تعتبر منصة الفيديوهات الشهيرة عالميًا “يوتيوب” أحد أكثر المواقع شيوعًا على مستوى العالم. ومحليًا يحتل “يوتيوب” المركز الثاني من حيث نسب المشاهدة. ذلك وفقًا لموقع أليكسا -التابع لشركة أمازون ويقع مقره الرئيسي في الولايات المتحدة. وهو موقع متخصص في إحصائيات وترتيب مواقع الإنترنت.
رغم انتشار الموقع على مستوى العالم واحتلاله ثالث المواقع مشاهدة على مستوى العالم وفق “أليكسا”، فإن بعض البلاد تحظر منصة اليوتيوب تمامًا إما لفترة زمنية محدودة (مثل فترات الاضطرابات، الثورات، فترة الاستعداد للانتخابات أو استجابة للاحتفالات السياسية القادمة) أو على المدى الطويل. في حين يكون الدخول إلى الموقع مفتوحًا في دول أخرى. لكن يتم حظر الوصول إلى مقاطع فيديو محددة. بحيث يوافق يوتيوب -في حال أرادت بلد حظر المنصة نتيجة فيديو معين- على إزالة الفيديو أو تقييد الوصول إليه بهدف السماح إزالة الحظر على المنصة.
الأحد، أصدرت محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة عددًا من الأحكام القضائية المتعلقة بموقع الفيديوهات الشهير “يوتيوب“، والتي تنظم عمل الموقع داخل مصر، أهم الأحكام الصادرة تتعلق بحجب الروابط الإلكترونية المحملة على الموقع الإلكتروني “يوتيوب” داخل مصر، والتي يُعرض عليها الفيلم المسيء للرسول محمد تحت أي مسمى. وطرح حكم القضاء الإداري تساؤلات عديدة حول قدرة مصر التكنولوجية والاقتصادية على تنفيذ هذا الحكم.
يوتيوب مصر.. بداية الأزمة
بدأت أزمة يوتيوب داخل مصر، عقب نشر مجموعة من الفيديوهات المسيئة للرسول والدين الإسلامي. عبر مجموعة من القنوات والروابط الخاصة بموقع يوتيوب. في الوقت الذي قوبلت فيه الواقعة برفض مجتمعي شديد.
عدد من المحامين لجأوا إلى القضاء في 2012 لمحاولة الحصول على حكم قضائي يُلزم الحكومة المصرية بحجب جميع المواقع التي تعرض الفيديوهات المسيئة للرسول بداعي أنها ستتسبب في حدوث فتن طائفية وأعمال عنف بين المواطنين.
بدء التقاضي لغلق يوتيوب
أولى مراحل التقاضي الخاصة بغلق موقع “يوتيوب” في مصر كانت برفع دعوى من المحامي محمد حامد سالم، أمام محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة في 2012، لإصدار حكم يُلزم الجهاز القومي للاتصالات بوقف الموقع داخليًا.
بحسب صحيفة الدعوى التي حملت برقم 60693 لسنة 66 ق، فقد طالب مقيمها بحجب ووقف موقع يوتيوب داخل مصر لحين حذف الفيلم المسيء للرسول، وأي فيلم مناهض للإسلام، وحجب كل المواقع التي تعرض فيديوهات للفيلم المسيء. إذ أنّ تلك المقاطع والأفلام قد يترتب عليها نتائج يتعذر تداركها من استفزاز للمصريين والمسلمين واستنفارهم واستدراجهم للفتن الطائفية وأعمال عنف متكررة.
منظمات حقوقية تدفع برفض الدعوى
خلال 3 جلسات تداولت المحكمة القضية -في شقها المستعجل- قدم فيها محامو الحكومة دفوعًا بإقامة الدعوى من غير ذي صفة، في حين لم يحضر محامون عن يوتيوب. وتضامنت بعض المنظمات الحقوقية مع الحكومة في دفوعها. وأكد محاموها أن هذه الدعوى تطالب بتقييد الحريات -وفق قولهم حينها-.
