جرت المصالحة الخليجية وسط حذر يشوبه القلق، وقعت جميع الأطراف مصر والسعودية والإمارات والبحرين مع قطر اتفاق العلا، رأى الجميع أن المسمى “مصالحة” لكن في نفس الوقت كان القلق سيد الموقف والأسئلة تكثر وتتراكم بعضها فوق بعض، ترى ما هي شروط الاتفاق؟ هل انتهت الأسباب التي بدأ بها؟ وما الذي تغير؟
اكتفت جميع الأطراف بالإعلان عن المصالحة، هدأت الأمور وعادت العلاقات الدبلوماسية والزيارات المتبادلة والمشاريع الاقتصادية، كل ذلك دون الاقتراب من الإجابات على الأسئلة الشائكة، والبعض فضل ذلك مراعاة للمصلحة العليا للمنطقة، وفي نفس الوقت يأمل بألا تسوء الأمور أو بألا تنتهي أسباب الخلاف الأولى.
قطر ترعى المصالحة الإيرانية الخليجية؟
من بين الأسئلة التي كثر الإجابة عنها كانت ورقة إيران، الدولة الفارسية التي ترتبط بعلاقات قوية مع قطر توثقت خلال السنوات الـ 4 الماضية مع المقاطعة العربية، وهي من الأسباب الأساسية للخلاف العربي القطري، وعلى الرغم من عدم وجود تأكيدات من الدوحة أو حديث عن طبيعة تلك العلاقة وما إذا كانت ستستمر، لكن تمت المصالحة واليوم تدعو قطر الخليج للمصالحة.
وزير الخارجية القطري الشيخ محمد عبد الرحمن آل ثاني في حوار مع “بلومبرج” حث دول الخليج العربية على إجراء محادثات مع إيران، وعبر عن أمله في حدوث ذلك، بعد أسابيع فقط من اتفاق المصالحة بين الدوحة وجيرانها لإنهاء خلاف دبلوماسي استمر فترة طويلة.
وقال آل ثاني: “هذه رغبة تشاركها دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، وستسهل قطر المفاوضات، إذا طلبها أصحاب المصلحة، وستدعم من يُختار للقيام بذلك”.
في إجابته على أسئلة بلومبرج، طرح وزير الخارجية القطري “الدوحة” على أنها يمكن أن تلعب دور حمامة السلام بين دول الخليج السعودية والإمارات والبحرين وبطبيعة الحال مصر الشريك الأساسي في المنطقة مع دول الخليج، وهذا الطرح أو الافتراض يطرح المزيد من الأسئلة.
وقال وزير الخارجية القطري عن ذلك: “يجب أن يأتي الوقت لجلوس دول مجلس التعاون الخليجي مع إيران إلى الطاولة للتوصل إلى تفاهم مشترك حول أننا يجب أن نعيش معا، فلا يمكن لإيران إبعاد دول الخليج عن المنطقة ولا يمكن لدول الخليج إبعاد إيران من المنطقة”.
هل يعني ذلك استمرار العلاقات القوية بين قطر وإيران؟ ثم هل تقبل دول الخليج بإجراء المصالحة؟ وهل توافق إيران على شروط دول الخليج؟
ومن الادعاءات التي دفعت السعودية والإمارات والبحرين إلى فرض حظر على قطر في عام 2017 أنها وثيقة الصلة جدا بإيران، التي تعدها دول الخليج الثلاث أكبر عدو لها.
وتشترك قطر وإيران في أحد أكبر حقول الغاز في العالم، وتحافظ الدوحة على علاقات ودية مع طهران.
اقرأ أيضًا: مصالحة قطر والسعودية.. الثابت والمتحول في الأزمة الخليجية
تهدف للخراب في المنطقة
السعودية وسريعًا ردت بشكل غير مباشر على التصريحات القطرية، بعدما أكد وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، في لقاء مع قناة العربية، أن دعوات إيران للحوار بشأن برنامجها النووي تهدف إلى التسويف والمماطلة.
قال وزير الخارجية السعودي إن ”قمة العلا تمثل قاعدة قوية للعمل العربي والخليجي المشترك.. وجميع الدول متفقة على أهمية المصالحة“.
وأكد وزير الخارجية السعودي عن تفاؤله بأن الإدارة الأمريكية الجديدة ستلتزم بما صرح به الرئيس جو بايدن بشأن الاتفاق النووي مع إيران.
بشكل واضح تقول السعودية إن المصالحة الخليجية إيران ليست جزء منها، خاصة في ظل استمرار السياسة الإيرانية كما هي، كما أن السعودية تعول على الرئيس الأمريكي الجديد أن يكبح جماح إيران ويسيطر على مشروعاتها التوسعية في المنطقة بالإضافة لمراقبة تخصيبها لليورانيوم.
