“إحنا اتقتلنا هنا أيها الجبناء”؛ كلمات أمين حداد، هي التي تتذكرها إيمان عند مرورها بالميدان التحرير. حيث شاركت في الثورة بروحها وعقلها، وظلت طوال الـ 18 يومًا في الميدان صحبة الثوار، تهتف وتناضل من أجل “عيش وحرية وكرامة اجتماعية”.
تعود إيمان بعد 10 سنوات من الثورة، لتضبط ذاكرتها التي تجدها لم تنس ما شاهدته عيناها وحفر نقشًا على جدران ذاكرتها. وهو الأمر الذي جعلها لا تفضل دخول الميدان. “دائمًا ما أرى مشهد متكرر أمام عيني في كل مرة أدخل الميدان. استعادة صوت قرع الطوب على الحديد يوم موقعة الجمل في ذاكرتي بيحسسني بدوشة جامدة جدًا في دماغي وبشعر بدوار وأتمنى أن تفتح الإشارة سريعًا حتى يختفي صوت تلك الذكرى المؤلمة”.
10 سنوات على الثورة مرت. لكنها لكل من مروا على الثورة وشاركوا بها لم تمر. يستعيدون ذكرى ما عاشوه في قلب الميدان الذي يحفظ أيضًا تفاصيل كثيرة رغم التغييرات التي طرأت عليه مؤخرًا، والتي تدخل ضمن تجديدات مشروع القاهرة التاريخية.
ذكرى الثورة.. شعور متناقض وصعب
يقول محمود كامل، عضو نقابة الصحفيين، إنه ربما هناك اتجاه لتغيير معالم الميدان حتى ننسى ما مر به الشعب المصري. لكن الذاكرة تحفظ كل التفاصيل. وأي تغيير ظاهري لن يبدل ما حفر بالوجدان، كما يؤكد.
يضيف كامل، الذي يتذكر جيدًا تفاصيل أول أيام الثورة (25 يناير): “كل المحال وكل جزء من الرصيف والجزيرة التي تتوسط الميدان بتذكرنا بكل حوار دار وكل لحظة ركضنا فيها هربًا من الغاز المسيل للدموع”.
يتوقف كامل لالتقاط أنفاسه متذكرًا تأثير الغاز. ويقول: “عند المرور بالميدان أتذكر تفاصيل مؤذيه نفسيًا وأيضًا مفرحة”. الشعور الذي يتجدد في كل لحظة لدى فهي شعور متناقض ومن الصعب نسيانه فبه أتذكر أول مرة غاز وأول مرة أركض من الشرطة وأول مرة أشعر بالخوف على أصدقائي الذين كانوا معي”.
يعود عضو نقابة الصحفيين لسرد ذكرياته التي تتجدد في كل مرة مر بها بالميدان. خاصة في المنطقة المحيطة بالمتحف المصري. “ذلك المكان هو النقطة التي تعود بي إلى الثورة حيث بدأت من عندها الانضمام لجموع الشعب المصري بعد إغلاق الميدان، بعد التأكد من أن هذا الشعب لن يعاود أدراجه وصدّقت بأنها ثورة“.
وصل كامل إلى شارع محمد محمود، الذي شهد أحداثًا عصيبة وسقط داخله العديد من الشهداء. “ذكريات ذلك الشارع تقبض روحي وتعود بي لذكريات سيئة. السقوط من تأثير الغاز الذي خدعني واستنشقته بكثافة، وكذلك محاولات الهروب العديدة من الشرطة حتى لا يتم القبض علي”.
جرافيتي محمد محمود.. صورة الثورة
الجرافيتي كان يملأ أعتاب شارع محمد محمود، ورغم ما تم هدمه من سور الجامعة الأمريكية وما أزيل من رسوم فناني الثورة، إلا أن أعين “هبة” لا تنسى. “الرؤية عندي بتتحول فلا أرى سوى الزحمة والجرافيتي المرسوم على الجدران. الصحبة والأصوات”. لا تحتاج “هبة” إلى التفتيش عن أحداث الثورة في ذاكرتها. فهي حاضرة وتعيش داخلها. “يعود عقلي لمشاهد الميدان كاملة في كل مرة أصل هنا.. كأني عدت بالزمن”.
لا أرى واقعكم.. روحي لا تزال هنا
لا تزال روح “بسمة” معلقة بالميدان وأحداثه. فتقول: “أنا لا أرى واقعكم لي واقع خاص. كل الأماكن أرى صورتها في ذكرياتي كأنها الحقيقة. كلها ما هو هنا حاليًا علامات لأحداث وقعت. ذلك ليس سور بل مكان ما كنا نقيم المستشفى الميداني به. وذلك ليس برصيف، هذا مكان ما اختنقت فيه من الغاز. وهذا طريق سرنا به في المسيرة الفلانية، وغيره وغيره”.
مشاهد الدماء التي سالت على الأرض في كل شبر بالميدان لا تفارق الدكتور محمد عوض، الذي مارس مهنته في قلب ميدان الثورة وداخل المستشفيات الميدانية به ينقذ الثوار كما ينقذون هم حلم الحرية التي كان الجميع ينشدها.
لا ينسى عوض مشاعر قلة الحيلة وعدم قدرته على إسعاف بعض المصابين: “أتجنب السير جوار أماكن مثل عمر مكرم أو ظهير الجامعة الأمريكية حتى لا أعود لذلك الإحساس الذي لا يفارقني”. فقد قضى أغلب أوقاته في الميدان بنقاط طبية يحاول إنقاذ من يسقطون. وحين مروره على الميدان حاليًا لا يتذكر سوى إن هنا مات بين يديه شهيد أو هنا عالج مصابًا.