على مدار سنوات عدة، طبقت المحاكم المصرية قوانين الميراث التي تستند للشريعة الإسلامية على المسيحيين. بما فيها من حُكم بمنح المرأة نصف نصيب الرجل في بعض الحالات. واستمر ذلك حتى خرجت أحكام قضائية تقر بأن بساواة السيدة المسيحية بالرجل في الميراث، وفقًا لضوابط الأحوال الشخصية القبطية الأرثوذكسية. وذلك إعمالاً بدستور العام 2014، الذي أنهى لصالح المسيحيات نضال تواصل عقودًا في سبيل الحصول على حقوقهن كاملة وفقًا لشريعتهن.
كانت المبادرة المصرية للحقوق والحريات الشخصية، بحملتها للدفاع عن حقوق المسيحيات في الميراث طبقًا لشريعتهن من أوائل ما طالبوا بعدم تطبيق الشريعة الإسلامية في الميراث على المسيحين. ذلك بعد أن قضت محكمة استئاف القاهرة الدائرة (12 -188سابقًا) شؤون أسرة في 2018 بتعليق نظر استئناف مقدم من سيدة مسيحية ضد شقيقها فيما يخص ميراث شرعي بينهما. صاحبة الدعوة طالبت بالحصول على نصيبها من إرث عمتها وفقًا لمبادىء الشريعة المسيحية. وكانت المحكمة علقت النظر في القضية لحين الفصل في الدفع بعدم دستورية المادة الأولى من القانون 25 لسنة 1944. وكذلك المادة 875/1 من القانون المدني. وأيضًا الفقرة الأخيرة من المادة الثالثة من القانون 1 لسنة 2000. وصرحت لمبدي الدفع بإقامة الدعوى الدستورية خلال ثلاثة أشهر من تاريخ الحكم الصادر في 21 ديسمبر 2020.
مسيحيات بالبطاقة.. مسلمات في الميراث
الحملة التي أطلقتها المبادرة كانت في يوليو 2019، تحت عنوان “مسيحيات في البطاقة.. مسلمات في الميراث“. وقد دعت إلى المشاركة بالتدوين عن أي انتهاكات امتنعت فيها المحاكم أو الجهات الإدارية عن تطبيق النص الدستوري الصريح، وفقًا للمادة الثالثة من دستور 2014. وتنص على أن مبادئ شرائع أتباع الديانات السماوية هي المصدر الرئيسي للتشريع في أمور أحوالهم الشخصية واختيار قياداتهم الروحية.
أما الدعوة التي تقدمت بها المحامية هدى نصر الله لطلب إعلام وراثة فكانت في ديسمبر 2018. حيث قيد الطلب برقم 2793 لسنة 2018. كما تحدد لنظر الطلب جلسة 6 يناير 2019 أمام الدائرة (7) وراثات حلوان. وتضمن الطلب إشارة إلى ضرورة تطبيق المادة 245 من لائحة الأقباط الأرثوذكس الصادرة في 1938. وتنص على التساوي بين أنصبة الذكور والإناث الميراثية.
حضر الورثة تلك الجلسة وأقروا بموافقتهم على ما ورد بالطلب. كما تمسكوا بتطبيق الشريعة المسيحية في الإرث وتوزيع الميراث بالتساوي بين الذكور والإناث. وفي 5 يناير 2020 تمكنت نصرالله من الحصول على صورة رسمية من الحكم الصادر في الدعوى رقم 3743 لسنة 2019 والاطلاع على حيثياته. وذلك وفقًا لطلباتها بصحيفة الدعوى.
ميراث المسيحيات.. كيف تقره الشريعة المسيحية؟
تقسيم الميراث في المسيحية يتم من خلال طريقتين. فتكون الأولى بتقسيم بالتساوي بين الأبناء والبنات. بينما تعتمد الطريقة الثانية تقسيم الميراث حسب الحاجة. وذلك وفق ما يشير إليه القمص يوحنا فايز زخاري، مدرس العهد الجديد بالكلية الإكليريكية بالأنبا رويس. وقد أشار إلى أن اللجوء للحالة الثانية يكون من خلال التراضي بين كافة أطراف الميراث.
في يوليو 2020، أصدر محكمة استئناف القاهرة (شؤون الأسرة) حكمًا قضائيًا آخر أقر بتطبيق الشريعة المسيحية في المنازعات المتعلقة بتوزيع الميراث بين المصريين غير المسلمين من طائفة وملة واحدة، في دعوى قضائية لسيدة مسيحية، حملت رقم 1478 لسنة 2019، ضد أشقائها الأربعة طالبت فيها ببطلان مادة الوراثة رقم 1797 لسنة 2015 التي نصت على تطبيق الشريعة الإسلامية في توزيع الإرث بين المسيحيين.
