ما مدى تأثير تصفية شركة الحديد والصلب على السوق المصرية؟ وهل فعلاً لا يساوي إنتاجه 10 صاغ؟ وهل لا يوجد أي أمل في إنقاذه؟ وكيف لا يمكنه المساهمة ولو بنسبة بسيطة في حركة البناء والتعمير التي تشهدها ربوع مصر؟ تشغل تلك الأسئلة عقول الملايين من المصريين حاليًا  بعد بيانات صادرة عن الحكومة اليوم السبت.

قال الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء، خلال كلمته في افتتاح مشروع الفيروز للاستزراع السمكي، إنه يوجد 30 مدينة جديدة مخطط تنفيذها خلال 4 سنوات قادمة منهم 22 بدأت بالفعل مرحلة التنفيذ بتكلفة استثمارية تقارب 700 مليار جنيه هدفها استيعاب السكانية.

شهدت الفعالية ذاتها الإعلان عن تطوير 10 آلاف كم لقطاع السكك الحديدية  بينها إنشاء شبكة جديدة لاستخدام القطارات الكهربائية فائقة السرعة بطول ألفي كم، لربط العمران القائم بالعمران الجديد بتكلفة استثمارية قدرها نحو 350 مليار جنيه، وهو مشروع واعد أعلنت الحكومة أنه سيتم بالاستعانة بشركات محلية.

وفقا لدراسة وضعتها شركة الحديد والصلب المصرية، فإنها كانت تمتلك إمكانية الاستمرار حال ضخ استثمارات عاجلة لتنفيذ خطة التطوير الضرورية على مدى ثلاث سنوات، وفرض رسوم وإجراءات حنائية خاصة على المنتجات التي تنفرد بها والتصرف في بعض الأراضي المملوكة لها داخل المدينة السكنية وكذلك الشقق السكنية والفيلات وخارج أسوار الشركة للاستفادة منها في تحسين أوضاع الشركة المالية وزيادة قدرتها على الوفاء بالتزامها تجاه المودين والغير.

ووفقا للدراسة التي وضعها مجالس إدارة الشركة وتم عرضها على الجمعية العمومية، في 11 يناير 2021، فإنه كان يمكن تطوير قطاعات الدرفلة بمشاركة القطاع الخاص وإنشاء فرن كهرباء يعتمد على الخردة لإنتاج البليت وخط تسليح بمشاركة القطاع الخاص، وتحديث خط الشحن الثاني بعنبر الشحن وتحديث مكانيتي تلبيد بمشتملاتهما وتكلفة هذه الوحدات بقيمة 180 مليون جنيه وتطوير وتحديث شامل للفرن العالي الرابع لكونه يحتاج إلى عمرة جسيمة من الدرجة الأولى بتكلفة 480 مليون جنيه، وتحديث وتطوير غلاية المحول رقم 2 بحوالي 120 مليون جنيه وتحديث وتطوير وحدة الصب المستمر الرابعة لإنتاج المربعات بقيمة 250 مليون جنيه وتحديث عمر للخلاط رقم 1 بقيمة 12 مليون جنيه.

والحديد والصلب، بحسب الدراسة، هي الشركة الوحيدة في مصر التي تستخدم تكنولوجيا الأفران العالية، وتعتمد فى تشغيلها على خام الحديد المستخرج من المناجم، حيث يوجد في المناجم رصيد استراتيجي من خام الحديد يقدر بـ ٢٠٠ مليون طن، وفي المقابل فإن جميع الشركات العاملة في مجال الحديد والصلب في مصر تعتمد على الخردة المستوردة ومكورات الحديد المستوردة، حيث تتعرض الخردة المحلية والمستوردة لنضوب الكميات وارتفاع أسعارها بصورة متصاعدة، وكذلك مكورات الحديد مما يؤكد على ضرورة استمرار الشركة لحماية الاقتصاد القومي.

الشركة سبق وأن وضعت خطة إنقاذ عاجلة تقلل خسائر الشركة بنسبة 50 % وتتكلف 320 مليون جنيه، وتشمل استمرارية العمل في خطوط الإنتاج المختلفة بالوضع الحالي دون توقف مع الأخذ في الاعتبار الصيانة الدورية الضرورية، إلى جانب إمداد الشركة بما لا يقل عن 700 طن من فحم الكوك يوميا لتشغيل الفرن العالي الرابع ومحول الأكسجين دون توقفات بتكلفة 90 مليون جنيه شهريا، تدبير 30 ألف طن فحم كوك كمخزون استراتيجي بتكلفة 150 مليون جنيه.

كما اقترحت سرعة طرح مناقصة لاستكمال الأعمال في غلاية المحول رقم 3 بتكلفة 80 مليون جنيه والهدف رفع القدرة الاستعابية للزهر المنتج من الفرن العالي الرابع وتقليل التوقفات ولتكون بداية التشغل للفرن الثالث باكمل طاقته وتستغرق الأعمال من 6 إلى 9 أشهر.

