بعد حوالي 67 عامًا منذ تأسيس شركة الحديد والصلب المصرية (IRON) –إحدى شركات وزارة قطاع الأعمال العام- ‏قررت الجمعية العامة غير العادية، الإثنين، تصفية أنهت حكاية صرح صناعي كبير، لم يلق الحماية الكافية لمنعه من الانهيار.

قرار التصفية لم يكن الوحيد الذي فاجأتنا به الجمعية. إذ رافقه قرار آخر محوري، بالموافقة على تقسيم الشركة إلى شركتين. على أن تكون الأولى الحديد والصلب التي تمت تصفيتها بالفعل. بينما الثانية شركة المناجم والمحاجر. وهي التي تنتظر أن يدخل القطاع الخاص شريكًا فيها لتشغيلها خلال المرحلة المقبلة.

وزير قطاع الأعمال العام، هشام توفيق، قال إن قرار تصفية مصنع حلوان، وفصل نشاط المناجم في شركة مستقلة جاء بعدما تراكمت خسائر الشركة السنوية. وكان خالد الفقي، عضو مجلس إدارة الشركة القابضة للصناعات المعدنية، أكد أن هذا القرار نهائي لا رجعة فيه. ما انتهت معه حكاية كبيرة بدأ حلمها في ثلاثينيات القرن الماضي، تخللتها محطات عثرة عدة حتى سطر النهاية لهذا التاريخ الطويل. 

الأفران العالية.. حلم الحديد والصلب

حلم إنشاء شركة الحديد والصلب في مصر بدأ عام 1932. إلا أنه لم ير النور سوى عقب توليد الكهرباء من خزان أسوان.

ففي العام 1945، وبالتحديد في الرابع عشر من يونيو هذا العام، أصدر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر مرسومًا بتأسيس شركة الحديد والصلب في منطقة التبين بحلوان. كان هذا بمثابة الإعلان عن أول مجمع متكامل لإنتاج الصلب في العالم العربي. وكان رأس المال حينها 21 مليون جنيه.

أطلق المشروع كشركة مساهمة مصرية. فكانت قيمة السهم جنيهين مصريين، يضاف إليهما خمسون مليمًا مصاريف إصدار. على أن تسدد قيمة السهم على قسطين. أولهما جنيه واحد وخمسون مليمًا (خمسة قروش)، يسدد في الفترة من 21 نوفمبر إلى 20 ديسمبر 1955. بينما القسط الثاني قيمته الجنيه الثاني ويسدد في الفترة من 20 أبريل إلى 5 مايو 1956.

في التوقيت نفسه، تم تشغيل ميناء الدخيلة لتوريد الفحم اللازم لتشغيل أفران المصنع. وكذلك خط سكك حديدية من الميناء تصل إلى حلوان. وخط سكك حديدية آخر لتوصيل خام الحديد من الواحات إلى حلوان.

في نوفمبر من العام 1957 بدأت الأفران الكهربائية الخاصة بصهر الحديد في العمل. وفي 27 يوليو 1958 افتتح عبد الناصر الشركة الوليدة لتبدأ الإنتاج في نفس العام. ذلك باستخدام فرنين عاليين صُنعا بألمانيا. وقد تمت زيادة السعة الإنتاجية للمجمع باستخدام فرن عالٍ ثالث صناعة روسية عام 1973. لحقه الفرن الرابع بغرض زيادة إنتاج الشركة من الصلب عام 1979. 

سيناريوهات تطوير غابت عن حلم الحديد والصلب

وفق بيانات الشركة بـالبورصة المصرية، يتشكل هيكل ملكية الشركة من: الشركة القابضة للصناعات المعدنية بنسبة (82.4812%) – بنك مصر بنسبة (4.9992%) – مصر للألومنيوم بنسبة (1.8146%) – النصر للتعدين بنسبة (0.9944%) – وثائق استثمار صندوق مؤشر إي جي إكس 30 بنسبة (0.001%).

على مدرا سنوات، طرحت إدارة الشركة والشركة القابضة المعدنية، العديد من سيناريوهات تطوير الشركة. لكنها اصطدمت بعقبة جعلت التنفيذ غير ممكن.

أبرز المحطات كانت في نوفمبر 2017، حين طرحت الشركة مناقصة للتطوير تتضمن رفع طاقة المصنع الإنتاجية إلى 1.2 مليون طن سنويا. وكذلك إنشاء مصنع حديد تسليح جديد لاستغلال الخردة. لكن هذه المناقصة ألغيت في عهد الوزير السابق خالد بدوي، عام 2018. ثم تم اكتشاف اختلاف في تقدير قيمة وحجم الخردة بالمصنع، أحيل آجلاً إلى جهات التحقيق.

بعد ذلك، اتجهت الشركة لدراسة تعظيم استغلال الخام المستخرج من المناجم الأربعة التي تمتلكها. وذلك من خلال التعاقد مع شركة أوكرانية لتنقية خام الحديد من الشوائب. لكن هذا المقترح أيضًا توقف.

