بعد نحو عشر سنوات، لم تهدأ فيها سوريا سياسيًا وميدانيًا، لاسيما في ظل الأوضاع الصعبة التي تقع تحت وطأتها منذ اندلاع الاحتجاجات مطلع العام 2011، جاءت، بصورة مبكرة، التحضيرات المكثفة للانتخابات الرئاسية السورية، المزمع إجراؤها في النصف الأول من العام الحالي.
يأتي هذا الاستحقاق الانتخابي -رقم 18- تزامنًا مع جملة متغيرات محلية وإقليمية عنيفة ستؤثر بالتأكيد على مساراته، وتضغط على صورته التقليدية والإجرائية. فالخريطة السورية تنكمش بفعل تقسيمها إلى ثلاث مناطق نفوذ. كما أن الانتخابات ستُجرى في ظل وجود عسكري روسي وأجنبي. بالإضافة إلى حالة العزلة الدبلوماسية والسياسية التي يعانيها النظام في دمشق. وكذا العقوبات الاقتصادية المفروضة ضده.
يضاف إلى ذلك كله، ما تشهده سوريا نفسها من صراع محموم بين القوى الدولية، تحديدًا روسيا والولايات المتحدة. ثم التوقعات بخصوص نهاية “تعويم الأسد” مع الرئيس الأمريكي المنتخب، جو بايدن، الذي ستجرى الانتخابات الرئاسية السورية في الشهور الأولى لولايته.
الانتخابات الرئاسية السورية في ميزان القوى الغربية
ثمة أزمة كبرى تواجه الانتخابات الرئاسية السورية، تتمثل في شرعيتها السياسية أمام القوى الغربية. ذلك رغم أن روسيا وإيران تتحريان أن تكون الانتخابات قائمة على دستور العام 2012، بما يكفل بقاء الأسد
هذا الدستور يكفل صلاحيات هائلة للرئيس الحالي، ويمنحه الحق في تدشين ولاية ثالثة. أيضًا يحدد معايير الترشح للانتخابات الرئاسية بشرط يصب في الأساس بمصلحة الأسد. إذ يحدد للمرشح أن يكون مقيمًا في البلاد لعشر سنوات متواصلة قبل التقدم للترشح. بالإضافة إلى تزكية 30 عضوًا من أعضاء مجلس الشعب الحالي، البالغ 250 عضوًا، بينهم 166 بعثيًا و17 جبهويًا (كان عددهم 32 عضوًا).
بالتالي، فإن مهمة طهران وموسكو تتمثل في محاولة إبعاد الانتخابات الرئاسية عن الإصلاحات المتوقعة من اللجنة الدستورية. وقد عقدت هذه اللجنة جولات أربع في جنيف، بينما هناك جولة خامسة مخصصة فقط لـلدستور، مقررة نهاية الشهر المقبل.
وقد أعلن النظام السوري -مطلع العام الحالي- أنه لن يعتمد أي إصلاحات دستورية قبل الانتخابات الرئاسية. وهو موقف اصطفت روسيا خلفه. وأكدت عدم تحديد “جدول زمني للإصلاح الدستوري”، لأن “الانتخابات الرئاسية شأن سيادي سوري”.
في نهاية العام الماضي، قالت المندوبة الأمريكية الدائمة لدى الأمم المتحدة، كيلي كرافت: “من الواضح، أن نظام الأسد يحاول تأخير عمل اللجنة الدستورية”. وأوضحت أن هذا التأخير هدفه كسب الوقت في إطار الاستعداد لإجراء انتخابات رئاسية صورية، في العام 2021.
وأكدت كرافت على عدم اعتراف واشنطن بهذه الانتخابات، إلا في حال توافقها مع القرار 2254 الخاص بحل الأزمة السورية. كما شددت على ضرورة الإفراج عن الموقوفين قسريًا في “سجون البعث”. وتقديم معلومات عن أكثر من 100 ألف معتقل، إلى ذويهم.
هل تشهد الانتخابات الرئاسية المقبلة أي جديد؟
هناك تحليلات تتطرق إلى إمكانية أن تكون هذه الانتخابات الرئاسية السورية مختلفة عن سابقاتها من حيث صوريتها وضمان نجاح الأسد بنسبة ساحقة. لكن لا يوجد أي مؤشر ملموس على صحة ذلك، حسب ما يشير الصحفي السوري باز علي بكاري.
يوضح بكاري، لـ”مصر 360″، أن المواقف الدولية هي ذاتها. خاصة في المعسكر الذي يصطف إلى جانب المعارضة بالخارج. وكذلك الأمر بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، التي تجاهلت الاستحقاقات الانتخابية البرلمانية خلال الفترة السابقة.
أغلب الحديث يدور الآن عن استئناف العمل في اللجنة الدستورية -أحد مخرجات مؤتمر سوتشي– في ظل التحركات الروسية. ذلك بهدف إجراء إصلاحات محدودة. لكنه أمر يبدو أنه سيتم عقب الانتهاء من الانتخابات الرئاسية، على حد وصف بكاري.
