لِظُروف سياسية ومحلية، تأخَّر الحراك الشعبي في الجزائر عن ركب “الربيع العربي” بعشر سنوات تقريبًا، ففي الوقت الذي تحتفل فيه تونس بإتمام العقد الأول من الثورة على زين العابدين بن علي، انقضى عامين فقط من عمر الحراك الشعبي في الجزائر.

تونس والجزائر.. خصوصية وتشارك

لكن اللافت أن التباين الزّمني، إضافة إلى معطيات تتعلق بالخصوصية السياسية في الجزائر، يعطي فرصة لمقارنة عابرة ورصد لعوامل التشابه والاختلاف بين المسار الاحتجاجي في البلدين.

الثورة في البلدين كانت نتاج نفس الأسباب السياسية والاجتماعية والإخفاقات الاقتصادية، والفساد وجشع العائلات والمجموعات المالية، والتضييق على الحريات. كما أن النظامين اللذين تأسسا بعد الاستقلال في البلدين متشابهين.

لم تستوعب الدولة الوطنية ولم تمتلك القدرة على مسايرة التحولات الاجتماعية. لم تتفهّم توسّع طموحات الأجيال الجديدة إلى الحرية والمبادرة، لذلك يمكن فهم التماثل الكبير بين الشعارات والمطالب التي رفعت في كل من تونس والجزائر.

ثورة الجزائر

المهمشون في تونس

مع وجود تناسق في المسبّبات التي أدّت إلى ثورة الشارع، فإن الثورة في تونس بدأت من مناطق الفقر في الدّاخل، وقادها “المهمّشون”. كما يصفها الأستاذ في علم الاجتماع التونسي المولدي قسومي.

قسومي وصف الهزة التي عاشتها تونس خلال تلك الفترة بـ”الهامشية”. كما أن إحراق الشاب محمد البوعزيزي نفسه يعتبر أحد هؤلاء الهامشيون وهم “أكثر الناس معاناة من سياسة التوظيف الممنهجة من طرف السلطة آنذاك ضد المجتمع”.

كما قال قبل أن تتوسع بعد أيام إلى مناطق الساحل والمدن الحيوية بما فيها العاصمة تونس أي في فترة 28 يوم أي من 17 ديسمبر 2010 إلى 14 يناير 2011، وأخذ هذا التوسع فترة لكي يتحقق، بينها بدأ الحراك الشعبي من نقطة المركز الحيوي في العاصمة الجزائر ومن معلم تاريخي وهو البريد المركزي القريب من ساحة أودان والقريبة بدورها لقصر الرئاسة الجزائرية، وامتدّ في نفس اليوم إلى كافة الولايات، وأخذ فترة زمنية تجاوزت السّنة.

ثورة تونس

التغيير وتكسير حاجز الخوف

وبعيدًا عن لحظة الانفجار الثوري، أو ما يطلق عليها المهتمّون بالحركات الاحتجاجية أو”لحظة النَّفَس الثَّوري”، من المهم إجراء مقارنة كيف حدث الانتقال السياسي بعد ذلك؟

في تونس لم تسمح مُكوّنات الثّورة للنظام بأن يعيد ترتيب مرحلة الانتقال، لأن ذلك كان يعني بالنسبة له أن الثورة مجرد انتفاضة أو لحظة غضب وانتهت، يمكن معالجتها ببعض الإجراءات والتدابير. بينما كانت مكونات الثورة أكثر ضبطًا للشارع، وفرضت أجندة تغيير تضمّنت قرارات ثورية حاسمة تسمح بأحداث قطيعة تامة –نظريًا- مع النظام السابق، سواء على مستوى النص الدستوري أو على مستوى المؤسسات والعلاقات الوظيفية وتوزيع السلط.

اقرأ أيضًا.. حقوق المرأة في الجزائر: كثير من التمكين وكثير من العنف

لذلك رفضت المكونات الثورية إجراء انتخابات سريعة كما ينص عليها الدستور، وفضّلت أن تنتقل السلطة بسلاسة إلى رئيس البرلمان التونسي وقتها فؤاد لمبزعّ استنادًا إلى أحكام الدستور وشغور منصب رئيس الجمهورية، وتشكيل حكومة مستقلة، على أن يكون الهدف الرئيسي تنظيم انتخابات تأسيسية قبل نهاية 2011.

“لا للخامسة”

في الجزائر، لم يهرب الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة لكنّه استقال، وبالضبط في الثاني أبريل 2019 عقب أسابيع من الغضب الشّعبي وانتفاضة الشعب الجزائري ورفضهم لاستمراره في الحكم لعهدة رئاسية خامسة.

كما رفعت الشعارات في الشوارع: “لا للخامسة” أمام غيابه شّبه التام لمدّة سبع سنوات بسبب المرض، حيث غاب عن الساحة السياسية، وظهوره كان نادرًا.

