باتت أيام أسامة هيكل وزير الدولة للإعلام معدودة في منصبه، بعدما حاصره أعضاء كثر بمجلس النواب، بعضهم ينتمي للأغلبية النيابية، أمس، باتهامات التقصير والجمع بين منصبي وزير الإعلام ورئيس مجلس إدارة مدينة الإنتاج الإعلامي، بما يخالف القانون.

الهجوم الكبير الذي تعرض له هيكل ليس الأول من نوعه، فقد تعرض الرجل لأزمة كبرى أكتوبر الماضي، الأمر الذي استدعى هجومًا كبيرًا من رؤساء تحرير ومقدمي عدد من برامج التوك شو على الوزير الذي انتقدهم.

هيكل ليس الوزير الوحيد الذي ينتقد من قبل النواب الجدد، لكنه الوحيد الذي طُلب منه الاستقالة بشكل صريح، لإخفاقه في ملف عمله الرئيسي، فكيف وصلنا إلى هذه المرحلة؟

متى بدأت أزمة هيكل؟

بدأت وتيرة الانتقادات تتصاعد ضد وزير الدولة للإعلام أسامة هيكل، عقب نشره تصريحات وصفت بـ”المسيئة” للجماعة الصحفية والإعلام. كتب هيكل على الصفحة الرسمية لوزارة الإعلام على موقع “فيسبوك”: “الأعمار أقل من 35 سنة، ويمثلون حوالي 60 أو 65% من المجتمع، لا يقرأون الصحف ولا يشاهدون التليفزيون. وبالتالي من المهم التفكير في نمط حياة هذه الفئات”.

هيكل انتقد في تصريحاته لأكثر من منصة مستقلة، الوضع الإعلامي الذي يسيطر عليه الجهات الحكومية، كما رفض سياسة حظر نشر الموضوعات، التيمة الغالبة على شكل الإعلام منذ 2014.

تلقف رؤساء التحرير ومقدمو البرامج تصريحات الوزير بشيء من السخط والغضب. وخلال ساعات قليلة قاد خالد صلاح رئيس تحرير اليوم السابع، ومحمد الباز رئيس تحرير الدستور، ووائل الإبراشي مقدم برنامج التاسعة على التلفزيون المصري حملة الهجوم الحاد على الوزير.

مكالمة هيكل المسربة

لم يهدأ الهجوم على هيكل، بل راح لنقطة لم تكن في الحسبان، حيث أذاع التليفزيون الرسمي تسريبًا لمكالمة تليفونية جمعت الوزير -عندما كان يشغل منصب رئيس تحرير جريدة الوفد- برئيس حزب الوفد في ذلك الوقت السيد البدوي. طالب البدوي هيكل خلال المكالمة بتكثيف الهجوم على جماعة الإخوان، التي تصنفها الدولة حاليا كجماعة إرهابية.

جاء في المكالمة المسربة على لسان البدوي: “كان هناك حوار وطني حضره يحيى الجمل ومجلس الوزراء ونجيب ساويرس وعمرو موسى وعددًا من عناصر الإخوان، ولم يتم استدعاء الوفد”. من ثم تحدث البدوي مع مديرة مكتبه قائلاً: “اطلبي لي أسامة هيكل وسليمان جودة، عشان يقطعوهم، عشان لم يدعوا حزب الوفد، الأيام جاية، والوفد سيكون له شأن”.

الصدمة لم تكن من تسجيل مكالمة لأحد رؤساء الأحزاب السياسية، وإنما لأن التلفزيون الرسمي للدولة هو ما أذاع تفاصيل هذه المكالمة، ما زاد من مساحة التكهنات حول حقيقة الخلاف مع أسامة هيكل.

محاولة لتهدئة الأمور

استشعر هيكل الحرج جراء هذه الأزمة، وأدرك أن مقعده بات في خطر. على الفور شرع إلى إجراءات وصفها بـ”لم الشمل”، وعمد إلى دعوة عدد من رؤساء التحرير ومقدمي البرامج وشباب الصحفيين إلى حضور جلسة نقاشية في مقر وزارة الإعلام. وذلك للوقوف على دور الوزارة وسياسة الدولة الإعلامية. وخلال مقطع فيديو نشر على الصفحة الرسمية للوزارة، قال هيكل إن تصريحاته التي أثارت استياء عدد من الإعلاميين والصحفيين المصريين اجتُزئت من سياقها. وإن الوضع لا يحتمل أن تستغل بعض الجهات الخارجية الخلافات بيننا للإضرار بالأمن القومي المصري.

وفي أعقاب اللقاء، هدأت زوبعة الهجمة الشرسة على وزير الإعلام وعاد الصمت تجاه الوزارة ووزيرها من جديد.

البرلمان يلقي حجرًا في المياه الراكدة

مع بداية الفصل التشريعي الجديد، بدأ البرلمان بخطوة جديدة -لم تعرفها الدورات السابقة- فاستدعى الحكومة، لعرض برنامج كل وزارة على حدة. لسوء حظه كان أسامة هيكل واحدًا من أوائل الوزراء الذي عرضوا برنامجهم على البرلمان. ليفاجأ بجملة انتقادات وصلت إلى حد مطالبته بتقديم استقالته.

خلال الجلسة العامة، قال هيكل إنه فور تكليفه بتولي الحقيبة الوزارية عمل على محورين؛ الأول إنشاء كيان للوزارة وتحديد مقر للعمل وميزانية. وهذا الأمر لم يكن سهلاً، على حدث قوله. بينما كان المحور الثاني متعلقًا برؤية الوزارة للعمل ودمجها في خطة عمل الحكومة. وذلك في ظل وجود حكم الدستور بتقسيم الهيئات الإعلامية إلى المجلس الأعلى للإعلام، والهيئة الوطنية للصحافة، والهيئة الوطنية للإعلام، حاول هيكل تهدئة الأجواء إلا أن الغضب هذه المرة كان أكبر من الاحتواء.

زعيم الأغلبية يهاجم هيكل

خلال هذه الجلسة البرلمانية، شن زعيم الأغلبية النائب أشرف رشاد رئيس الهيئة البرلمانية لحزب “مستقبل وطن”، هجومًا على هيكل على خلفية جمعه بين منصبي وزير الدولة للإعلام ورئيس مدينة الإنتاج الإعلامي.

وتساءل رشاد: هل ذلك بسبب عدم وجود كوادر في الدولة تتولى مناصب بدلاً من ذلك الجمع المخالف للدستور والقانون؟ وأعقب رشاد ذلك بمطالبة هيكل بإعادة المبالغ المالية التي تقاضاها متوليًا منصب وزير الإعلام.

فيما طالبت أميرة العادلي، عضو مجلس النواب عن تنسيقية شباب الأحزاب، بضرورة أن يتقدم الوزير باستقالته لـ”فشله في إدارة الملف الإعلامي خلال فترة توليه”.

وقالت العادلي، موجهة حديثها لوزير الإعلام: “ماذا فعلت من يوم توليك الوزارة، بالإضافة إلى إهدار المال العام بمدينة الإنتاج الإعلامي؟”. واستغربت من أنه كمسؤول في الدولة ليست لديه صلاحيات ويهاجم إعلام الدولة التي يمثلها. مضيفةً أن في ذلك إساءة للدولة المصرية وأن عليه تقديم استقالته.

تلك الانتقادات والمطالبات ربما تمهد الطريق لإزاحة الرجل من منصبه، خصوصا أن الأنباء الواردة من البرلمان تشير إلى إجراء تعديل وزاري وشيك سيطيح بـ10 وزراء، قد يكون بينهم وزير الدولة للإعلام.