موجة غضب كبيرة من مستخدمي تطبيق واتساب للمحادثات، تزامنا مع التحديثات التي أجرتها الشركة المطورة، وذلك بسبب اتهامات بانتهاك الخصوصية، مما دفع عدد من المستخدمين للانتقال إلى تطبيقات بديلة مثل سيجنال وتليجرام.

وتحت عنوان “حماية الخصوصية” بدأ عدد من مستخدمي تطبيق واتساب البحث عن تطبيقات مماثلة تتيح لهم نفس مميزات واتساب، لكن في الوقت ذاته تمنحهم مزيدا من الأمان في الخصوصية وعدم استخدام بياناتهم من أجل تحقيق مكاسب مالية وتجارية للشركة المالكة.

رحلة واتساب في عامين

في عام 2018، أعلن مؤسسي واتساب (برايان أكتون، وجان كوم) استقالتهم من شركة فيسبوك، إذ كانا يشغلان منصب إداري لتطبيق واتساب ضمن مجموعة فيسبوك.

في أعقاب الاستقالة، كشف برايان وجان أن أسباب استقالتهم على خلفية ضغط فيسبوك للاستفادة من بيانات مستخدمين واتساب في توسيع إمبراطورتيه الإعلانية، ولم يستطيع الثنائي كبح جماح وطموحات فيسبوك الجارية لذا عمدا إلى الاستقالة للتأكيد على رفضهم القاطع لأي محاولة لاستغلال بيانات المستخدمين.

اقرأ أيضًا: “ديمقراطية الوهم”.. سياسات “فيسبوك” تدعم التطرف وتقمع حرية الرأي

جرت الأيام وجاء يوم 4 يناير الشهر الجاري، إذ أعلن تطبيق واتساب تحديث سياسة الخصوصية بالنسبة لمستخدميه، تتيح السياسة الجديدة مشاركة المزيد من البيانات مع “فيسبوك” المالكة للتطبيق، إذ تمكن السياسة الجديدة للخصوصية الحصول على رقم الهاتف وصورة البروفايل، والخصائص التي يستخدمها على شاكلة مدة المكالمات الهاتفية وكذا نوعها فيديو أم محادثات صوتية وما إذا كان يتبادل الصور ومقاطع الفيديو، فضلا عن المجموعات التي ينضم إليها، وبيانات الجهاز المستخدم لعرض آخر التحديثات أول بأول.

واتساب تدعو المستخدمين لتحديث التطبيق بعد قرصنته من شركة مقرها في إسرائيل

الغريب أن واتساب هدد أنه في حال تم رفض التحديث الجديد في سياسة الخصوصية سيمنع المستخدمين من استعمال حساباتهم على “واتساب” اعتباراً من الثامن من فبراير 2021. وهو الأمر الذي زاد من شكوك المستخدمين في الدافع وراء رغبة مالكي التطبيق في الحصول على كافة المعلومات.

السبب وراء سعي واتساب إلى تحديث سياسة الأمان هو تحقيق مزيد من الأرباح من خلال تحليل بيانات المستخدمين ودعم توجيه إعلانات محددة إلى شاشات هواتفهم.

بدا واضحا أن واتساب وفيسبوك وانستجرام، أصبح هوسهم الأول هو كيفية تحويل المستخدمين إلى بضاعة يتم بيعها إلى أصحاب الشركات والمستثمرين من أجل الاستفادة منهم ماليا دون وضع الجانب الخاص بالخصوصية في الحسبان وهو ما زاد من تخوفات المستخدمين من طبيعة عمل المنصات الثلاث.

مناورة للموافقة دون علم

كاد الأمر يمر مرور الكرام، والسبب أن العديد من المستخدمين يوافقون على التحديثات دون النظر إلى فحواها، لأن يعض الشركات تتعمد أن تستخدم مصطلحات تكنولوجية وقانونية يصعب فهمها لغير المتخصصين، فضلا عن عرضهم لسياسة الخصوصية في عدد من الصفحات وهو ما يثير ملل وضجر المستخدم مما يدفعه للعزوف عن قراءة السياسة الجديدة والموافقة عليها دون إطلاع.

