منذ ثلاثة أشهر أنهى رؤساء الكنائس المصرية (الأرثوذكسية والكاثوليكية والإنجيلية) مشروع قانون الأسرة في صيغة واحدة، قبل تسليمه إلى مجلس الوزراء منتظرين عرضه على مجلس النواب، ليصبح القانون أول ملفات الأقباط على طاولة الفصل التشريعي الجديد للبرلمان، في وقت ينتظر فيه ملايين الأقباط القول الفصل في القانون الأكثر إثارة للجدل بين الأوساط المسيحية.

القانون يشمل توسعًا كبيرًا في أسباب الطلاق وبطلان الزواج بعدما كان الأمر يقتصر على سببين فقط هما تغيير الملة أو الزنا.

قانون لإصلاح الأسر المفككة

الأمر يراه رؤساء الكنائس تغييرًا هدفه إصلاح الأسر المفككة، بينما يراه الجانب المحافظ تغييرًا في أصول الدين لأن الزواج الثاني عقب أسباب الطلاق الموسعة يعد زنا بحسب اعتقادهم.

القانون يحتاج مناقشة مجتمعية لوجهتي النظر وتحليل رقمي لمعدلات الطلاق التي أدت للتوسه في أسبابه، قبل مناقشته داخل بالبرلمان، وهو ما يرصده “مصر 360” في التقرير التالي:

قانون جديد بدون تفاصيل

الكنائس الثلاث لم تكشف تفاصيل القانون الجديد، ما أثار الشكوك لدى الجانب المحافظ في الكنيسة الأرثوذكسية، بينما يشعر عدد كبير من الأسر بقرب انتهاء معاناتهم في المحاكم أو المجالس الملية.

وصول القانون إلى طاولة البرلمان للنظر فيه وإقرار تشريعه، كان حلمًا قارب على التحقق بعد سنوات من الخلافات في الوصول إلى صياغة ترضي كافة الأطراف.

كان الجميع ينتظر صورة مواد عامة، أو خاصة بكل كنيسة بحسب طبيعتها وخصوصيتها، وذلك كله في قانون واحد يطبق على جميع المسيحيين في مصر، وفقًا لما كشفه المستشار يوسف طلعت، مستشار رئاسة الطائفة الإنجيلية.

قانون “أقوى من اللائحة”

إخراج القانون إلى النور، أمر مهم للطوائف المسيحية حتى وإن لم يكن موحدًا بشكل كامل، وفقًا لرؤية المحامي جوزيف ملاك، الخبير القانوني في قضايا الأسرة المسيحية. الذي أكد أن قيمة ذلك القانون في أنه أقوى من اللائحة، حيث إن بعض القضاة لا يتعاونون مع اللائحة على عكس القانون.

ملاك أضاف لـ”مصر 360″، أنه حتى الآن لم يتم رؤية مشروع القانون، إلا أنه وفقًا لما تم تداوله فأن هناك بعض الاختلافات عليه فيما يخص الاعتراف بالطلاق المدني ما جعل هناك فقرات خاصة لكل طائفة. وهكذا لن يصبح قانونًا موحدًا كما كان مرجو منه، لذا ستكون هناك حالات حسب كل طائفة ومعتقداها.

اقرأ أيضًا.. ميراث المسيحيات.. نضال مستمر للحصول على الحقوق كاملة

المحامي أكد عدم وجود قانون للأحوال الشخصية خاص بالمسيحيين، كان الأمر يقتصر على لائحة الأرثوذكس لعام 1938 والتي تم تعديلها عام 2008، وكانت تشمل أبوابًا خاصة بباقي الطوائف.

10 أسباب للطلاق قبل 2008

وأرجع وجود أبواب خاصة لكل طائفة لوجود بعض الاختلافات في أسباب الطلاق والاعتراف بمصطلح “الطلاق”. إذ ترى الكاثوليكية أن هناك انفصالًا لا طلاق، بينما أقرت الأرثوذكسية 10 أسباب للطلاق قبل أن يصبحوا سببين في 2008.

