وفقًا لإيلين هوفمان باروخ فإن أفلاطون دافع عن المساواة الكاملة بين الجنسين في المجالين السياسي والجنسي، داعيًا إلى أن يُصبحن أعضاء في أعلى درجات المجالين.
وفي القرن الرابع عشر كانت الكاتبة الإيطالية-الفرنسية كريستين دي بيزان، مؤلفة كتاب مدينة السيدات وEpître au Dieu d’Amour (رسالة إلى إله الحب) تكتب عن حقوق النساء ما جعل سيمون دي بوفوار تستشهد بها كأول امرأة لشجب كراهية النساء والكتابة عن العلاقة بين الجنسين والمساواة.
اقرأ أيضًا.. “الطلاق الشفوي”.. خلافات تتجدد وآمال بانتصار السيدات
عند البحث عن الحركات النسوية والمدافعين عن حقوق النساء والمواساة سنجد التاريخ مليء بمئات وربما آلاف النماذج، وحين نتحدث عن الحقوق يأتي الحق الجنسي حقًا أصيلًا وليس إضافيًا.
الحديث عن الجنس والمساواة
حملت مجتمعاتنا العربية صفات طرحتها أسفل مظلة الخجل والحياء، ومن ثم باتت مناقشاتها انتزاعًا لأخلاقيات يعدها العرب والشرقيون أخلاقًا وجوبية، إذ أن المرأة التي بلا حياء بالضرورة امرأة منتقصة الأخلاق، ويتجاور تجاهل الحديث عن الجنس والمساواة مع الحياء كمرادف له، فلا يليق بالفتاة المهذبة التطرق لهذه الموضوعات.
وبالتالي نحن النساء مطلوب منا تجاهل الحديث عن الجنس، ومشكلات الثقافة الجنسية، والمساواة والتزام الصمت حتى يتم صكنا بشيم الحياء، ونلقى القبول الاجتماعي، بما يتضمنه من احترام وتقدير، فكيف إذن نناقش قضية هي من أوائل الأمور التي تشغل العقل الجمعي، دون أن نتحدث عنها؟؟
في جلسات ضمت عددًا من النساء مختلفي الأيدلوجيا والثقافة لم نستقر على إيجاد تعريف محدد للتحرش من المعارف والمقربين، والتحرش هنا ليس هو الانتهاك الجسدي.
فعند الحديث عن جسد المرأة تنطلق في وجوهنا مشكلات عديدة ومصطلحات يتم إطلاقها وفق صدارات شبكات التواصل الاجتماعي، وتتغير المسميات لتبدو أكثر عمقًا وجدية، وبعيدًا عن المسمى فلا يمكن غض البصر عن كون النساء يتعرضن لمشكلات عديدة اعتمادًا على الجندر، وعلى أجسادهن.
اقرأ أيضًا.. “مشرط الاستسهال”.. حكايات الإجبار على الولادة القيصرية
التحرش في غياب المساواة؟ وما هي حدوده وأشكاله؟
المؤكد أن المرأة هي الشخص الوحيد القادر على وصم الطرف الآخر بالتحرش أو لا، لكننا قبل أن ننساق لهذه القضية، بما قد يعتبره البعض تبريرًا للتحرش، أو يوافق على ما أطرحه، فالأمور كلها تقديرية وتخضع للسياق، وبذلك فإن أول خسائرنا في هذه المعركة ألا تكون هناك معايير واضحة، واستقرار نسبي حول المفهوم والتداعيات.
حرية الجسد
الحقيقة رغم كل الدعاوى المشمولة لحرية الجسد فإن نساءنا لسن أحرارًا، ولا أعني بحرية الجسد هنا حرية ممارسة العلاقات الحميمية، ولكني أذهب لما هو أبسط من ذلك بكثير، فأعني حرية المرأة في اختياراتها بما يخص جسدها من حيث الملبس.
ذات يوم كنت أقف في أحد الأسواق، حين مرّ سائق “توك توك” ناظرًا بشكل مقزز لامرأة تجاورني، لاحظ البائع نظرات السائق فنهره، فكان رد السائق على البائع “ما إحنا تعبانين يا عم”.
أتحدث عن امرأة في سوق الخضار، تشتري طلبات بيتها، ومن ثم يمكن تخيل مظهرها، فلماذا تم غرس هذه الأفكار في عقول غالبية الذكور الشرقيين أن أي امرأة مستباحة ما دام هو يعاني رغبات جنسية؟ وكأن دور أي امرأة أن تُلبي احتياج أي رجل، دون حتى أن توافق أو تُشارك في الاختيار!
