من أين يأتي من يحكمونا؟ وما هي توجهاتهم وبرامجهم ومواقفهم؟ محافظون أم ليبراليون أم اشتراكيون؟ هل هم أشرار كالأستاذ غسان مطر  أم طيبون كالأستاذ كمال أبورية ومحمود الجندي؟ أم فقط “أهل ثخبرة”؟

مع بداية انعقاد مجلس النواب الجديد هل يمكنك أن تتوقع أي شيء عن أداء هذا المجلس؟ أجندته.. برنامجه.. اهتمامات الأغلبية فيه.. أولوياته.. إلخ.

أسئلة من الصعب أن تجد إجابة عليها، ومن الأصعب أن تجد معايير لفهم هؤلاء أو توقعات لتصرفاتهم. أو أن تتوقع بقاءً أو رحيل ينزع منهم مناصبهم. وأكبر مثال على ذلك ما حدث مع علي عبدالعال رئيس البرلمان السابق. هذا الرجل لم يكن له أي تاريخ سياسي أو حتى سابقة بالعمل العام.

جاء الرجل ليرأس السلطة التشريعية في لحظة حرجة. ورحل فى ظل توقعات من الجميع باستمراره، ليس بسبب كفاءته. لكن بسبب قيامه بما تصورنا أنه المطلوب منه. وعلى عكس التوقعات رحل عبدالعال دون أي مقدمات تشير إلى هذا الرحيل إلى المجهول.

مصطفى مدبولي رئيس الوزراء الحالي لم تكن له أي سوابق سياسية؛ فهو وزير الإسكان السابق، الذي يمكن أن يطلق عليه الوزير التكنوقراط. والتكنوقراط تعني اختيار صانعي القرار على أساس خبرتهم في مجالٍ معينٍ. خاصةً فيما يتعلق بالمعرفة العلمية أو التقنية. وخبرة مصطفى مدبولي كلها في الهندسة المعمارية وتخطيط المدن. لكنه أصبح -فيما بعد- رئيسًا للوزراء دون أي خلفية سياسية أو سوابق في العمل السياسي. ما يتناقض بشكلٍ واضحٍ مع فكرة أن الممثلين المُنتَخبين يجب أن يكونوا صُنَّاع القرار الرئيسيين في الحكومة.

كانت من عيوب المرحلة الناصرية (فترة حكم الرئيس جمال عبدالناصر) هي تقديم أهل الثقة على أصحاب الخبرة في مواقع الحكم والإدارة. من هنا بدأ الحديث عن أهل الثقة في مواجهة أهل الخبرة. كما برزت هذه الثنائية فى مرحلة السادات ومبارك، ومرحلة ما بعد 25 يناير. أما الآن فأصبح الوضع أكثر تعقيدًا مع هلامية المشهد الذي يصر صانعه على بقاء تلك الحالة الضبابية في طريقة اختيار أهل الحكم.

تزداد المأساة فى ظل الحرص على غياب حياة حزبية حقيقة، واستبدالها بكيانات هلامية لا تملك أي رؤية واضحة أو برامج أو قواسم مشتركة كتلك التي تسمى “تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين”. هذا الكيان الذى أنشئ من عامين فقط، ويضم الآن 6 نواب محافظين -12 عضوًا بالشيوخ و31 عضوًا فى النواب- والذي لا يجد ما يعرف به نفسه إلا عبارة “نحن جيل جديد من الشباب السياسي جزء من نسيج المجتمع المصري يدرك مسؤولياته تجاه وطنه ويرغب في المضي قدمًا وترتيب الصفوف وعيًا بقضايا الوطن”.

إنهم أهل (الثخبرة)؛ تلك الخلطة التي تجمع أنصاف الموهوبين ممن يظن بهم أنهم يمتلكون المقدار الكافي من الثقة على قليل من الخبرة. هنا تثبت التجربة أننا أمام إنتاج تحوم حوله كثير من الأسئلة عن قيمة وفاعلية أشخاص يتم التخلص منهم سريعًا ليتم استبدالهم بآخرين قد يتم التخلص منهم سريعًا أيضًا؛ لأنهم “ثخبرة”.