تباينت الآراء حول اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم العمل الأهلي رقم 104 لسنة 2021، والذي أصدرها رئيس مجلس الوزراء، واعتبرها بعض الحقوقيين بداية لتأسيس علاقة متوازنة بين المجتمع المدني والدولة، مع تفادي العوار في قانون 70 لسنة 2017. بينما ينتظر آخرون التطبيق والتعامل الفعلي مع الجمعيات والتعرف على الأنشطة المقبولة من الدولة.
منظمات المجتمع المدني وتوفيق الأوضاع
في ما يتعلق بتوفيق الأوضاع، حدد القانون في لائحته التنفيذية، مهلة مدتها سنة من تاريخ العمل بها، بمخاطبة الوحدة أو الوحدات الفرعية المختصة الكيانات التي لم تقم بتوفيق أوضاعها، وعمل حصر للمؤسسات التي لم تتقدم.
اقرأ أيضًا.. وصفة “فيسبوك ” الجديدة: كثير من التفاؤل ..قليل من حقوق الإنسان
كما ألزمت المادة الـ7، بإخطار الوحدة المختصة بتعديل النظام الأساسي وإعداد مشروع بتعديل أحكامه وفق القانون واللائحة، مع مراعاة لائحة النظام الأساسي الاسترشادية المرافقة للائحة.
ثم دعوة مجلس الإدارة الجمعية العمومية لاجتماع غير عادي للنظر في تعديل النظام الأساسي، أما المؤسسات الأهلية فيكون تعديل نظامها الأساسي بواسطة مؤسسها أو من له حق التعديل وفق سند إنشائها.
النظام الأساسي
بعدها يخطر مجلس الإدارة الوحدة المركزية أو الوحدات الفرعية بالتعديل مرفقًا به محضر الاجتماع الذي اقترح فيه التعديل، ومحضر اجتماع الجمعية العمومية الذي أقر التعديل، ونسختين من النظام الأساسي بعد تعديله.
أما فيما يتعلق بتوفيق أوضاع منظمات المجتمع المدني والكيانات الأجنبية غير الحكومية، حددت المادة 10 أنه بناء على إخطار تقدمه المنظمة، مع تقديم المستندات والبيانات الأساسية للعاملين، مع تصريح عمل المنظمة لها في مصر كفرع لـ”الأجنبية”.
اقرأ أيضًا.. “حقوق الإنسان في مصر”.. قراءة في توصيات الاستعراض الأخير
وفي حال عدم توفيق الأوضاع وفقًا لأحكام القانون ولائحته، وجب على الجهة مصدرة ترخيص ممارسة نشاط الكيان إلغاء الترخيص الصادر له. كما قد تصل لحد الحل إذا جاز للوزارة المختصة اللجوء للقضاء الإداري لإصدار حكمها بحل الكيان، كما جاء في المادة 13.
التمويل
وفيما يعلق بالتمويل، سمحت المادة 41 من اللائحة للجمعية بتلقي الأموال من داخل الجمهورية من جهات مصرية أو أجنبية غير حكومية مصرح لها بالعمل داخل مصر. على أن تودع في حسابها البنكي والتأشير في سجلاتها بذلك، مع وجوب إخطار حسب الأحوال بتلقي الأموال خلال 3 أشهر.
كما حظرت اللائحة قبول أموال نقدية تزيد عن 500 جنيه مصري أو ما يعادلها بأي عملة أجنبية إلا بموجب شيك بنكي أو أي إجراء مصرفي عبر أحد البنوك. كما أنه للوحدة حق الاعتراض على قبول أو تلقي الأموال خلال 60 يوم عمل من تاريخ ورود الإخطار إليها.
طلبات تصريح
واشترطت اللائحة لقبول طلبات التصريح بإطلاق أو تنفيذ مبادرة أو حملة لنشاط أهلي معين أن يكون الشخص الطبيعي المتقدم أو الممثل القانوني للشخص الاعتباري، غير مدرج على قوائم الإرهابيين.
وتشترط اللائحة للانضمام أو الانتساب أو الاشتراك أو التعامل مع جهة أجنبية ألا تباشر نشاطًا يهدد الأمن القومي المصرين وألا تكون كيان إرهابي.
المنح
وخفض القانون ولائحته التنفيذية في المادة 43 المدة اللازمة للحصول على موافقة جهة الإدارة على تلقي الجمعيات الأهلية المنح من المنظمات الأجنبية أو المنظمات العاملة بالخارج من 90 يومًا إلى 60 يومًا.
بحيث يعتبر عدم رد جهة الإدارة على الجمعية الأهلية بعد انقضاء تلك المدة بمثابة موافقة.
