لا تخلو أي دورة برلمانية من تقديم مشروع قانون أو أكثر لحل إشكالية “الإيجار القديم“، الذي يخشى الجميع الاقتراب منه، لعلاقاته المتشابكة بين ملايين المصريين مستأجرين كانوا أو ملاك أصليين.
آخر هذه المشروعات كان مُقترح تعديل القانون الذي تقدم به الدكتور وليد جاب الله، عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي إلى مجلس النواب، في محاولة لخلق توازن في العلاقة بين أصحاب العقارات وقاطنيها، ببنود تمثل هيكلة ناعمة للأزمة، بحسب ما قال جاب الله.
عدد الوحدات السكنية الخاضعة للإيجار القديم تقترب من 5.2 مليون وحدة، المشغول منها فعليًا لا يتجاوز 2.3 مليون، والباقي مغلق بعد رحيل مستأجريها ورفضهم التخلي عنها لانخفاض قيمتها الإيجارية التي لا تتجاوز أحيانًا 10 جنيهات.
تعديلات مهمة على قانون الإيجار القديم
المُقترح الأخير يعتمد على تعديل القانون 136 لسنة 1981 ليسمح بإضافة حالات لإخلاء العين المؤجرة حال ثبوت أنها مُغلقة لـ3 سنوات لغير غرض السفر، أو 3 سنوات على استخراج ترخيص بناء جديد باسم المُستأجر أو زوجته أو أولاده القصر. أو استفادته من الحصول على سكن من برامج إسكان الدولة.
كما ينص على تقييد حق توريث العلاقة الإيجارية بمدة 50 عامًا تبدأ من تاريخ تحرير العقد الأصلي للمورث.
اقرأ أيضًا.. هل تتغير خريطة منتجي الخمور في مصر بعد مخالفات “الأهرام للمشروبات”؟
بالنسبة للايجار، أخذ المُقترح بأسلوب تعدد المعايير بتقرير 3 منها تكون الأجرة أكبرها وهي أن يكون الحد الأدنى للأجرة 200 جنيه للوحدات المؤجرة للسكن، و300 جنيه للوحدات المؤجرة لغير غرض السكن كحد أدنى يرتفع إلى متوسط استهلاك المرافق للعام السابق للقانون أو 50% من قيمة الأجرة القانونية المُتخذة أساسًا لحساب الضريبة العقارية لوحدة المثل، ما يعني أن ترتفع الأجرة مع تحسن مُستوى معيشة الساكن أو حال الوحدة نفسها.
ووفقًا لمشروع القانون، فإنه تقرر زيادة تدريجية للأجرة بنسبة 10% سنويًا.
ونص التعديل على إنشاء صندوق لدعم المُستأجر غير القادر تكون حصيلته من حصيلة الضريبة العقارية التي تترتب عن الوحدات التي يتم إخلاؤها، وفقًا لهذا القانون ولمُدة 5 سنوات.
اقرأ أيضًا.. الارتفاع الموسمي لأسعار الخضروات والفاكهة المصرية.. تنامي الاستهلاك أم التصدير؟
ويتضمن القانون تعزيز موارد الدولة المالية بإلغاء إعفاء الوحدات الخاضعة للضرائب العقارية على أن يُكلف بها المُستأجر، وتؤول حصيلتها إلى صندوق يختص بدعم المُستأجرين غير القادرين، أو الراغبين في إنهاء العلاقة الإيجارية على أن يتحملها المالك، وتؤول للصندوق لمُدة 5 سنوات بعد انتهاء العلاقة الإيجارية.
“صندوق لدعم منتفعي الإيجار القديم”
وبحسب التعديل المقترح، تلتزم الدولة بدعم الصندوق وتقرير مزايا وأولوية عند تخصيص وحدات مشروعاتها لمُستأجري قوانين الإيجار الخاصة على أن تنتهي العلاقة الإيجارية بعد مرور عام من حصول المُستأجر للمزايا التي تُقررها الدولة.
على أن تختص بتحديد الأجرة المُقررة بهذا القانون حال عدم اتفاق الطرفين، لجان الحصر والتقدير المُشكلة وفقًا لقانون الضرائب العقارية، ويجوز الطعن على تقديراتها خلال 30 يومًا من تاريخ الإخطار بصدور قرار التقدير أمام لجان الطعن المُقررة بذات القانون التي تكون قراراتها نافذة رغم الطعن عليها، وتُعتبر نهائية إذا لم يتم الطعن عليها.
