يبدو أن مجلس النواب الجديد بصدد اتباع نهج مختلف عن سابقه في التعامل مع السلطة التنفيذية. فمنذ اليوم الأول لانعقاده أكد رئيسه المستشار حنفي الجبالي على الحرص على استخدام الأدوات الرقابية بشكل فعّال تجاه الحكومة ومؤسسات الدولة. ذلك بهدف تحقيق الصالح العام، والعثور على أفضل الحلول لمصلحة الوطن. ما انتهى باستدعاء الحكومة لتقييم أدائها خلال الفترة الماضية.

نتيجة لذلك، مثل رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي أمام المجلس اليوم الإثنين.  لإلقاء بيان الحكومة حول موقف تنفيذ برنامجها. ودافع عن إنجازاتها في ملفات المياه والأمن والطاقة. من المقرر أن يلقي وزراء التنمية المحلية والتعليم العالي والتموين والإعلام بيانات لاحقة حول برنامج الحكومة.

 

مجلس النواب والتمسك بالدور الرقابي

رغم سيطرة “أحزاب المولاة” على أغلب مقاعد المجلس الجديد، حرص المستشار حنفي الجبالي، منذ فوزه بمقعد رئيس المجلس، على إرسال رسالة إلى النواب والحكومة معًا. بأن البرلمان لن يتخلى عن دوره الرقابي خلال السنوات الخمس المقبلة. مؤكدًا على أن الرقابة على الحكومة لا تقل أهمية عن مسؤولية التشريع.

وأضاف في أولى كلماته بعد فوزه بمقعده الجديد: “فعالية الرقابة ترتبط بكونها رقابة متوازنة حتى تؤتي ثمارها. فلا تميل كل الميل أو تتشدد بلا حدود، ولا تبالغ بالتهويل أو التهوين. بل تكون بين ذلك قوامًا”، متابعًا: “ليكن اختلاف الرأي سبيلاً لأفضل الحلول لمصلحة الوطن”. وأردف: “أساس تلك الرقابة المتوازنة: الفصلُ المرنُ بين السلطات، حيث تراقب كل سلطة من سلطات الدولة نظيرتها، بهدف تحقيق الصالح العام، وهو ما يتعينُ أن تتسمَ تلك الرقابة بطابع التعاون والتضافر من أجل الإصلاح والتطوير، لا أن تقوم على مجرد التربص واصطياد الأخطاء”.

مجلس النواب الجديد.. طلبات الإحاطة تتوالى

الرسالة الجديدة للبرلمان، لاقت صدى واسع عند النائب مصطفى بكري. فكشف بعد ساعات قليلة من انعقاد المجلس عن تقدمه بأول استجواب إلى المجلس في دورته الجديدة. وتناول ذلك الاستجواب مسؤولية الحكومة وتعمدها عدم إصلاح أو تطوير شركة الحديد والصلب المصرية بحلوان. واتخاذ قرار بتصفيتها من خلال الجمعية العمومية.

توالت طلبات الإحاطة والأسئلة العاجلة من النواب الآخرين حول القضية ذاتها. فضلاً عن أزمة فيروس كورونا وتعامل وزارة الصحة مع الأزمة. وكان نائب مستقبل وطن محمد فايد ممن تقدموا بطلبات إحاطة ضد وزيرة الصحة هالة زايد، بشأن المستشفيات الحكومية وتقاعسها في مواجهة أزمة فيروس كورونا.

البرلمان السابق محدود الدور الرقابي

على خلاف مجلس النواب السابق، برز حرص المجلس الحالي على ممارسة دوره الرقابي. فرغم أن مجلس علي عبد العال سجل أكثر من 12 ألف أداة رقابية. تنوعت بين طلب الإحاطة والبيان والأسئلة العاجلة إلا أن نصفها تقريبًا كان في دور الانعقاد “شبه الأخير. بإجمالي حوالي 5 آلاف و600 أداة برلمانية.