 

اقرأ أيضا:

الحديد والصلب المصرية بين كوفيد 2019 وانحيازات وزير قطاع الأعمال

خالد علي يكتب: هل تعلم أن شركة الحديد والصلب المصرية…..؟

حلول ممكنة لإنقاذ صناعة الحديد والصلب

يقول الخبير الاقتصادي خالد الشافعي إن أغلب شركات قطاع الأعمال و بينها الحديد والصلب أسباب خسائرها تكون واحدة وهي التغيرات المستمرة في الإدارة والاعتماد على طرق تقليدية في الإدارة وعدم مواكبة التطورات الحديثة وارتفاع تكاليف الإنتاج نتيجة ارتفاع سعر الكهرباء والغاز وهي أسباب المشكلة.

يضيف الشافعي لـ”مصر 360″، أن أبرز الحلول التي يمكن عبرها مواجهة مشكلات الحديد والصلب هي حصر دقيق لأكبر مشكلة وهي الطاقة وتوفيرها بسعر أفضل أو حتى سعر خاص لها ما يقلل من أعباء الإنتاج، وتحديث معداتها العاملة، ورفع كفاءة العمالة وتدريبها ما يؤهلها لتعظيم الإنتاج خاصة أن صناعة الصلب والحديد والألمونيوم  تعتبر واعدة جدا في ظل مشروعات قومية عملاقة يجري تنفيذها في كل مكان يمكنها استيعاب إنتاج الشركات.

وتابع: “ليس واقعيًا أن تخسر الشركة فتقوم الإدارة باتخاذ الإجراءات اللازمة للتصفية وهي مشكلة كان يمكن التعامل معها بإعادة الهيكلة وخفض الإنفاق وبحث آليات للتعامل مع الخسائر وليس حلها، مشددا على أن الدولة لا تسعي للتخلي عن الشركات بدليل تجهيز برنامج طروحات خاصة في البورصة المصرية لشركات تابعة للحكومة من أجل الحفاظ على هذه الشركات، لكن في أزمات لخسائر المالية بحثت وزارة قطاع الأعمال العام  عن الحل السهل.

مشروعات عملاقة

ويقول خبراء اقتصاد إن المشروعات العملاقة التي تنشئها الدولة حالي تمثلا فرصة لإنعاش قطاع الأعمال العام بمنحه الحصة الأكبر فيها وتنويع أنشطة بعض الشركات لتشمل مجالات تلتصق بتلك المشروعات بما ينعش من إيراداتها. 

لكن الدكتور هشام توفيق، وزير قطاع الأعمال العام، قال في بيانه أمام مجلس النواب، إن إغلاق مصنع الحديد والصلب بحلوان تأخر عامًا كاملًا، وأنه لا أمل فيه بسبب تقادم التكنولوجيا فطن الحديد الذي ينتجه يستهلك ١٣٠٠ كيلو فحم كوك، بدلا من ٣٠٠ إلى  ٦٠٠ كيلو بالمصانع الحديثة.

هشام توفيق خلال كلمته في البرلمان
هشام توفيق خلال كلمته في البرلمان

يوجد في مصر حاليًا 32 شركة للحديد والصلب بينها 12 مصنعا كبيًرا للحديد والصلب أبرزها حديد عز وبشاي للصلب، والسويس للصلب، وحديد المصريين، ما يجعلها تحتل المرتبة 21 على مستوى العالم في الإنتاج والأولى عربيا بنحو 8 ملايين طن.

تخلو قائمة أكبر 10 شركات عالمية منتجة للحديد من أي دولة عربية، وتأتي أول شركة “سابك السعودية” في  المركز 69 عالميا عام 2018 بحجم إنتاج بلغ 5.26 مليون طن، بينما تتصدر  “حديد عز ” المركز 75 عالميا والأول محلًيا بإنتاج  يعادل 4.88 مليون طن.

ويقول الخبير الاقتصادي الدكتور رشاد عبده، إن أزمة تصفية “الحديد والصلب” مُبررة، لارتباطها بالصناعات الثقيلة الإستراتيجية التي يصعب تعويضها، على عكس الصناعات الاستهلاكية الخفيفة، مشددًا على أن شركات قطاع الأعمال هي الظهير الذي يقف خلف الدولة في الأزمات.

وطالب، في تصريح لـ”مصر 360“، برفع مستوى إدارة الشركات وأن تتضمن كفاءات من الخبرة والشباب ووضع دراسات لاستغلال الأصول  وتوفير تمويل لها حتى تقف على أرجلها وحل مشكلات التسويق،  واستغلال كل أصولها غير المستغلة في مشروعات ذات عائد مرتفع. 

 الدكتور  زياد بهاء الدين، نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير التعاون الدولي الأسبق، ذكر  في مقال صحفي نشره أخيرُا، أن قضية مصنع الحديد  والصلب تم تركيزها على ما إذا كان المصنع في حد ذاته قابلا للاستمرار كمنشأة اقتصادية أم أنه لا مفر من تصفيته، فكانت النتيجة هي التصفيةـ،  ولكن غاب عن الحوار ما إذا كانت مصر تحتاج لهذا النوع من التصنيع الثقيل، أم يمكننا استبداله بالتصدير، أم الاستغناء عنه بالكامل دون تهديد مستقبل الصناعة الوطنية. 