المحامي المتخصص في قضايا الأصرة قال إن الاختلافات بين الطوائف راجع للتوسع في تفسير آيات الإنجيل، وتحرير النص من مضمونه والسير على مبادئ وأفكار مختلفة، بالإضافة إلى الأفكار الغربية التي تختلف عن الكنيسة الشرقية.

الطلاق في المسيحية.. أزمة قديمة

قبل عشرات السنين عاش قطاع كبير من المسيحيين محنة كبيرة نتيجة سعيهم وراء الطلاق في ظل قوانين كنسية صارمة، التي شكلت عوائق كبرى في حياة المتضررين من زيجة بعينها.

ضبابية أحاطت بقوانين الطلاق وصفت بأنها لا تناسب العصر، ما تجلى في رفع 300 ألف قبطي دعاوى قضائية للطلاق من 2010 إلى 2012، وفقًا لتصريحات “رابطة 38” المطالبة بحق الطلاق في المسيحية.

لم تقف الأزمة عند الحدود المصرية فقط، بل تجاوزت للعالم، حيث إن المسيحيين بطوائفهم الثلاث وما يندرج تحتهم من مذاهب، يعانون من صرامة القوانين التي تعيق الطلاق نظرًا لمحدودية الأسباب.

اقرأ أيضًا.. البابا 117 “شنودة الثالث”.. مناهض التطبيع مع إسرائيل وإقامة دولة للأقباط “2”

كما أن الغضب الشديد من تلك القوانين أنتج أزمات كان أبرزها تغيير الملة وأحيانًا الزنا في حال اعتبار الكنيسة أن الزواج الثاني بدون موافقتها يعد زنا.

كل هذا تبعه تسهيلات للطلاق من قبل الرئاسات الكنسية، حفاظًا على أبناء الكنيسة من الابتعاد عنها.

لكن التسهيلات أثارت المحافظين الذين يرون أن ذلك يعد تغييرًا في القوانين التي وضعها المسيح، وبالتالي فأن السماح بزواج آخر يعد زنا مباح، ما أثار جدلًا واسعًا.

الطلاق في الإنجيل: آيتان

تتلخص فكرة الطلاق في المسيحية في آيتين من الإنجيل: “الَّذِي جَمَعَهُ اللهُ لاَ يُفَرِّقُهُ إِنْسَانٌ”، وثانيهما “مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ إلاَّ لِعِلَّةِ الزِّنَى يَجْعَلُهَا تَزْنِي، وَمَنْ يَتَزَوَّجُ مُطَلَّقَةً فَإِنَّهُ يَزْنِي”.

تلك الوصية تكررت 3 مرات في الإنجيل بحسب مدرس اللاهوت مينا أسعد كامل، في كتابه: “الطلاق في المسيحية”، الذي يرى أن تكرار تلك الآيات يدل على أنها تشريع سماوي صريح ووصية إلهية.

آيات الإنجيل دفعت الطوائف الثلاث لاستخلاص قوانينها الخاصة بالطلاق.

على سبيل المثال نص قانون الفاتيكان “الكاثوليكية” على أن الزواج رابط أبدي، ولا تؤمن بكلمة الطلاق نهائيًا. إذ يرى الكاثوليك أن من يطلب الطلاق من زوجته ويحاول التقرب من أخرى يعتبر زانيًا. كما أن المرأة التي تتزوج من رجل مطلق تعتبر زانية، لكونها أخذت رجلاً من زوجته.

بابا الفاتيكان

الكنيسة “الأرثوذكسية” كانت تؤمن بمصطلح “الطلاق” وأقرت له عدة أسباب في لائحة عام 1938، قبل أن يقلصها البابا شنودة عام 2008 لتقتصر على تغيير الملة أو الزنا، وهو ذات الأمر التي تسير عليه “الإنجيلية” التي ترى أن الطلاق يكون لنفس السببين فقط.

