لا يزال قرار تصفية شركة الحديد والصلب المصرية مثار جدل. ذلك القرار الذي شهد مجلس النواب على إثره جلسة عاصفة هاجم خلالها بعض الأعضاء سياسات التصفية التي يتبعها وزير قطاع الأعمال العام هشام توفيق، الذي تمسك -بدوره- بقراره الأخير فيما يتعلق بالحديد والصلب، مؤكدًا أنه جاء نتيجة لليأس من إصلاحه.
بين جدوى هذا القرار وهل كان من الممكن الحيلولة دون اتخاذه واستبداله بالتطوير، نظمت تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين مناظرة حول شركة الحديد والصلب وقرار تصفيتها، شهدت أيضًا سجالاً وتباينًا في الآراء بين المشاركين بها.
خسارة الحديد والصلب.. خطأ هيكلي
عضو مجلس الشيوخ محمد فريد يدافع عن قرار تصفية الحديد والصلب. فيقول إن القطاع العام رغم ما يحظى به من مزايا حكومية، يتعرض لخسائر كبيرة. ويضرب مثالاً على ذلك بشركات إنتاج الأسمدة الثلاث التي تخسر جميعها. ويقارنها بالقطاع الخاص الذي يحقق مكاسب مستمرة.
ويرى فريد أن الخسارة التي تعرضت لها شركة الحديد والصلب ترجع لخطأ هيكلي في القطاع العام. ويشير إلى أن هناك خللاً في عمالة شركة الحديد والصلب -على سبيل المثال- إذ تضم ما يقرب من 114 عاملاً فقط تحت سن الثلاثين من أصل 7 آلاف عامل. كما يشير إلى مردود ذلك على إنتاجية العامل في عام 2016 والتي كان مقررًا لها أن تصل لـ46%، بينما سجلت نسبة 15% فقط.
ويضيف فريد أن قرار تصفية هذه الشركة -على وجه التحديد- كان صائبًا. ذلك إذا ما نظرنا إلى آخر مكاسب حققتها الشركة في العام 2010. وكانت 49 مليون جنيه، مقابل 400 مليون جنيه خسائر. في حين تفوقت عليها شركات ومصانع منافسة حققت أرباحًا أعلى، تصل لـ12 ضعفًا.
ولا يرى فريد مصوغًا للرأي الذي يرى في تصفية شركة الحديد والصلب مؤامرة على القطاع العام. ويؤكد أن الحديث عن أن التصفية تخدم القطاع الخاص “غير معقول”. لأن المصنع يتعرض للخسارة منذ العام 98. ولأن القطاع الخاص لا يحظى بدعم حكومي. بينما يؤكد أن قرار التصفية الأخيرة لن يهدر حقوق العمال كما يشاع. وينفي تضرر البلد من هذا القرار لأن مصادر الحصول على الحديد عن طريق الاستيراد كثيرة جدًا، على حد قوله.
اقرأ أيضًا: مقترحات لإنقاذ الحديد والصلب.. الأمر أكبر من حسبة الـ “10 صاغ”
تهوين قرار التصفية والاعتماد على استيراد الحديد بدلاً من التطوير كان أمرًا غير مقبول للنائبة مارسيل سمير، عضو مجلس النواب. فهي ترى أن الحديد والصلب من صناعات الأمن القومي. وأنه من الضروري تطوير هذه الصناعة والاهتمام بها، وليس الاعتماد على استيرادها من الخارج. كما أن القطاع الخاص -وفق رأيها- لم يقدم مشروعًا ضخمًا يتكلف مليارات الجنيهات خلال الـ40 سنة الماضية. لأنه لا إمكانية لديه لهذا الأمر. مشيرة إلى ضرورة التكامل بين القطاعين العام والخاص، وأن يكون القطاع العام هو المحرك لهذا التعاون.
معلقًا على ذلك، عاد النائب مؤمن سليم للإشارة إلى الخسارات التي تتعرض لها شركات القطاع العام. وتبلغ سنويًا أكثر من 3 مليار جنيه، على حد قوله. لهذا فهو يرى أنه لا مجال أو مكان لخطة الإصلاح الاقتصادي أو “البكائيات المستمرة” على تطوير القطاع العام. في حين أن هناك حلولاً يمكن أن تفيد القطاع والمواطن والعامل أيضًا.