يوتيوب والغلق شهرًا
بعد عدة جلسات أصدرت محكمة القضاء الإداري حكمها في الشق المستعجل بالقضية، ورفضت الدفوع المقدمة وقتها. وقضت بإلزام رئيس الوزراء المصري ووزير الاتصالات بغلق موقع يوتيوب في مصر لمدة شهر. وإلزام موقع يوتيوب وكافة المواقع الأخرى على الشبكة العنكبوتية برفع الفيلم المسيء في مصر وتنفيذ الحكم فورًا بمسودته دون إعلان.
عقب الحكم، أكد الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، المنوط به متابعة نشاط الاتصالات المصرية وتنفيذ الحكم، أنه يحترم تمامًا أحكام القضاء الإداري المصري. وسيتخذ الإجراءات اللازمة فور وصول صورة الحكم إليه، لتنفيذ حكم القضاء الإداري الصادر بخصوص حجب موقع يوتيوب لمدة 30 يومًا.
عقب دراسة الحكم تقدم الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، بطعن على حكم غلق يوتيوب. لكن المحكمة الإدارية العليا، رفضت الطعن في مايو 2018، وأيدت المحكمة حكم حظر جميع المواقع التي تعرض الفيلم المسيء.
أزمة تنفيذ
طرح حكم حجب موقع يوتيوب بسبب الفيلم المسيء تساؤلات عديدة حول قدرة مصر التكنولوجية والاقتصادية على تنفيذ هذا الحكم. يقول سالم المحامي -صاحب الحكم- إنه يمكن تنفيذ هذا الحكم فورًا مستندًا إلى قدرة وزارة الاتصالات على حجب مواقع الانترنت في مصر لمدة أسبوع قبل تخلي مبارك عن الحكم في 2011.
لفت لـ “مصر 360” إلى أن وجود عدة طرق يمكن من خلالها حجب “اليوتيوب” داخليًا، خاصة وأن الأمر من الناحية التكنولوجية قابل للتنفيذ. وأشار إلى أنه حال تطبيق هذا المنع فإن قدرات المستخدم العادي في الدخول إلى الموقع لن تمكنه من هذا. حيث يتم وضع برمجيات تمنع المواقع ذات أسماء معينة من أن يتم فتحها في مصر خلال الفترة التي حددها الحكم.
أشار أيضًا إلى أنه يمكن تنفيذ قرار المحكمة بقيام وزارة الاتصالات بمخاطبة شركة يوتيوب العالمية لاتخاذ ما يلزم من الناحية الفنية. وأشار إلى أن الوقف سيؤدي بالتأكيد إلى خسائر للمعلنين على موقع يوتيوب.
على النقيض يرى خبير حاسبات ونظم معلومات إلى أن خطوات منع يوتيوب داخل مصر -حال تنفيذها- لا يعني أن الدخول إلى “روابط اليوتيوب ستكون مستحيلة، باعتبار أن هناك طرق جانبية تمكن الأشخاص من الدخول إليه”.
أشار إلى أن استخدم الأشخاص طرقًا تقنية محترفة قد تُمكنهم من اختراق هذا الحظر الذي تفرضه الدولة. وبالتالي لن تتم السيطرة على وضع حجب الموقع. كما لفت إلى أن المحاولات التي يمكن أن تبذلها الدولة في محاولة تنفيذ هذا الحكم ستكون محدودة، خاصة وأنها أجرت محاولات مشابهة لتنفيذ قرار قضائي سابق بحجب المواقع الإباحية، وكانت مشكلتها الكبرى هي تعدد مواقع الإرسال لهذه المواقع.
الحكم ليس نهائيًا
حول ما إذا كان الحكم الصادر نهائيًا أم لا، أكد محمد فايز المحامي، أن حكم القضاء الإداري بحجب الروابط الإلكترونية المحملة على “يوتيوب” والتي يُعرض عليها الفيلم المسيء للرسول الكريم، ليس نهائيًا. كونه صادر من محكمة أول درجة، ولا تزال هناك مرحلة تقاضي محتملة أمام المحكمة الإدارية العليا.