فما تزال السعودية والخليج عموما ينظر إلى إيران بإرتياب شديد خاصة وأنها شريكة في العديد من الملفات الشائكة في المنطقة بالقوة، سواء بشكل مباشر أو عن طريق التنظيمات الشيعية التي تمولها في العديد من الدول العربية وخاصة اليمن الملف الذي ما يزال يؤرق السعودية بشكل كبير.
وبعيدًا عن السعودية فالكويت والإمارات والبحرين أيضًا عانوا كثيرا من التدخلات الإيرانية سواء بإحتلال الجزر أو التدخلات عن طريق الأقليات الشيعية في تلك.
اقرأ أيضًا: إيران وتغولها الناعم.. ميزانية بالمليارات لتصدير “الثورة” ودعم للمليشيات
هل تتخلى إيران عن مخططاتها من أجل المصالحة؟
وزير الخارجية الإيراني رد سريعًا على الوساطة القطرية والمخاوف الإيرانية حيث وصف المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زادة، المخاوف السعودية حول اليمن بـ”الخيالية” وأكدت أنها على استعداد للحوار مع الرياض وحل القضايا العالقة، مشددة في سياق منفصل على أنها لن تقبل الوساطة السياسية القطري للإفراج عن ناقلة النفط الكورية الجنوبية.
وقال زادة، في تصريحات أدلى بها لوكالة “إسنا” شبه الرسمية الإيرانية ونقلتها وكالة أنباء فارس الإيرانية: “بالرغم من قيام بعض دول المنطقة، بما في ذلك السعودية ، بوضع عراقیل أمام إيران، فقد أكدنا دائما أن دول المنطقة يجب أن تتوصل إلى تفاهم مشترك حول القضايا الإقليمية من أجل تحقيق الآلية الأمنية اللازمة في هذا الصدد”.
وتابع خطيب زادة قائلا: “للأسف، ما شهدناه حتى الآن هو عدم تجاوب بعض الدول في الخليج الفارسي بما فيها السعودية في هذا الصدد مع مقترحات إيران”، على حد تعبيره.
وتطرق المتحدث باسم الخارجية الإيرانية بشكل غير مباشر إلى “المصالحة الخليجية” عبر الإشارة إلى أن المسؤولين السعوديين باتوا “يصلحون سياساتهم” مع بعض دول الخليج بعد أن أدركوا ألا فائدة من الحرب.
وأردف خطيب زادة قائلا: “إذا كان هذا الإصلاح السياسي على جدول أعمالهم بجدية واستنتج السعوديون أن حل المشاكل هو التعاون الإقليمي، فإن الدولة الأولى التي ترحب بهذه القضية هي إيران”، حسب قوله.
وأبدى المتحدث باسم الخارجية الإيرانية استعداد بلاده للحوار والتفاوض مع الرياض إذا استنتجت أن التعاون الإقليمي فيه طمأنة لمخاوفها وأضاف: “فالحل بيد السعوديين والجواب على القلق ليس الحرب”، حسب قوله.
ووصف خطيب زادة المخاوف السعودية حول اليمن بـ”الخيالية” وأشار إلى أن حل الأزمة اليمنية لا يكون إلا بوقف الحرب، حسبما يرى.
واشنطن وإيران وقطر حلقة الوصل
الدوحة حليف وثيق لواشنطن، وتوسطت في السابق بين الولايات المتحدة وإيران، مما يشير إلى أن التدخل القطري يمكن أن يكون بمثابة إشارة إلى الإدارة القادمة للرئيس المنتخب جو بايدن كما ان المخاوف السعودية ثم الرد الإيراني والعلاقات الوثيقة بين أمريكا ودول الخليج جميعها قد تشير على الأقل لاحتمالية الحوار ولو بالوصول إلى حل جزئي لتلك الصراعات في المنطقة.
لكن وفي نفس الوقت فلن تستغني الولايات المتحدة الأمريكية عن علاقتها بدول الخليج مقابل إيران ما يعني أن التوصل لحل يرضى جميع الأطراف وخاصة “الخليجية” سيكون الشغل الشاغل وبالمقابل يمكن للرئيس الأمريكي الجديد أن يرفع بعض العقوبات التي وقعها ترامب على إيران بالإضافة لإعادة النظر في “الملف النووي الإيراني” فبعد سنوات من التفاوض للوصول إلى حل جاء ترامب وأنهى كل شيء وعلى بايدن أن يعيد الملف من جديد للساحة.
بالتأكيد الملف الإيراني الخليجي شائك ولن ينتهي بين يوم وليلة لكن في النهاية لا يمكن تجاهل الدور المؤثر لإيران في المنطقة كما لا يمكن تجاهل الإشارة بإمكانية “التوسط” لحل بين الجميع.