اقرأ أيضًا.. لماذا عادت النصر للسيارات من “التجميد” وتعرضت “الحديد والصلب” للتصفية”؟
جاب الله قال لـ”مصر 360″، إن التعديل المقترح يعمل على تحقيق التوازن للعلاقة الإيجارية مع ما يتوافق مع الواقع الحديث دون مُحاباة لفئة من أبناء الوطن على حساب أُخرى تطبيقًا لمبدأ المُساواة في الحقوق والواجبات.
الإيجار البخس
“التعديل يعمل على إلغاء الإيجار البخس الذي ينذر بإبطال العلاقة الإيجارية برمتها والقضاء بعدم دستوريتها خاصة أن عقيدة المؤجر عند التعاقد تدور بين تدخل الدولة لتحقيق توازن القيمة، أو تركها ذلك للسوق الحر، وهو ما لم يحدث” يضيف جاب الله.
ويؤكد أن الإعفاء من الضرائب العقارية لعقارات الإيجار القديم يتعارض مع مبدأ المُساواة في تحمل التكاليف بأن يستفيد مواطن من عقار بإيجار بخس معفي من الضريبة العقارية، بينما مواطن آخر يؤجر بنظام الإيجار الحر بأجرة حقيقية في عقار مُحمل بالضريبة العقارية التي تُحمل على الأجرة، ويستهدف القانون تقرير زيادة دورية للأجرة تتناسب مع مُعدلات التضحم السنوي وتًشجع المُستأجرين على الاستفادة من المزايا التي تتقرر لإنهاء العلاقة الإيجارية.
أفكار مختلفة
ويتقاطع مشروع القانون الذي وضعه جاب الله مع مشروع قدمه عضو مجلس النواب عاطف مخاليف في البرلمان السابق فيما يتعلق بالشقق المغلقة منذ أكثر من 3 سنوات، والتي يمكن حصرها عبر استهلاك الكهرباء والمياه، لمواجهة مشكلة توريث شقق الإيجار القديم، لكنه يختلف معه في منطق التوريث للأبناء.
مقترح “مخاليف” كان يسمح بتوريث وحدات الإيجار القديم لحين بلوغ الابن الذكر سن الأهلية الكاملة من 18 إلى 21 سنة، وبالنسبة للبنت يكون حتى الزواج، وإذا كانت البنت لم تتزوج يكون لها فترة سماح بمدة زمنية خمس سنوات بعد بلوغ سن الـ21 سنة لحين أن تتكفلها الدولة، وهذه الحالات محدودة.
لم يحدد المجلس حينها موعدًا للنقاش في مقترح النائب وطلب وقتًا للدراسة باعتباره تشريعًا اجتماعيًا يخص ملايين البشر، ويحتاج لحوار مجتمعي موسع وتوافق كبير حوله حتى يتم تعديله وإصداره، بما يحقق الصالح العام للوطن والمواطن.
وزارة الإسكان تحدد قيمًا إيجارية
وقبل سنوات وضعت وزارة الإسكان مشروعًا بزيادة بناء على تاريخ الإيجار تصل لـ330% بالنسبة للوحدات المؤجرة قبل تاريخ 31 ديسمبر 1952، و300% للوحدات المؤجرة قبل تاريخ 31 ديسمبر 1958، و240% بالنسبة للوحدات المؤجرة قبل تاريخ 31 ديسمبر 1973.
وفي الفترة من 1 يناير 1966 وحتى 1973 تصل نسبة الزيادة لـ170%، تنخفض لـ120% بالنسبة للوحدات المؤجرة قبل تاريخ 31 ديسمبر 1977، و90% بالنسبة للوحدات المؤجرة قبل تاريخ 31 ديسمبر 1981.
ووفقًا لمقترح الوزارة، الذي لم يدخل حيز التنفيذ، فإن الوحدات المبنية قبل 1984 تصل فيها الزيادة إلى 45%، وتهبط لـ30% قبل ديسمبر 1986، ثم 15% للوحدات قبل ديسمبر 1989، و7% للوحدات قبل 1991.
وتتعلق مشكلة الإيجار القديم بمحدودي الدخل الذين لا يستطيعون تحمل الإيجارات القديمة، خاصة في خضم جائحة كورونا التي أثرت كثيرًا على أصحاب الدخول المنخفضة.
وقدم بعض المستأجرين اقتراحًا بإلزام الملاك بدفع نصف إيجار الوحدات التي تنتقل إليها الفئات الفقيرة لمدة 10 سنوات، بعد توفيرهم أوراق رسمية معتمدة من وزارة التضامن تثبت انتمائهم للفئات التي تحتاج دعمًا أو أن يتم حساب إيجار 5 سنوات دفعة واحدة وأن يلزموا بدفع نصفه شهريًا.
بمعنى آخر إذا كان الإيجار 10 جنيهات شهريًا يتم حسابه على مدار السنوات الخمس بقيمة 300 ودفع نصف ذلك المبلغ شهريًا طوال الفترة سالفة الذكر.
خلاف مستمر
لكن جمعية المضارين من قانون الإيجار القديم ترى أن أفضل مقترح يمكن تنفيذه، يتعلق بإنشاء صندوق الثروة العقارية الذي يدعم المستأجر غير القادر وبعدها يتم تحرير العلاقة بين الملك والمستأجر خلال 3 سنوات ابتداءً بالأقدم، بما يراعي مصلحة الطرفين.
كما طالبوا بأن يتم معاملتهم مثل أصحاب الوحدات غير السكنية والتجارية التي حسمت الدولة أمرهم، بمنح شاغلي الوحدات 5 سنوات لإخلائها، مع زيادة بنسبة 15% سنويًا من قيمة آخر إيجار قانوني.
ملايين المنتفعين الذين يرفضون المساس بالإيجار على اعتبار أن العقد شريعة المتعاقدين، يعقد الأمر بشكل أكبر، خاصة أن بعضهم حصل على وحدات منذ سنوات قليلة، عد دفع “خلو رجل” ودفع مبالغ كبيرة للمالك الأصلي وصلت إلى ربع مليون جنيه.
الحكم القضائي في 2002
السعيد عبدالمنصف، صاحب عقار، يقول إن الحل في الحكم القضائي الصادر عام 2002 بإنهاء الإيجارات التي امتدت أكثر من مرة، وتحديد سن ينتهي عنده امتداد الإيجار للأبناء خلال الامتداد الأول.
“بالإضافة إلى وضع حد زمني أقصى لسريان الإيجار ليصبح هناك مرة أخرى تاريخ معروف ينتهي عنده بالضرورة الإيجار بديلاً عن التاريخ الموجود بالعقد” يضيف السعيد.
لكن البعض لا يستيطع الوفاء بتلك الشروط مثل “لولا أحمد” التي تقول إن كل بيت قديم له حالته وظروفه، فهي تقطن بشقة إيجار قديم مع شقيقاتها بعد وفاة الأبوين، ولا يستطعن تحمل تحرير العلاقة الإيجارية.
ماجد البابلي، مستأجر وحدة إيجار قديم، يضيف أن الملاك حصلوا على مبالغ كبيرة وقت توقيع العقد ودفعوا عليها مبالغ كبيرة في التشطيب والترميم والصيانة، وبالتالي لن يتركها المستأجرين دون الحصول على تعويض مناسب.
ويوافقه محمد عبدالعليم الذي يقول إن “الخلو” كان بمئات الجنيهات حينما كان سعر الذهب 80 قرشًا للجرام والدولار بـ35 قرشًا، وإذا كان المالك يريد الشقة فليدفع المبالع التي حصل عليها بسعر السوق الآن.
من ناحية أخرى، يقول أحمد محمود، نجل صاحب عقار، إن الحكومة وفرّت شققًا لمحدودي الدخل لكنهم لا يزالون يعيشون في شقق الإيجار القديم بعد وفاة الوالدين، بإيجار لا يزيد على 10 جنيهات، بينما تحرر العقد حينما كانت الرواتب لا تتعدى 20 جنيهًا، وحاليًا وصلت لمستوى 5 آلاف جنيه.
الحل عند الدولة
الخبير العقاري المهندس عبدالمجيد جادو يقول إن القانون القديم سببّ مشكلة اجتماعية بين الملاك والمستأجرين، ما يتطلب من الدولة أن تستحدث تعديلًا تشريعيًا حتى لو تعلق ببند الصيانة فقط لمواجهة مشكلة انهيارات العقارات في القاهرة الخديوية ذات الطابع المعماري المتميز، فالملاك لن يقوموا بالصيانة في ظل ضعف العائد الإيجاري.
“الموضوع يتم إثارته أكثر من مرة وبعدها يختفي دون حلول واضحة رغم وجود وسائل يمكن اللجوء إليها لحماية حقوق جميع الأطراف من بينها وضع خطط مرحلية لحل الأزمة تصل لـ10 سنوات ترفع فيها القيمة الإيجارية بصورة مطردة، ومعقولة حفاظًا على حقوق المستأجرين من محدودي الدخل” يضيف جادو.