ويحظر على الجمعية الموافقة على الطلب أو رفضه خلال 5 أيام عمل من تاريخ صدور قرار الاعتراض أو الموافقة أو فوات مدة الستين يومًا بحسب الأحوال أيهمها أقرب.
وفي حال إخطارها بعدم موافقة الوحدة، خلال 5 أيام عمل، تلتزم الجمعية بمخاطبة البنك المودع لاتخاد إجراءات رد الأموال للجهة المانحة.
العقوبات
ونص القانون على عقوبة مالية للمخالفة: “يعاقب بغرامة لا تقل عن 100 ألف جنية ولا تزيد عن مليون جنيه في حال الاستمرار في ممارسة العمل الأهلي دون شكل من الأشكال القانونية وعدم توفيق الأوضاع”.
علاقة متوازنة
الدكتور صلاح سلام عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان قال إن اللائحة التنفيذية تؤسس لعلاقة متوازنة بين المجتمع المدني والدولة.
سلام أضاف أن القانون يحمل إيجابيات عديدة من بينها التمويل بناء على طلب ويتم الموافقة عليه خلال 60 يومًا. كما أنه لم يعد هناك حجة للشركات والمنظمات للتأخير عن تقنين أوضاعها من خلال القانون ودعم الاستمرار على وضعهم السابق.
“أصبحوا تحت مظلة القانون والدولة التي أعطت مساحة للإيجابيات متركزة بشكل كبير لحدوث نوع من التعاون بين المؤسسات التي ستقنن وضعها مع الدولة بطريقة إيجابية”. يقول سلام.
اقرأ أيضًا.. الدولة والمجتمع المدني| حلفاء في مواجهة الفقر وكورونا.. “أعداء” في السياسة
سلام قال إن القانون الجديد تفادى كثير من العوار ويصلح أن يكون أساسًا متينًا للعلاقبة بين الدولة والمؤسسات. “إذا حسنت النوايا هناك الكثير من الإيجابيات يمكن استغلالها والاستفادة منها” يضيف سلام.
أما عن تلقي التمويل، أوضح سلام إن القانون الجديد يتماشى مع سياسة الشمول المالي، والتي تلزم الجمعيات بالتعامل من خلال الحسابات البنكية ليقوم بضبط الأداء المالي للجمعيات.
العبرة بالتطبيق
المحامي نجاد البرعي مدير المجموعة المتحدة للقانون، قال: “العبرة بالتطبيق. مصر بها قوانين ممتازة ولكن لا يتم تنفيذها، كما أنه يوجد فيها دستور من أفضل الدساتير ولكن أيضًا لا يعتد به”.
البرعي أضاف لـ”مصر 360″ أن أي حديث عن قبول اللائحة حاليًا بدون التنفيذ لن يكون مفيدًا. “الأمور لا تسير بحسن النوايا فقط”.. يقول البرعي.
وعن إمكانية إعادة بناء أساس جديد بين المجتمع الأهلي والدولة، أشار البرعي إلى أن القوانين لم تكن توطد لعلاقات جديدة، لدينا دستور من أفضل الدساتير ولا ينفذ، لدينا قانون يمنع الحبس الاحتياطي المتكرر ويعتبره مخالفة صريحة وأيضًا لا ينفذ.
اقرأ أيضًا.. الحكومة تستعين بالمجتمع المدني لخلخلة العنف الديني في المنيا
البرعي قال: “علينا في البداية مراقبة كيفية تطبيق إعادة الجمعيات تسجيل نفسها نظرًا لأن كافة الجميعات ستقوم بذلك، والتعرف على الأنشطة التي تريدها الدولة والذي سترفضه. هذه الأنشطة غير محددة باللائحة، وذلك خلال عام من الأول وهو حد أدنى لتسجيل كافة الجمعيات”.
قانون سيئ السمعة vs القانون الحالي
وفي ورقة بحثية أعدها المحامي أحمد راغب رئيس مجلس إدارة جمعية المتطوعين من أجل حقوق الإنسان، عن المطلوب والمنتظر من اللائحة التنفيذية لقانون العمل الأهلي، أشار إلى إيجابيات القانون الجديد.
راغب أكد أن القانون خفف القيود المفروضة على العمل الأهلي بموجب القانون السابق رقم 70 لسنة 2017 والمعروف بـ “قانون سيئ السمعة”.
وأشار راغب إلى أن القانون الملغي عبر عن وجهة نظر الحكومة فقط، وبالتالي عارض مصالح الجميعات الأهلية، وهو ما أدى إلى أن القانون الملغي أصبح قانونًا غير قابل للتطبيق، حتى إنه لم يصدر له لائحة تنفيذية.. بحسب ما قال.
