مثل زلزال هادر، كانت ثورات الربيع العربي مفاجأة للجميع. لكنها كانت مفاجأة سارة للبعض ومخيبة لآمال آخرين. وبرغم أن ثورات الربيع العربي أشعل فتيلها شباب متحمس للتغيير عانى من التهميش والقمع السياسي، عبر عن رغبته القوية في المشاركة في صناعة مستقبل بلاده، إلا أن انضمام التيارات الدينية لشلال الثورة أدى إلى تغير المشهد، وحفلت العشر سنوات التي انقضت منذ ثورة تونس في ديسمر 2010، وتلتها مصر في يناير 2011 بالعديد من التحولات الدراماتيكية والمنعطفات المفاجئة. وإذا كانت التيارات الدينية قد طرحت في بداية الثورة مسألة “هوية الدولة” على الطاولة، باعتبارها ورقتها الرابحة، إلا أن تحولات العشر سنوات التالية أفضت إلى مشهد مختلف تمامًا عن ذلك الذي تصورته تلك التيارات، ما أدى إلى تغيرات كبرى في خطابها الديني، وفي علاقة الجماهير بذلك الخطاب. يقدم هذا المقال محاولة لرصد تحولات الخطاب الديني في مصر منذ يناير 2011 بكافة تنويعاته، من خلال محورين أساسيين:

– المحور الأول: التحولات على مستوي خطاب التيارات الدينية ذاتها

  • الإخوان المسلمون:

لربما كان وجود مبارك في سدة الحكم أفضل من غيابه بالنسبة لجماعة الإخوان المسلمين. فحتى عام 2010 كان الآداء السياسي الهزيل، والآداء الاقتصادي المترنح، وتنامي الحديث عن قضية التوريث، عوامل تتضافر جميعا لرفع غطاء الشرعية المتآكل عن نظام مبارك تدريجيا، وتُكسِب في المقابل قضية الإخوان زخمًا شعبيًا ووجاهة سياسية باعتبارهم أكبر فصيل معارض، وأكثر التيارات السياسية -إن لم يكن الوحيد- القادر على منافسة النظام في المعارك الانتخابية، وكذلك إحراج النظام في المحافل الدولية والمؤسسات الحقوقية.

ومع بواكير الثورة الأولى قبيل 25 يناير 2011، برز ميل الإخوان للتهدئة وامتصاص الموقف مع تحقيق بعض المكاسب السياسية من خلال بيان 19 يناير 2011 الذي أصدره الإخوان قبل الثورة بأيام قليلة،  ليهدد نظام مبارك بمصير نظام بن علي في تونس، ويرفع بعض مطالب الإصلاح السياسي انطلاقًا من الحرص “على الاستقرار والسلم المجتمعي في كل الأحوال والظروف”، والإيمان بأن “النضال الدستوري هو المسار الطبيعي لحركة المجتمع نحو الإصلاح المنشود في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمجتمعية”[1].

مع اكتمال المشهد ليلة 28 يناير التحق الإخوان بشكل رسمي بصفوف الثورة، ما أعطى لشلال الثورة دفعة حاسمة. وبعد تنحي مبارك وتولي المجلس العسكري زمام السلطة، برز خيار الانتخابات البرلمانية في نوفمبر 2011، ليمثل المواجهة الأولى بين الإخوان والثورة، حيث عاد الإخوان إلى ولعهم التقليدي بالصناديق الانتخابية التي يحسنون إدارتها، وامتنعوا عن المشاركة في تظاهرات محمد محمود في تأييد ضمني للبطش بالمشاركين فيها، وهو ما قد كان بالفعل.

وبوصول الإخوان إلى السلطة في الانتخابات الرئاسية عام 2012 وضع الإخوان أنفسهم الآن في مواجهة الثورة، وليس فقط خارجها. فقد أدى ضعف الآداء السياسي والإدارى للدولة على يد الإخوان المسلمين إلى تصاعد الاحتقان السياسي واحتشاد موجة أخرى من الاحتجاجات انتهت بتظاهرات 30 يونيو 2013، تلاها بيان للقوات المسلحة يقضي بعزل الرئيس محمد مرسي مع خارطة طريق انتقالية انتهت بانتخابات رئاسية في العام التالي فاز فيها الرئيس عبد الفتاح السيسي في يونيو 2014.

