لايزال العالم يواجه جائحة كورونا بعد مرور ما يقرب من عام كامل دون الوصول إلى حل نافذ يوقف خطر الجائحة وأرقام الوفيات الأخذة في الصعود والتي وصلت إلى نحو مليون شخص حول العالم.

خلال العام الماضي تسابقت شركات الأدوية في اكتشاف لقاح قادر على التصدي للفيروس، ونجحت عدد من الشركات في إنتاج لقاحات مختلفة بعضها حاز على موافقات عالمية.

ظن العالم أن الأزمة على أعتاب النهاية السعيدة، إلا أن أزمة جديدة ظهرت تتعلق بالنظام العادل الذي تحكمه الأخلاقيات في توزيع اللقاحات على مواطني الدول.

الصحة العالمية تحذر من “جائحة” أخلاقية

قبل أيام، حذر تيدروس أدهانوم المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، مما وصفه بـ”شفير إخفاق أخلاقي كارثي” يتعلق بأزمة كورونا، موضحًا أنه في حال تركت الدول الغنية نظيرتها من الدول الأكثر فقرًا تعاني من نقص اللقاحات المضادة لفيروس كورونا فيما تستحوذ هي على حصة الأسد منها.

تيدروس أعرب عن استيائه من سلوك الدول الغنية التي تطبق نهج “أنا أولًا” دون النظر إلى الآخرين، فضلًا عن كشفه للقيم التي يتعامل على أساسها مصنعو اللقاح حول العالم.

مؤكدًا أن مصنعي اللقاحات يسعون للحصول على موافقة الهيئات الطبية في الدول الغنية بدلًا من تقديم بياناتها لمنظمة الصحة من أجل إعطاء الضوء الأخضر لاستخدام اللقاح عالميًا.

مدير الصحة العالمية قال إن الشركات نكست بوعودها. إذ تعهدت بوصول متساوي للقاح لكل دول العالم، وهو ما لم يحدث حتى الآن. كما أوضح أن 39 مليون جرعة من لقاح كورونا أعطيت حتى الآن في ما لا يقل عن 49 من الدول الأعلى دخلًا.

جائحة كورونا والتوزيع العادل للدواء

“لن يكون كل واحد منا بأمان إلا إذا كنّا جميعًا على مستوى العالم بمأمن من هذا الفيروس” يقول هايكو ماس وزير الخارجية الألماني.

كافة المواثيق الدولية والدساتير ضمنت حق المواطن في الحصول على العلاج والدواء. إذ تؤكد الفقرة 1 من المادة 15 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، أن لكل شخص الحق في المأكل والمسكن والرعاية الطبية.

وفي ظل الجائحة التي تواجه العالم، يجب أن يكون التضامن مع الدول الأكثر فقرًا أمرًا أوليًا. إذ أن طبيعة الفيروس من شأنها أن تعيد العالم أجمع إلى نقطة الصفر من جديد.

جشع مصنعي اللقاحات

في خضم رحلة البحث عن لقاح لمواجهة فيروس كورونا الذي يهدد حياة الملايين من البشر حول العالم، تعهدت شركات الأدوية بعملها على توزيع عادل للقاح في العالم أجمع. إذ أن الأزمة كان يتم النظر إليها بأنها تهدد الحياة على كوكب الأرض.

لكن مع بدء عدد من الشركات في الوصول إلى لقاح ومروره بعدد من التجارب حتى تم الاعتراف بواحدٍ تلو الأخر، بدأت الحقيقة تتكشف أمام العالم أجمع، المال والسباق على التربح هو الهدف الأسمى لشركات الأدوية، وعمدت عدد من شركات اللقاحات إلى رفع سعر اللقاح الخاص بها مما كان له أثر سلبي على التوزيع العادل للقاحات حول العالم حيث أسقطت حسابات الدول الأكثر فقرا مع المعادلة وتحول البحث عن المكسب هو الهدف الأول.

لقاح استرازينيكا

وفي هذا الصدد قال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، إن إعطاء غالبية المصنعين الأولوية للحصول على موافقة الهيئات الحكومية في الدول الغنية، حيث الأرباح هي الأعلى، بعقد صفقات ثنائية بعيدًا عن منظمة الصحة العالمية هو ما يفتح الباب أمام غياب العدالة في توزيع اللقاح.

وأوضح جيبريسوس، أن هذا النهج الذي يضع المصلحة الفردية أولًا لا يترك فحسب الدول الأكثر فقرًا والأشخاص الأكثر ضعفًا في العالم في خطر، بل يؤدي أيضًا إلى نتيجة عكسية. وحذر من استمرار الوضع على هذا المنوال حيث يطيل الوباء ويطيل المعاناة والقيود الضرورية لاحتوائه.

الأنانية شعار المرحلة

مع بداية ظهور لقاحات مختلفة، بدأت النزعة الأنانية لدى الدول الكبرى الغنية في الظهور إلى العلنية. على سبيل المثال ذهبت كلا من كندا والولايات المتحدة الأمريكية إلى الحصول على 4 أضعاف ما يحتاجون من لقاح، فيما حصلت “غينيا” على 25 لقاحًا روسيًا فقط، تم توزيعهم على المسؤولين وكبار القادة.

لقاح فايزر

فيما كشفت الصحافة الإسبانية حصول رئيس أركان الجيش الإسباني ميجيل أنخيل فيارويا على لقاح كورونا مبكرًا عن الوقت المحدد له وفقًا للنظام المعلن لترتيب الفئات المستحقة للقاح. إذ أن الأطباء كانوا على أولى قائمة المستحقين للقاح.

وبدأت عدد من الدول التي حصلت على أعداد أقل مما كان من المنتظر إلى منح اللقاح للقيادات وكبار الشخصيات والمسؤولين والأغنياء القادرين على دفع المال من أجل الحصول على اللقاح.

مبادرة “كوفاكس” تمنح الأمل

مبادرة “كوفاكس” هي مبادرة دشنتها منظمة الصحة العالمية بالتعاون مع عدة منظمات غير ربحية، تستهدف تشجيع التوزيع العادل للقاحات حول العالم من خلال التفاوض مع شركات الأدوية من أجل سعر أقل نسبيًا من أسعار الدول الغنية وعدم طرح اللقاح بأسعار السوق تبعًا لنظرية المكسب والخسارة.

عن طريق التفاوض من أجل سعر تفضيلي مع شركات الأدوية، وإعطاء جميع الدول بغض النظر ما إذا كانت فقيرة أو غنية فرصًا متساوية للحصول على اللقاحات.

وتعمل المبادرة على جمع معونة من الدول الأعضاء التي تضم الدول الكبرى الغنية ما عدا الولايات المتحدة الأمريكية التي فضلت إبرام صفقات ثنائية مع الشركات المصنعة للقاح.

وساهمت المبادرة في جمع 2.4 مليار دولار، إلا أن المبدرة ما زالت تحتاج إلى 4.6 مليار إضافية.