رغم مرور عشرات السنوات على الحادث، تظل هذه الذكرى ثابتة بالألم في عقل “صفية”. فلا تقدر على نسيان المكان الذي اقتيد له طفلة. حيث تصرف هذا المشرط في جسدها مخلفًا آلامًا فرضت صحبتها على صاحبتها التي أصبحت ضمن قائمة طويلة لضحايا الختان في مصر.

92% من المتزوجات في مصر تعرضن للختان

وفق المسح السكاني الصحي في مصر للعام 2014، تم ختان 92 % من السيدات اللاتي سبق لهن الزواج. وذلك في الفئة العمرية 15–49. بينما كان أكثر من نصف السيدات اللاتي سبق لهن الزواج والمختنات قد تم ختانهن بين العمر 7 و10 سنوات. وتقريبًا جميع السيدات تم ختانهن قبل بلوغهن 15 سنة.

حاولت صفية العودة مرة أخرى إلى هذا المكان -حيث أجريت لها عملية الختان- سعيًا وراء الطبيب المسؤول وتقديمه للمحاكمة. “من حوالي 10 سنين ذهبت للمكان ولكنني لم أجده على طبيعته التي أذكرها كما أن المكان لم يكن عيادة طبيب”.

اكتشفت “سارة”، وهي في العقد الثاني من عمرها، تعرضها لقطع كبير أثناء عملية ختانها، اكتشفت ذلك بعد انتشار حملات التوعية، وكان أثر ذلك كبير على حالتها النفسية. “الطبيب الذي أجرى العملية قام بقطع جزء كبير وتعرفت على ذلك من خلال بعض الصور الموجودة على الإنترنت لشرح الختان”.

حاولت سارة نقل مد تأثرها نفسيًا لوالدتها، للحيلولة دون تكرار الأمر مع بنات شقيقها. “والدتي أقسمت على أخي أن لا يفعل ذلك بابنته”. لم ينته تأثير الفعل الذي تعرضت له سارة في طفولتها. لكنها تقبلت الاعتذار من والدتها المتسبب الرئيسي في العملية، والتي لم يكن لديها القدر الكاف من الوعي لإبعاد ابنتها عن تلك الجراحة الخطيرة جسديًا ونفسيًا.

عاصمة الختان

تعيش في مصر واحدة من كل أربعة نساء خضعن للختان حول العالم. والمقدر عددهن بـ 125مليونًا، وفق تقرير للأمم المتحدة في 2014. وبذلك كانت مصر عاصمة الختان بنسبة تفوق أي دولة أخرى.

تُعرف منظمة الصحة العالمية ختان الإناث. فتقول إنه “أي عملية تلحق أضرارًا بالأعضاء التناسلية الأنثوية لأسباب غير طبية”. وهو عملية قطع أو استئصال متعمدة للأعضاء التناسلية الخارجية للمرأة. وتشمل العملية في أغلب الأحيان استئصال أو قطع الشفرين والبظر.

وفي دراسة لمنظمة الصحة العالمية، ذكر أن أكثر من 100 مليون بنت وامرأة تعرضن لتشويه الأعضاء التناسلية (الذي يعرف بختان الإناث). ويقع أكثر من 3 ملايين رضيعة وطفلة لأخطار هذا الإجراء سنويًا.

وتجرى عملية الختان دون إرادة الفتاة في أغلب الأحوال. ويعتقد خبراء في قطاع الصحة في شتى أرجاء العالم أن الختان أحد أشكال العنف ضد المرأة وانتهاك لحقوقها الإنسانية. أما في حالة الأطفال فيعتبر الختان انتهاكًا لحقوق الطفل

رغم التوعية بأخطار الختان التي قد تؤدي إلى الوفاة. إلا أن “وفاء” ما تزال تحارب أسرتها حتى لا يتم ختان فتيات شقيقتها: “قطعت شوط كبير في إقناع زوج شقيقتي بعدم ختان الفتيات. لكنه توفي وأصبحت أواجه الأمر بمفردي. فشقيقتي لن تعصي أوامر حماتها أو والدتها التي تخشى كلام الناس ومخالفة الموروث الخاطئ عن إنه لا يمر 5 سنوات أو 6 إلا ووجب ختان الفتاة”.

