قامت ثورة الخامس والعشرين من يناير لسنة 2011، بعد تردي الأحوال العامة والخاصة للمواطنين، وذلك للمطالبة بتعديلات أو تغيرات اجتماعية جوهرية تمس الحياة العامة والخاصة لجموع الشعب المصري. وكان ذلك تحت شعار عيش حرية وعدالة اجتماعية، وظن غالبية الشعب المصري وخصوصًا “شعب ثورة يناير”. وبعد أن حققت الثورة نجاحًا شكليًا متمثلاً في الإطاحة برؤوس النظام السابق، فإن هناك تغيرات اجتماعية سيشهدها المجتمع المصري ستعود بالنفع على الجميع، وهو الأمر الذي سيؤكد نجاحًا موضوعيًا للثورة.
ولما كانت التغيرات الاجتماعية في النسق العام للمجتمع لابد أن يعبر عنها بتغيرات قانونية، بحسب كون القانون هو مرآة التغيرات الاجتماعية في كل المجتمعات، وبحسب كون النظم القانونية إنما تعبر عن احتياجات المجتمع وتنظيم الحياة بشكل كامل، سواء فيما يخص حياة الأفراد فيما بينهم، أو يخص علاقاتهم المختلفة مع السلطة، ومن هنا نادى معظم قادة الثورة أو معبريها، وكذلك معظم الكتاب والمفكرين، بأنه لابد وأن تكون هناك ثورة تشريعية مصاحبة لتلك الثورة، ومعبرة في ذات التوقيت عن الاحتياجات المجتمعية الجديدة، بما يضمن قيام دولة قانونية بمعناها العلمي، ويضمن كذلك سمو مبدأ سيادة القانون على كل النسق المجتمعية.
وكانت بداية التغيير عقب ثورة يناير أن أصدر المجلس العسكري إعلانًا دستوريًّا تضمن عدة بنود، أهمها حل مجلسي الشعب والشورى، وتعطيل العمل بأحكام الدستور، وتشكيل لجنة لتعديل بعض مواد الدستور، وأعلن أنه سيتولى إدارة شؤون البلاد بصفة مؤقتة لمدة ستة أشهر، أو إلى حين إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية بعد إجراء تعديلات دستورية،وأعقب ذلك استفتاء شعبي في 19 مارس 2011، وافق بموجبه 77.2% من أكثر من 18.5 مليون ناخب شاركوا فيه على التعديلات الدستورية، التي تهدف إلى فتح الطريق لانتخابات تشريعية، تليها انتخابات رئاسية بما يسمح للجيش بتسليم السلطة لحكومة مدنية منتخبة ويُصاغ فيها دستور جديد للبلاد.
وبعد أن تمكن فصيل الإخوان المسلمين من الاستحواذ على السلطة التشريعية عقب إجراء أول انتخابات برلمانية بعد الثورة، كانت الحصيلة التشريعية لهذا البرلمان وأبرز القوانين التي أقرها قانون زيادة تعويضات أسر الشهداء والمصابين بعجز كلي من 30 ألف جنيه إلى 100 ألف جنيه، وتعديل بعض أحكام قانون العاملين المدنيين بالدولة، للعمل على تثبيت العاملين المؤقتين بالدولة، على درجات مالية دائمة، وتعديل بعض أحكام قانون التعليم، بجعل شهادة الثانوية العامة عامًا واحدًا بدلاً من عامين تخفيفًا لمعاناة الأسر من الدروس الخصوصية. وتعديل بعض أحكام قانون مباشرة الحقوق السياسية، ومنع رموز النظام البائد الذين تسببوا في إفساد الحياة السياسية لمدة 10 سنوات، اعتبارًا من 11 فبراير 2011، وتعديل بعض أحكام قانون الانتخابات الرئاسية لتحقيق مبدأ الشفافية والنزاهة على العملية الانتخابية، بتجميع كشوف الفرز بمعرفة اللجان الفرعية. وتعديل بعض أحكام قانون القضاء العسكري لإلغاء إحالة المدنيين إلى القضاء العسكري، وقانون بمدّ أجل الدورة النقابية لمدة 6 أشهر، وتعديل بعض أحكام قانون الجنسية، للاعتداد بالمحررات الرسمية في إثبات الجنسية، وقانون نظام التأمين الصحي على المرأة المعيلة، والتي تتولى رعاية أسرة وليس لها مصدر رزق، أو لها دخل لا يجاوز مرة ونصف من معاش الضمان الاجتماعي.
فترة رئاسة محمد مرسي
تولى الرئيس الراحل محمد مرسي الرئاسة لمدة عام واحد، أصدر خلاله 154 قرار بقانون، يتضمنها 47 تشريعاً قانونيًا، وذلك بعد استبعاد قوانين اعتماد الموازنة العامة، وإن كان يجب التوضيح بأنه قد شاركه في إصدار هذه التشريعات المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي تولى سلطة التشريع من 30 يونيو 2012 إلى 12 أغسطس 2012 ثم مجلس الشورى الذي تولى هذه السلطة من 8 ديسمبر إلى 3 يوليو 2013. وأهم ما صدر في هذا العام من قوانين ما أصدره
بسحب القرار رقم 350 لسنة 2012 باعتبار مجلس الشعب منحلاً اعتبارًا من يوم الجمعة الموافق 15 يونيو 2012 وعودة مجلس الشعب المنتخب لعقد جلساته وممارسة اختصاصاته المنصوص عليها بالمادة 33 من الإعلان الدستوري الصادر بتاريخ 30 مارس 2011″. وكذلك القرار بقانون بإلغاء الحبس الاحتياطي للجرائم التي ترتكبها الصحف، وكان أخطر ما أصدره على الإطلاق هو الإعلان الدستوري المكمل، والذي أعطى بموجبه صلاحيات مطلقة بجعل القرارات الرئاسية نهائية غير قابلة للطعن من أي جهة أخرى، أي القضاء “كالمحكمة الدستورية”، وكذلك تحصين مجلس الشورى واللجنة التأسيسية بحيث لا يحل أيًا منهما، هذا إضافة إلى ما أصدره من عزل النائب العام وتعيين نائب عام جديد، وكذلك ما تطرق له في شؤون المحكمة الدستورية العليا، وعزل القاضية تهاني الجبالي.
وبعد أن تم عزل الرئيس محمد مرسي، وإزاحة الإخوان المسلمين من المشهد السياسي، وأعقب ذلك فترة انتقالية تولى فيها زمام الأمور رئيس المحكمة الدستورية العليا، والذي أصدر بحسب استحواذه على السلطة التشريعية عدد 147 قرار بقانون، وبعد استبعاد القرارات بقوانين الخاصة باعتماد الموازنة وما شابه ذلك، أصدر 72 قانونًا تشريعيًا، كان أهمها القرار بقانون رقم 107 لسنة 2013 ، الخاص بتنظيم الاجتماعات والتظاهرات، والقرار بقانون رقم 32 لسنة 2014 بتقييد الطعن على العقود التي تكون الدولة أحد أطرافها، وهذان القراران بقانون قد تعرضا للطعن عليهما بعدم الدستورية، وهو ما أدى فيما بعد إلى تعديل قانون التظاهر، ولم تزل الدعوى الخاصة بتحصين العقود منظورة أمام المحكمة الدستورية. هذا بالإضافة إلى خمسة تعديلات قد أصدرها بمقتضى قرارات بقوانين على قانون مباشرة الحقوق السياسية، علاوة على قانون إعادة تشكيل المجلس القومى لحقوق الإنسان وقانون إعادة تشكيل المجلس الأعلى للصحافة، وأيضًا تعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية لتحرير محكمتي النقض والجنايات من قيود مدة الحبس الاحتياطي للمحكوم عليهم بالإعدام أو المؤبد.واستحداث تجريمي بإنشاء جريمة إهانة العلم.
ومنذ أن تولى الرئيس السيسي مقاليد الحكم، فقد أصدر بحسبه قد تولى سلطة التسريع 171 قانونًا عام 2014 و25 في عام 2015، بإجمالي 196، من بينها 106 قوانين تتمثل في ربط موازنات الأجهزة الإدارية للدولة، أى أنه أصدر 90 قانونًا ما بين تشريعات جديدة وتعديلات على تشريعات قائمة.
وأهم ما أصدره السيسي من تشريعات: عديل قانون الجامعات لتغيير نظام اختيار رؤساء الجامعات وعمداء الكليات، بحيث يعينون بقرار رئيس الجمهورية بناء على عرض وزير التعليم العالي وقرار لجنة فحص أوراق المرشحين، وتعديل بعض أحكام قانون تنظيم الجامعات لتحديد حالات فصل عضو هيئة التدريس، وحظر العمل الحزبي داخل الجامعة والتحريض على العنف، وإنشاء صندوق تحيا مصر، وتحديد حالات إعفاء رؤساء وأعضاء الأجهزة الرقابية، وقانون الخدمة المدنية، وقانون زيادة المعاشات العسكرية، وتعديل قانون الدفاع المدني لتطبيقه على المصانع والمرافق العامة والمنشآت والمباني التي يصدر بتحديدها قرار من وزير الداخلية، وتعديل المادة 78 من قانون العقوبات بتغليظ عقوبة تلقى الأموال والمساعدات من الخارج للإضرار بالأمن القومي، وتعديل قانون الشرطة باختصاص القضاء العسكري، دون غيره، بالفصل في جميع الجرائم التي تقع من المجندين الملحقين بخدمة هيئة الشرطة، وتعديل قانون الأزهر بمعاقبة الأساتذة بالعزل جزاء الاشتراك في مظاهرات أو إدخال أسلحة وذخائر أو ارتكاب أفعال لا تتلاءم مع صفة العالم المسلم، وإسناد حماية المنشآت والمرافق العامة إلى القوات المسلحة بالتعاون مع الشرطة، وتعديل قانون الإجراءات الجنائية باستبدال قضاة التحقيق المنتدبين من محكمة الاستئناف إذا لم يحركوا الاتهامات خلال 6 أشهر من توليهم التحقيق في قضية معينة، بطلب من وزير العدل أو النائب العام، جواز تسليم المتهمين الأجانب إلى بلادهم في أي من مراحل التقاضي، وتنظيم قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين، تعديل بعض أحكام قانون العقوبات لمعاقبة كل من يحفر أو يعد أو يستغل الأنفاق الحدودية ومن يعلم بها ولا يبلغ السلطات بالسجن المؤبد.
ثم تلى تلك المرحلة أن انعقد مجلس النواب المصري، والذي كان لزامًا عليه أن يُناقش ما صدر من قرارات بقوانين خلال الفترة الانتقالية خلال أسبوعين من تاريخ انعقاده، وقد تمت الموافقة على جميع ما صدر من قرارات بقوانين بشكل متعجل وغير كاف لكل هذا العدد من القرارات بقوانين، اللهم إلا ما يتعلق بقانون الخدمة المدنية الذي تم الاعتراض عليه، وتمت إعادته مرة أخرى إلى مجلس النواب بعد تعديلات طفيفة وتمت الموافقة عليه. وقد أقر مجلس النواب مجموعة من القوانين أهمها تعديل قانون التأمينات والمعاشات للقوات المسلحة بما يمنح رئيس الجمهورية الحق في مد خدمة رتبة اللواء بعد بلوغه السن المقررة للإحالة إلى التقاعد في هذه الرتبة لمدة 4 سنوات بدلا من سنتين، كما أصدر قانون بتعديل بعض أحكام القانون رقم 8 لسنة 2015 في شأن تنظيم قوائم الكيانات الإرهابية، ومشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات الصادر بالقانون رقم 58 لسنة 1937، ومشروع قانون بإصدار قانون حماية البيانات الشخصية، كما مرر المجلس مشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون مكافحة الإرهاب الصادر بالقانون رقم 94 لسنة 2015 ومشروع بتعديل بعض أحكام القانونين رقمي 396 لسنة 1956 في شأن تنظيم السجون، و182 لسنة 1960 في شأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والاتجار فيها. أقر البرلمان قانون الهيئة الوطنية للانتخابات والذي بموجبه تستطيع الهيئة الوطنية للانتخابات أن تشرف على أية انتخابات مقبلة، وقد أقر مجلس النواب قانون الجمعيات الأهلية رقم 70 لسنة 2017 ، والذي سرعان ما تم تغييره وموافقة المجلس على القانون رقم 149 لسنة 2019 الخاص بالجمعيات والمؤسسات الأهلية. إضافة إلى إصدار قانون التأمين الصحي، والعديد من القوانين الأخرى.
مكنة التشريع والسلطة التنفيذية
وبمطالعة بسيطة لبعض تلك الأمثلة المذكورة من التشريعات التي صدرت في مراحلها المتعددة من بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير سنة 2011، نجد أن هناك توسع كبير في استخدام السلطة التنفيذية لمكنة التشريع، سواء كان ذلك الاستخدام بحسب أن من تولى السلطة الرئاسية له حق التشريع ، أم أنها كانت مكنة استثنائية، بحسب غياب البرلمان صاحب الاختصاص الأصيل، كما أن هناك توسع كبير في ذلك الأمر متمثلة في كثرة التشريعات الصادرة خلال تلك الفترة، كما أنها في غالبها الأعم كانت تسير في اتجاه استحداث جرائم وخصوصا فيما يتعلق بالشأن العام والتشدد في العقوبات بخصوص ما يتعلق بالجرائم المرتبطة بأي حراك أو تجمع بما يعني السعي نحو إحداث أي نوع من التغيير المجتمعي، والتشدد في عقوبات ما يتعلق بموضوع الإرهاب بمفاهيم واسعة ونصوص فضفاضة، وكذلك التوسع في نطاق الحبس الاحتياطي، والذي بات يقارب عقوبة الحبس، وهو ما يضيق على حريات المواطنين، كما أن القوانين في مستوى الحياة الاجتماعية أو الاقتصادية للمواطنين لم تكن في حالة أفضل من سابقتها، إذ أنها لم تكن تدفع في الناحية الإيجابية للمواطنين، أو تعكس أثراً طيباً في حياة المواطنين، ولكننا ما نراه الآن من تزايد مستوى الفقر والحاجة لدى معظم الشعب المصري.
وفي المجمل وعلى الرغم من أن مصر من الدول التي تمتلك عدد لا بأس به من التشريعات، فالمفارقة هي أنها تأتي في المرتبة الرابعة على قائمة أكثر الدول التي لا تحترم القانون، بحسب مقياس العدالة في العالم لعام 2016، وهو تصنيف شمل 113 دولة حول العالم، حيث تم التقييم من خلال 44 مؤشرًا عن احترام القانون وسيادته. وهذا ما يدعم قولنا أن التشريعات تسير في اتجاه عكس ما كانت تنادي به ثورة يناير من مطالب أو مبادئ رئيسية لها، وأن ما تم إصداره من قوانين منذ قيام ثورة يناير كان بمثابة تقويض لأي حراك للشعب من ناحية الحريات، ويزيد من الأثقال والتبعات الاقتصادية، التي تزيد من أعباء المواطنين، كما أنه يوسع من صلاحيات واختصاصات السلطة التنفيذية وتدخلاتها في أمور عديدة، ويجعل لها يد التصرف العليا، في أمور لم يسبق لها فيها ذلك.
ولا أجد أفضل قولاً في ذلك تعبيرًا، غير قول الخال الأبنودي: “وكإن لا ثورة ولا حسانين”.