت الموافقة على التعاقد على 20 مليون جرعة من مصل لقاح فايزر. فضلاً عن حجز 30 مليون جرعة من لقاح “أوكسفورد – أسترازينيكا”. وذلك بصرف النظر عن التكلفة. فيما اعتبر أن المبالغ اللازمة متوفرة بالفعل. لكنه لم يحدد ما إذا كانت ضمن مبادرة الـ 100 مليار جنيه أم لا.

البنك الدولي أكد في دراسة سابقة على وجود تحديات ضخمة أمام القطاع الصحي في مصر، أهمها انخفاض معدلات الإنفاق الحكومي على الصحة. وقال إن مصر تسجل أحد أدنى معدلات الإنفاق الحكومي بين بلدان  منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هذا الشأن. حيث يتم إنفاق 5.6% فقط من إجمالي الموازنة الحكومية على الصحة.

كشفت الدراسة أيضًا أن الأسر المصنفة في الفئات الأقل دخلاً تنفق 21% من دخلها على الصحة، مقارنة بالفئات الأعلى دخلاً التي تنفق 13.5%.

أشارت الدراسة أيضًا إلى أن معظم العاملين في قطاع الرعاية الصحية يتقاضون أجورًا منخفضة. بينما تدفعهم الرغبة في تحسين الأداء للنزوح للخارج أو القطاع الخاص. وبحسب التقديرات، فإنه من بين 200 ألف طبيب المسجلين في مصر يعمل حوالي نصف العدد في الخارج. ومنهم 30 ألف طبيب يعملون في القطاع الخاص، فيما يعمل 70 ألف في القطاع العام.

برتوكول التعاون مع البنوك لسد حاجة القطاع الطبي

ودخلت الحكومة في بروتوكول تعاون مع عدد من البنوك بينها الأهلي ومصر. وذلك لدعم متطلبات القطاع الصحي خلال مواجهة كورونا بمبلغ 60 مليون جنيه. وتستهدف هذه القيمة شراء عدد من أجهزة الأشعة المقطعية لصالح المستشفيات المخصصة لاستقبال الحالات المصابة والمشتبه في إصابتها بكورونا.

كما وفرت وزارة التعاون الدولي عبر برنامج “الشراكات الدولية لتحقيق التنمية المستدامة” حوالي 477 مليون دولار أمريكي لصالح قطاع الصحة ليحتل المرتبة المرتبة السادسة ضمن القطاعات المستفيدة من البرنامج.

وبالنسبة للتقسيمات الداخلية لنفقات الرعاية الصحية، وجهت الحكومة أقل من أربعة مليارات جنيه لمختلف النفقات المتعلقة بالعمالة والتوظيف بالقطاع الطبي، بينها ٢,٦ مليار جنيه لرفع بدل التعرض لخطر العدوى لأعضاء المهن الطبية بنسبة ٧٥٪، ورفع مكافأة أطباء الامتياز بالمستشفيات الجامعية.

لكن النصيب الأكبر في الإنفاق على القطاع من نصيب المعدات والسلع بالإضافة للنفقات التشغيلية إجمالا، مع ارتفاع نسبة الإشغال في الرعاية المركزة، وحجم الاستيراد من المواد الفعالة لصناعة الأدوية.

الفقراء الجدد في الدراسات

خلال الفترة الماضية، رفعت الحكومة كفاءة مستشفيات وزارة الصحة. حيث تم تجهيز 364 مستشفى، تتضمن 35 ألف سرير، بينها 5 آلاف أسرة رعاية. مدعومة بـ2400 جهاز تنفس صناعي. ما يمثل 11% و4% و2% على التوالي، مقارنة بما كان متاحًا في الموجة الأولى.

وبالنسبة للنفقات الموجهة لمساندة الأسر، استحوذ الإنفاق الموجه للمساهمات في صناديق المعاشات على 27.6 مليار جنيه تقريبًا، من ضمن 37 مليارًا لمساندة اﻷسر. بينما بلغ إجمالي المبالغ الموجهة لدعم العمال غير المنتظمة 1.3 مليار جنيه.

وضمت وزارة التضامن 411 ألف أسرة جديدة لبرنامجي الدعم النقدي كرامة وتكافل في 2020. ليبلغ إجمالي عدد المستفيدين من البرنامجين 3.413 مليون أسرة، بما يشمل 15 مليون فرد.

وتشير الدراسات الدولية إلى تشكيل طبقة جديدة من الفقراء الجدد في بلدان تكابد معدلات فقر مرتفعة بالفعل. فضلاً عن تأثر البلدان متوسطة الدخل بشدة. ويتوقع أن يكون ما يقرب من نصف الفقراء الجدد (23 مليونًا) من سكان منطقة أفريقيا جنوب الصحراء. بالإضافة إلى 16 مليونًا آخرين في جنوب آسيا. كما يتوقع أن يضاف إلى أعداد الفقراء المدقعين 17 مليونًا آخرين في البلدان الأشد فقرًا. وهي المؤهلة للاقتراض من المؤسسة الدولية للتنمية التابعة للبنك الدولي.