اختفلت أسباب الطلاق للأرمن الأرثوذكس في حالات العقم، أو الإضرار بالمصالح المالية لأحد الطرفين بسوء قصد. كما يقع الطلاق إذا أبى أحد الزوجين الاختلاط بالآخر. بينما رأت الطائفة الأسقفية أن الطلاق يقع عند تغيير الدين أو الزنا أو الانحراف الجنسي أو الهجر أو السجن أو الإصابة بمرض مزمن لا يمكن التعافي منه.

هكذا يكون.. إصلاح بعد معاناة

ضيق أسباب الطلاق أنتج مشكلات كبرى لدى مئات الآلاف من المسيحيين في العالم، نظرًا لما سجله عام 2012 من نسب كبرى في حالات الطلاق.

2012 شهد 300 ألف دعوى طلاق في مصر وفقًا لتصريحات ممثلو “رابطة 38” المطالبة بحق الطلاق في المسيحية. بينما سجلت حالات الطلاق في أمريكا 53% منها 20% من للكاثوليكية، و31% للإنجيلية، وفقًا لمركز الأبحاث التطبيقية بجامعة جورج تاون.

طلاق الأقباط

الأرقام تعكس الأزمة التي تكمن في كون جميع الطوائف لا تسمح للمطلق بشكل مدني أي “دون موافقة الكنيسة”، باستخراج تصريح بالزواج من أخرى. بينما في حال زواجه بشكل مدني يصبح هذا الشخص خارجًا عن الكنيسة ولا يمارس طقوسها لذا وقع بين نيران الابتعاد عن الكنيسة أو الاستمرار في علاقات فاشلة.

ماذا فعل بابا الفاتيكان؟

ارتفاع الأعداد ولد معاناة لهؤلاء الذين لم يجدوا حلًا سوى الاحتجاجات على قوانين الكنسية. إذ يأملون في إيجاد حلول تبقيهم على كنيستهم وتسمح لهم بحياة أسرية جديدة. بينما اختار البعض حياته الشخصية.

البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، وضع الحجر الأول في بناء إدماج المتزوجين بعد الطلاق عام 2015، حينما أصدر وثيقة مخصصة للعائلة والزواج بعنوان “فرح الحب”.

وثيقة البابا شملت الأزواج مختلفي الجنس الذين يعيشون المساكنة أو تزوجوا مدنيًا، قائلًا إن لديهم حب يجب أخذه في الاعتبار، عندما يبلغون استقرارًا ثابتًا عبر علاقة علنية.

اقرأ أيضًا.. إدراج أديرة وادي النطرون ضمن التراث العالمي.. وجه مشرف لمصر أم فرض للسيادة على الكنيسة؟

ولم يكتف البابا بالحديث فقط، بل عمل على تسهيل إجراءات “إعلان بطلان الزواج” والإسراع فيها دون رسوم. إذ تسمح للأساقفة بفسخ الزواج إذا أراد كلا الطرفين، نظرًا لرؤية البابا إنه ليس من العدل أن يبقى الزوجين مظلومين طويلًا.

البابا تواضروس، بابا الإسكندرية يعمل أيضًا على قانون جديد أكثر توسعًا في أسباب الطلاق، حيث يشمل 24 سببًا لبطلان الزواج، و20 سببًا للطلاق.

كما يرى البابا أن القانون لا يعد توسعًا في أسباب الطلاق، لافتًا إلى أن الأسباب المستحدثة هي تنفيذ لوصايا الكتاب المقدس.

دعوة للزنا.. البابا يرد

من ناحية أخرى، وصف المحافظون الزواج المترتب على أسباب الطلاق المستحدثة بـ”الزنا”، وفقًا للآية: “مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ إلاَّ لِعِلَّةِ الزِّنَى يَجْعَلُهَا تَزْنِي، وَمَنْ يَتَزَوَّجُ مُطَلَّقَةً فَإِنَّهُ يَزْنِي”، ما سبب هجومًا على الكنيسة والقانون.

البابا تواضروس، دافع عن أسباب القانون، حين فسر أن الزواج يقوم على أية: “من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته، ويكون الاثنان جسدًا واحدًا وما جمعه الله لا يفرقه إنسان”.