ترجع “وفاء” لعمر مضى، وضع بصمته على جسدها النحيل بعد إجبارها على إجراء عملية ختان آليمة. تصف ما تعرضت له فتقول: “تعرضت للعملية في عمر 5 سنوات لكنني لم أنسى أنها تمت على يد جدتي وخالتي اللتين قامتا بمحاولة قطع جزء من جسدي والنتيجة إنه مشوه حتى الآن ولا أستطيع أن أنسى ذلك اليوم”.

يعتبر تشويه الأعضاء التناسلية للإناث أحد طقوس البلوغ عند البنات في بعض المجتمعات. وتجرى هذه العمليات في أغلبها لأطفال بين أعمار 4 و10 سنوات، وفقًا لتقرير منظمة الصحة العالمية.

مصر تغلظ عقوبة الختان

أخيرًا، وبعد عام على وفاة طفلة جراء عملية ختانها، وافقت الحكومة على مشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات الصادر بالقانون رقم 58 لسنة 1937. يكفل التعديل الجديد تقرير عقوبة رادعة حيال جرائم ختان الإناث. حيث جاءت التعديلات في المادتين (242 مكررًا)، و(242 مكررًا أ).

وجاء نص التعديل في المادة (242 مكررًا) على أن “يُعاقب بالسجن مدة لا تقل عن خمس سنوات كل من أجرى ختانًا لأنثى بإزالة جزء من أعضائها التناسلية أو سوّى، أو عدّل، أو شوّه، أو ألحق إصابات بتلك الأعضاء، فإذا نشأ عن ذلك الفعل عاهة مُستديمة، تكون العقوبة السجن المشدد، لمدة لا تقل عن 7 سنوات، أما إذا أفضى الفعل إلى الموت، تكون العقوبة السجن المشدد، لمدة لا تقل عن 10 سنوات”.

كما نص التعديل، في هذه المادة، على أن تكون العقوبة السجن المشدد إذا كان من أجرى الختان طبيبًا أو مُزاولاً لمهنة التمريض، فإذا نشأ عن جريمته عاهة مستديمة تكون العقوبة السجن المُشدد لمدة لا تقل عن 10 سنوات، أما إذا أفضى الفعل إلى الموت تكون العقوبة السجن المشدد، لمدة لا تقل عن 15 سنة، ولا تزيد على 20 سنة.

أخطار الختان
أخطار الختان

عزل الجاني 5 سنوات

تقضي المحكمة فضلاً عن العقوبات، المتقدم ذكرها، وفقًا للتعديل، بعزل الجاني من وظيفته الأميرية، مدة لا تزيد على 5 سنوات إذا ارتكب الجريمة بسبب أو بمناسبة تأدية وظيفته، وحرمان مرتكبها من ممارسة المهنة لمدة مماثلة، وغلق المنشأة الخاصة التي أُجرى فيها الختان، وإذا كانت مُرخصة تكون مدة الغلق مُساوية لمدة المنع من ممارسة المهنة، مع نزع لوحاتها ولافتاتها، سواء أكانت مملوكة للطبيب مُرتكب الجريمة، أو كان مديرها الفعليّ عالماً بارتكابها، وذلك بما لا يخل بحقوق الغير حسن النية، ونشر الحكم في جريدتين يوميتين واسعتي الانتشار وبالمواقع الإلكترونية التي يُعينها الحكم على نفقة المحكوم عليه.

كما نصت التعديلات في المادة (242 مكررًا أ ) على أن “يُعاقب بالسجن كل من طلب ختان أنثى وتم ختانها بناء على طلبه، على النحو المنصوص عليه بالمادة (242 مكررًا)، كما يُعاقب بالحبس كل من روّج، أو شجع، أو دعا بإحدى الطرق المبينة بالمادة (171) لارتكاب جريمة ختان أنثى ولو لم يترتب على فعله أثر”.

بدأت الحكومة المصرية بمكافحة ختان الإناث منذ تسعينيات القرن الماضي. وفي عام 2008 جرَّم القانون هذه العادة البشعة. وفي عام 2016 تم تغليط العقوبة بموجب القانون رقم 78. هذا بالسجن مدة لا تقل عن خمس سنوات ولا تتجاوز سبع سنوات لكل من قام بعملية ختان لأنثى. وتكون العقوبة بالسجن المشدد إذا نشأ عن هذا الفعل عاهة مستديمة أو إذا أفضى الفعل إلى الموت.

وبدعم من صندوق الأمم المتحدة للسكان تم تدشين مشروع تمكين منظمات المجتمع المدني لمكافحة ظاهرة ختان الإناث في محافظة قنا جنوب مصر؛ حيث تنتشر هذه الظاهرة بشكل أكبر.

هذه الجهود أثمرت عن انخفاض في معدلات إجراء مثل هذه الجراحات؛ فبالمقارنة بين المسحين السكانيين في عام 2008 وعام 2014. وهو مسح تضمن نسبة الفتيات اللاتي خضعن لهذه الجراحة في المرحلة العمرية بين 15 و17 سنة. تبين أنه في عام 2008 وصلت النسبة إلى 74%، بينما وصلت في 2014 إلى 61%. لكن هذا لم يمنع انتشار الظاهرة خاصة في صعيد مصر.

لن يمر دون عقاب

أمل فهمي، مدير مركز تدوين لدراسات النوع الاجتماعي، وصفت هذه التعديلات بـ”الانتصار” لما تم من مجهودات سابقة. وأضافت: “لقد استغرق الأمر من المركز وأنا شخصيًا عدة سنوات نناضل من أجل هذه التغييرات، وعبرنا بكافة الطرق عن الحاجة الماسة لها”.

وتابعت: “سعيدة ومتحمسة لرؤية ما قاتلنا من أجله يحدث أخيرًا لأن أي طاقم طبي سيحاول ارتكاب هذه الجريمة تحت أي ذريعة كاذبة سيتم تجريده من تراخيصه وسيذهب مباشرة إلى السجن، بالإضافة إلى للمنشأة طبية التي ستوافق على ممارسة تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية. لن يمر الأمر دون عقاب بعد الآن”.

أشارت فهمي إلى أن أهم انتصار لتلك التعديلات هو أن أي طبيب أو زعماء دينيين أو حماة جدد لقيم الأسرة المصرية يدعون إلى تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية أو يشجعونها سيُسجنون مباشرة.

انخفاض معدل الختان

“معًا، يمكننا القضاء على تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية بحلول عام 2030”. قال أنطونيو غوتيريش الأمين العام. وذلك في رسالته العام الماضي بمناسبة اليوم الدولي لعدم التسامح مطلقًا إزاء تشويه الأعضاء التناسيلة للإناث. وقد تم إحياء هذا اليوم سنويًا في 6 فبراير.

في كلمته أيضًا، أشار الأمين العام إلى انخفاض معدل انتشار هذه الممارسة بنسبة 25% بين عامي 2000 و2018. بينما لفت تحليل أجرته يونيسف -آنذاك- إلى أن حوالي 1 من كل 4 فتيات. أي 52 مليون فتاة في جميع أنحاء العالم، خضعن لتشويه الأعضاء التناسلية. ذلك على أيدي موظفين صحيين. وقد حظرت مصر هذه الممارسة في عام 2008 وزادت عقوبتها في عام 2016 ثم غلظت هذه العقوبة مؤخرًا في بداية العام الجاري.