اقرأ أيضًا.. انتصار السعيد: “المجتمع المدني حليف الدولة وليس عدوها”
ولفت إلى أن عودة الثقة بين المجتمع المدني والدولة مرتبطة بالتنفيذ وكيفية التعامل مع الإجراءات الجديدة التي أدرجت باللائحة والتي ستكون كاشفة للنوايا خلال الفترة المقبلة.
أما القانون الحالي رقم 149 لسنة 2019 يعتبره البعض قانونًا يؤكد حرية العمل الأهلي والمجتمع المدني، وخصوصًا إذا ما قارنا بينه وبين القانون رقم 84 لسنة 2002، إلا أنه يعتبر قانونًا قابلًا للتطبيق. يضيف راغب.
وفيما يتلق ببند الأنشطة، أوضح راغب إلى ان المادة 29 باللائحة تحتاج إلى تدقيق في فهم ماهية الأنشطة التي ستوافق عليها الدولة من عدمها، كما ذكرت اللائحة استثناء عقود التمويل والمنح من شرط الموافقة المسبقة على العقود، على عكس ما جاء بالقانون.
اقرأ أيضًا.. انتخابات الصحفيين.. “الكرة” في ملعب مجلس الدولة
50 ألف جمعية
تضم شبكة الجمعيات الأهلية في مصر أكثر من 50 ألف جمعية مسجلة في 2019، بارتفاع 7 آلاف و72 جمعية عما سُجل في 2013، و13 ألفًا و72 جمعية في العام 2012، وفق الهيئة العامة للاستعلامات.
وتمارس هذه الجمعيات أنشطة متباينة في التعليم والثقافة والأعمال الخيرية والخدمية وغيرها. تضررت جميعها، ومنع معها وصول منح أجنبية، قُدرت في الفترة أول يناير 2016 وحتى نهاية يوليو 2018 فقط، بـ3 مليارات و90 مليون جنيه، حصلت عليها 437 جمعية ومؤسسة أهلية، رغم التضييق والعوار الذي شاب قانون سنة 2017.
صفحة جديدة
علاء شلبي رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان، أوضح أن اللائحة التنفيذية تعد المقدمة الضرورية لإقامة علاقة صحية بين الدولة ومنظمات حقوق الإنسان.
شلبي أضاف أن المنظمات الحقوقية الدولية والحقوقيين المحللين ومنها المنظمة العربية لحقوق الإنسان يتطلعون لفتح صفحة جديدة، خاصة مع توجه مجلس الوزراء لتبني أول استراتيجية حكومية لحقوق الإنسان للعمل بموجبها خلال السنوات العشر المقبلة.
اقرأ أيضًا.. من علاء عابد لطارق رضوان.. البرلمان يجدد جلد لجنة حقوق الإنسان
وطبقًا لتصريحات حكومية يعكس القانون التزام الدولة بدعم القطاع الأهلي، من خلال توفير ضمانات التمتع بالحق في التكوين وتعزيز القدرات التنظيمية والمالية، والسماح بالعمل في مختلف الأنشطة.
بداية القانون
وأعدت وزارة التضامن مشروعًا معدلاً لقانون تنظيم ممارسة العمل الأهلي، وأحالته إلى مجلس النواب الذي وافق عليه في جلسته العامة في 15 يوليو 2019، نهائيًا.
وتوالت الدعوات لتعديل القانون 70 لسنة 2017، والاعتراف بمساوئه وعيوبه من رئيس الجمهورية نفسه، والذي تبني الدعوة لتعديله، وهي الدعوة التي تحولت لإلغائه وإعداد قانون جديد للجمعيات الأهلية.
الرئيس عبدالفتاح السيسي شكّل لجنة لإجراء حوار مجتمعي حول القانون، وإعادة الجهات المعنية في الدولة تقديم القانون مرة أخرى إلى مجلس النواب، واشتمل على تسع مواد وقانون مرافق تضمن 10 أبواب منفصلة، احتوت على 98 مادة.
ونشر القانون (149) لسنة 2019 في العدد 33 مكرر (ب) في 19 أغسطس سنة 2019، بعد مصادقة رئيس الجمهورية.
وأشارت وزارة التضامن الاجتماعي إلى أن إجمالي قيمة المنح التي تلقاها النشاط الأهلي خلال أغسطس وسبتمبر 2020 بلغت 663 مليونًا و436 ألفًا و460 جنيهًا، موزعة على 254 منحة من 107 جهات مانحة استفادت منها 81 جمعية.