بطريرك الكرازة المرقسية أكد أن الزواج يعتمد على كلمتي “ترك والتصاق”، ومعنى “التصاق” يعني تواجد الاثنان تحت سقف واحد، لذا في حال ترك أحد الأطراف لمدة على غير رضا الطرف الآخر يعد إخلالًا بشرط الالتصاق.

وحول الآية: “الَّذِي جَمَعَهُ اللهُ لاَ يُفَرِّقُهُ إِنْسَانٌ” والتي يبرهن به الجانب المحافظ على رفضه القانون الجديد، أكد البابا أن الله تمثله الكنيسة التي تسمح بسر الزيجة، كما أن الكنيسة التي تقدر على منح الزواج تستطيع أيضًا منعه.

لا للطلاق بـ”الإرادة المنفردة”

وعن جزئية “لا يفرقه إنسان” فسر البابا أنه لا يمكن التفريق في الزيجة بصورة فردية، يجب أن يكون الطلاق من خلال الكنيسة.

البابا قال إن القاضي يحكم بالتفريق المدني ومن ثم يأتي دور الكنيسة التي تدرس الحالة وتقرر منح أي طرف أو كليهما تصريحًا للزواج الثاني أو لا.

وردًا على تلك الجزئية، يرى كريم كمال، الكاتب والباحث في الشأن القبطي، أن القانون الموحد للأحوال الشخصية يخضع لضمائر من قاموا بوضعه والموافقة عليه، حيث سيخصص القانون بابًا لكل طائفة فيه حسب قوانينها.

كمال أضاف لـ”مصر 360″، أنه يستحيل وصف طلاق أو بطلان زواج وافقت عليه الكنيسة بـ”الزنا”. إذ أن الكنيسة ومجمعها المقدس يتحملان القرار أمام الله ولا يتحملها الشخص الذي يسمح له بالزواج.

البابا تواضروس

“هناك حالات كثيرة معلقة أكثر منذ 10 سنوات وكان يجب وضع قانون لحل أزمة تلك العائلات” يقول كمال. وشدد على ثقته في استحالة موافقة الكنيسة على انفصال أو زواج شخص منفصل لا يتوافق سبب انفصاله مع شريعة الكنيسة.

“الطلاق في المسيحية ليس بالمعنى المعروف في الإسلام، وهو حق الرجل في فصم الرابطة للزوجية بإرادة منفردة. المسيحيون جميعًا على اختلاف مذاهبهم مجمعون على أنه ليس في المسيحية طلاق من هذا النوع” يضيف كمال.

تطليق وليس طلاق

الباحث أكد أن المسيحية تسمح بالتطليق وليس بالطلاق، والتطليق هو الفصل بين الزوجين بناءً على حكم محكمة ولأسباب تقرها الكنيسة.

“التطليق يتم بمعرفة القضاء إذا توافرت أسبابه التي تنص عليها الشريعة المسيحية ولكن لا يجب أن يكون بابًا للتحايل على الشريعة المسيحية فيتم الطلاق بالإرادة المنفردة”. يقول كمال.

وفيما يخص القانون الجديد، أكد أنه يسير في نطاق المبدأ المسيحي العام الذي تقره جميع المذاهب المسيحية، بأنه لا طلاق بالإرادة المنفردة. واعتناق الزوج أي مذهب آخر من المذاهب المسيحية أو انضمامه إلى أية ملة أخرى مسيحية، لا يبيح له بتاتًا أن يطلق زوجته بالإرادة المنفردة. حيث حكمت بهذا المعنى محكمة استئناف القاهرة في القضية رقم 166 لسنة 73 قضائية تاريخه 6 مارس 1957.

كمال حذر من بطلان القانون لاستبعاده طائفة دينية مستقلة معترف بيها من الدولة وهي الروم الأرثوذكس وتمثلها بطريركية الإسكندرية وسائر أفريقيا للروم الأرثوذكس.