لولاية سادسة، جدد الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني قبضته على الحكم بعد 35 عاماً، منذ أن قاد تمردا عسكريا مسلحا ضد الحكومة الأوغندية السابقة بقيادة أوكيلو وتوليه في 1986 ليتصدر قائمة الرؤساء الأفارقة الأطول بقاءاً في السلطة، حيث أعلنت لجنة الانتخابات في أوغندا فوزه وحصوله على 58.6% من الأصوات، رغم ارتفاع أصوات المعارضة التي نددت بما وصفته بـ “محاولات ابقاءه رئيساً مدى الحياة”.
لم تشهد أوغندا الواقعة في شرق أفريقيا والمطلة على بحيرة فيكتوريا أحد أهم منابع نهر النيل، أي عملية انتقال سلمي للسلطة منذ استقلالها عن الاحتلال البريطاني في 1962 رغم غجراء الانتخابات وفق دستور 1995 كل أربعة سنوات.
فوز موسيفيني البالغ من العمر 76 عامأً جاء رغم محاولات إصلاح الدستور لوضع قيود تتعلق بالحد الزمني لمدة الرئاسة والحد الأقصى لسن الترشح، حيث لا يتجاوز 75 عاماً، إلا أنه تم احباط جميع هذه المحاولات حيث فاجئ موسيفيني معارضيه بتعديل دستوري في 2018 يلغي الحد الأقصى لسن الترشح للرئاسة وهو التعديل الذي صاغه نواب حزب حركة المقاومة الوطنية تحت قيادة موسيفيني، حيث أعطي لموسيفيني فرصة البقاء في السلطة عبر انتخابات أخرى.
رغم مشاهدات عامة عن حالة من الهدوء خلال عمليات الاقتراع، إلا أن الحملة الإنتخابية للرئيس موسيفيني تخللها العديد من أعمال الشغب والعنف حيث قُتل عشرات الأشخاص ومارست الشرطة العديد من الاعتقالات والتوقيفات،لداعمي مرشح المعارضة المغني السابق، روبرت كياغولانيي الشهير بـ”بوبي واين”.
وخلال إجراء الانتخابات التي تمت تحت رقابة أمنية مشددة، قامت الحكومة الأوغندية بقطع الإنترنت بشكل شبه كامل، فضلاً عن منع مواقع التواصل وتطبيقات المراسلات طوال أسبوع الانتخابات، وهو ما علق عليه الرئيس الأوغندي في تغريده له بـ” البلاد ليس لديها خيار آخر بعدما أغلق موقع فيسبوك بعض الحسابات التي تدعم حزبه”.
ورغم مشاركة 11 مرشحا ضد الرئيس موسيفيني إلا أن مغني البوب السابق، بوبي واين الذي خاص الحياة السياسية، كان الأكثر شعبيه أمام موسيفيني حيث حصد 3,48 مليون صوت، حسب ما أعلنته اللجنة العليا للانتخابات .
اقرأ أيضًا: لا مؤشرات لحل حاسم.. متى يعلن الاتحاد الأفريقي فشله في إنهاء النزاع حول سد النهضة؟
صوت المعارضة وسياسات التهميش
رغم سيطرة حركة المقاومة الوطنية التي تعد الحزب الحاكم في أوغندا برئاسة موسيفيني على الحياة السياسية إلا أن المغني بوبي واين ذو الثماني وثلاثون عاماً، استطاع جذب أصوات المعارضين والغاضبين من استمرار موسيفيني في الحكم حيث يرون فيه بقاءه استمرار للفشل في إدارة البلاد، واستمرار المشاكل التي تعانى منها أوغندا من البطالة وارتفاع معدلات الفقر وزيادة الدين العام مع عدم الاستفادة من الأمكانات والموارد الطبيعية بالدولة
فوز موسيفيني الذي يتمتع بكاريزما سياسية هي الأشهر والأوقى على مستوى الزعماء الأفارقة، كان متوقعاً من قبل المراقبين للمشهد السياسي في أوغندا خاصة مع تمتعه بدعم الجيش والشرطة ومراكز القوة في الدولة، رغم ارتفاع صوت المعارضة وحالة الغضب التي سيطرت على الشارع الأوغندي من سياسات التهميش وتوسيع قبضته على الحكم.
خلال العقود الثلاثة التي حكم فيها موسيفيني أوغندا نجح في تحقيق استقرار نسبي في الحياة السياسية بعد سلسة من الإضطرابات شهدت العديد من حركات التمرد المسلح منذ استقلال أوغندا عن الاحتلال البريطاني، إلا أن مؤشرات الفقر والأستبداد خلال الفترة الأخيرة أعادت إلى المشهد السياسي العديد الاضطرابات مرة أخرى مع ارتفاع حالات العنف ضد أصوات المعارضة بخاصة منذ أخر انتخابات رئاسية في 2016 والتي شهدت انخفاض في شعبية الرئيس، وظهور نجم المغني بوب واين الذي أصبح أبرز رموز المعارضة الرافضين لبقاء موسيفيني في السلطة.
خرجت معارضة موسيفيني من وسائل التواصل الاجتماعي والتجمعات الأهلية إلى الشارع مع بعض الصدامات منذ 2018 بدأت مع قيام مجموعة من المتظاهرين بالقاء موكب الرئيس بالحجارة، والتراشق بين مؤيدي زعيم المعارضة بوب واين والشرطة.
المعارضة على إيقاف موسيقى البوب
يرى مراقبون للمشهد السياسي في أوغندا أن استمرار موسيفيني في الحكم خلق حالة من الاستقطاب الحيلي الحاد بين جيل الشباب والكبار، خاصة مع ارتفاع نسبة المصوتين لزعيم المعارضة الذي يمثل جيل الشباب.
وجود بوب واين على رأس تيار المعارضة خلق حالة جديدة تغير على إثرها المعارضة التقليدية لموسيفيني وحزبه، حيث استطاع واين باستخدام موسيقى البوب والغناء في تدعيم موقفه السياسي والانتشار السريع بين صفوف الشباب، وهو ما كان خلق تيار جديد تجاوز الأحزاب والمنافسين التقليدين لموسيفيني في الانتخابات أو البرلمان.
وفقاً لتقارير حقوقية فإن الحياة السياسية في أوغندا لا تقل تدهوراً عن غيرها من البلدان الأفريقية حيث لا يزال هناك العديد من الممارسات ضد المجتمع المدني من تقديم الاتهامات في التسبب في زيادة حدة الاضطرابات السياسية في البلاد، بل تصاعدت الاتهامات إلى مساندة منظمات ارهابية .
احتكار عائلة موسيفيني لمراكز القوة ومفاصل الدولة في أوغندا كان سببا ً أخر في زيادة الغضب الشعبي حيث قام الرئيس موسيفيني في 2008 بانشاء وحدة القوات الخاصة والتي تعد أهم أفرع الجيش الأوغندي واسناد قيادتها إلى ابنه موهويزي، والذي قام بتعينه مستشار رئاسي.
انخفاض معدلات النمو الاقتصادي كانت سبباً آخر في زيادة موجات الغضب الشعبي حيث تراجع معدل نمو ليصل إلى أقل من 4% بسبب انخفاض التصدير ومعاناه المزارعين من انعدام الخدمات والدعم الحكومي وسياسات الحماية من تقلبات السوق.
لا يُسمح لأحد بالدخول إلى منزلي!
محاولات حزب الرئيس موسيفيني بمساعدة الجيش والشرطة تمرير الانتخابات لصالحه صاحبتها عمليات تزوير وعنف حسب ما سجله مراقبون للانتخابات وبيانات لأنصار المرشح المعارض، بوب واين، حيث سقط عشرات القتلى في مداهمات أمنية على تجمعات لأنصار المعارضة، وتم اعتقال عاملين في حملات المعارضة.
استغلت الحكومة الأوغندية جائحة كورونا لمنع التجمعات حيث تم حظر المؤتمرات الانتخابية في بعض أنحاء البلاد، فضلاً عن مضايقات وتحجم لفرص المرشح المنافس لموسيفيني من الظهور في وسائل اعلام محلية.
قرار الحكومة بقطع الإنترنت حال أيضاً من قدرة أنصار المرشح المنافس لموسيفيني من مراقبة عمليات فرز الأصوات في مراكز التصويت وتصوير أوراق النتيجة.
قبيل الإعلان عن النتائج الرسمية للانتخابات عرض المرشح الرئاسي المعارض بوب واين، في مؤتمر صحفي العديد من اللقطات التي تثبت تزوير الانتخابات، مؤكداً أن فاز في الانتخابات، إلا أنه مع إعلان فوز موسيفيني تم وضع واين قيد الإقامة الجبرية منذ يوم السبت الماضي، حيث قال في تغريده له على موقع تويتر “لا يُسمح لأحد بالدخول إلى منزلي”، داعياً المنظمات الدولية والرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن إلى التدخل لمحاسبة موسيفيني.
اقرأ أيضًا: قانون الشفافية.. باب يُفتح لإنهاء أزمة ديون السودان وآخر يغلق بوجه اقتصاد الجيش
منع السفيرة الأمريكية
ومنعت قوات الأمن الأوغندي السفيرة الأمريكية في العاصمة كمبالا من زيارة زعيم المعارضة، حيث وصفت السفارة الأمريكية احجتازه في منزله بأنه مؤشر مقلق، وقالت في بيان صحفي اليوم الثلاثاء، “هذه الأفعال غير القانونية والاحتجاز الفعلي لمرشح رئاسي في منزله لا تزال تشكل اتجاها مقلقا لمسار الديمقراطية في أوغندا“، إلا أن المتحدث باسم الحكومة الأوغندية انتقد البيان الأمريكي متهماً الولايات المتحدة بمحاولة تقويض الانتخابات والتشكيك في نزاهتها، مؤكداً رفض بلاده التدخل السافر في الشؤون الداخلية.
مع بعض المؤشرات السلبية التي خلفتها الانتخابات الرئاسية الأخيرة واستمرار موسيفيني في حكم أوغندا، وارتفاع الغضب من الممارسات القمعية، إلا أن المراقبين استبعدوا سيناريوهات الثورة في أوغندا على غرار ما حدث في السودان والإطاحة بعمر البشير لعدة أسباب ترجع إلى استمرار الرضا النسبي عن بعض سياسات الرئيس موسيفني وقدر النهضة الذي استطاع تحقيقه في أوغندا خلال سنوات حكمه، وقوة النظام في الهيمنة على مفاصل الدولة بداية من الإعلام والمجتمع المحلي بشكل كبير، إلا أن هذه التوقعات قد تخطئ خاصة مع وجود تيار معارض قوي يعتمد بالأساس على أصوات المهمشين والفقراء ويحظى برواج كبير عبر وسائل التواصل الإجتماعي بين تيار الشباب الذي يسعى للتغير.