اعتقلت السلطات الروسية عشرات الأشخاص على هامش تظاهرات في جميع أنحاء روسيا تجرى بدعوة من أنصار المعارض أليكسي نافالني للمطالبة بالإفراج عنه على الرغم من ضغوط السلطات.
وجرت الاحتجاجات الأولى في أقصى شرق روسيا حيث خرج آلاف الأشخاص إلى الشوارع في فلاديفوستوك وخاباروفسك، بينما نشرت قوات كبيرة من الشرطة أمام المتظاهرين، بحسب أنصار نافالني.
واعتقل حوالى خمسين من المحتجين في عشر مدن روسية، ذكرت منظمة “او في دي-انفو” غير الحكومية المتخصصة في مراقبة الاعتقالات على هامش المظاهرات، بحسب وكالات الأنباء.
ووعدت شرطة موسكو بأن “تقمع بلا تأخير” أي تجمع غير مصرح به تعتبره “تهديدا للنظام العام”.
لكن من هو أليكسي نافالني؟
أليكسي نافالني (44 عاماً)، محام ومعارض سياسي بارز في روسيا، درس القانون والاقتصاد قبل أن يستفيد من منحة جامعية في للدراسة في جامعة ييل الأمريكية.
وفي العقد الأول من الألفية الجديدة أنشاء مدونة على الإنترنت لنشر تحقيقاته عن ملفات الفساد في أوساط النخب الحاكمة، ولاسيما الشخصيات المقربة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
في 2008 بزغ نجم نافالي بقوة في السياسة الروسية عندما بدأ في التدوين عن مزاعم سوء إدارة وفساد في بعض الشركات الروسية الكبرى التي تسيطر عليها الدولة، ووصل إلى المتابعين الشباب في الغالب على وسائل التواصل الاجتماعي، عبر استخدامه لغة نقدية حادة ومثيرة، وسخريته من المؤسسة الموالية للرئيس بوتين.
وقبل الانتخابات البرلمانية لعام 2011 ، التي لم يخضها كمرشح، حث قراء مدونته على التصويت لأي حزب باستثناء حزب روسيا المتحدة، الذي أطلق عليها اسم “حزب المحتالين واللصوص”، وظلت العبارة عالقة في الأذهان.
وفاز حزب روسيا المتحدة بالانتخابات، ولكن بأغلبية أقل بكثير، وشابت فوزه مزاعم، انتشرت على نطاق واسع، عن تزوير الأصوات؛ قادت إلى احتجاجات في موسكو وبعض المدن الكبرى الأخرى.
اقرأ أيضًا: المخابرات الأمريكية تحذر من تدخل روسيا لإعادة انتخاب ترامب
القبض على نافالني
مع استمرار صعود نافالني، ألقت قوات الأمن الروسية القبض عليه، في 5 ديسمبر 2011 ، وسُجن لمدة 15 يوماً، لكنه ظهر للتحدث في أكبر التجمعات التي أعقبت الانتخابات في موسكو في 24 ديسمبر ، وحضره حينئذ ما يصل إلى 120 ألف شخص.
كما شارك في انتخابات البلدية وترشح ليكون عمدة موسكو في 2013 وحصد قرابة 28 بالمائة من الأصوات ورغم عدم فوزه إلا أنه عزز موقعه كمعارض قوي للنظام الحاكم.
وعلى ما يبدو أن معارضة نافالني، لم تعجب النظام الحاكم فاتهم باختلاس أموال من شركة حكومية وحكم عليه بالسجن لمدة 5 سنوات مع وقف التنفيذ غير أنه نفى الاتهام الموجه إليه، وهو الحكم الذي سيغلق الطريق أمامه من أجل الوصول إلى الكرملين مستقبلاً، حيث رفضت اللجنة الانتخابية ترشحه للانتخابات الرئاسية عام 2017 بسبب سجله القضائي غير النظيف وفق السلطات.
وسمح له، بشكل غير متوقع، بالخروج من السجن للمشاركة في انتخابات رئاسة بلدية موسكو، حيث حصل على المركز الثاني بنسبة 27 في المئة من الأصوات، بعد حليف بوتين، سيرغي سوبيانين.
واعتبر ذلك نجاحاً كبيراً لأنه لم تكن لديه إمكانية الوصول إلى التلفزيون الحكومي، وظل معتمداً فقط على وسيلتي الإنترنت والكلام الشفهي.
وفي نهاية المطاف، ألغت المحكمة العليا الروسية إدانته عقب صدور حكم من المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بأنه لم يُمنح جلسة استماع عادلة في المحاكمة الأولى. ثم أدين للمرة الثانية عندما أعيدت محاكمته في عام 2017، وحُكم عليه بالسجن خمس سنوات مع وقف التنفيذ. ووصف الحكم بأنه هزلي، قائلا إنها كانت محاولة لمنعه من خوض انتخابات 2018.
اقرأ أيضًا: لم يذكر روسيا..تحقيق أممي في قصف مواقع الإغاثة يدين الأسد وحلفاءه
وباتت معركة نافالني ضد الرئيس الروسي البالغ من العمر 68 عاماً، معركة شخصية بشدة الآن: فهو يتهم بوتين بإصدار أوامره لعملاء الدولة السريين بتسميمه في هجوم كاد أن يقتله في أغسطس 2020
وتدهورت صحة نافالني وهو على متن طائرة فوق أراضي سيبيريا ونقل إلى المستشفى في أومسك، بعد الاشتباه في تسممه. ودخل في غيبوبة.
وأقنعت جمعية خيرية مقرها ألمانيا، المسؤولين الروس بالسماح لها بنقله جواً إلى برلين من أجل تلقي العلاج، وفي النهاية، كشفت الحكومة الألمانية في 2 سبتمبر أن الاختبارات التي أجراها الجيش وجدت “دليلًا لا لبس فيه على وجود عامل أعصاب كيميائي حربي من مجموعة نوفيتشوك”.
ونوفيتشوك هو السلاح الكيميائي الذي كاد أن يقتل الجاسوس الروسي السابق سيرغي سكريبال وابنته يوليا في سالزبيري، بإنجلترا ، في مارس 2018. وقد توفيت امرأة محلية أيضاً في وقت لاحق جراء تماس لها مع (سم) نوفيتشوك.
ونفى الكرملين أي دور للدولة في الهجوم على نافالني – الذي يتجنب بوتين دائمًا ذكر اسمه علناً – وينفي المزاعم المتعلقة بتسميمه بنوفيتشوك.
لكن بوتين، اعترف بوضع بلاده لنافالني تحت المراقبة، وقال إن ذلك كان مبرراً، لأن جواسيس الولايات المتحدة كانوا يقدمون المساعدة للمدون حسب زعمه.
وبسبب محاولة اغتيال نافالني، فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على ستة مسؤولين روس كبار ومركز أبحاث أسلحة كيميائية روسي، متهما إياهم بالتورط المباشر في تسميم نافالني. وردت روسيا بفرض عقوبات مقابلة.
وكانت هناك هجمات سابقة على نافالني: ففي عام 2019 ، شخصت إصابته بـ “التهاب الجلد التماسي” أثناء وجوده في السجن، حيث أشار طبيبه وقتها إلى أنه ربما تعرض لـ “عامل سام”.
كما اُستهدف مرتين بصبغة خضراء مطهرة تعرف باسم “زيليونكا” وتعرض لحروق كيميائية في أحد عينيه.
ما الذي يحدث في روسيا؟
قبل أسبوع من الآن، اعتقلت السلطات الروسية المعارض أليكسي نافالني فور وصوله لمطار شيريميتييفو بموسكو قادما من ألمانيا، فيما تم السماح لزوجته بالعبور، نافالني أمضى خمسة أشهر في ألمانيا حيث تلقى علاجا بعد تسميمه.
وتسبب ذلك الاعتقال في غضب كبير لدى المعارضة الروسية التي استجابت لدعوة نافالني بالخروج في مظاهرات واسعة في شوارع موسكو، وذلك ردًا على قرار بحبسه 30 يوما.
وقررت السلطات الروسية حبس نافالني 30 ، يوماوذلك فور عودته إلى موسكو للمرة الأولى بعد تسميمه العام الماضي.
وقالت النيابة إن نافالني انتهك قواعد إخلاء السبيل المشروط، الذي تلقّاه في قضية اختلاس يقول نافالني إنها مسيّسة.
ونُظّمت محاكمة يوم الاثنين بقسم للشرطة في ضاحية بـ موسكو. وقرّر القاضي حبس نافالني حتى الـ 15 من فبراير لانتهاكه قواعد إخلاء السبيل المشروط.
لكن على ما يبدو أن الأمور لن تتوقف عند الاعتقال ودعوات التظاهر، حيث سيواجه بوتين معارضة كبيرة خلال الفترة المقبلة.