يبدو أن النخبة الحاكمة لملف التصنيع وقطاع الأعمال فى مصر مازالت أسيرة لعقد التسعينيات من القرن الماضى، وتتجاهل المتغيرات العالمية الآنية، وخاصة زلزال كوفيد 19 الذى يفرض على الدول إعادة النظر فى بنيتها الصناعية والزراعية والخدمية لتتمكن من تلبية احتياجات مواطنيها الأساسية دون انتظار الاعتماد على الغير، كما يفرض تبنى استراتيجيات لكيفية مواجهة دخول البشرية فى عصر جديد من الأوبئة لم نعرفه من قبل، خاصة أن البشرية تفتقد لأى خبرات حول آثار وتداعيات التعامل معه باللقاحات التى تم الإعلان عنها.

لذلك، وبعد مرور عام من هذه الأزمة العالمية، ومشاهدتنا لعجز بعض الدول عن تصنيع أدوات الوقاية، بل والصراع بينها لخطف تلك الأدوات من بعضها البعض فى المطارات والموانئ المختلفة، وكذلك عمليات الاستحواذ على اللقاحات الجديدة، والتى تعكس ليس فقط عدم تكافؤ الفرص بين الدول فى الحصول على اللقاح، بل جشع بعد الدول فى شراء لقاحات تفوق ثلاث أضعاف عدد مواطنيها، كما فعلت النرويج ليكون مخزون استراتيجى لها، فى الوقت الذى تعجز فيه العديد من الدول الأخرى عن تصنيع اللقاحات أو شرائها، فضلاً عن عمليات العزل المنزلى وإغلاق المحال والمصالح الحكومية والشركات والمطارات والموانئ وفرض حظر التجوال، وما خلفه ذلك من تداعيات على الاقتصاد الوطنى والعالمى.

لذلك ليس بغريب ظهور مطالبات عالمية بتوطين العديد من الصناعات بغض النظر عن تأثير ذلك على التكلفة، وفى ظل كل هذه الأحداث العالمية تأتى سياسة قطاع الأعمال لتصفية بعض الشركات مباشرة، وتصفية البعض الآخر بطريقة غير مباشرة عن طريق دمجها بشركات أخرى، أو تقسيمها عن طريق تصفية جزء منها والاحتفاظ بجزء آخر.

ولعل أبرز الوقائع هى صدور قرار بتصفية شركة الحديد والصلب المصرية، تلك الشركة العملاقة، والتى تمد المستشفيات ووزارة الصحة بالأكسجين الذى تحتاجه لمواجهة وباء كورونا. ورغم أن محطات الأكسجين التى تملكها الشركة هى من أجل الصناعات الحديدية، لكن الشركة لم تقف مكتوفة الأيدى عند انتشار هذا الوباء فى مصر بل قامت بواجبها الوطنى فى مد وزارة الصحة باحتياجاتها من الأكسجين حيث تمتلك الشركة 4 محطات لإنتاجه.

وقد أدى قرار التصفية إلى صدمة لدى فئات متنوعة من الشعب المصرى، منها فئات محسوبة على السلطة، وظهر هذا جلياً فى استجواب مجلس النواب لوزير قطاع الأعمال، يوم الخميس 21 يناير 2021، ليخرج بعد الاستجواب بتصريحات أقل حدة من تلك التى أطلقها طوال الأسبوعين الماضيين، ليصرح بأنه على استعداد للاستماع إلى أى أفكار تساعده فى تغيير قرار التصفية، لكن فى نفس وقت صدور هذا التصريح من الوزير، كان رئيس الشركة القابضة للصناعات المعدنية فى زيارة للشركة، وصرح للعمال أن القرار لا رجعة فيه، وأنهم سيحصلوا على تعويضات مجزية.

اقرأ أيضا:

”تصفية الحديد والصلب” تحاصر هشام توفيق تحت القبة

هنا التبين.. نهاية أحلام مجتمع عمالي استمر 67 عاما

ومن ثم، فالوزير لا يحتاج إلى أفكار تساعده فى تغيير قرار التصفية، ولكنه يحتاج بالأساس إلى توافر إرادة سياسية لديه، ولدى الحكومة بأهمية الحفاظ على شركة الحديد والصلب باعتبارها أحد دعائم الاقتصاد القومى، وأحد أهم أدواتها لضبط سوق الحديد، وإحداث توازن أسعاره، ومتى توافرت هذه الإرادة فإنقاذ الشركة وحمايتها، بل وتطويرها بما يساعدها على سداد ديونها وتحقيق أرباح سيكون أمر ليس بعسير.