ومثل الحالة التونسية تمّ تفعيل الدستور لنقل السلطة إلى رئيس مجلس الأمة، لكن السلطة بمكوّنها السياسي والعسكري فرضت خارطة طريق تتضمن نقطة واحدة وهي تنظيم انتخابات رئاسية لانتخاب رئيس جديد، دون أن يسبق ذلك أية تغييرات أو تدابير سياسية جديدة تتفق مع المطالب الشعبية التي كانت تدعو إلى انتقال ديمقراطي.

بوتفليقة

وبذلك نجحت السّلطة في الجزائر، في إغلاق قوس الحراك الشعبي باعتبار أن مركز الأزمة كان هو الرئيس من جهة. ومن جهة ثانية قطع الطريق على أي محاولة للذهاب إلى مسار تأسيسي انتخابي، يسمح بمراجعة شاملة للدستور.

تشابه الفَورَان الشّعبي

وفي كل الأحوال، يمكن إجراء تقييم أوّلي لمخرجات العشر سنوات الأولى من الثورة في تونس. بينما لا يمكن إعطاء نفس التّقييم لسنتين من الحراك الشعبي في الجزائر.

لكن، إذا وضعت الزّاوية الأبرز لتقييم أي ثورة شعبية في علاقة بأسبابها العميقة، والتي لا تحتاج إلى زمن طويل لمعالجتها، وهي مسألة الحريات والتعبير السياسي، نجد أن الثّورة في تونس حَسَمت ذلك سريعًا، وأطلقت الحريات على أوسع نطاق في عامها الأول.

وخلال عشر سنوات لم يتم منع صحف أو إغلاق مواقع أو قنوات، ولم تجر أي محاكمات ذات بعد سياسي أو في علاقة بالرأي وحرية التعبير.

بينما الحالة الجزائرية التي انتقلت بحسب التقارير الحقوقية المحلية والدولية إلى عكس اتجاه المطالب الرئيسية في الحراك، إذ لم تتوسع هوامش حرية التعبير والصحافة، وحجبت عدة مواقع إخبارية. كما مازالت البيئة الإعلامية تعيش هشاشة لافتة على صعيد التشريع والقوانين، والقنوات المحلية لم تتم معالجة وضعها القانوني حتى الآن. بالإضافة إلى استمرار قضايا معتقلي الرأي.

ويمكن رصد ظاهرة لافتة لازمت الثورة في تونس والحراك في الجزائر، وهي خروج مكونات الثورة والحراك من النسق الثوري والمطلبية السياسية إلى الصراع الإيديولوجي وحرب التموقع والتسرّع.

اقرأ أيضًا.. سيناريو افتراضي.. ماذا لو اختفى “الإخوان” من تونس؟

الصراع أخذ نفس الشكل والأطراف والقضايا تقريبًا في البلدين، حيث يبرز صراع بين الإسلاميين والديمقراطيين، وبين الحداثيين والمحافظين، وبين أنصار التغيير وأنصار النظام السابق، وبين حركية المركز والهامش، وهو صراع معطل في الغالب.

سياسيًا، قفز الحراك الجزائري على فرضية استمرار منظومة عمرت لعقدين من الزمن، وذلك ما عبّر عنه الرئيس الجزائري في أحد لِقاءاته الإعلامية. كما لفت إلى أن “الحراك المبارك، وضع حدًا لكوميديا وتهريج العهدة الخامسة، وأن هدفه حاليًا استرجاع ثقة الجزائريين بحكومتهم ومؤسساتهم”.

الرئيس تبّون قال إن خروج الشعب للشارع راجع إلى “بلوغ التسيب مداه في تسيير الدولة”. واعتبر الحريات أهم خطوات الإصلاحات على الصعيدين السياسي والاجتماعي، بقوله إنه “يكِنُّ احترامًا كبيرًا لمهنة الصحافة.

الشاب التونسي محمد البوعزيزي

الدستور بين القطيعة والإصلاحات

أما من حيث القوانين والنصوص، يرى المتخصص في القانون الدستوري من جامعة الجزائر إدريس بن عبداللاوي، أنه في الحالة التونسية، قطعت البلاد مع دستور سابق وصاغت دستورًا جديدًا، عبر مجلس وطني تأسيسي رأسه مصطفى بن جعفر. كما شكّل الدستور قطيعة تامة مع دولة دستور 1959، والذي تمت صياغته في إطار توافقي داخل هيئة تمثيلية منتخبة.

أما في الحالة الجزائرية، قال بن عبد اللاوي في تصريح لـ”مصر 360″ إن دستور الجزائر ما بعد الحراك، تمت صياغته من قبل لجنة تقنية معينة من قبل الرئيس تبون.

بن عبد اللاوي لفت إلى أنها “لجنة غير تمثيلية للأسرة السياسية”، وفي ظرف قصير تمت مختلف المشاورات حيال تصحيح الوثيقة الرسمية، بحيث أدخلت تعديلات طفيفة لم تكن بحجم مطالب الحراك وضرورات التغيير.