في السنوات الحالية استطاعت النساء المسيحيات الحصول على الميراث وفقا لشريعتهن، وهو الأمر الذي لم تتمكنه منه آمال حنا، منذ 20 عاما، عندما قررت المحكمو منح شقيقها ضعف نصيبها من الميراث، لترى في الدعوة التي أطلقتها المبادرة المصرية للحقوق والحريات، بداية لطريق أمل للمسيحيات للحصول على حقوقهن.
تجربة شخصية مع ميراث المسيحيات
هدى نصر الله صاحبة الدعوى في المبادرة المصرية، تعرضت لتجربة شخصية. تقول عنها إنه بالرغم من اتفاقها هي وأشقائها على التساوي في الميراث. إلا أن الأمر استمر لمدة عام كامل حتى تمكنوا قضائيًا من تنفيذ الأمر. وبررت الأمر بوجود الكثير من القضاة ممن لا يرحبون باستخدام الشريعة المسيحية. وتضيف أنه رغم وجود نص دستوري صريح، إلا أن الوضع داخل أورقة المحاكم يتغير. كما أن هناك العديد من الذكور المسيحيون يرحبون بتطبيق الشريعة الإسلامية في الميراث لأنها في صالحهم.
تتابع نصر الله بأنه إلى الآن تطبق قوانين الشريعة الإسلامية على المسيحين. وذلك رغم صدور أحكام سابقة، منها حكم سابق في 2016، لصالح مواطنة من الأقباط الأرثوذكس.
الخبير القانوني مصطفى قباني، يتفق مع رأي نصر الله في أن الأمر في أروقة المحاكم يختلف كثيرًا، ويحتاج لوقت طويل حتى حصول المسيحيات على حقوقهن. إما بالتساوي في الميراث، أو من خلال تقدير الأمر.
ووفقًا لتقاير وإحصاءات غير رسمية، يمثل المسيحيون نحو 10% من سكان مصر. وينتمي أغلبهم للطائفة الأرثوذكسية. ويحتكمون في أمور الزواج والطلاق للائحة الأقباط الأرثوذكس الصادرة عام 1938.
القسمة الرضائية حلاً ومهرب
يلجأ عدد من المسيحيين للقسمة الرضائية في تقسيم الميراث بعيدًا عن المحاكم. لكن هذا الأمر لم ترغب به نصر الله وأشقاؤها. وتؤكد أن مهمتها كمحامية هي الدفاع عن الحقوق، وحث المواطنين على أخذها والتمسك بها.
القسمة الرضائية هي التي لجأت لها ماريان خليل، بعد وفاة والدها: “صعب علينا نروح للمحاكم أنا وأخواتي زي ما شفنا مع كتير من قرايبنا والموضوع بيطول، وكنا محتاجين فلوس، فقررنا إننا نعمل القسمة الرضائية دي وخلاص”.
ترى خليل أن هناك عرف سائد في المجتمع بعيدًا عن الأديان، يمنح الرجل حق مضاعف في الميراث. “بعد موت والدي واحنا بناخد العزا، كان في ناس من صحابي بيحاولوا يهونوا عليا الأمر، فكانوا بيضحكوا وإنه اخواتي الولاد هياخدوا الضعف، والغريب إن كان منهم مسيحيين، وكأن الأمر بقى عرف مجتمعي بعيدًا عن الدين من الأساس”.
اللجوء للقضاء يأخذ وقتًا طويلاً، كما حدث مع نصر الله، التي رفضت محكمتان من قبل الدعوى التي أقامتها. وهي ترى أن الأمر أبعد من الميراث. وأن الأزمة في أن تعامل كشخص كامل لها نفس الحقوق التي تمنح للرجل.
قانون للأحوال الشخصية
عدم وجود قانون للأحوال الشخصية خاص بالمسيحيين واحد من الأمور التي تزيد من تلك المسألة تعقيدًا، كما قال الخبير القانوني مصطفى قباني. إذ يشير إلى أن فكرة وجود قانون ينظم قضايا الأحوال الشخصية للمسيحين سيحل تلك الأزمة. لأنه في العديد من الحالات يدفع ذكور المسيحين لتطبيق الشريعة الإسلامية للحصول على النصيب الأكبر من الميراث، وعند وجود قانون ستحل تلك الأزمة.
وبدأ أول اقتراح لإصدار قانون باسم الحريات الشخصية للمسيحيين في مصر عام 1978، واستمرت الدعوات والمطالبات بسن القانون حتى عام 2010. وأنشأت وزارة العدل لجنة لمراجعة مشروع قانون للحريات الشخصية، لكن لم يتم إقرار أي قانون، وفقًا للناشط الحقوقي أسحاق إبراهيم، الذي يذكر بأن الكنيسة القبطية هي المرجع الرئيسي للمسيحيين فيما يتعلق بالزواج والطلاق. لكن عند الميراث، يصبح الأمر متروكًا للدولة.