منذ بداية جولات التفاوض التي خاضتها إدارة الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته، دونالد ترامب، بخصوص المصالحة بين حركة طالبان والحكومة في أفغانستان، فإن ثمة شكوك عديدة ترافقت ومسارات “اتفاق السلام” الذي جرى في العاصمة القطرية، الدوحة، مطلع العام الماضي.

ممهدات السلام.. عناقيد الغضب في أفغانستان

ترجع بدايات الأزمة بين الولايات المتحدة وطالبان إلى عام 2001. إثر تنفيذ الأولى غارات جوية على مواقع الحركة. في غضون شهر من أحداث ما عرف بـ”غزوة منهاتن”، ورفض طالبان تسليم زعيم تنظيم القاعدة، أسامة بن لادن. حيث بدأت تتفاقم صورة النزاع بينهما. 

في العام 2014، كان التحالف الدولي قد أنهى مهامه القتالية. لكنه أبقى على آلاف الجنود، بحسب ما يعرف بـ”بند تدريب القوات الأفغانية”. واستأنفت الولايات المتحدة هجماتها العسكرية، الميدانية والجوية، حتى خلال فترات تقليص قواتها.

شهدت العلاقة المعقدة بين أطراف الأزمة، والمستمرة لنحو أربعة عقود، على خلفية الصراع المحتدم عسكريًا، جملة تغييرات. إذ ألغت واشنطن العقوبات المفروضة على أعضاء الحركة، بحسب بنود الاتفاق. وذلك في مقابل التزام الأخيرة بعدم التعاون مع تنظيم القاعدة، المصنف على قوائم التنظيمات الإرهابية.

أفغانستان.. فيتنام الثانية

وُصفت الحرب التي انخرطت فيها الولايات المتحدة ضد حركة طالبان، بأنها “فيتنام الثانية”. لذا، كان من بين دعاية ترامب الانتخابية العمل على “إعادة الجنود الأمريكيين إلى بلادهم، وعدم التورط في أي حرب لا طائل من ورائها”. وبحسب التقديرات الأمريكية، قتل في هذه الحرب أكثر من 2400 جندي أمريكي. بينما لا تزال هناك قوات أمريكية قوامها نحو 12000 جندي. 

يفترض أن يؤدي الاتفاق الذي جرى توقيعه العام الماضي إلى خفض العنف. أيضًا عدم استخدام الساحة الأفغانية في أي نشاطات عسكرية أو مسلحة. بالإضافة إلى انسحاب تدريجي لجميع القوات الأمريكية، وقوات حلف الناتو، من أفغانستان.

وبحسب مركز دراسات المستقبل، فإن تجربة الولايات المتحدة الأمريكية في أفغانستان، تعكس تطابقًا نسبيًا مع التجربة الأمريكية في فيتنام. وعلى مدار عدة سنوات، بداية من التدخل العسكري، في العام 2001، في أعقاب أحداث 11 سبتمبر، وحتى توقيع اتفاق السلام بين الحكومة الأمريكية وحركة طالبان يوم 29 فبراير 2020 “خسرت الولايات المتحدة الأمريكية نحو 2 تريليون دولار في الحرب، بخلاف الخسائر البشرية. وأودت الحرب بحياة أكثر من 2400 عسكري أمريكي، و1100 عسكري من قوات التحالف، وحياة 38000 من المدنيين الأفغانيين”.

سلام اضطرت إليه واشنطن في أفغانستان

يشير مركز الدراسات إلى أنه “في المستنقع الفيتنامي تورطت الولايات المتحدة الأمريكية في حرب على مدار سنوات”. وبدأ ذلك بدخول قوات أمريكية محدودة على جبهة الصراع في فيتنام، بداية من العام 1955، وحتى التصعيد العسكري في عهد جون كيندي. ويضاف إلى ذلك زيادة القوات الأمريكيةـ بداية من عام 1960، وصولاً لاتفاق باريس لإنهاء الحرب وانسحاب القوات الأمريكية في العام 1973. 

يلفت المركز إلى أن “المستنقع الفيتنامي أدى إلى أسوأ هزيمة في التاريخ الأمريكي”. بالإضافة إلى أكثر من 1.020 تريليون دولار. وتتراوح الخسائر ما بين تكلفة عسكرية للحرب ودعم عسكري واقتصادي لحكومة جنوب فيتنام، وخسائر بشرية تجاوزت 58.220 عسكري أمريكي.

في ظل التشابه بين تجربتي فيتنام وأفغانستان، أصبح الانسحاب العسكري من أفغانستان، التي وصل عدد الجنود الأمريكيين فيها إلى 12000 جندي مستهدفين بشكل مستمر، هدفًا استراتيجيًا لدى الحكومة الأمريكية، بحسب المصدر ذاته. وقد دفع ذلك إدارة ترامب إلى بدء مفاوضات دبلوماسية مباشرة مع حركة طالبان، التي تصنف الولايات المتحدة الأمريكية العديد من قادتها كإرهابيين. كما أنها تصنف منظمات أفغانية متحالفة معها مثل “شبكة حقاني” كمنظمة إرهابية.

آليات عسكرية أمريكية
آليات عسكرية أمريكية

اتفاق السلام.. الملابسات وعوامل الفشل

يشير الباحث المتخصص في الإسلام السياسي، عبد السلام القصاص، إلى أنه ليس من المتوقع أن تسفر جولات السلام عن إنهاء للنزاع. خاصة وأنه بعد أقل من شهر من الوصول لبنود السلام بين الحركة والحكومة، برعاية وزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو -وقتذاك- في الدوحة، نفذت الحركة هجمات عنيفة ضد مواقع الحكومة الأفغانية.

يضيف القصاص، في حديثه لـ”مصر 360: “هناك خلافات رئيسية معقدة، في ما يتصل بمضمون الاتفاق وآليات تنفيذه”. ويضاف إلى ذلك الأوضاع السياسية والميدانية المتوترة طوال الوقت بين الطرفين. إذ تشكل كل هذه العوامل ضغوطًا على الاتفاق، وتجعله في صورة هشة ومعلق بدون أفق سياسي. ومن بين المعضلات الموجودة هي آليات الإفراج عن سجناء الحركة لدى الحكومة. ثم تحديد عدد الأفراد المطلوب إطلاق سراحهم، ومواعيد التنفيذ.. وبينما تقول الحركة أن هناك نحو خمسة آلاف سجين، فإن الحكومة تعترض، وتشترط خفض العمليات المسلحة قبل تنفيذ أي وعود.

أفغانستان
أفغانستان

هجمات طالبان مستمرة

مطلع العام الحالي، أعلن الناطق الرسمي بلسان المجلس الأعلى للمصالحة الوطنية الأفغاني، فريدون خوازون، أن جولة جديدة من المحادثات بين حركة طالبان والحكومة الأفغانية ستعقد في قطر. وغرد عبر حسابه الرسمي في موقع التواصل الاجتماعي: “الجولة الثانية من المحادثات ستبدأ في 5 يناير في الدوحة”.

وأضاف خوازون أن “اللجنة القيادية للمجلس قررت إجراء المحادثات في الدوحة”. ولفت إلى أن “العديد من الدول التي تطوعت في وقت سابق لاستضافة المفاوضات، سحبت عروضها بسبب فيروس كورونا المستجد”.

ورغم جولات التفاوض والوصول إلى بنود اتفاق السلام بين الطرفين. إلا أن طالبان استأنفت نشاطاتها المسلحة، بعد أقل شهر من توقيع الاتفاق، قبل نحو عام. وذكرت وكالة “رويترز” للأنباء، أن “طالبان نفذت ما يزيد عن 4500 هجوم، في غضون 45 يومًا. وذلك منذ توقيع الاتفاق الذي استهدف وقف إطلاق النار.

قبل أيام قليلة، وفي أعقاب جولة جديدة للمفاوضات، تجددت المواجهات المسلحة ضد المصالح الأمريكية وقوات حلف الناتو، إضافة إلى مواقع الحكومة الأفغانية. وأدان الرئيس الأفغاني، أشرف غني، الأحد الماضي، الانفجار الذي أسفر عن مقتل الناطق الرسمي بلسان قوات الحماية العامة الوطنية، ضياء فيدان، وشخصين آخرين في العاصمة الأفغانية، كابول.

القاعدة وطالبان.. صلات قديمة وتحالف عضوي

بحسب بيان رسمي صادر عن الرئاسة الأفغانية، فإن الانفجار في كابول تسبب في “مقتل 3 أشخاص، من بينهم المتحدث باسم قوات الحماية العامة الوطنية”. ولفت البيان إلى أن “استهداف الشخصيات الوطنية الملتزمة والمتفانية جريمة ضد الإنسانية والقيم الإسلامية”. كما أن تصاعد العنف من قبل طالبان يتعارض مع روح الالتزام بالسلام. فالحركة لا تزال تتبع موقفها العدواني لإزهاق أرواح الأبرياء والإضرار بالمنشآت العامة.

من جانبها، أعلنت وزارة الدفاع الأفغانية، الخميس الماضي، عن تحرير قرابة 13 شخصًا من قبضة طالبان، من بينهم شرطي. موضحة أن “قوات الكوماندوز حررت الأسرى من سجن تابع لطالبان في منطقة واشير، في إقليم هلمند، جنوب البلاد. وذلك بدعم من القوات الجوية. وأجبرت المهمة الليلية مقاتلي طالبان على الفرار إلى القرى المجاورة.

بحسب تقارير رسمية، صادرة عن الحكومة الأفغانية، فإن “الفترة الممتدة بين 14 و21 حزيران (يونيو) العام 2020، كانت الأكثر دموية، منذ 19 عامًا”. وقد حصل 422 هجومًا ضد الجيش الأفغاني، في 32 ولاية. وأدى ذلك إلى سقوط 291 قتيلاً و550 جريحًا. ويلفت التقرير الحكومي إلى أن “الهجمات المسلحة طاولت المدنيين. وقضى 711 مدنيًا، ونحو 1374 جريحًا”.

أيضًا يشير تقرير رسمي لوزارة الدفاع الأمريكية، نهاية العام الماضي إلى أنه رغم التقدم الذي حققه اتفاق السلام، مؤخرًا. إلا أن تنظيم “قاعدة الجهاد في شبه القارة الهندية” ما يزال يقيم علاقات وطيدة وقوية مع طالبان في أفغانستان، بهدف الحماية والتدريب.

كما أن تنظيم “قاعدة الجهاد في شبه القارة الهندية يقدم دعمًا، بصورة دائمة، لطالبان”. وأيضًا ينشط مع مسؤولين غير بارزين في الحركة. وذلك في سياق سعيه لتقويض سلطة الحكومة الأفغانية. كما أنّه يخطط باستمرار لمهاجمة القوات الأمريكية، والأهداف الغربية، في المنطقة.

الانتماء الفكري والعقائدي المشترك

يتفق والرأي ذاته، تقرير آخر لمجلس الأمن الدولي، يبرز صلات تاريخية بين طالبان والقاعدة، ترجع لفترات من القتال المشترك، في مواقع ميدانية وعسكرية متفاوتة. فضلاً عن الانتماء الفكري والعقائدي المشترك بينهما. وكذا أواصر الصداقة والمصاهرة بين الطرفين. ويضيف التقرير الأممي: “القاعدة وشبكة حقاني، ربما، تشكلان قوة قتالية جديدة، شرق أفغانستان”.

وطالبت الحركة، مؤخرًا، الرئيس الامريكي المنتخب، جو بايدن، بتنفيذ الاتفاق الذي أبرمته الولايات المتحدة، وسحب القوات الأمريكية من أفغانستان، مطلع شهر مايو المقبل. واشترطت طالبان تنفيذ هذا البند لـ”ضمان مواصلة مفاوضات السلام الأفغانية الأفغانية وإنهاء الحرب التي دامت هذه السنوات”.

وذكر الناطق الرسمي بلسان المكتب السياسي لحركة طالبان، في الدوحة، محمد نعيم، أنه “لابد من إتخاذ خطوات الآن لإنهاء الحرب، وليس لإطالة أمدها، وأن الاتفاق أبرم من أجل هذا الغرض”. وأضاف: “عدم التنفيذ الكامل للاتفاق يمكن أن يؤثر على عملية المفاوضات الحالية”.