ثمة أفكار وتصورات زئبقية تتحرك في العقل الجمعي، تفيد باستباحة المرأة، هذه الاستباحة المدعومة بعشرات التصرفات، على سبيل المثال حين يقرر أحدهم أن يلمس جسد امرأة ف الشارع، فإن هي اعترضت على ذلك فإن عشرات يقفوا ضد اعتراضها، وهو ما لاحظناه في الكثير من قضايا التحرش في الشارع، وكيف يتخذ الكثير من المارة رجالًا ونساءً مواقفًا مع المتحرش وضد المجني عليها، رادين الموقف عليها كهجمة مرتدة متهمين إياها بسوء الأخلاق، أو واضعين ملاحظاتهم حول مظهرها وملبسها، فهل يحق للآخرين إبداء آراءهم في ملبس امرأة؟
لا تمتلك النساء في بلادنا الحق في جسدها وملبسها، وبعيدًا عن فكرة الذوق والأناقة، فإن حرية الملبس للنساء تخضع للطبقة الاجتماعية التي تنتمي لها وللنفوذ الذي تتمتع به، وهو ما يلغي فكرة المساواة في الحقوق ليس فقط بين الرجل والمرأة ولكنه أيضًا بين المرأة والمرأة.
ومن ثم لا يمكن أن ندعي أن هناك حرية للمرأة في اختيار ملبسها، أو التعامل مع جسدها.
اقرأ أيضًا.. التحرش الجنسي.. ظاهرة عالمية ترفض الانحسار
أزمة تحديد تعريفًا للتحرش
دون صوت عال أو تشدق بالقضايا الكبرى أو المسميات الإعلامية الصاخبة، أطرح سؤالًا بسيطًا لكنه كاشف لكثير من مشكلاتنا كنساء في المجتمعات العربية والشرقية، ما هو التحرش؟
المؤكد أنه فعل ترفضه المرأة، ولكن إذا كنا كنساء مستباحات، كيف سيُقبل منا أن نضع تعريفًا لما يؤذينا؟
أعتقد أن حرية الملبس أولوية، أن يحترم المجتمع اختيارات النساء كما تُحترم اختيارات الرجال، أن يكون للمرأة الحق أن تختار ملابسها وفق حريتها الشخصية وقناعاتها، وهنا لا أُناقش قواعد الذوق والإتيكيت -كود الملابس- فهي أمور لاحقة لأن تملك المرأة الحق المطلق في اختيار ما ترتدي، فأول مبرر يُطلقه المتحرش أو المدافعين عنه “شوف لابسة إزاي” وكأن المرأة عليها أن تجري استبيانًا مع الجماهير عما تلبسه قبل خروجها من البيت، وإلا سيتحول اختيارها إلى دليل إدانة نحوها بأنها تستحق ما يجري لها من إيذاء.
ربما نحن بحاجة إلى قانون واضح وصريح خاص بملابس النساء، فلا يحق لأحد إبداء رأيه، إلا إذا سمحت المرأة بذلك، فيمكن أن يُبدي الأصدقاء رأيهم عند طلب الرأي والمشورة، لكن المؤكد أنه ليس من حق المارة والغرباء إبداء ملاحظاتهم أو القيام بأفعال مترتبة على زي المرأة.
هل تخيل رجل أن تعترضه امرأة وتستبيح جسده لأنه يلبس ما لا يُعجبها؟ هل يقبل رجل أن تمتد إليه يد تعبث بجسده لأنه يرتدي ما يُثيرها؟
أعتقد أنه مفهومًا صعوبة إيجاد تعريفًا لمصطلح التحرش في نطاقات متعددة، في المواصلات والشارع وأماكن العمل وبين الأصدقاء والمعارف، ذلك أن النساء وإن لم يعين ذلك بوضوح فهن مقيدات في أبسط حقوقهن وهو اختيار ما تلبس.
تحتاج الكثيرات إلى الثقة بأجسادهن، ألا يتعرضن للتحرش أو التنمر بسبب السمنة أو النحافة أو الجمال والقبح، ربما إذا شعرت النساء بهذه الثقة استطعنا تعريف واضح وصريح لما يؤذيهن.