بالتأكيد الأمر بالغ الخطورة إذ تلتف شركة واتساب حول بيان الخصوصية وزعمها أنه لن يتم فك شفرات المحادثات بين الأشخاص والاكتفاء بمعرفة المعلومات التي من شأنها أن تساعد الشركة في ترشيح الإعلانات وتقديم المعلومات للمستثمرين بغرض تحديد جمهورهم المستهدف، إلا أن الأمر لا يخلو من شبهة انتهاك الخصوصية بشكل فج.

تاريخ طويل من الانتقادات

الحديث عن الأمان والخصوصية بدأ مع إعلان فيسبوك شراء واتساب لتبدأ التساؤلات حول أسباب سعي عملاق التواصل الاجتماعي إلى امتلاك تطبيق محادثات على الرغم من امتلاكه تطبيق ماسنجر الذي يقدم نفس الميزات والخدمات، إلا أن الشركة في ذلك الوقت خرجت لتأكد أنه لا مساس ببيانات المستخدمين، والإبقاء على تشفير المحادثات.

لم تكن موجة الانتقادات التي تواجه واتساب هي الأولى من نوعها، إذ وجهت أصابع الاتهام من قبل تجاه تطبيق المحادثات على خلفية وجود ثغرات أمنية من الممكن أن تسمح بالتجسس على المستخدمين ومحادثاتهم الاطلاع على كل ما يدور داخل المحادثات سواء الشخصية أو الجماعية.

وشملت حملة الانتقادات عدم اهتمام واتساب بتشفير النسخ الاحتياطية من المحادثات خلال عملية التحديث التي تتم بين فترة آخري، إذ يتيح واتساب تشفير المحادثات بين الطرفين إلا أنه لا يهتم بتشفير النسخ الاحتياطية والتي من الممكن اختراقها والاطلاع على كافة المحادثات والصور ومقاطع الفيديو.

الغريب في الأمر أنه في عام 2014 لجأت شركة فيسبوك إلى مؤسسي تطبيق سيجنال من أجل تشفير المحادثات والحفاظ على خصوصية التواصل بين المستخدمين.

اقرأ أيضًا: الاحتيال الإلكتروني.. كيف نقع فرائسًا سهلة بفخ لصوص “الهندسة الاجتماعية”؟

إيلون ماسك يغير الوجهة

تلقف إيلون ماسك، أغنى رجل في العالم، ومؤسس تسلا، السياسة الجديدة التي تفرضها الشركة المالكة لتطبيق واتساب، معربا عن استيائه منها.

وعلى الفور غرد ماسك عبر موقع “تويتر” بجملة من كلمتين فقط “استخدم سيجنال”، ليحول وجهة الآلاف من مستخدمي واتساب إلى تطبيق جديد لم يحظى بشهرة واسعة إلا أن التفات أغنى رجل العالم دفع متابعيه للبحث عن التطبيق وتحميله على أجهزتهم.

وبالفعل سجل تطبيق سيجنال للمحادثات البديل الجديد للواتساب أكبر عملية تحميل من على “أبل ستور”، و”جوجل بلاي” خلال الساعات القليلة الماضية.

ماذا نعرف عن تطبيق سيجنال؟ 

تطبيق سيجنال هو واتساب في حلة جديدة، إذ يقدم ذات الخدمة بدء من المراسلة الكتابية والصوتية وتبادل الصور ومقاطع الفيديو بشكل مجاني، وما يميز التطبيق هو سياسة الخصوصية المؤمنة بشكل كامل إذ يعتمد على تقنية التشفير الكامل للرسائل بين مستخدميه.

تطبيق سيجنال تأسس على مجموعة من النشطاء المهتمين بالخصوصية لذا عمدوا إلى تأسيس التطبيق عام 2013، وأخذ خلال تلك السنوات في تحقيق الشعبية اللازمة لانتشاره.

منذ بداية تأسيسه، مثل تطبيق سيجنال ملاذا آمنا لمستخدمين يعملون في مجالات محفوفة بالمخاطر وملاحقون أمنيا مثل الصحفيين والهاكرز، وخلال الساعات الماضية تحولت وجهة مستخدمي واتساب إلى سيجنال بحثا عن الخصوصية اللازمة لمراسلة عائلاتهم وأصدقائهم دون أن يكون هناك متلصص يبحث عن ما يستفيد منه خلال محادثاتهم.

  

ماذا عن تليجرام؟

يعد تطبيق تليجرام للمحادثات أحد التطبيقات المنافسة لـ”واتساب”، ويعود تأسيس تليجرام إلى عام 2013 على يد الأخوين الروس “نيكولاي وبافيل دروف”، ونجحا الأخوان في إطلاق برنامج تيليجرام وتحقيق نجاحات سنة تلو الإخرى، حيث يضمن التطبيق مساحة من الامان والخصوصية لمستخدميه البالغ عددهم نحو 400 مليوم مستخدم حول العالم.

ويضم تليجرام كافة مميزات الواتساب وسيجنال، إذ يضمن إجراء محادثات نصية آمنة، وتبادل الصور ومقاطع الفيديو، وفور إعلان واتساب عن سياسته الجديدة، عمد موقع تطبيق تليجرام إلى نشر مقطع فيديو ساخر لرقصة الموت الشهيرة ووصعا بدلا من النعش صورة لـ”واتساب” في إشارة إلى وفاة التطبيق اكلينيكا على خلفية سياسته الجديدة.

يقول الخبير التقني محمد عادل، إن فيسبوك هو الشركة المالكة لتطبيق واتساب حيث اشتراها في 2014 بـ 19 مليار دولار، على أن تكون خدمة منفصلة لها شروط استخدام وسياسات خصوصية.

ما يميز واتساب عن فيسبوك أن شروط الاستخدام لدى فيسبوك تبيح كافة بيانات المستخدمين من رسائل وتدوينات وصور وفيديوهات تصبح بالتبعية ملك فيسبوك ومن حقه أن يستخدمها كما يحلو له، أما واتساب شروط استخدامه كانت مختلفة تماما وهي أنه مشفر تشفير طرفي End-to-End Encryption، وهو يعني أن واتساب لا يستطيع قراءة الرسائل أو تخزينها على سيرفرات إلا في حالة انها لم تصل للطرف الثاني، ويعمل واتساب على تخزينها لمدة 30 يوم ومن ثم يتم حذفها.

لماذا ما حدث من واتساب يعد خطرا على الخصوصية والأمان؟

يقول عادل: “بعد أن تم شراء واتساب من قبل فيسبوك، حافظ واتساب على بيانات مستخدميه ولم يسمح لـ”فيسبوك” باستغلاله، إلا أن التحديث الجديد يسمح بتخزين البيانات واستغلالها في أنشطة تجارية وإعلانية”.

الخصوصية في عالم الأون لاين

مفهوم الخصوصية في عالم الأون لاين يختلف تماما، فلا يمكن أن تشعر بالأمان الحقيقي في أي تطبيق تراسل يقدم خدماته مجانا، إلا أن القائمين على التطبيق مؤمنين بالخصوصية وضرورة توافر عنصر الأمان في التواصل بين المستخدمين.

هل عنصر الخصوصية والأمان في سيجنال أكثر من نظيره واتساب، يقول الخبير التقني: “مفهوم الخصوصية نسبي بحت في عالم الأونلاين.. عندما تكون الخدمة مجانية بشكل كامل عليك أن تتحسس سلاحك، وتطرح تساؤلا حول اسباب ودوافع أن تكون خدمة مجانية بشكل كامل؟ وما هو وجه الاستفادة من مقدمي الخدمة؟ جميعها تساؤلات مشروعة، إلا أن ما يميز واتساب عن سيجنال، أن الأول خلفه شركة تتربح من الإعلانات إذ تعتمد فيسبوك في أرباحها على نسبة تتجاوز الـ 96% .

أما سيجنال يختلف جزئيا لأن مطوره مؤمن بفكرة الخصوصية ولا يتسهدف التربح من وراءه، إذ يعتمد على مستثمرين مؤمنين بالخصوصية في المقام الأول على شاكلة برايان مؤسس واتساب الذي يدعم تطبيق سيجنال بنحو 50 مليون دولار، كما أن سيجنال لا يطلب منك أية معلومات سوى رقم هاتفك واسمك.