لا يزال قرار تصفية شركة الحديد والصلب، الأكثر إثارة للجدل في الأسابيع الماضية، خاصة عقب تصريحات وزير قطاع الأعمال العام هشام توفيق، التي أكد فيها أن الوزارة بصدد تصفية شركة جديدة للحديد أيضًا.

يأتي هذا بالإضافة إلى عدد من الأسئلة حول واقع سوق الحديد في مصر، والشركات العاملة والأسعار، بالإضافة إلى سؤال محدد حول ما مصير الشركات العامة العاملة في إنتاج الحديد، التابعة للقابضة للصناعات المعدنية.

تصفية شركة “الحديد والصلب”

الجمعية العامة لشركة الحديد والصلب قررت في 11 يناير الجاري، تصفية الشركة، بالإضافة إلى فصل نشاط التعدين عن الشركة الأم، في كيان جديد، على أن يكون المركز المالي للشركة في 31 ديسمبر 2020 أساسًا للتصفية.

الحديد والصلب أسست عام 1954، وبحسب أرقام وزارة قطاع الأعمال العام، فأنها حققت إيرادات نشاط جاري بلغت 554.87 مليون جنيه خلال الفترة من أول يوليو حتى 31 ديسمبر 2020. كما وصلت المبيعات المحلية والصادرات إلى 116.3 مليون جنيه خلال نوفمبر 2020.

الشركة تكبدت خلال الربع الأول من العام المالي الجاري، 274.48 مليون جنيه خسائر، مقابل 367.8 مليون جنيه خسائر في الفترة المقارنة.

سوق الحديد في مصر.. شركة قطاع خاص

مبيعات الشركة تراجعت خلال الربع الأول من العام المالي الجاري إلى 237.72 مليون جنيه، مقابل 280.31 مليون جنيه بالفترة المقارنة من العام المالي الماضي.

خبراء قالوا إن سوق الحديد المصري، يشهد العديد من المشكلات، فيما يتعلق بالأسعار والإنتاج، أو بعدد الشركات العاملة، التي قد تزيد عن حدود الطلب المتاحة.

وبحسب اتحاد الصناعات فإن سوق الحديد يعمل فيه 32 شركة، أبرزهم مجموعة حديد عز وبشاي والسويس للصلب والجارحي وحديد المصريين والمراكبي وجميعها من القطاع الخاص.

3 مصانع مملوكة للدولة

بينما تمتلك الحكومة “الحديد والصلب” و”الدلتا للصلب” بالإضافة إلى “السويس للصلب” التابعة لجهاز الخدمة الوطنية للقوات المسلحة.

وبحسب تصريحات لعدد من رؤساء الشركات، يتعرض السوق لخسائر منذ سنوات، وسط زيادة كبيرة في تكاليف الإنتاج وصعوبة المنافسة في الأسواق الخارجية، تزامنًا مع تراجع حاد في الطلب المحلي.

حسن المراكبي رئيس مجموعة المراكبي للصلب، قال في تصريحات صحفية إن القطاع الخاص ليس محملًا بأعباء العمالة كما أنه يستخدم تكنولوجيا متطورة جدًا.

بينما أوضح أن رغم ذلك تتكبد الشركات خسائر كبيرة في آخر 5 سنوات بسبب ارتفاع تكلفة الطاقة والمادة الخام، ما يقلل من تنافسيتها في أسعار البيع.

الوزير أثناء زيارة مصنع الدلتا للصلب

حرق أسعار

المراكبي يرى أن مصر فقيرة في المواد الخام من الحديد سواء مناجم أو خردة، وتعتمد على استيراد المواد الخام أو البيليت. كما أن الشركات تحصل على الخامات بالسعر العالمي بحسب ما أكد.

بحسب بيانات الماسح الجيولوجي الأمريكي، أنتجت مصر 300 ألف طن حديد صالح للاستخدام في عام 2013، بينما أنتجت الصين -دولة المقياس- مليون و500 ألف طن في العام ذاته.

ووفقًا لبيانات الجمعية المصرية للصلب، تحصل مصانع الصلب المصرية على الغاز الطبيعي بسعر يفوق 3 أضعاف المتوسط العالمي. كما تحصل على الكهرباء بسعر يفوق ضعفي المتوسط العالمي.

ارتفاع تكاليف الطاقة وانخفاض الأسعار

ونتيجة لزيادة التكلفة، تراجعت تنافسية منتجات الحديد المصرية بالسوق المحلية والأسواق العالمية بنسبة 30% في عام واحد، وفقًا للجمعية. ووفقًا للقوائم المالية لشركة حديد عز، أكبر شركة عاملة في السوق وتصدر جزء من إنتاجها، تكبدت الشركة خسائر في9 أشهر من 2020، 4.11 مليار جنيه.

كما تراجعت مبيعات الشركة، خلال الفترة لتسجل نحو 26.45 مليار جنيه خلال التسعة أشهر الأولى من 2020، مقابل 35.26 مليار جنيه في الفترة المقارنة من 2019.

مصنع حديد

أما بيانات المجلس التصديري لمواد البناء، أظهرت تراجع صادرات الحديد والصلب المصرية حتى أكتوبر 2020 بـ13% لتسجل 510 ملايين دولار مقابل 589 مليون دولار خلال 2019.

رئيس شركة المراكبي قال إنه رغم ارتفاع الأسعار في 2008 وفرض رسوم على الصادرات، كانت المصانع تصدر وتحقق مكاسب لانخفاض أسعار التكلفة وانخفاض أسعار الطاقة.

“حاليًا وحتى مع رسوم الواردات، السوق يعاني بسبب ارتفاع التكلفة وتراجع الطلب نتيجة قرار وقف البناء الذي فرض العام الماضي” بحسب المراكبي.