في يناير 2019، دعت شركة الحديد والصلب، الشركات العالمية لتقديم عروض لتأهيل وتطوير وإدارة خطوط إنتاجها. مع ضخ استثمارات مناسبة، من خلال اتفاقية مشاركة إيراد تمتد لمدة عشرين عامًا. مع ضامن ألا يقل حجم الإنتاج من البليت عن 1.2 مليون طن سنويًا. وأيضًا أن تتم الإدارة بالكامل من خلال الشريك المستهدف. وكذلك تعظيم استغلال موارد الشركة ومناجمها وعمالتها بشكل مناسب، وأن يلتزم الشريك بسداد حد أدنى من الإيراد المقبول سنويًا.

لكن في مايو من العام نفسه، أعلنت الشركة رفض العرض الوحيد الذي تلقته من شركة ميت بروم الروسية “بإجماع الآراء”. لأنه غير مناسب لتطوير شركة الحديد والصلب وغير مطابق مع دعوة الشراكة. 

خسائر متواصلة

أوضاع عدة تعرضت لها الشركة طيلة السنوات الماضية، تسببت في تعرضها لخسائر مضاعفة سنويًا. ما دفع البعض إلى التشكيك في قدرة الشركة على مواصلة العمل.

كان ذلك لعدة أسباب، أهمها عدم القدرة على سداد الالتزامات والمتطلبات المالية. وهو ما يظهر جليًا في تراكم المديونيات للموردين الرئيسيين للشركة، البالغة نحو 5.4 مليار جنيه العام الحالي، مقابل 4.5 مليار جنيه العام السابق، لصالح كل من شركة الغاز بقيمة 3.5 مليار جنيه، وشركة الكهرباء 1.2 مليار جنيه، وشركة الكوك 462 مليون جنيه، وسكك حديد مصر 126 مليون جنيه.

في الربع الأول من العام المالي الحالي، تراجعت خسائر شركة الحديد والصلب المصرية بنسبة 25.3%، بحسب تقرير لمجلس إدارة الشركة أرسلته للبورصة في 24 نوفمبر الماضي. وبلغ صافي الخسائر بعد الضريبة في الربع الأول 274.4 مليون جنيه مقابل 367.8 مليون جنيه خلال نفس الفترة العام المالي الماضي.

إلا أن إيرادات الشركة سجلت أيضًا تراجعًا في الربع الأول من هذا العام لتصل إلى 237.7 مليون جنيه مقابل 280.3 مليون جنيه في نفس الفترة العام المالي الماضي.

هذا التراجع في الإيرادات أرجعته الشركة إلى تحرير أسعار الصرف للجنيه مقابل العملات الأجنبية والذي أدى إلى زيادة وتضاعف أسعار المستلزمات وأهمها فحم الكوك، وزيادة أسعار الطاقة من غاز وكهرباء.

إخفاق العام المالي 2019/2020

خسائر الشركة ليست وليدة اللحظة، ففي العام المالي الماضي 2019/2020، تراجعت خسائر شركة الحديد والصلب، بعد الضريبة بنسبة 58% خلال 2019-2020. لتصل إلى 982.8 مليون جنيه، مقارنة بصافي خسائر 1.53 مليار جنيه خلال العام المالي الأسبق. مع الأخذ في الاعتبار حقوق الأقلية من المساهمين.

كما انخفضت مبيعات الشركة خلال العام المالي الماضي بنسبة 87%. لتصل إلى 924.8 مليار جنيه بنهاية يونيو. وذلك مقابل إجمالي إيرادات 1.24 مليار جنيه خلال العام المالي السابق له.

وانخفض أيضًا مجمل الخسارة خلال نفس الفترة إلى 1.165 مليار جنيه، مقابل مجمل خسارة 1.443.568 مليار جنيه بالفترة المماثلة.

اقرأ أيضًا: “الحديد والصلب”.. صورة مصر وقاعدتها الفولاذية التي انهارت

في أكتوبر 2020، رصد الجهاز المركزي للمحاسبات مديونيات شركة الحديد والصلب خلال العام المالي الماضي. وقد تراجعت بنحو 13% مقارنة بالعام المالي السابق.

ووفقًا لـتقرير الجهاز المركزي للمحاسبات، المرسل للبورصة، تراكمت المديونيات للموردين الرئيسين للشركة. ووصلت إلى نحو 6 مليارات جنيه في نهاية يونيو الماضي. وذلك مقابل 5.3 مليار جنيه في يونيو 2019.

وقد أظهر التقرير أن المديونية كانت في نهاية يونيو 2018، نحو 4.5 مليار جنيه. وشملت هذه المديونية: 4 مليارات جنيه لشركة بتروتريد – نحو 1.5 مليار جنيه لشركة الكهرباء – قرابة 241 مليون جنيه بشركة الكوك – 165 مليون جنيه لمرفق مياه القاهرة – 116 مليون جنيه لسكك حديد مصر.

