لا يعرف كثيرون أن مصر تملك سوقًا نشطة للكحوليات والخمور، تتضاعف على مستوى المبيعات والأرباح سواء للاستهلاك المحلي أو الأنشطة السياحية بإنفاق يزيد بمستوى 15% سنويًا يصب غالبيته في جيب شركة “الأهرام للمشروبات” صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة بالسوق.

اضطر جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية، للتدخل لمواجهة احتكار الشركة للسوق وفرضها قواعد خاصة للبيع والشراء تتنافي مع القوانين المصرية، وتضر بالتجار والمنشآت السياحية التي تتعامل معها.

احتكار الأهرام للمشروبات

تحتكر شركة “الأهرام للمشروبات” سوق الكحول بمصر منذ في الستينيات، فمع تأميمها منعت الدولة نشوء أي شركات جديدة تعمل في المجال ذاته لاعتبارات دينية لعدة عقود.

كانت الشركة تحمل في الأصل اسم “كراون بريوري” وتأسست على يد شركة بلجيكية متخصصة في صناعة البيرة بالإسكندرية عام 1897، وظل تأثيرها محدودًا لمدة 50 عامًا حتى أبرمت اتفاقًا مع مساعدات فنية من مجموعة “هاينكن” الهولندية، وبعد تأميمها، تم تغيير اسمها إلى “الأهرام للمشروبات”.

انتقلت إلى مرحلة أخرى في تاريخها بنهاية التسعينيات مع بيعها لرجل الأعمال أحمد الزيات الذي أعاد بيع 98% من أسهمها لمجموعة “هاينكن” الهولندية بعد خمس سنوات فقط من شرائها، في صفقة بقيمة 287 مليون دولار، وفي عام 2006 تم تغيير استحداث اسم شهرة جديد لها باسم “ABC”.

منافسون صغار

وفي تقرير مطول نشرته “فيتش سوليوشنز” التابعة لوكالة فيتش للتصنيف الائتماني، حول سوق الأغذية والمشروبات بمصر نشرته بنهاية 2020، تتوقع الوكالة أن ينمو حجم استهلاك المشروبات الكحولية (الخمور والبيرة والنبيذ) بنسبة 5.2% سنويًا، خلال السنوات الخمس المقبلة.

ترجح البيانات، التي نشرتها الوكالة، أن يبلغ الاستهلاك بمصر نحو 226 مليون لتر خلال عامين على أن تزيد الإنفاق على الخمور بمتوسط 14.2% سنويًا خلال الفترة ذاتها لترتفع من قرابة 77 مليار جنيه، إلى 111.6 مليار جنيه في 2023.

تتضمن السوق المصرية حاليًا منافسون لشركة الأهرام للمشروبات أو بالأحرى النسخة المصرية من “هاينكن” الهولندية لكن حجم إنتاجها ضعيف ويتعلق بنشاط مكمل للغرض السياحي.

تتضمن قائمة المنتجين “مكادي للمشروبات” وتقوم بتصنيع مشروبات الشعير الكحولية وغير الكحولية برئاسة حامد الشيتي، كممثل عن شركة “المتحدون للتنمية السياحية”، وتقع في مدينة السادس من أكتوبر، و”خليج سومة للمشروبات” المملوكة لفريد ووديع سعد وتقع بحي الزمالك، وتنتج المشروبات الكحولية وغير الكحولية والعبوات اللازمة للتعبئة.

كما توجد شركة “الجونة للمشروبات” التي يملكها سميح ساويرس، في الصورة أيضًا، وتقوم بإنتاج وتعبئة المشروبات الكحولية والبيرة غير الكحولية بجانب الخمور والفودكا بترخيص من أحد المصانع الكبيرة بألمانيا، ويقع مقرها في منتجع الجونة بالبحر الأحمر.

 

يتم إدارة “الأهرام للمشروبات“، حاليًا، من فريق متعدد الجنسيات وتدير خمسة مؤسسات إنتاجية كبيرة، فلديها مصنع في العبور لإنتاج البيرة بعلامات تجارية مختلفة للتصدير، وآخر في الجونة بالغردقة وينتج أنواعًا مختلفة من البيرة (الأقصر وسقارة وفايزن) للسوق المحلية، وثالث في الشرقية للمشروبات غير الكحولية للتصدير إلى للدول العربية، ومصنع “جياناكليس” الذي يعتبر أكبر مصنع نبيذ وتقطير حديث بمنطقة الشرق الأوسط، ومعمل لإنتاج مشروبات الشعير في منطقة السادس من أكتوبر للتصدير.


احتكار للتوزيع

تعددت شكاوى القطاع السياحي من احتكار شركة “الأهرام للمشروبات” في السنوات الأخيرة، وتوالت المذكرات التي تم رفعه الغرفة السياحة التي أحالتها بدورها على جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية والذي أصدر قراره بالتأكيد على مخالفة مجموعة الأهرام للمشروبات للمادة 8 من قانون حماية المنافسة.

تنص المادة المذكورة من القانون رقــم 3 لسنة 2005 على أنه يحظر على من تكون له السيطرة على سوق معنية القيام أي فعل من شأنه أن يعرقل عدم التصنيع أو الإنتاج أو التوزيع لمنتج لفترة أو فترات محددة أو الامتناع عن إبرام صفقات بيع أو شراء منتج مع أي شخص أو وقف التعامل معه على نحو يؤدي إلى الحد من حريته في دخول السوق أو الخروج منه في أي وقت أو الاقتصار على توزيع منتج دون غيره، على أساس مناطق جغرافية أو مراكز توزيع أو عملاء أو مواسم أو فترات زمنية وذلك بين أشخاص ذوي علاقة رأسية.