أسباب الخسائر

سوق الحديد يعاني من تراجع حاد في المبيعات العام الماضي، نتيجة تداعيات كورونا وقرار وقف البناء، بالإضافة إلى تأثر السوق العالمي.

وبحسب المراكبي، تراجع الطلب خلال العام الماضي بنحو مليون طن، حيث سجلت المبيعات الإجمالية نحو 6.4 مليون طن خلال العام مقارنة بنحو 7.5 مليون طن في 2019، و8.6 مليون طن في 2018.

قرار وقف البناء بسبب مخالفات العقارات

المراكبي قال إن التراجع في الاستهلاك يأتي رغم ارتفاع الطاقة الإنتاجية إلى 15 مليون طن سنويًا، ما تسبب في أن المصانع تنتج بـ50% من طاقتها الإنتاجية.

خالد الدجوي، رئيس شركة الماسة للصلب، يقول إن الشركات عانت بسبب توقف البناء وتداعيات كورونا. بينما لدى الشركات مخزون كبير تضطر لطرح عروض على بيعه.

عودة للقطاع العام

وزير قطاع الأعمال، قال أمام البرلمان إن قناعته لم تتغير بشأن تصفية الحديد والصلب، كاشفًا أن الوزارة بصدد بحث تصفية شركة أخرى من شركات الحديد والصلب.

القابضة للصناعات المعدنية تضم 15 شركة: (النحاس المصرية، النصر للمطروقات، النصر للمواسير، الدلتا للصلب، مصر للألومنيوم، النصر للكوك، المصرية للسبائك، ميتالكو، الحديد والصلب، الخزف والصيني، الإسكندرية للحراريات، النصر للتعدين، الهندسية للسيارات، النصر للزجاج، النصر للسيارات).

اقرأ أيضًا.. بعد “الحديد والصلب”.. “الدور على مين” في تصفية شركات الدولة؟

في فبراير 2020، نشرت المواقع الإخبارية صور زيارة وزير قطاع الأعمال العام لشركات النصر للمواسير، والنصر للمطروقات و”ميتالكو” لبحث إصلاح وتطوير هذه الشركات.

جاءت الزيارة عقب الانتهاء من تقييم الشركات الثلاث وتحديد آليات التطوير، والتي نفذتها شركة “RCG” الاستشارية السويسرية المتخصصة في هذا المجال.

الشركة السويسرية

الوزير أكد وقتها حرص الحكومة على إصلاح وإعادة هيكلة الشركات التابعة لها طالما توفرت عوامل ومقومات النجاح وثبتت جدوى التطوير.

كما استعرض تقرير الشركة السويسرية، لكن لم يعلن تفاصيل هذا التقرير.

في 13 يوليو 2020، وعقب موافقة البرلمان على تعديل القانون في 7 من ذات الشهر، قالت مصادر في وزارة قطاع الأعمال العام، إن هناك عدد كبير من الشركات الخاسرة المملوكة للدولة، والتي سينتهي بها الحال إلى التصفية.

اقرأ أيضًا.. على أنقاض آلات الإنتاج.. محطات انهيار شركة “الحديد والصلب”

المصادر أعلنت قائمة من الشركات ضمت: (النحاس المصرية، والحديد والصلب، والمصرية للمواسير، ونيازا، والنقل والهندسة، ومطابع محرم الصناعية، راكتا، والدلتا للأسمدة، والنصر للأسمدة بالسويس، وميتالكو).

بجانب شركات أخرى مثل: (النصر للمواسير الصلب، والنصر للكيماويات الدوائية، وإيليجكت، وعمر أفندي، والهندسية للسيارات، والنصر للسيارات اللتان تخضعان لتطوير وتحديث كبير يمكنها النهوض مستقبلا من خلال صناعة السيارات).

الدلتا للصلب

في يناير الماضي، بدأ التشغيل التجريبي لمصنع “الدلتا للصلب” بعد انتهاء المرحلة الأولى من تطويره.

الدلتا للصلب أقدم شركات الصلب في مصر وتعمل منذ 1946، عانت لمدة سنوات من خسائر متتالية. ما جعل الشركة القابضة تقرر وقف مصانعها “لأن الأفران القديمة كانت تسبب خسائر كارثية” لتبدأ التطوير على 3 مراحل.

خطة التطوير

منذ نهاية 2018، بدأت الشركة القابضة للصناعات المعدنية، تنفيذ خطة التطوير، والتي شرحها مدحت نافع رئيس الشركة القابضة للصناعات المعدنية.

تتضمن خطة التطوير، 3 مراحل، أولها التي تم تنفذها، تستهدف رفع قيمة إنتاج الشركة من 50 ألف طن من الصلب إلى 250 ألف طن سنويا بمعدات جديدة وتكنولوجيا حديثة.

وتبلغ التكلفة الاستثمارية التقديرية الإجمالية لتطوير شركة الدلتا للصلب نحو 45 مليون دولار، فيما تم ضخ نحو 700 مليون جنيه ذاتيًا في تطوير المرحلة الأولى.

اقرأ أيضًا.. الخبير الاقتصادي رشاد عبده: القطاع العام قابل للإنقاذ.. و”التصفية” الحل الأسهل

بحسب مصادر في وزارة قطاع الأعمال العام، إنه لايمكن التكهن بالشركة التي قال الوزير إنها على جدول التصفية المقبلة، خاصة أن السوق الآن يضم شركتين فقط هما “الدلتا للصلب، والسويس للصلب”.

الأولى وبحسب الوزير نفسه، فأنها تحقق نتائج طيبة فيما يتعلق بملف إعادةا لهيكلة، أما الشركة الثانية مملوكة لجهاز الخدمة الوطنية البعيد عن سيطرة وزارة قطاع الأعمال العام.