يضيف النائب أيضًا أن أجور العمال قيمتها 50 مليون جنيه شهريًا، بينما المصنع يحقق إنتاجية قيمتها 1% من احتياجات السوق. ويقول إن القطاع العام بات عبئًا على الدولة بالخسائر التي يمنى بها، والعمالة الزائدة التي يضمها تزيد من هذه الخسارة. بينما يرى إمكانية استيعاب جزء من هذه العمالة ممن أثبتوا كفاءة في القطاع الخاص. مؤكدًا أنه لن تضيع حقوق العمال مع قرار التصفية. وأنه يجب التوقف عن العبارات التي تحول العامل إلى “شخص غلبان”، لأنه شخص عادي له حقوق وعليه واجبات.
ووفق النائب مؤمن سليم فإن “مصر مش هتخسر حاجة من التصفية، بالعكس هيكون في مكسب، وشركات القطاع الخاص نفسها بتشهد خسارة في مجال الحديد والصلب، وده اللي فتح باب الاستيراد”.
إلا أن النائبة مارسيل سمير ترفض ذلك التبرير، وتقول إنه يمكن استغلال الأصول وتطوير المصنع. خاصة وأن مصنع الحديد والصلب يمتلك أصول يمكنها تغطية مديونياته وتكلفة التطوير. مضيفةً أن قرار التصفية كان مفاجئًا دون توقعات، بحسب قولها.
اقرأ أيضًا: على أنقاض آلات الإنتاج.. محطات انهيار شركة “الحديد والصلب”
النائبة مارسيل سمير من أصحاب نظرية أن المصنع تعرض لـ”خسارة متعمدة”. ذلك برفع قيمة الكهرباء والغاز، ومحاسبة المصنع بقيمة أكبر من القيمة التي يحاسب بها القطاع الخاص. وفي ذلك إتلاف متعمد، على حد قولها، خاصة مع وقف توريد الفحم له، الذي أسفر عن سلسلة خسائر تقول النائبة إنها “ممنهجة، ولابد من محاسبة المسؤول عنها”.
وترحب مارسيل بالاستفادة من الإدارات الأخرى أو الاستعانة بالقطاع الخاص. لكنها تشدد على ضرورة أن تظل الأصول ملك للشعب المصري. وهنا توضح أنه في الفصل التشريعي الأول لم يقدم وزير قطاع شؤون الأعمال رؤية كاملة لتطوير الاقتصاد أو أسباب الخسارة كما كان مقررًا. وأنه مع بداية الفصل التشريعي الثاني قدم الوزير مستندات عديدة تحتاج لوقت طويل لمراجعتها. وقد قدمها مع قرار التصفية. وهو ما تراه النائبة إخفاءً متعمدًا للمعلومات.
وتقول: “الحديد والصلب مش هينفع تتساب للاحتكار، ووقتها القطاع الخاص هيدخل، وهندخل في مشاكل كبيرة، وأسعار المنشآت السكنية هتزيد، وهنبقى في مشاكل أكبر مش عارفين نحلها”.
وتشير النائبة إلى أن هناك حاليًا دعوة لاكتتاب عام لتطوير المصنع والحفاظ عليه، وتختتم حديثها بأن تعويضات العمال التي يتحدث عنها الجميع سيتم صرفها من الأصول. لأن قيمة الأصول الاقتصادية أكبر بكثير من قيمة الخسائر.
يعود النائب مؤمن سليم فيقول إن مجلس النواب في انتظار تقرير لجنة تقصي الحقائق للوقوف على أسباب خسارة مصنع الحديد والصلب في السنوات الأخيرة. لكنه يشير أيضًأ إلى أن وضع العامل في القطاع الخاص أفضل بكثير من القطاع العام. ويوضح أن ما يردد من بعض التيارات السياسية يدفع العديد من العمال لرفض العمل في القطاع الخاص، خوفًا من الإجبار على ترك العمل وضياع الحقوق. وهذا أمر غير صحيح، على حد قوله، لأن القطاع الخاص تحكمه القوانين، التي تحافظ أيضًا على حقوق العمال.