منذ تلك اللحظة وحتى الآن، ومرورا بالأحداث الدرامية لفض اعتصامات رابعة العدوية والنهضة المؤيدة لشرعية محمد مرسي في 14 أغسطس 2013، يتبنى الإخوان خطابا لا يعترف بكامل المسار منذ خلع مرسي واعتقاله مع قيادات الإخوان، ويعتبره انقلابا على الشرعية الدستورية لانتخابات 2012، ويتجاهل الشرعية السياسية للمطالبات الشعبية الواسعة بخلعه، وهو الخطاب الذي أدى بالإخوان إلى الإنفصال الكامل عن مشروع الدولة، ومناهضته كلما سنحت الفرصة. وقد أدى هذا الإنفصال عن الواقع إلى مواجهات أمنية عديدة بين الإخوان وقوات الجيش والشرطة، انتهت بتصنيف الجماعة من قبل الدولة كجماعة “إرهابية” واعتقال أعداد كبيرة من أعضائها وهرب آخرين خارج البلاد.

ولا يمكن فهم إصرار الإخوان المسلمين طوال هذه المدة على خطابهم الرافض لشرعية الدولة إلا في ضوء تفضيلهم التقليدي لتماسك الجماعة حول قضيتها الذاتية على تماسك المشروع الوطني، وحتى على المصالح السياسية طويلة المدى للجماعة ذاتها. وهو الإصرار الذي ساهم فيه دعم أطراف إقليمية للجماعة في خضم حسابات سياسية، ارتبكت مؤخرا واضعة الإخوان المسلمين في موقف حرج، بعد المصالحة التي ماتزال بنودها غير واضحة حتى الآن، بين النظام المصري والنظام القطري، الداعم الأكبر للإخوان.

  • الخطاب السلفي

لم يكن الإخوان وحدهم هم الذين يشكلون الخطاب الديني خلال العقد الماضي. فالتيار السلفي الذي تنامى في مصر منذ سبعينات القرن العشرين، ويتبنى في غالبيته – منذ ظهوره وحتى اندلاع الثورة – خطابا دينيا مدرسيا ينأى عن العملية السياسية بكاملها، بل ويقضي بحرمة المشاركة فيها اتباعا للرأي السني التقليدي بمبايعة “الحاكم المتغلب”، ندد في البداية بالتظاهرات والاحتجاجات في يناير 2011 باعتبارها “فتنة”[2]، إلا أن التيار السلفي وجد في ثورة يناير بعد انتصارها فرصة استثنائية لا يمكن تكرارها لاقتطاع جزء من السلطة التي أصبحت في مرمى طموح الجميع ولدعم حركته الدعوية ونفوذه الاجتماعي، فتجاوز كافة فتاواه السابقة بحرمة التظاهرات والانتخابات والآليات الديمقراطية وانخرط بكامل قوته – التي ربما كانت تفوق الإخوان المسلمين من حيث العدد والانتشار- في العملية السياسية، من خلال تأسيس أحزاب كان أهمها حزب النور الذي تأسس في يونيو 2011.

وتبنى الحزب خطابًا جديدًا يقوم على تبرير مشاركته السياسية من ناحية، ومن ناحية أخرى الإلحاح على مركزية “الهوية الإسلامية”، وهي الهوية التي يجب أن تقرأ على أنها مركزية “المذهب السني” في مشروع التيار السلفي، وبالتالي مناهضته الصريحة لمظاهر التصوف والتشيع التي تعتبر هدفًا تقليديًا ومعتادًا لهجومه. إلا أن مشاركة السلفيين في العمل السياسي أدت إلى خلافات حادة داخل صفوفه، سواء على مستوى القيادات أو على مستوى القاعدة الجماهيرية السلفية، فقد كان هذا التحول الحاد في الخطاب الديني للسلفيين تجاه السياسة مفاجئًا ومربكًا ومتعارضًا بشكل صارخ مع الاعتقاد السلفي القديم.

ومع منعطفات الثورة بدءًا من أحداث محمد محمود (نوفمبر 2011)، ثم الانتخابات التشريعية (2011- 2012)، ثم الانتخابات الرئاسية (مايو- يونيو 2012) وما تلاها من أحداث تشعبت الخلافات بين الصفوف السلفية، وتفرعت توجهاتها مابين سلفية تقليدية فضلت البقاء على تجنبها القديم للسياسة، وسلفية أخرى تزايد على الثورة، مثّلها بقوة المرشح الرئاسي السابق الشيخ حازم صلاح أبو اسماعيل، وسلفية خافتة ملتحمة بالمشروع الثوري، مثّلتها مجموعة صغيرة تحمل عنوان “سلفيو كوستا”، وبين جسم سياسي يحمل سلفية “براجماتية” تحاول أن تبقي على مكتسبات التجربة الحزبية، مثّلها حزب النور.