كما أشار التقرير إلى عدم قدرة الشركة على سداد الالتزامات والمتطلبات المالية. وأوضح أن التعثر المالي للشركة مداه في عدم قدرة الشركة على سداد مرتبات العاملين، والتي تسددها الشركة القابضة.

ووفقًا للتقرير، بلغ إجمالي ما حصلت عليه الشركة من الشركة القابضة للصناعات المعدنية نحو 417 مليون جنيه. ذلك كله لغرض سداد مرتبات ومنحة العاملين عن نوفمبر 2019 وأغسطس 2020. وذلك نظرًا للعجز الشديد في السيولة النقدية.

تقييمات الأراضي لتسوية المديونيات

تمتلك شركة الحديد والصلب أصولاً ضخمة غير مستغلة. من هذه الأصول أراضٍ ضخمة تصل إلى 790 فدانًا بحوزة الشركة بمنطقة التبين. وكذلك 654 فدانًا بالواحات البحرية. إضافة إلى 54 فدانًا مشتراة من الشركة القومية للأسمنت منذ عام 1979.

كما تمتلك الشركة أيضًا قطعة أرض بمساحة 45 ألف متر مربع بأسوان. وهي عن تسوية لنزاعها مع شركة الصناعات الكيماوية “كيما”. بالإضافة إلى كميات ضخمة من الخردة تصل إلى 600 ألف طن. فضلاً عن جبل التراب الذي يحتوي على خردة تقدر بـ700 ألف طن. وهي التي قدّرها وزير قطاع الأعمال في سبتمبر من العام الماضي بنحو 5 مليارات جنيه (310 ملايين دولار).

في سبيل تسوية أزمة المديونيات، وافقت شركة الحديد والصلب على تقييمات بعض الأراضي المملوكة لها. ذلك بناءً على برتوكولات تسوية مديونيات بين الشركة والقابضة للصناعات المعدنية وبنك مصر وشركة بتروتريد (إيجاس).

وقالت الشركة إنه تم تقييم قطع الأراضي المملوكة للشركة ومساحتها 270 فدانًا، والواقعة بالتبين – حلوان، وقطع أخرى مساحتها نحو 325 فدانًا، والكائنة داخل أسوار الشركة بنحو 1.23 مليار جنيه، وذلك مقابل تسوية جزء كبير من المديونيات.

مزايدة لبيع أصناف خردة

سُبل أخرى لجأت إليها إدارة الشركة لحل أزمتها. إذ قررت طرح مزايدة عامة في 23 ديسمبر الماضي -بالمظاريف مغلقة- لبيع أصناف خردة.

وأوضحت الشركة، في بيان للبورصة المصرية، أن أصناف الخردة هي جرارات سكة حديد خردة، وسيارات وهياكل سيارات خردة. إلى جانب معدات خردة (لوادر- قلابات – كلاركات – أوناش – غيرها). فضلاً عن أصناف خردة مختلفة وراكد من قطاع المخازن (مبارد مختلفة المقاسات). 

تسوية نزاعات بنك مصر

في منتصف يونيو الماضي، انتهت شركة الحديد والصلب من كافة النزاعات مع بنك مصر. وذلك بعد توقيع عقد بيع ابتدائي لنقل ملكية قطعة أرض مملوكة للشركة إلى الشركة القابضة للصناعات المعدنية. وكان ذلك في مقابل الأسهم التي تنازلت عنها الأخيرة لبنك مصر، والبالغة قيمتها 375 مليون جنيه.

أسفر ذلك عن رد المخصص الخاص بقضية بنك مصر بمبلغ 325 مليون جنيه. وهو مبلغ مخفض للخسائر المتوقعة في 30 يونيو الجاري.

وفي ديسمبر 2019، وافق مجلس إدارة الحديد والصلب المصرية على عمل ملحق لبروتوكول التعاون المشترك مع بنك مصر لتسوية المديونية الواقعة على الشركة.

وقالت الشركة في يونيو 2020، إنه تم الانتهاء من تسوية 50% من البروتوكول الخاص بنقل 73.3 مليون سهم إلى البنك. ذلك بما يعادل 375 مليون جنيه. ولفتت إلى أنه يتبقى الجزء الخاص بنقل أصول عقارية إلى بنك مصر. وهو ما يعادل مبلغ 375 مليون جنيه.

وفي فبراير 2020، وافق مجلس إدارة الحديد والصلب على بيع قطعة أرض مملوكة لها بحوض الجلخ لبنك مصر لتسوية مديونيتها لديه.

وفي يناير من العام الماضي، وافقت القابضة للصناعات المعدنية على نقل 73.32 مليون سهم من أسهم شركة الحديد والصلب -المساهم الرئيسي- لتسوية مديونية بنك مصر.

وكانت الشركة أعلنت في نوفمبر 2018، عن توقيعها بروتوكولاً مع بنك مصر بشأن تسوية مديونية الشركة لدى البنك. وقيمتها 59.56 مليون دولار، بخلاف الفائدة المستحقة بواقع 5% من تاريخ الاستحقاق.

كتب – محمودالسنهوري: