في وقت تُلغى الاتحادات الدولية لألعاب رياضية مختلفة، منها الفردي والجماعي، بطولات كانت معدة سلفا، بسبب تفشي فيروس كورونا المستجد في الكثير من البلدان، استطاعت مصر حتى الآن أن تكسب الرهان على تنظيم بطولة العالم لكرة اليد للرجال، متجاوزة التحديات الطبية التي قد تتسبب في إفشال الحدث الدولي الأكبر على مستوى هذه اللعبة، من أجل مكاسب أخرى متعلقة بالمكاسب السياسية والاقتصادية.
وتستضيف مصر حاليًا النسخة 27 من بطولة العالم لكرة اليد للرجال، والتي بدأت في 13 يناير الجاري وتستمر حتى 31 من نفس الشهر، رغم تفشي فيروس كورونا المستجد. الأمر الذي وضع تحديات جمة أمام الاستعداد المثالي للبطولة. منذ بدء بعثات المنتخبات المشاركة بالبطولة في التوافد إلى مصر بداية من أول الشهر الحالي.
بطولات ألغيت حول العالم بسبب كورونا
ويعد كأس العالم لليد في مصر، الحدث الأكبر رياضيًا منذ بداية جائحة كورونا مطلع العام الماضي، حيث تأجلت أغلب الأحداث الرياضية الكبرى في 2020، وأبرزها أولمبياد طوكيو المقرر إقامتها الصيف المقبل رغم مخاوف من تأجيل جديد، بعدما أعلنت اليابان الطوارئ في البلاد لمدة شهر بسبب تزايد الإصابات، كما تأجلت كأس الأمم الأوروبية “يورو 2020” التي كان مقررا إقامتها في 12 مدينة أوروبية.
وألغيت مجموعة من الأحداث الرياضية الأخرى حول العالم خشية من انتشار العدوى، ففي عالم كرة القدم تم إلغاء الدوري الفرنسي وتوّج باريس سان جيرمان بطلاً، وفي بلجيكا تم تعيين كلوب بروج بطلاً مع إلغاء المنافسات، وفي هولندا انتهى الدوري من دون تتويج بطل، وفي اسكتلندا توّج سيلتك بطلاً، أما في السويد فلم ينطلق الموسم الكروي وتم إلغاؤه.
أما في رياضة التنس، ألغيت بطولة “ويمبلدون” لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية بسبب كورونا، وفي “الفورمولا 1” ألغيت مجموعة من السباقات في عدة دول من بينها سنغافورة وأذربيجان اللتان لم تتمكَّنا من الانتهاء من بناء الحلبات، أما في اليابان فقد دفعت القيود المفروضة على السفر المنظّمين إلى إلغاء الأولمبياد وباقي الأحداث الرياضية الكبرى هناك.
وبالعطف على ذلك حدثت خسائر اقتصادية عملاقة بسبب فيروس كورونا على جميع الألعاب الرياضية، حيث رجحت شبكة “ESPN” الرياضية الأمريكية أن خسائر أولمبياد طوكيو تصل إلى 6 مليارات دولار، فيما لم تصرح اللجنة إلا عن 3 مليار دولار كتكاليف إضافية لتأجيل الألعاب إلى أغسطس 2021، ومنذ إعلان التأجيل كانت السلطات تعمل على خفض النفقات وتبسيط الألعاب، لأنها كانت تعلم أنّ الفيروس سيشل العجلة الاقتصادية.
كل ذلك طرح أسئلة متعلقة بإصرار مصر على تنظيم الحدث العالمي الكبير رغم إلغاء حضور الجماهير والصحفيين وسط تفشي الفيروس الخطير، خاصة وأن هذه البطولة يشارك بها 32 منتخبًا للمرة الأولى. وتقام منافساتها في 4 صالات، هي: صالة ستاد القاهرة – صالة العاصمة الإدارية الجديدة – صالة برج العرب – صالة الدكتور حسن مصطفى بـ 6 أكتوبر.
ورغم المخاوف، لم يواجه تنظيم البطولة في مصر اعتراضات تذكر، باستثناء رئيس مجلس الإشراف بنادي إرلانجن الألماني لكرة اليد كارستن بيسيل، الذي وجه انتقادات حادة لإقامة بطولة العالم لكرة اليد، رغم الموجة الثانية من جائحة كورونا، معربا عن خشيته من عواقب على اللاعبين.
وقال بيسيل في تصريحات صحفية: “الفقاعة المزعومة في القاهرة مزحة.. ينتابك شعور بأن المنظمين في مصر غير مهتمين بمفهوم حقيقي للنظافة، بل إنهم سيسمحون بدخول متفرجين، يا له من جنون”.
لماذا أصرت مصر على تنظيم البطولة؟
استطاعت مصر رسم صورة ذهنية مثالية كبلد نجح في استضافة بطولتين قاريتين خلال عام 2019. وهي بطولة كأس الأمم الأفريقية للكبار. بعد سحبها من الكاميرون، وفي فترة زمنية وجيزة نجحت خلالها في الخروج بالحدث في أبهى صوره، بتسخير كافة الإمكانات وتضافر جهود مؤسسات الدولة. فضلاً عن استضافة كأس الأمم الأفريقية للشباب المؤهلة إلى دورة الألعاب الأولمبية “أولمبياد طوكيو”، والذي نجح المنتخب المصري في التتويج بلقبها وتحقيق الإنجاز الأول في تاريخ المنتخب الأوليمبي.
اقرأ أيضًا: بعد الـ 2000 مصاب.. هل تتخذ مصر إجراءات جديدة لوقف نزيف كورونا؟
كل هذا دفع مصر للإصرار على استضافة الحدث العالمي في كرة اليد والخروج به لبر الأمان من واقع خبراتها ونجاحها الكبير في تنظيم الأحداث الكبرى بالفترة الأخيرة، وتحدي فيروس كورونا، وهذا ما أكده الدكتور خالد مجاهد المتحدث باسم وزارة الصحة والسكان، في مداخلة هاتفية بأحد القنوات.
أضاف مجاهد في حديثه، أن وزارة الصحة والسكان قامت بالتعاون مع أجهزة الدولة المعنية، بوضع خطة تأمين طبي لتكثيف الفعاليات من أجل استضافة البطولة في مصر.
وعلق: “أن الهدف الرئيسي أن تكون صورة مصر مشرفة بما يليق بها”.
وأشار إلى أن تم التشديد على ارتداء الكمامات، وإجراء تحليل PCR كل 72 ساعة لكل الفرق المشاركة في البطولة.
وأشار إلى أن القوات المسلحة تعقم كافة الأماكن والفنادق والاستاد، قبل وفود الفرق المشاركة، بالإضافة إلى أن الفنادق تقوم بالتعقيم يوميًا، وذلك تحت إشراف الفريق الطبي الوقائي من الوزارة.
التحدي الذي قبلته مصر
على جانب آخر، أيد حسن لبيب مدير المونديال هذا الحديث والاتجاه للدولة في قبول هذا التحدي والإصرار على تنظيم البطولة.
وأكد في تصريحاته لوكالة الأنباء الألمانية، أن الحكومة المصرية لم تتوان عن تقديم كافة أوجه الدعم منذ إعلان فوز مصر بشرف تنظيم البطولة، من أجل إخراجها بالشكل اللائق. حيث أدت هذه الجهود إلى تحقيق طفرة هائلة في البنية التحتية الرياضية.
كما يرى مدير المونديال أن الدولة المصرية قبلت التحدي بإقامة البطولة في موعدها المحدد سلفًا، رغم حالة التشكيك التي استمرت حتى قبل ساعات من انطلاق المونديال بسبب أزمة الجائحة، بعد أن اتخذت كافة الاحتياطات وطبقت الإجراءات الاحترازية والبروتوكولات الطبية بصرامة لمنع تفشي العدوى بين الفرق الزائرة.
وأوضح أن اللجنة العليا للبطولة تضم 18 وزيرًا وتحظى بمتابعة مستمرة من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء مصطفى مدبولي، للتيقن من أن كل الأمور تسير على النحو الأمثل، وأشاد لبيب بالعمل الذي تم إنجازه على هامش البطولة والذي تضمن بناء ثلاث صالات جديدة على أعلى مستوى بجانب تحديث الصالة المغطاة باستاد القاهرة الدولي لتصبح مواكبة للحدث العالمي.
عبر لبيب عن أمله في أن تكون بطولة العالم لليد خطوة على الطريق نحو أن تصبح مصر أول دولة في الشرق الأوسط وأفريقيا، تستضيف دورة الألعاب الأولمبية، مؤكدًا أن مصر قادرة على هذا التحدي وتمتلك كل المقومات اللازمة لاستضافة الأولمبياد.
كلام مدير البطولة هذا يؤكد أن إصرار مصر على استضافة الحدث رغم تفشي كورونا ووجود كل هذه الظروف المعاكسة، جاء بالأساس من رغبة سياسية في البلاد لإثبات أن مصر تستطيع تنظيم أكبر الأحداث العالمية حتى رغم كل الظروف المعاكسة، وتوصيل صورة جيدة للبلاد وأنها ليس بها مشاكل كبرى رغم خطورة الفيروس المستجد، ثم وافقت تلك الرغبة مع رؤية وثقة الاتحاد الدولي للعبة الذي يترأسه المصري حسن مصطفى، في مصر وقدرتها تلك على تنظيم الحدث وعدم تأجيله مثل أحداث وبطولات كبرى أجلت في بعض بلاد العالم المختلفة بالفترة الأخيرة.
اقرأ أيضًا: هل انتهى فيروس كورونا من مصر؟ .. المستشفيات تُجيب
مكاسب اقتصادية أم سياسية؟
يحدثنا أحد أعضاء اللجنة المنظمة للبطولة، الذي رفض ذكر اسمه، أن المكاسب التي ستحققها مصر من البطولة سيكون معظمها معنوي ويعكس صورة إيجابية كبيرة عن مصر وسط بلاد العالم أجمع، وهي ربما تكون في المقام الأول مكاسب سياسية للبلاد ورئيسها وحكومتها بطبيعة الحال، ثم مكاسب سياحية وأخرى متعلقة بالأمن والأمان في ربوع مصر ومن ثم تأتي بعد ذلك المكاسب الاقتصادية وراء ذلك إذا تم استثماره بالشكل المناسب في الفترة اللاحقة للبطولة ونجاحها، مثلما قامت منتخبات ألمانيا واليابان عن طريق لاعبيها بنشر صور للأهرامات والإسكندرية في دعاية كبيرة للبلاد.
وأكد أن المكاسب الاقتصادية من تنظيم البطولة نفسها لن تكون بنفس التصور المتوقع لها، في ظل عدم حضور جماهير بسبب تفشي الفيروس، لكنها ستحظى بمكافآت مالية كبيرة من الاتحاد الدولي جراء التنظيم كما تجري العادة في كل بطولات العالم السابقة مع الدول المستضيفة لها، ولكن البعد الاقتصادي المنتظر يأتي بعد ذلك من السياحة والصورة الدعائية الجيدة لمصر التي ستتناقلها البعثات والمنتخبات المختلفة المشاركة بالحدث العالمي.
مسؤولية مصر أم الاتحاد الدولي ومن يتحمل الأضرار؟
كشف حسن لبيب مدير بطولة العالم في مصر لكرة اليد، عن وجود 15 حالة إصابة بفيروس كورونا المستجد بين الفرق المشاركة من بينها أربعة لاعبين في فريق واحد، لكن تم التعامل مع هذه الحالات وفقا للإجراءات المتبعة مع عزل الحالات المصابة بالعدوى وإخضاعها لمسحات جديدة لحين تحول نتائج العينات من إيجابية إلى سلبية.
وأشار إلى أن الحالات الإيجابية التي لا تظهر عليها أعراض يتم عزلها في فنادق مخصصة، بينما الحالات التي تظهر عليها الأعراض يتم نقلها إلى المستشفيات المجهزة لاستقبال المصابين بكورونا.
أكد لبيب أن اللجنة المنظمة فوجئت بانسحاب المنتخب التشيكي عقب تبين إصابة عشرة من لاعبيه بالفيروس قبل انسحاب المنتخب الأمريكي لوجود 12 حالة إصابة بين لاعبيه، لكن الاتحاد الدولي تدخل سريعا وحل الأزمة عبر استدعاء منتخبي مقدونيا الشمالية وسويسرا.
وأشار مدير بطولة العالم في مصر لكرة اليد، إلى أن لوائح البطولة تنص على ضرورة تواجد تسعة لاعبين وحارس مرمى في كل فريق خلال المباريات، وأن في حال عدم توافر اللاعبين العشرة يتم اعتبار الفريق منسحبا من المباراة، وإذا تكرر الأمر ذاته في المباراة التالية يتم اعتبار الفريق منسحبا من البطولة.
كل الاتحادات وافقت على الحضور
هذه التوضيحات تؤكد أن المسؤولية القانونية والأخلاقية عن حدوث أية إصابات أو مضاعفات لن تقع على مصر أو الاتحاد الدولي للعبة، لأنها جاءت بعد موافقة كل البلدان المشاركة واتحاداتها الرسمية بشكل كتابي رسمي، حتى يخلي الاتحاد الدولي للعبة مسؤوليته عن ذلك بشكل قانوني، حيث وافقت كل الفرق على المشاركة ومن رغب في الانسحاب مثل التشيك وأمريكا انسحب بالفعل واستدعى الاتحاد منتخبين بدلاً عنهما، وبالتالي فإن الجميع موافق ومسؤول عن منتخبه وبعثه بالاتفاق مع الاتحاد الدولي للعبة وهنا تكون المسؤولية مشتركة بينهما.
أما الدولة المستضيفة، فغير مسؤولة على الإطلاق عن تلك البعثات والمنتخبات حتى وصولها لأرض مصر، هنا تكون مسؤولة بشكل كامل عن سلامتها ومسحاتها والإجراءات الاحترازية الخاصة بها، وإذا حدث تقاعس أو فوضى أو إهمال من المسؤولين عن تطبيق كل هذه الإجراءات وأدى ذلك لحدوث أي مشكلة ستكون المسؤولية عليهم بالتأكيد وعلى البلد المستضيف.
الاحتياطات اللازمة التي اتخذتها مصر للبطولة
في ظل تفشي وباء كورونا أعدت مؤسسات الدولة ممثلة في وزارة الشباب والرياضة ووزارة الصحة، نظام رصين لاستضافة مونديال اليد، للحفاظ على سلامة المشاركين سواء على مستوى بعثات المنتخبات أو الوفود المشاركة على مستوى العالم، وكافة الأطراف المنظمة للبطولة.
تتبع الحكحومة النظام الطبي المطبق في بطولة العالم لليد، الذي وصفه الدكتور أشرف صبحي وزير الشباب والرياضة بـ”الفقاعة الطبية” وهو ما تم تطبيقه على كل وافد من المنتخبات المشاركة في البطولة.
وحرصت اللجنة العليا لمونديال اليد على تلبية كل متطلبات الاتحاد الدولي للعبة من بداية الإجراءات الطبية والعزل بجانب الإجراءات الأمنية وتسهيل إجراءات الجوازات، بالإضافة إلى توفير أماكن خاصة للإعلاميين الوافدين مع فرقهم بعيدة عن وسائل الإعلام المصرية، بحيث يطبق عليهم أيضًا نظام يسمى بالفقاعة الطبية من وقت وصولهم حتى مغادرتهم مصر.
“الفقاعة الطبية” نظام يحمي كل شخص مشارك، حيث سيجنبه الاختلاط إلا في المنافسات، وسيتم فحصه طبيًا قبل وبعد التدريبات والمباريات، وسيكون النظام شامل الفنادق المقيمين بها بالعاملين، بحيث لن يدخل أو يخرج أي فرد من الفندق طوال استضافته للفرق الموجودة ويجنب الجميع الاختلاط ويوفر كل سبل العزل الصحي، وأكد صبحي أن مصر بذلت قصارى جهدها لإقامة البطولة في ظل جائحة كورونا وتم بحث كل التفاصيل مع رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي رئيس اللجنة العليا للبطولة بعضوية 18 وزيرًا.
إصابات كورونا في مصر
رغم كل ما سبق وتحدي الحكومة والجميع لفيروس كورونا وتنظيم بطولة العالم لليد، تعد مصر هي الأعلى وفيات وإصابة من الفيروس المستجد بالشرق الأوسط كله وجميع بلاده، وهو ما أكده الدكتور عادل خطاب عضو اللجنة العليا للفيروسات بوزارة التعليم العالي.
وأكد خطاب في مداخلة تلفزيونية أن أعداد الوفيات من فيروس كورونا خلال العشرة أيام الماضية في تزايد مستمر، وأنه لا يمكن التأكيد بانخفاض منحنى إصابات كورونا في ظل تغير أعداد الحالات على مدار الأيام في هذه الآونة، مشيرا إلى أنه خلال الأيام القليلة الماضية كانت أعداد المصابين بكورونا تتراوح من أقل من 1000-1400 يوميًا، وعدد الوفيات يقدر بحوالي 50 بشكل يومي، والأهم هو أعداد الحالات الحرجة التي تكون بحاجة إلى رعاية بالمستشفيات.
وسجلت مصر 150753 إصابة مؤكدة بكورونا و8249 وفاة بالمرض منذ بدء الجائحة فيها قبل أكثر من عشرة أشهر، ورغم كل هذا أصرت الحكومة المصرية بالاتفاق مع الاتحاد الدولي للعبة، على تنظيم البطولة في مصر بهذا التوقيت الصعب أثناء انتشار كورونا بهذا الحجم الخطير.