هذا الأخير وجد نفسه أمام خيار أوحد في 2013 بتأييد بيان 3 يوليو والإصطفاف مع القوى المدنية والقوات المسلحة، لإثبات المفاصلة مع الإخوان المسلمين الذين كانوا قد وصلوا حينها إلى نفق مسدود، وللتمسك بأمل المواصلة في الحياة السياسية بعد الإطاحة بالإخوان المسلمين. ولعل هذا الموقف من حزب النور، الذي كان عند ذلك قد فقد قدرًا كبيراً من زخمه الأول، هو ماسمح له بالمواصلة في العملية السياسية التي تلت 2013، محافظًا على حضور خافت ومرتكزًا على ثوابته المذهبية التقليدية. وليعود  بذلك الخطاب السلفي إلى قواعده التقليدية بعدما لحقه ما لحق كافة التيارات الدينية من ضرر بعد فشل تجربة الإسلاميين في الحكم.

  • الخطاب الصوفي

إذا كانت التيارات السلفية تعودت أن تكون الجماعات الصوفية هدفا تقليديا في مرمى هجومها، إلا أن ذلك الهجوم لم يكن ليقوض الحضور الاجتماعي للأخيرة. ذلك الحضور الذي يعود إلى فترات زمنية تسبق بكثير ظهور التيار السلفي في الوجود. غير أن الحضور الواسع للجماعات الصوفية في مصر ظل لعقود طويلة يتنامى خارج مساحات الضوء، برغم انتشاره في كافة شرائح وقطاعات المجتمع، وفي الريف والمدن على حد سواء.[3]

تقدر بعض التقارير القاعدة الجماهيرية للطرق الصوفية في مصر بحوالي 15 مليون نسمة في كافة المحافظات المصرية.[4] وباستثناءات محدودة، اعتادت أن تحتفظ التيارات الصوفية بشكل عام بمسافة آمنة من العالم السياسي، وعلاقة جيدة مع الأنظمة الحاكمة المتعاقبة، وهي العلاقة التي استثمرتها الأنظمة المصرية بانتظام. وبعد ثورة يناير 2011 تَعرّف الحراك الثوري على الصوفية من خلال مشاركات سياسية محدودة مثل تلك التي قام بها مصطفى زايد سكرتير الطريقة الرفاعية عندما قام بتأسيس “ائتلاف شباب الصوفية “على غرار “ائتلاف شباب الثورة”، وقد شارك هذا الائتلاف في عدد من الاستحقاقات الانتخابية ما بعد الثورة، بالإضافة لتجارب حزبية أخرى مثل حزب التحرير الصوفي التابع للطريقة العزمية الصوفية وحزب النصر الصوفي التابع للطريقة الجعفرية، وهي كلها تجارب لم يكتب لها إحراز أي نجاح سياسي على المستوى الحزبي الرسمي.[5]

ولعل الموقف السياسي الأبرز للجماعات الصوفية تجلّى في تأييدها الحاسم لتظاهرات يونيو 2013 الداعية إلى إسقاط الإخوان، والتأييد الرسمي كذلك لبيان الجيش في 3 يوليو الذي تمت بموجبه الإطاحة بحكم الإخوان في مصر. جدير بالذكر هنا أن هذا الموقف من الإخوان هو ذاته الموقف الذي اتخذته الحركة الصوفية أثناء الخلاف المعروف بين الرئيس جمال عبد الناصر وجماعة الإخوان في أعقاب أزمة مارس 1954. وجماعة الإخوان، وإن كانت مذهبيًا أقل عداءً للصوفية من التيارات السلفية، إلا أنها تميل إلى تأكيد “سُنّيتها” عن طريق مهاجمة الصوفية من باب استمالة التيارات السنية المحافظة الميالة إلى السلفية، ما يجعل الصوفية عادة تضع الإخوان والسلفيين في كفة واحدة. ولعل وجود الدكتور عبد الهادي القصبي شيخ مشايخ الطرق الصوفية على رأس تكتل الأغلبية البرلمانية في البرلمان المصري الحالي ذو دلالة في هذا السياق.