وأضاف المحامي، أنه حال تقدم الخصوم بالقضية بطعون على الحكم، سيتم نظرها من جديد. كما حدث في الشق المستعجل. مشيرًا إلى أن حكم الإدارية العليا سيكون نهائيًا وباتًا في القضية. وأيضًا واجب النفاذ باعتبار أنه لا يتم الطعن عليه أمام أية جهة قضائية أخرى.
تطرق إلى سابق صدور حكم في الدعوى في الشق المستعجل بغلق موقع يوتيوب داخل مصر لمدة شهر، وتأييد الحكم من قبل الإدارية العليا. لكن لاتزال هناك مرحلة تقاضي أخرى في الشق الموضوعي، والذي يشتمل على مرحلتين إحداهما داخل محكمة القضاء الإداري. وهي التي انتهت بحجب روابط قنوات اليوتيوب المسيئة، والمرحلة الأخرى بين جدران المحكمة الإدارية العليا.
ضوابط نشر أم تقييد حريات
عقب صدور حكم القضاء الإداري بحجب اليوتيوب لمدة شهر في الشق المستعجل، شددت المؤسسة الأفريقية للتربية المدنية وحقوق الإنسان، أن الإشكالية الحقيقية تكمن في عدم توافر معايير محدده تفصل بين مستوى الحرية والتجاوز في قضايا التعبير عن الرأي والنشر.
أشارت إلى أن الحقوقيين دائمًا مع حرية الرأي والتعبير عبر وسائل التواصل المختلفة. ويرى حقوقيون أن فرصة مصر في إلزام إحدى الشركات الدولية مثل يوتيوب على تغيير أي من محتوياتها، تُعد فرصة ضعيفة. ويتوقف الأمر على انتهاء الوضع بالتراضي فقط.
محاكمة اليوتيوبرز
إشكالية وضع يوتيوب في مصر أخذت أطرًا عديدة خلال المرحلة الأخيرة، بسبب محتوى النشر عبر موقع الفيديوهات الشهير. ما جعل الدولة تتعقب رواد مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، إلى أن وصل الأمر للقبض على عدد منهم بداعي ارتكابهم جرائم نشر تمس المجتمع المصري.
أحد اليوتيوبرز الذين واجهوا عدة قضايا الفترة الماضية، هو أحمد حسن وزوجته زينب. وقد صدر بحقهما قرار من النيابة بضبطهما وإحضارهما. ذلك بعد سماع أقوال مسؤول بالمجلس القومي للطفولة والأمومة في بلاغ المجلس ضدها بتهمة استغلال طفلتهما في نشر فيديوهات عبر اليوتيوب. لكن الزوجان أنكرا الاتهامات الموجهة ضدهما بالاتجار بالبشر.
ويؤكد المحامي بالنقض محمد فايز أن نشر اليوتيوبرز فيديوهات عبر قنواتهم الخاصة بموقع اليوتيوب يندرج تحت مظلة حرية النشر والتعبير، التي كفلتها القوانين والدساتير بجميع الدول. ويوضح أن الغالبية العظمى من قنوات اليوتيوب خاصة التي تبث محتواها من داخل مصر، تهتم بالمحتوى الترفيهي والثقافي. وهو ما يجب دعمه وليس محاربته، دعمًا لحرية الرأي والتعبير.
ويرى فايز أن تزايد محاكمات مقدمي محتوى الفيديوهات الجديدة عبر يوتيوب يعطي مؤشرًا سلبيًا عن وضع حرية النشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي. خاصة عقب القبض على بعض الفتيات بتهم “العري وممارسة أعمال منافية للآداب العامة على تطبيقات مواقع التواصل الاجتماعي”.
كتب – محمود السنهوري: