في السنوات القليلة الماضية، تبدل شكل الدراما المصرية التي تستهدف جمهور الشاشة الفضية. فأفرز نجوم وأسقط آخرون، اعتادوا احتلال المساحة الفنية الأهم (موسم رمضان). ذلك الأمر بدأ مذ قررت شركات الإنتاج الابتعاد بالمسلسلات عن جو المنافسة الأشرس -السمة المميزة للموسم الرمضاني- واستبدلته بأعمال خارج الموسم “الأوت أوف سيزون”. الاتجاه الذي أثبت نجاحًا جماهيريًا كبيرًا. واعتمد على نجوم الصف الثاني ممن أقنعوا المشاهد المصري بمشاركتهم السابقة في أعمال الدراما الجماعية.
البطولة الجماعية والأوت أوف سيزون
يرجع النقاد عودة ظاهرة البطولة الجماعية التي ظهرت مع العقد الثاني من الألفية الثالثة بقوة إلى انصراف الجمهور عن أعمال النجم الأوحد. وهي أعمال تعتمد في الكتابة والإخراج على النجم الرئيسي. الأمر الذي دفع بشركات الإنتاج تزامنًا مع ظهور منصات المشاهدة وما حققته من نجاحات، إلى اللجوء إلى مجموعات نجوم الصف الثاني. هؤلاء متقاربو المستوى الفني والأجور، الذين استبدلت بهم شركات الإنتاج النجم الواحد ذي الأجر المرتفع والآداء المتشابه في مختلف الأعمال، الذي أثبت أنه غير مرضي للجمهور ولا يحقق التوزيع الأمثل والربح المرجو.
كيف ظهرت أعمال الأوت أوف سيزون؟
يقول بعض المتابعين إن منصات المشاهدة التي ظهرت في السنوات الماضية، وحققت متابعة جماهيرية عالية بأعمال عابرة للثقافات من دول مختلفة، نالت اهتمام فئة الشباب خاصة. كان لها التأثير القوي على الاتجاه لأعمال الأوت أوف سيزون؛ لمحاولة سد فراغ غياب الدراما المصرية عن عيون المشاهد، مع قصر الإنتاج على الموسم الرمضاني.
رغم البدايات التي سبقت العام 2017 كان هذا العام بمثابة الانتعاشة الحقيقية لدراما ما خارج السياق الرمضاني. وذلك بالعديد من المسلسلات التي حظيت على نسب مشاهدة عالية. ومنها مسلسلات “اختيار إجباري” و”الأب الروحي”، فمسلسل “حجر جهنم”. ثم العملان اللذان حققا مساحة كبيرة من المشاهدة وكذلك مساحة مماثلة من الجدل؛ “حكايات بنات”، و”سابع جار”. وجميعها أعمال اتسمت بطابع النجومية الجماعية، وتمكنت من تحقيق مشاهدة كانت في السابق تقتصر على الدراما الرمضانية.
يرى الناقد الفني محمد عدلي أن مسلسلات الأوت أوف سيزون أعادت الرواج للدراما المصرية مرة أخرى. وقد ساعدت في انتعاش الصناعة، بعد أن كان الاعتماد بشكل كلي على دراما رمضان فقط. ويوضح عدلي -في حديثه لـ”مصر 360″- أن إنتاج الأعمال الفنية خارج رمضان أعطى مساحة لهذه الأعمال أن تأخذ حقها من المشاهدة. وكذلك منح نجومها فرصة إظهار مواهبهم بعيدًا عن زخم المنافسة الشرسة في الدراما الرمضانية.
فرصة القبول الجماهيري
على سبيل المثال، اختفى محمد رجب عن الساحة لسنوات، ثم عاد بعملين دراميين متتاليين؛ “أخ كبير” و”ضربة معلم”. وهما عملان يرى الناقد محمد عدلي أنهما أعادا رجب إلى القبول الجماهيري. “أظن أنه نجح في كسب قطاع من الجمهور بما يقدمه مؤخرًا”.
أيضًا، منح التحول الذي شهدته الساحة الفنية من دراما الموسم الرمضاني إلى دراما موسم العام كله فرصة جيدة لنجوم الصف الثاني في الوصول إلى مساحة القبول الجماهيري المطلوب. وكان من أبرز هؤلاء أحمد صلاح حسني، الذي يراه الناقد محمد عدلي تمتع بقدر كبير من الذكاء الفني في اختياره خوض بطولة مسلسل “ختم النمر”. ومن بعده مسلسل “الفتوة” في رمضان الماضي. وهو العمل الذي عاد به إلى لعب الدور الثاني دون أن يمثل له ذلك أي غضاضة.
هذا النجاح الملحوظ استفادةً من أعمال الأوت أوف سيزون يبدو أن أحمد صلاح حسني يحاول استثماره حاليًا بتطوير في الأداء. يهدف منه صلاح حسني تثبيت مكانته كنجم أول. وذلك بمسلسله الجديد “الدايرة”. العمل الذي يُعرض حاليًا على الفضائيات المصرية، ويلقى نسبة معقولة من المشاهدة.
لؤلؤ.. الاستفادة من حالة الجدل وخلو الساحة
مي عمر أبرز نجمات الصف الثاني التي تحاول الاستفادة من التغير الذي تشهده الدراما المصرية أخيرًا. وقد يرى البعض أن حالة الجدل وخلاف الرؤى حول أحقيتها تحمل البطولة المطلقة في مسلسل “لؤلؤ” -الذي يُعرض حاليًا- عاملاً مؤثرًا على نجوميتها التي حققتها بأعمال الدور الثاني. إلا أن هذا المسلسل على وجه التحديد قد حقق نسبًا من المشاهدة. ويقول نقاد إن هذه النسب العالية من المشاهدات التي حققها مسلسل “لؤلؤ” أفرزتها حالة الجدل حوله، والتي تزامنت مع خلو الساحة الفنية من تزاحم الأعمال المعروضة. فتصدر العمل وبطلته مواقع التواصل الاجتماعي. كما أصبح أحد أكثر الكلمات الأكثر بحثًا عبر موقع “جوجل“.
رغم ذلك، يوضح الناقد الفني إيهاب التركي أن عرض المسلسلات خارج رمضان يتيح فرصة فلترة الفنانين أنفسهم بشكل أدق. فالمشاهد يتابع المسلسل بشيء من التأني ويستطيع الحكم على المواهب المقدمة بروية. ومن ثم لن يكون هناك مكان للآداء المبتذل. فالمشاهد نفسه سيلفظ هذه الأعمال غير المقنعة. وهو يتمتع هنا بفرصة المشاهدة بهدوء، لم يكن يتمتع به أثناء متابعته الأعمال الرمضانية.