وتكاد تكون أبرز التحولات فيما يخص الخطاب الصوفي خلال العقد الماضي منذ ثورة يناير، إلى جانب حضورهم السياسي المتنامي بعد التغيير السياسي في 2013، هو تنامي الاستراتيجية الإقليمية في المنطقة العربية بشكل عام الرامية إلى تقديم الصوفية بوصفها نمط تديني يصلح كبديل عن النموذج السلفي التقليدي المتشدد الذي ساد المشهد الاجتماعي منذ السبعينات، والذي يُعْتَقَد أنّه رفد التيارات التكفيرية المتطرفة بشكل ما أو على الأقل ساهم في تأزيم المناخ الوطني لعقود، كما تسبب في حرج سياسي كبير لدول الخليج التي تحاول تبرئة ساحتها من تهمة تصدير الإرهاب.

  • التيارات التكفيرية المسلحة

على مستوى الربيع العربي بشكل عام، مثلت هذه التيارات “عفريت العلبة” الذي خرج من صندوق التغيير السياسي ليفسد العملية برمتها، وقد تم توظيفه سياسيا في مناطق مثل سوريا والعراق وليبيا من قبل فاعلين سياسيين مختلفين، إقليميين ودوليين. وفي مصر، تكاد تكون اللحظة الأبرز هي اللحظة التي أعطى فيها تحدي الإخوان المسلمين لمشروع الدولة في 2013 مبررا ومستندا لشرعية الوجود لهذه التيارات، ما ساهم في دعمها معنويًا وتوسيع مساحتها التدميرية، وهو ما ألحق الضرر بالموقف السياسي للإخوان أنفسهم على مستوي الشارع، فضلا عن اتهامهم من قبل البعض بالمشاركة الفعلية في هذه التحركات المسلحة. ويكاد يكون هذا الالتقاء تحديدًا بين موقف الإخوان وموقف التيارات التكفيرية هو نقطة التحول الكبرى في علاقة الوعي الشعبي العام بالخطاب الديني عموما.

– المحور الثاني: التحولات على مستوى الوعي العام بالمسألة الدينية والخطاب الديني

  • تنامي الحساسية العامة تجاه الخطاب الديني ومسألة شرعية الدولة

أدت كل هذه التحولات والأحداث على مستوى الشارع المصري إلى تنامي الحساسية العامة تجاه التعاطي مع الخطاب الديني بشكل عام، وخاصة ما يتعلق منه بالشأن السياسي، فقضايا مثل شرعية الدولة، تطبيق الشريعة، هوية الدولة أصبحت مناطق محظورة في السجال اليومي بين المواطنين. وبشكل جزئي فقط، يمكن للحساسية الأمنية لدى الدولة تجاه هذه القضايا تفسير هذا الإحجام من قبل الشارع. لكن لا يمكن أيضًا تجاهل الوعي العام الذي أثمرته هذه الأحداث المتلاحقة تجاه خطورة التشكيك في شرعية الدولة، وتجاه توظيف العاطفة الدينية في المسألة السياسية. بشكل ما، أدركت قطاعات واسعة من الجماهير التي كان يسهل استدراجها سابقا إلى معارك طاحنة عن طريق تأجيج المشاعر الدينية وتوجيهها باتجاه خصم سياسي أو فكري أن المسألة تتجاوز الهدف الديني المعلن، وأن الخطاب الديني التقليدي الذي دأبت على تقديمه التيارات الدينية لم تعد له ذات الوجاهة السابقة.

ولا ينفي ذلك وجود بعض المساحات المحدودة التي ماتزال تدين بالولاء الصامت لجماعة الإخوان المسلمين ولنظامها المعزول، وتعتبر أن المسار الذي تلا تظاهرات 3 يوليو مفتقد للشرعية. وعموما، فقد أعطى هذا التغير تجاه مسألة تسييس الخطاب الديني مساحة حضور جيدة لقضية التجديد الديني لتعود للظهور على الطاولة من جديد.

  • الانتباه العام لمسألة التجديد في الفكر الديني وحضورها على طاولة المناقشات العامة

فمن بعد غياب طويل، عادت قضية “تجديد الفكر الديني” لتكون محورًا لسجالات ومناقشات عامة، على مستوى محلي وإقليمي وعالمي. كما أنها أصبحت محورًا لمحاولات إعادة تعريف موقع الأزهر من الخطاب الديني العام. وبرغم المشاحنات المبكرة بين الأزهر من ناحية ومؤسسات أخرى في الدولة من ناحية أخرى حول حاجة الفكر الديني الإسلامي إلى التجديد، ومفهوم وآليات هذا التجديد المفترض، إلا أن الضغط باتجاه قضية التجديد أحدث زخمًا كافيًا لتستجيب المؤسسات الدينية – كالأزهر ودار الإفتاء- لتحديث أدوات تواصلها الجماهيرية. وهو ما أدى إلى عمل تحسينات نسبية مثل وضع ضوابط على خطباء المساجد وعلى عملية استصدار الفتاوى الدينية التي شابها الكثير من العشوائية فيما قبل.

لكن ما تزال قضية التجديد في الفكر الديني تقف عند مرحلة بدائية في مناقشاتها من الناحية المفاهيمية. إذ لم تتضح بعد معالم هذا التجديد المفترض، ولا الهيئات المخولة بإجرائه، ولا مرجعياته الفكرية. وما يزال السؤال الأهم خارج المناقشة: كيف سيمكن إدارة هذا التجديد والتغيير على مستوى التعليم الديني وعلى مستوى الثقافة الدينية العامة للمجتمع، وما تأثير ذلك على الجوانب القانونية والتشريعية للدولة، وهي كلها مناطق شديدة الحساسية لم تقترب منها بعد مناقشات التجديد، التي مازالت تقف عند مهاجمة بعض الأحاديث أو الفتاوى القديمة باعتبارها مناقضة للعقل أو للأبحاث العلمية الحديثة أو تؤجج المشاعر الطائفية.

ولعل النقطة الأبرز والجديرة بالتحليل هي المؤتمر الذي أقامه الأزهر تحت عنوان “مؤتمر الأزهر العالمي للتجديد في الفكر الإسلامي” في يناير الماضي، والمناظرة التي تمت خلاله بين الدكتور عثمان الخشت رئيس جامعة القاهرة، وشيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب. وتلقى هذه المناظرة الضوء على المستوى الذي تتم من خلاله مناقشة مسألة التجديد وموقف كل طرف منها.

كما يجدر التذكير أيضًا في نفس السياق بالمبارزات الكلامية المتكررة بين الرئيس السيسي والشيخ أحمد الطيب مرة في 2017 أثناء حديث السيسي عن فكرة تعديل قانوني لا يعترف بالطلاق الشفوي – المعترف به وفق المذاهب الفقهية – لتقليل نسبة الطلاق الفعلي في مصر، وهو ما كان واضحًا أن شيخ الأزهر يعارضه، وقد أصدرت هيئة كبار العلماء في الأزهر بعدها بعدة أيام بيانًا يؤكد هذا الموقف، ويقر الطلاق الشفوي، ويحيل مسألة ارتفاع نسبة الطلاق إلى مشكلات اجتماعية أخرى لا علاقة لها بما تحدث عنه السيسي. ومرة أخرى في احتفال المولد النبوي عام 2018 عندما ألمح الرئيس السيسي إلى إمكانية قبول التجديد الديني ومراجعة بعض المسلمات، خاصة فيما يتعلق بمفهوم “السنة النبوية” وموقعها من المرجعية الدينية، وهو مارد عليه الشيخ الطيب في خطبته بنبرة لا تخلو من مزايدة وتحد واضحين.

  • من هوية الدولة إلى سعر العملة وإصلاح الطرق

وبعيدًا عن هذه المناقشات التي تميل إلى أن تكون نخبوية، نجد أن الشارع بشكل عام قد تجاوز بشكل شبه كامل قضية هوية الدولة التي مثلت محور الأحداث عند انطلاق الربيع العربي منذ عشر سنوات، وقد أصبح الانشغال الأساسي للشارع اليوم يتعلق بقضايا الاقتصاد والبنية التحتية وإصلاح المؤسسات والفساد كقضايا جوهرية تملأ الهاجس العام للشارع حاليا، وأثر كل هذه القضايا على الظروف المعيشية اليومية للمواطن، وهو الإنشغال الذي لم يترك مساحة لطرح تساؤلات كبرى كسؤال هوية الدولة، ولا لأشكال المشاركة السياسية التي طرحتها ثورة يناير قبل عشر سنوات.

باحث ماجستير الدراسات الإسلامية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة

المصادر:   

[1]  موقع ويكيبيديا الإخوان المسلمون – رابط
[2] ستيفان لاكروا، مصر: السلفيون البراجماتيون، مركز مالكولم كير- كارنيجي للشرق الأوسط، 2016- رابط

[3]  تقرير الحالة الدينية في مصر، 1998، العدد الثاني، الطبعة الثانية، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، القاهرة، صفحة 295.

[4]  الصوفية والسياسة في مصر، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، رابط

[5]  المرجع نفسه.