بعد توتر استمر لأكثر من ثلاث سنوات، إثر قرار دول تحالف الرباعي العربي قطع علاقاتها مع قطر، إثر اتهامها الدوحة بـ«تمويل الإرهاب، ودعم إيران، والعمل على زعزعة الشؤون الداخلية لجيرانها»، جاءت المصالحة ووقع أطراف الأزمة بيان «العلا»، والذي لم يأت في بنوده ذكر المصالحة أو القطيعة التي بدأت في يونيو 2017.

بيان «العلا» الذي وُقع الثلاثاء 5 يناير الجاري، لم يتطرق أيضا إلى الشروط الـ13 التي دعت دول الرباعي العربي قطر إلى إعلان موقف واضح منها قبل 3 سنوات، ومنها تخفيض مستوى العلاقات الدبلوماسية والعسكرية والاستخبارتية مع إيران، ووقف أى تعاون عسكرى مع تركيا، وقطع العلاقات مع جميع التنظيمات الإرهابية والطائفية والأيديولوجية وعلى رأسها جماعات «الإخوان المسلمين، وداعش، والقاعدة، وجبهة النصرة، وحزب الله»، وقبول قطر لقوائم المنظمات الإرهابية للدول الأربع، وإغلاق «الجزيرة» وتوابعها.

ما الذي جرى ودفع دول الرباعي العربي (السعودية والإمارات والبحرين ومصر) إلى قبول المصالحة وعودة العلاقات مع جارتهم اللدود، المتهمة دائما بإثارة القلاقل، ودعم وتمويل التنظيمات المعارضة لدول المنطقة، رغم عدم تنفيذها لأي شرط من شروط «شقيقاتها»؟

في مقابلة مع قناة «i24news» الإسرائيلية اعتبر إيلي كوهين وزير استخبارات دولة الاحتلال أن المصالحة الخليجية مهمة لاستقرار الشرق الأوسط، وأنها تشكل أرضية مهمة لتطوير العلاقات بين تل أبيب والدوحة.

وأكد أن الخطوة المهمة التي قادتها الولايات المتحدة ستفتح الباب أمام عودة قطر إلى محور الدول المعتدلة، «قطر ستتجه عقب تلك الخطوة أكثر نحو الغرب.. في السنوات الأخيرة، لاحظنا أن قطر تسعى للعب في ملعبين مع الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها من دول الاعتدال، وأيضا مع إيران.. لا شك أن هناك عناصر إرهابية، كانت تحظي برعاية قطر.. هذه الخطوة بالتأكيد يمكن أن تشكل أرضية مهمة لتطوير العلاقات بين قطر واسرائيل».

اقرأ أيضًا: محمد سعد عبد الحفيظ يكتب: الحبس الاحتياطي.. ثقب مصر الأسود

وزير الاستخبارات الإسرائيلي بعث برسالة إلى الرئيس الأمريكي المنتخب، جو بايدن يحذره فيها من الخطر الإيراني الذي يتمدد في المنطقة على حد تعبيره، «إيران الراعي الأول للإرهاب في العالم، تحول أموال إلى حماس والجهاد وحزب الله وعناصر أخرى، لذلك إن أردنا الحفاظ على الاستقرار الإقليمي، والتقدم بمزيد من اتفاقيات السلام، من المهم أن تستمر السياسة الأمريكية الحالية ضد إيران».

رسالة وزير الاستخبارات الإسرئيلي تدلل على أن المصالحة الخليجية مع قطر جاءت في إطار استكمال بناء الحلف الإسرائيلي الذي عملت إدارة الرئيس الأمريكي ترامب على تدشينه بفرضها اتفاقيات تطبيع بين دول بالمنطقة وإسرائيل خلال العام المنصرم، وضم الدوحة إلى هذا الحلف يساعد على إحكام حصار إيران قبل أيام من رحيل إدارة ترامب.

إذن الضغوط الأمريكية ودفع إسرائيل لحلفائها الجدد في المنطقة لإنهاء القطيعة مع قطر هدفه الأول هو تطويق إيران، وهو ما أشار إليه بيان «العلا» حيث دعا إلى أن «تعالج أى مفاوضات دولية مقبلة سلوك إيران فى المنطقة، وبرنامج صواريخها بما فى ذلك صواريخها الباليستية وطائراتها المسيرة، وبرنامجها النووى فى سلة واحدة، من جانب، وإلى اشتراك دول مجلس التعاون فى هذه المفاوضات، من جانب آخر».

ضغطت الإدارة الأمريكية بكل ثقلها خلال الشهور القليلة الماضية لتقريب وجهات النظر بين طرفي الخلاف والتحضير لأرضية مشتركة، وتصاعدت الضغوط عقب فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن بانتخابات الرئاسة الأمريكية، وهو ما أدى إلى تغير لهجة السعودية وانفتاحها على حل الأزمة قبل مدة، فالرياض لا تتوقع أن تكون علاقتها مع الإدارة الأمريكية الجديدة كما كانت مع حليفها ترامب.

اقرأ أيضًا: «كلام الليل» ووعود «الحوار الوطنى»

ويرى مراقبون أن من مصلحة السعودية طي صفحة الخلاف مع قطر، للظهور أمام الإدارة الأمريكية المقبلة كفاعل مسؤول يعمل من أجل السلام، فضلا عن أن موقف إدراة بايدن من إيران لن يكون بالطبع كموقف سلفه، وبالتالي قررت الرياض حسم الملف وإقناع باقي إعضاء التحالف الرباعي بإنهاء الأزمة.

وسائل إعلام أمريكية تحدثت خلال الأسبوع الماضي عن أن إدارة ترامب أردات عبر هذه المصالحة تشديد الخناق على إيران وعزلها أكثر عن محيطها الإقليمي والدولي، بحكم العلاقات التي تربطها مع الدوحة، وتجفيف الموارد المالية التي توفرها لها هذه العلاقات من قبل الطيران القطري، الذي توجه نحو أجوائها إثر القطيعة مع جارته السعودية.

المصالحة الخليجية من وجهة إدارة ترامب، تسمح بتعزيز الجبهة المناهضة لإيران في الخليج، وتفتح أجواء السعودية أمام الطيران القطري، ما سيحرم طهران من عوائد رسوم عبور الطائرات القطرية التي تقدر بنحو 100 مليون دولار، وفقا لما نقلته صحيفة «نيويورك تايمز».

الصحيفة الأمريكية أشارت إلى أن تلك الأموال «تغذي الاقتصاد الإيراني المنهك»، ونقلت عن مسؤولين أمريكيين، أن «تلك الرسوم تسمح لإيران بسهولة بتمويل البرامج العسكرية التي تعتبرها إدارة ترامب تهديدا».

قبل اقتحام أنصار ترامب لمقر الكونجرس يوم الأربعاء الماضي، تحدثت دوائر سياسية عن جهود (إسرائيلية – سعودية) لجر الإدارة الأمريكية إلى تنفيذ عملية عسكرية ضد إيران، بهدف إحباط أي إمكانية لإحياء الاتفاق النووي الإيراني من جديد في فترة الرئيس المنتخب جو بايدن.

عزز من ذلك الاتجاه نشر الجيش الأمريكي قاذفات «B-52» في الشرق الأوسط، والتي مرت فوق الأجواء الإسرائيلية، في رسالة تحذير شديدة اللهجة إلي إيران.

ووفقا لوسائل إعلام أمريكية، جرت خلال الشهر الماضي اجتماعات بين مسؤولين عسكريين إسرائيليين وسعوديين في مدينة نيوم شمال غرب المملكة، للترتيب للعملية المحتملة، وهو ما دفع طهران إلى تحذير بايدن من شن هجوم ضدها، وأبلغته أنها لا تريد أن تنجر إلى صدام مع الولايات المتحدة.

وأشارت تلك المصادر إلى أن وزارة الدفاع الأمريكية منزعجة تماما من محاولات إقحام الولايات المتحدة في حرب، وأنها لا تريد إشعال المنطقة. كما جاء اقتحام «الكابيتول» الأخيرة ليجهض أي محاولة من جانب إدارة ترامب لشن هجوم على إيران، فمؤسسات الحكم الأمريكية توافقت على التصدي لأي محاولة لتوريطها في حرب جديدة قبل نهاية حكم الرئيس الحالي.

إنهاء الأزمة مع قطر بهدف تدشين حلف متماسك ضد الخطر الإيراني المحتمل، بدأ الترتيب له في واشنطن وتل أبيب منذ فترة، وصدر القرار بإقناع دول الرباعي العربي بقبول الحل الأمريكي دون النظر إلى شروط مسبقة، وحمل جاريد كوشنر، مستشار الرئيس الأميريكي، على عاتقه تسوية القضية قبيل رحيل صهره عن البيت الأبيض، وأجرى جولة في المنطقة الشهر الماضي، ضغط فيها على كل الأطراف كي ينهي الصفقة التي ستعود بعض منافعها عليه هو شخصيا وعلى عائلته.

صحيفة «هآرتس» العبرية، كشفت في تقرير لها نشر في مطلع ديسمبر الماضي عن الهدف الخفي لزيارة كوشنر للمنطقة، والتي انتهت بإعلان دولة الكويت عن «اختراق في حل النزاع بين دول التحالف الرباعي وقطر»، وفقا للمحلل الإسرئيلي تسفي برئيل.

«هآرتس» لفتت النظر إلى أن «كوشنر على علاقة وثيقة بولي العهد السعودي محمد بن سلمان، واعتاد على أن يجري معه محادثات ليلية، ويتبادل معه رسائل واتساب، لكنه أيضا مدين بالشكر لقطر على المساعدة التي قدمتها قبل نحو سنتين، لشركة الاستثمارات خاصته قبل الانتخابات الرئاسية».

وتابع برئيل في تحليله: «تورطت عائلة كوشنر في مدفوعات على برج في نيويورك، واستعانت بصفقة تأجير وقعت عليها مع شركة استثمارات ضخمة في روكفيلد، والتي يمتلك فيها صندوق الاستثمارات القطري نحو 9% منها».

ورجحت «هآرتس» أن جولة كوشنر لم تستهدف فقط الدفع قدما بتطبيع السعودية وإسرائيل وحل النزاع الخليجي، بل أيضا تمهيد الأرضية المالية له ولعائلة ترامب قبل مغادرته للبيت الأبيض، فالرئيس الأمريكي «يرغب في استثمار علاقاته السياسية مع دول الخليج، من أجل الحصول على عقود استثمار في العقارات بمئات ملايين الدولارات»، واعتبرت الصحيفة أن «الحفاظ على علاقات تجارية مع رئيس أمريكي، وعد بأنه لا ينوي الانسحاب من الساحة السياسية، عملية مطلوبة».

اقرأ أيضًا: مصالحة قطر والسعودية.. الثابت والمتحول في الأزمة الخليجية

ورغم أن مصر كانت قد أبدت العديد من التحفظات على إنهاء الخلاف مع قطر إلا أنه يبدو أنها تعرضت لضغوط أمريكية انتهت بحضور وزير الخارجية المصري سامح شكري قمة العلا، «مصر مازالت تضع قطع الدوحة دعمها لزعماء الإخوان بالخارج شرطا لاستئناف العلاقات مع قطر»، هذا ما نقلته مصادر رسمية مصرية لوكالة رويترز للأنباء قبل قمة العلا بأيام.

وتحدثت مصادر أخرى عن غضب مصري مكتوم إثر قطع السعودية شوطاً نحو المصالحة التامة مع قطر دون الأخذ في الاعتبار المطالبات المصرية، وأشارت إلى أن إرسال ممثل لمصر في القمة الخليجية كان أمراً مشكوكاً فيه حتى ساعة مبكرة من صباح الثلاثاء، لكن الضغوط السعودية والأمريكية تمخضت عن مشاركة وزير الخارجية ليشهد توقيع الاتفاق.

ووفقا لمصدر قريب من دوائر صنع القرار فإن القاهرة تلقت تصريحات ترامب الذي اتهم فيها مصر باستخدام المساعدات الأمريكية لشراء معدات عسكرية روسية، على أنها رسالة تحذير موجهة إلى القاهرة التي خالفت التوجهات الأمريكية في عدد من الملفات، منها إنهاء الأزمة مع قطر، حيث وضعت القاهرة شروطا ترى الإدارة الأمريكية أنه من الصعب تحقيقها قبل رحيلها.

وجاءت تصريحات ترامب ضمن انتقاده للكونجرس، عقب تصديقه على المساعدات الخاصة بفيروس كورونا، «أعضاء الكونجرس لم يقرأوا حتى مضمون المشروع الذي يتضمن 85.5 مليون دولار لمساعدة كمبوديا، و134 مليوناً لميانمار، و1.3 مليار لمصر، حيث تشتري الأخيرة معدات عسكرية روسية بشكل شبه حصري»، مهدداً بعدم التوقيع على مشروع قانون بقيمة 892 ملياراً لمساعدة الشعب الأميريكي من تداعيات الجائحة، ودعا إلى ضرورة تعديله.

وتحصل مصر على معونات أميريكية بقيمة 2.1 مليار دولار، مقدمة من الوكالة الأميريكية للتنمية الدولية، منذ أن وقت اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل عام 1979، وتنقسم المعونة إلى 815 مليوناً معونة اقتصادية، و1.3 مليار عسكرية.

تلقت مصر الإشارة الأمريكية، وقبلت بطي صفحة الخلاف مع قطر كبادرة حسن نية مع إدراة ترامب التي يبدو أن تحركات القاهرة في ملفي المصالحة مع قطر وتطبيع بعض دول المنطقة مع إسرائيل أغضبها، حضر وزير الخارجية المصري قمة العلا وشهد توقيع اتفاق المصالحة، ولم يصدر عن مصر أي تحفظ على عدم استجابة قطر للشروط المصرية التي كررتها في مناسبات مختلفة.

كما أنه في ذات اليوم الذي صدر فيه إعلان «العلا» استقبلت مصر وزير المالية القطري علي شريف العمادي على متن الخطوط الجوية لبلاده، وشارك في افتتاح فندق سانت ريجنس الذي تموله الدوحة في القاهرة بحضور وزير المالية المصري محمد معيط والخزانة الأمريكي ستيفن منوشين، فيما اكتفت قطر بالموافقة على تجميد الدعاوى القضائية التي رفعتها ضد دول الحصار، سواء الدعاوى المرفوعة في منظمة التجارة العالمية، أو حتى في مؤسسات أخرى.

الخلاصة، أن قبول تحالف الرباعي العربي للمصالحة مع قطر، تم هندسته وفق تصور أمريكي إسرائيلي لمواجهة إيران، حسم هذا الثالوث (واشنطن، وتل أبيب، وطهران) ملف التوتر الذي استمر أكثر من ثلاث سنوات، وستثبت الأيام المقبلة مدى قدرة اتفاق العلا على الصمود والاستمرار.