 خلال السنوات الخمس السابقة، استخدم المجلس آليات برلمانية أقل في مواجهة الحكومة. ففي دور الانعقاد الأول بلغ عدد طلبات الإحاطة في 289 ساعة انعقاد، حوالي 324 طلب إحاطة و265 بيانًا عاجلاً. وسجل دور الانعقاد الثاني 227 ساعة، شهدت 498 طلب إحاطة ومناقشة 464 بيانًا عاجلاً. وبعدد أقل سجل دور الانعقاد الثالث مناقشة 385 طلب إحاطة و303 بيانًا عاجلاً في 264 ساعة. وفي الدور الرابع، نظر المجلس 388 طلب إحاطة و347 بيانًا عاجلاً في 222 ساعة.

وخلال عمر البرلمان، لم تتم مناقشة سوى استجواب وحيد، في دور الانعقاد الخامس. وكان موجهًا إلى وزيرة الصحة هالة زايد. واستمرت مناقشته أكثر من 9 ساعات متواصلة، إلا أنه لم يسفر عن شيء، بينما لم تناقش أي استجوابات رغم تقديم 19 استجوابًا كان أبرزها 6 استجوابات لوزير التموين الأسبق خالد حنفي.

استدعاء الحكومة بعد رصد قصور

البداية المختلفة للمجلس الحالي تجلت في إعلان رئيسه المستشار حنفي الجبالي استدعاء رئيس الوزراء مصطفى مدبولي وحكومته. حث من المقرر أن تتم مناقشتهم حول تنفيذ برنامج الحكومة “مصر تنطلق 2018-2022”. إلى جانب عرض موقف كل وزارة من تنفيذ البرنامج. بعد رصد اللجنة العامة للمجلس ملاحظات وقصور في تنفيذ برنامج الحكومة.

وتضمن ملحق جدول أعمال الجلسة العامة المقررة، اليوم الإثنين، بيان رئيس الوزراء عن موقف تنفيذ برنامجها. أيضًا بيان وزير التنمية المحلية محمود شعراوي عن موقف الوزارة بشأن تنفيذ برنامج الحكومة. وكذلك بيان وزير التموين والتجارة الداخلية على المصيلحي عن موقف الوزارة بشأن تنفيذ برنامج الحكومة.

وأشار رئيس لجنة الإدارة المحلية أحمد السجيني إلى أنه ستكون هناك عدة جلسات لمناقشة الحكومة فيما تم تنفيذه من برنامجها الذي طرحته على البرلمان عام 2018. وشدد على أن قرار اللجنة العامة استدعاء رئيس الحكومة والوزراء، يأتي بهدف تفعيل وتجسيد لنص المادة 136 من الدستور واللائحة الداخلية لمجلس النواب.

وأضاف السجيني، في تصريحات صحفية: “ما رأيته هو رغبة حقيقية من رئيس المجلس والنواب للقيام بدورهم الرقابي والانتقال من الشكلية للموضوعية، وبناء على ذلك سيكون حضور الوزراء على أكتر من جلسة، لأنه (مينفعش أجيب كذا وزير في جلسة واحدة، لازم الموضوعات تناقش بشفافية ودقه وكل موضوع ياخد مساحته)”.

رسالة إلى الحكومة والمواطنين

الأمين العام المساعد لحزب مستقبل وطن المستشار عصام هلال عفيفي، بيّن أن إدارة الحزب حرصت على التأكيد لجميع نوابه في البرلمان أن المجلس المقبل لن يقتصر دوره على التشريع فقط. بل سيركز على الدور الرقابي أيضًا. وأن الأدوات الرقابية ستسخدم بجدية.

ولفت عفيفي إلى أن المجلس الجديد بعث إلى المواطنين برسالة إيجابية بشأن عمله واستخدام السلطات الدستورية الممنوحة له. سواء فيما يخص استدعاء الحكومة، أو دعم أسر الشهداء.

ووصف عضو مجلس الشيوخ، تحركات البرلمان الرقابية حاليًا بأنها رسالة إلى الحكومة بأن النواب سيمارسون دورهم “الطبيعي والأساسي” بالرقابة على أداء الوزارات ومؤسسات الدولة لتحقيق مصالح الوطن. مستطردًا: “نحن لا ينقصنا التشريع، ولكن ينقصنا تفعيل التشريع، ولن يكون ذلك إلا بممارسة الدور الرقابي (المهم)، وعلى الوزراء والمحافظين أن ممارسة المجلس دوره الرقابي لا يعني التقليل من شأنهم، ولكن لمساعدتهم على أداء دورهم”.

وشدد عفيفي، في حديثه مع “مصر 360″، على أن تركيز المجلس السابق على التشريع كان “استثنائيًا” بسبب الظروف التي كانت تمر بها مصر خلال فترة انعقاده. وأن طبيعة عمل المجلس الحالي بعد المرور من تلك الظروف التركيز على الدور التشريعي والرقابي بشكل متوازي، وبما يصب في صالح الوطن.

تفاؤل برلماني

بررت عضو مجلس النواب عن القائمة الوطنية غادة عجمي، الاختلاف الملاحظ في أداء البرلمان منذ بداية انعقاده عن السابق، بأن المجلس السابق كان يركز بنسبة أكبر على إقرار التشريعات في ظل قدومه في فترة “خاصة” من تاريخ البلاد، ودستور جديد كان يحتاج إلى العديد من القوانين لإقرارها. وشددت على أن نواب المجلس السابق لم يتقاعسوا عن أداء دورهم الرقابي.

وأعربت عضو حزب مصر الحديثة، في حديثها مع “مصر 360″، عن تفاؤلها بالبداية الجديدة للمجلس في ممارسة دوره الرقابي. خصوصًا مع استدعاء الحكومة لمناقشتها بشأن ما أنجزته في برنامجها المقدم عام 2018، ليقوم النواب بتقييم أداء السلطة التنفيذية واتخاذ القرار اللازم للتعامل مع الوزراء المقصرين.

وبينت النائبة أن تفرغ المجلس الحالي “نوعًا ما” لممارسة دوره الرقابي في ظل وجود مجلس الشيوخ سيعطى الفرصة الأكبر. متوقعةً أن تسفر المتابعة البرلمانية عن اتخاذ إجراءات ومواجهة تقاعس بعض الجهات التنفيذية عن أداء الدور المنوط بها خلال السنوات الخمس المقبلة.

سعي لدور رقابي حقيقي 

عضو مجلس النواب أحمد بلال رأى أن البداية القوية لمجلس النواب “مشجعة”. وأن الأهم من ذلك استمرار المجلس في استخدام أدواته الرقابية بالضوابط التي يكفلها الدستور والقانون واللائحة بشكل جيد من قبل النواب. ولفت إلى أن جبالي منذ يومه الأول أكد إصراره على استخدام الأدوات الرقابية والتشريعية خلال المرحلة المقبلة. متمنيًا الاستمرار على النهج ذاته مستقبلاً.

وأشار عضو حزب التجمع، في حديثه مع “مصر 360″، إلى أن “الفترة المقبلة” ستكشف عما إذا كان المجلس سيستمر في ممارسة أدواته بالشكل القوي كما يحدث حاليًا”. منوهًا بأن أزمة تصفية شركة الحديد والصلب كانت مادة ثرية وأحدثت زخمًا داخل المجلس لاستخدام الأدوات الرقابية المختلفة من “أسئلة وطلبات إحاطة واستجواب”. وأن النواب كانوا يتسابقون على ممارسة دورهم.

ولم يستغرب بلال من قرار باستدعاء الحكومة. وقال: “المجلس الحالي يعد جديدًا في التعامل مع الملفات المطروحة أمامه”.

وبالتالي من حق النواب مراجعة الحكومة في التزامها ببرنامجها وتقييم أداءها خلال الفترة الماضية، لتقرير مصيرها. والقرار هنا يتفق مع رؤية رئيس المجلس، وبالتالي الأمر طبيعي، وفق ما يوضح النائب أحمد بلال.

وعن احتمالية أن استدعاء الحكومة مبني على اتجاه السلطة التنفيذية إلى إجراء تعديل وزاري خلال المرحلة المقبلة. قال بلال إن ذلك سيكون معتمدًا على المناقشات التي ستتم داخل أروقة المجلس. وأشار إلى أن الحكم على أن التحركات الحالية ستسفر عن اتخاذ إجراءات مختلفة بالنسبة للوزراء والمسؤولين مستقبلاً “غير ممكن” حاليًا، مردفًا: “أتمنى اتخاذ مواقف فعلية، ولا أعتقد أن النواب سيريدون من تحركاتهم الحالية -خصوصًا فيما يتعلق بأزمة الحديد والصلب- ألا تتمخض عن شيئ”.