ففي ديسمبر الماضي، قال وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، إن الانتخابات الرئاسية ستجرى في موعدها. وشدد على أنه لن يكون هناك أي ربط بينها وبين نجاح عمل اللجنة الدستورية. كما ألمح إلى أنه في حال إخفاق عمل اللجنة الدستوية “فإننا جميعًا سنعمل على أساس الدستور الحالي حتى نضع دستورًا جديدًا”.
وقد أدرج الاتحاد الأوروبي المقداد، يوم الجمعة الماضي، على قائمة العقوبات. وكذا أصدر قرارًا بمنعه من دخول أراضي دوله الأعضاء.
بايدن والانتهاء من تعويم بشار الأسد
بالنسبة لإدارة بايدن والانتهاء من “تعويم بشار الأسد”، فإن بكاري يرى إمكانية حدوث ذلك باستخدام زوجة بشار الأسد أو آخر مقبول من معسكر “الموالاة” -كما جرى الاصطلاح على ذلك- خاصة أن ثمة تقارير تحدثت عن وضع بعض المؤسسات الرسمية السورية صورة أسماء الأسد إلى جانب صورة الرئيس. وهو أمر يحدث للمرة الأولى في تاريخ البلاد.
هنا، يلفت بكاري إلى نشاط الكونجرس الأمريكي المكثف خلال الفترة الماضية، استعدادًا لنزع الشرعية عن الأسد والنظام في دمشق.
فضلاً عن ذلك فإن هناك ضغط لفرض عقوبات اقتصادية جديدة ضد النظام السوري. ففي نهاية العام الماضي، قد العضو الديمقراطي، جو ويلسون، مشروع قانون اسمه “أوقفوا القتل في سوريا”. وهو مشروع قانون يوصي بحظر الاعتراف بنظام الأسد إلى جانب فرض عقوبات اقتصادية عليه.
يقول الصحفي السوري، نورهات حسن: “النظام السوري وحلفاؤه هم وحدهم من يعترفون بهذه الانتخابات المزمعة”. ويضيف -في تصريحات لـ”مصر 360″- أن هذه انتخابات لا تحظى بدعم دولي، كون النظام ارتكب جرائمًا حرب بحق الشعب السوري خلال سنوات الأزمة. وهو أمر وثقته المنظمات الحقوقية الأممية، ويطرح إمكانية أن يتم اللجوء إلى تغيير بشار ووضع بشار آخر على الحكم. إلا أن هذا أيضًا لن يرضي الأطراف الدولية، كما أنه لن يرضي روسيا، التي تتشكك من أن يكون البديل خادمًا لمصالح إيران فقط.
غير ذلك، فإن الحديث يدور أيضًا عن ترشيح أسماء الأسد للرئاسة. وإذا كان هذا صحيحًا فإن الكفة لصالحها من الآن، فالانتخابات ستجرى في مناطق النظام. وفي مناطقه لن يجرؤ أحد على انتخاب شخصية أخرى بالطبع، كما يقول نورهات حسن.
التضيق على الأسد لتقويض إيران
“أعتقد أن إدارة بايدن ستضيق الخناق أكثر على النظام السوري، بفرض المزيد من العقوبات، التي ستضعه في عزلة أكثر، وذلك بهدف تقويض دور إيران في سوريا أيضًا”؛ يقول حسن.
مما يشير إلى ذهاب أمريكا باتجاه وضع النظام في عزلة سياسية أكثر، دعمها للحوار الكردي الكردي، بحسب الصحفي السوري. هذا ما جاء على لسان السفارة الأمريكية في دمشق، حيث أعلنت دعمها للحوار الجاري ما بين الإدارة الذاتية والمجلس الوطني الكردي. هذا فضلاً عن إعلان مجلس سوريا الديمقراطية عن مذكرة تفاهم مع طرف سوري معارض دون الكشف عنه. ومن ثم، يمكننا وضع التوترات الحاصلة في القامشلي شمال شرقي سوريا بين النظام وقوات الأسايش التابعة للإدارة الذاتية ضمن هذا السياق أيضًا، وتدخل في سياق الضغط على النظام.
كما تحاول إسرائيل وأمريكا قطع طريق الإمداد عن إيران في سوريا. ذلك عبر قطع معبر البوكمال، الواقع في جنوب سوريا عن إيران. وأهميته ترجع إلى كونه المعبر الذي تستطيع عناصر الميلشيات المدعومة من إيران الخروج منه والوصول إلى بيروت بكل سهولة. وهذا ما تحاول أمريكا إيقافه. وتمثل تحركات داعش في البادية السورية، وبالتحديد بالقرب من البوكمال، إنما يهدف لخلق ذريعة للهجوم على الحرس الثوري الإيراني هناك. وبالتالي ستدعم أمريكا إما قوات سوريا الديمقراطية أو فصيل مغاوير الثورة الموجود في قاعدة تنف العسكرية، جنوب سوريا، لمحاربة إيران هناك، وفق ما يوضح نورهات حسن.