كما تحظر المادة ذاتها تعليق إبرام عقد أو اتفاق بيع أو شراء لمنتج على شرط قبول التزامات أو منتجات تكون بطبيعتها أو بموجب الاستخدام التجاري للمنتج غير مرتبطة به أو بمحل التعامل الأصلي أو الاتفاق، أو التمييز بين بائعين أو مشترين تتشابه مراكزهم التجارية في أسعار البيع أو الشراء أو في شروط التعامل، أو الامتناع عن إنتاج أو إتاحة منتج شحيح متى كان إنتاجه أو إتاحته ممكنة اقتصادياً، أو إلزام مورد بعدم التعامل مع منافس.

ووفقًا لبيان جهاز حماية المنافسة، فإن مجموعة “الأهرام للمشروبات” لديها القوة الاقتصادية التي تمكنها من التصرف في السوق بشكل مستقل عن منافسيها وعملائها، وممارسة التأثير على أسعار المنتجات أو الكميات المعروضة دون أن يتمكن المنافسون من الحد من ذلك التأثير والتحكم في الأسعار وحجم المعروض في كلٍّ من هذه الأسواق المعنية.

يفترض أن تخضع الشركة لغرامة على مخالفة المادة الثامنة من قانون حماية المنافسة لا تقل عن ثلاثين ألف جنيه ولا تجاوز عشرة ملايين جنيه، مع إمكانية أن يصدر القضاء حالة إجالة الأمر إليه بغرامة بديلة تعادل قيمة المنتج محل النشاط المخالف أو أي عقوبة أشد ينص عليها أي قانون آخر غير حماية المنافسة.

أثبت حماية المنافسة على الشركة ارتكاب ممارسات من شأنها عدم قدرة بعض التجار على الاستمرار في النشاط وعجزهم عن التوسع، ووقوع ضرر جسيم على المنافسة والمستهلك وخلق بيئة ضارة بالمنافسة بزيادة القيود على دخول السوق أو التوسع فيه، ويضر بدوره بالاستثمار والمستهلك النهائي حيث سيقوم المستثمرون بالعزوف عن دخول الأسواق لوجود مثل هذه الممارسات، مما يؤدي إلى انفراد الأهرام للمشروبات بالتحكم في السوق ورفع الأسعار بطريقة قد تلحق الضرر بالموزعين وبالتالي المستهلكين النهائيين.

تخضع الخمور لأعلى فئة بجدول التعريفة الجمركية ويضاف عليها ضريبة مبيعات ليبلغ إجمالي الضريبية عليها نحو 5000%، لمنع تداولها بشكل كبير على المستوى المحلي، وتنتشر محال بيعها في مناطق بعينها أغلبها بوسط القاهرة.

 

خصومات مخالفة

ووفقًا لقرار حماية المستهلك الذي نشرته جريدة الوقائع الرسمية، في آخر عدد لها، تم إلزام الشركة بعدم منح خصومات مخالفة للقانون لعملائها سواء كانت فنادق أو مطاعم أو بارات أو موزعين أو تجار جملة أو تجزئة (خصومات ولاء)، وتوحيد الخصومات لكل العملاء وألا تكون مبنية على حجم مسحوباتهم في الفترات السابقة وألا تجبر العملاء على تحقيق هدف معين من المبيعات، وألا تؤدي الخصومات إلى أن يكون سعر المنتج أقل من تكلفته.

كما تم إلزام “الأهرام للمشروبات” بالتوقف نهائيا عن شراء أو تأجير محال جديدة بيع أو توزيع البيرة أو النبيذ أو المشروبات الروحية تحت اسم محلات “درينكز” أو أية علامات تجارية أخرى في محافظات القاهرة والجيزة والإسكندرية والساحل الشمالي لمنتجين لا تقل عن ثلاثة سنوات، بجانب الزامها بتعديل أسعار جميع منتجاتها بحيث تكون النسبة ما بين بيع السعر الذي تبيع به المجموعة لتاجر التجزئة وسعر بيع المنتج ذاته في “درينكز” على الأقل 30%.

يقول أحمد شيحة، عضو اتحاد الغرف التجارية، إن سوق الخمور والكحوليات بمصر مرتبط في المقام الأول بالأنشطة السياحية، فزبائنها من المصريين محدود للغاية، ولا يصل إلى ربع التقديرات التي تضعها بعض المؤسسات الاقتصادية العالمية.

في تقرير منظمة الصحة العالمية لعام 2014، كانت مصر خامس العرب استهلاكا للبيرة في المشروبات الكحولية بنسبة 0,5 % من إجمالي تعداد السكان الذي حددته المنظمة حينها بنحو 78 مليون نسمة، وبين من يتناولونها كانت البيرة الأكثر استهلاكا بنسبة 54% من العدد الإجمالي.

وأضاف شيحة أن مصر غير معروفة عنها وجود سوق كبير للخمور ولا يتعدى تناولها محليا 1% فهي منتج مرتبط بالطبقات الثرية، ما يجعل صناعتها غير دارجة، كما لا يوجد لها صادرات تذكر في ذلك المجال مع تيقن الجميع من أن البيع يتعرض لهزات كبيرة مع كل تأثر للقطاع السياحي.