والملف الذى أعدته الشركة ذاتها لإنقاذ الشركة، يتناول تاريخ الشركة، وأهميتها، وأسباب الخسائر التى أصابتها، وكيفية التغلب عليها، والخطة الاستثمارية لمعادلة الخسائر، لكن للأسف لم يتم عرضه على الجمعية العمومية غير العادية التى أصدرت قرار التصفية، رغم أنه يشتمل على العديد من الأفكار الجوهرية لحماية الشركة من التصفية وتطويرها.

إن كل المتغيرات العالمية تؤكد أننا قد لا نملك رفاهية تصفية شركة الحديد والصلب المصرية، لكن بالطبع نحن فى أشد الحاجة لتطويرها، والبحث عن رؤى مختلفة حول كيفية التعامل مع هذه الصناعة دون إهدار مقدراتها، وقد طرح خبراء الصناعة[1] العديد من الأفكار على نحو يتلائم مع احتياجات السوق، شأن الاحتياج إلى تزويد المصانع المتكاملة بخام الحديد المصري بعد رفع درجة تركيزه بما يتلاءم مع متطلبات الصناعة الحديثة بديلاً عن استيراد الخام من الخارج، والعمل على تزويد مصانع الدرفلة بالبيلت المحلى الذى تقوم باستيراده حالياً، والبحث عن طاقة إضافية لمعالجة الخلل فى تركيبة المنتجات نصف المصنعة شأن البيلت والقطاعات، والعمل على زيادة الطاقة الإنتاجية للحديد المخصوص (سبائك الصلب) للوصول إلى صناعة متطورة تخرج من الحيز الضيق لحيد التسليح والمقاطع الحديدية الكربونية إلى سبائك الصلب لكونها الأساس فى صناعات بناء الآلات[2]، وذلك كله لتتحول شركة الحديد والصلب إلى صانع سوق تغذى باقى مصانع الدرفلة والتشكيل بما تحتاجه من بليت وقطاعات، وتدفع صناعة الحديد المخصوص إلى الأمام.[3]، وتحمى أسعار الصلب من الانفلات، فأسعار مصنع الحديد والصلب المصرية هى رمانة الميزان فى توازن أسعار الصلب بمصر.[4]

اقرأ أيضا:

خالد علي يكتب: هل تعلم أن شركة الحديد والصلب المصرية…..؟

ومن ثم، فإن كان الوزير صادقاً فى تصريحه فمن الضرورى أن يذهب لزيارة الشركة، وأن يلتقى بعمالها ومهندسيها، وأن يستمع إليهم، وإلى ما لديهم من أفكار. وأن تتاح الفرصة للاستماع أيضا لرؤساء وأعضاء مجالس الإدارة السابقين للوقوف على الأسباب الحقيقية التى أدت إلى هذا الوضع، والاستماع إلى مقترحاتهم.

وبدلاً من التعجل فى تصفية الشركة يمكن إرجاء هذا الأمر إلى عام 2024 مع تنفيذ خطة الانقاذ، ومتابعة مدى نجاح الخطة فى تحقيق أهدافها.

كما يمكن إشراك شركة الحديد والصلب المصرية فى مشروع القطار السريع لتوفير قضبان وفلنكات السكة الحديد، فضلاً عن توفير الحديد اللازم لصناعة القطارات والمحطات، فهذا المشروع الذى سيكلف الدولة 23 مليار دولار، لن يضر الدولة السعى لزيادة المكون المصرى به من خلال إشراك شركة الحديد والصلب المصرية بالمشروع، فربما يكون ذلك كفيلاً بحماية الشركة من التصفية.

وفى النهاية، يجب الإشارة إلى آخر رئيس مجلس إدارة للشركة من العاملين بها، وهو المهندس سامى عبد الرحمن، حيث يردد العديد من العمال والمهندسين أنه وضع خطة لتقليل الخسائر، وقام بتنفيذها، ونجح بالفعل فى تقليلها، لكن تم الإطاحة به:

فهل نجح سامى عبد الرحمن فى تقليل الخسائر فعلاً؟

وما هى تلك الخطة؟

ولماذا تم الإطاحة به؟

للاطلاع على خطة الشركة اضغط على الرابطhttps://masr360.online/wp-content/uploads/2021/01/Xerox-Scan_05012021173128.pdf

مراجع

[1] ) المهندس خالد مندور

[2] ) تقارير غرفة الصناعات الحديدية باتحاد الصناعات

[3] ) المهندس خالد مندور

[4] ) المهندس نادر رياض