 وتابع: “لا نقصر حوارنا على هذا المصنع وحده، بل الأهم هو النظر إلى مقومات ومستقبل التصنيع فى مصر، وإلى متطلبات تنميته والنهوض به، وفيما يجب على الدولة أن تقوم به لاستبدال الأصول التي يجرى تصفيتها وإهلاكها بمقومات جديدة وباستخدام الخبرات والعمالة الماهرة المتوافرة، سواء كان ذلك بتمويل من القطاع الخاص فيما يحسن القيام به، أم برعاية الدولة وتدخلها فيما له أهمية إستراتيجية أو تنموية”. 

خسائر عامة 

ليست شركة الحديد والصلب والوحيدة التي خسرت، فمجموعة “حديد عز”  توصل النزيف على مدار العامين الماضيين، فنتائج أعمالها خلال التسعة أشهر الأولى من 2020 كشفت عن  تكبدها خسائر صافية (بعد حساب الضرائب) بنحو 4.1 مليار جنيه تضاف إلى 7.9 مليار جنيه في عام 2019 لتبلغ خسائرها 12 مليارا في أقل من عامين.

وتتبع مجموعة حديد عز أربعة شركات في السوق هي: شركة مصانع عز للدرفلة، وشركة العز الدخيلة للصلب – الإسكندرية، وشركة حديد للصناعة والتجارة والمقاولات كونتراستيل، وشركة مصر لصناعة لوازم المواسير والمسبوكات، بسبب ارتفاع التكلفة تزامنا وتراجع الطلب في السوق المحلية نتيجة قرار وقف البناء الذي تسبب في تراجع الطلب بنحو مليون طن.

لكن محمد حنفي، مدير عام غرفة الصناعات المعدنية باتحاد الصناعات، يقول إن قضية “الحديد والصلب المصرية” تتضمن جدلاً بين فريقين أحدهما يرى أنه من الجدوى والفنية لا أمل في إنقاذها، واتجاه آخر  يبحثون الشق الاجتماعي والإنساني المتعلق بالعمالة أو تاريخ الشركة العريق الذي يعود للستينيات بصرف النظر عن جدوى بقائها. 

الشركة تملك جبلاً من الخردة لكنه الخامة المصرية ذاتها تتسم بكم كبيرة من الشوائب وتحتاج إلى جبل آخر  من فحم الكوك لاستخراجه ما يجعل التكلفة مرتفعة، وهو من الأسباب التي تسبب في تصفية الشركة، مضيفا أن الجهود يجب أن تنصب حاليا على دراسة الخامة المصرية ذاتها هل أصبحت ذات جدوى اقتصادية للعمل بها أم لا.

تشكو الكثير من شركات القطاع الخاص حاليًا  من الخسائر  بتراجع المبيعات خلال السنوات الخمس الأخيرة رغم إتباعها تكنولوجيا متطورة بسبب ارتفاع تكلفة الطاقة والمادة الخام فمصر دولة فقيرة في خام الحديد وكميات الخردة التي ننتجها غير كافية.

ويوافقه الرأي منير عبدالنور، وزير الصناعة الأسبق، بإن مصنع الحديد والصلب أقيم عام  وا١٩٥٥/١٩٥٤ بتكنولوجيا شركة ديماج  الألمانية ثم أضيفت له طاقات إنتاجية سنة ١٩٦٢/١٩٦١ بتكنولوجيا سوفيتية، أي يبلغ عمره أكثر من ستين سنة لم يطور خلالها بشكل ملموس . 

وأضاف، في تعليق مطول على أزمة الحديد والصلب بموقع التواصل الاجتماعي يحكي خلاله تجربته مع الشركة، أنه عندما دعا خبراء من روسيا لدراسة المصنع وتقديم عرض لرفع كفاءته كان ردهم واضح وقاطع مفاده أن تكنولوجيا إنتاج الحديد والصلب تقدمت وتغيرت تماماً والأفضل والأوفر شراء خطوط إنتاج جديدة، فإنتاجية المصنع  متدنية للغاية بالمقارنة لخطوط الإنتاج الحديثة مما يزيد من تكلفة إنتاجه ما يستحيل معه منافسة الإنتاج المحلي من المصانع الجديدة أو الإنتاج المستورد، كما أنه مُحمل بأعداد من العمال تفوق بكثير حاجة الإنتاج، فكان هذا العدد سنة ٢٠١٤ نحو 12 ألف عامل . 

وضرب مثالاً بارتفاع تكلفة الإنتاج بسبب عبء العمالة الثقيل من ناحية وتدني الإنتاجية من ناحية أخرى، وقال:” بلغت تكلفة العمالة لإنتاج طن حديد تسليح  ألف جنيه بينما كانت هذه التكلفة 1 00جنيه  بالمصانع المصرية الحديثة، ثم يعتمد هذا المصنع في إنتاج الحديد والصلب على مصنع الكوك المجاور له وهو مصنع يمكن أن يحقق أرباحاً إن لم يخصص الجزء الأكبر من إنتاجه لمصنع الحديد والصلب غير القادر على سداد قيمته وتم تسويق هذا الإنتاج دون قيود”.