وسط زحام الأخبار المتعلقة بفيروس كورونا وتطورات اللقاح، طالعتنا وكالات الأنباء قبل أيام بخبر من لبنان بدا الأول من نوعه.

يتحدث الخبر عن إقرار قانون في مجلس النواب اللبناني بصفة عاجلة تحت مسمى “تنظيم استخدام المنتجات الطبية لمكافحة جائحة كورونا”. يسمح القانون للدولة اللبنانية وللقطاع الخاص باستيراد اللقاحات المضادة للوباء. لكن، لماذا تضطر أي دولة إلى استصدار قانون يعد خصيصا لاستيراد دواء؟

الإجابة عن هذا السؤال ضمت بين جنباتها معلومات جديدة وغير متداولة عن لقاحات كورونا والشركات المنتجة لها. تصريحات المسؤولين اللبنانيين كانت مثالًا نادرًا في هذا الملف، لم يخرج مثلها من أي دولة أخرى.

شركات إنتاج اللقاح محمية بالقانون

النائب عاصم عراجي رئيس لجنة الصحة بالبرلمان اللبناني قال إن القانون الصادر تضمن إقرارًا من الدولة بأن أي أضرار أو مضاعفات قد تحدث نتيجة لاستخدام هذه اللقاحات تتحمل مسؤوليتها الدولة المستوردة وحدها.

ويعفي القانون بشكل كامل الشركات المصنعة من أي مسؤولية، بل يحميها من المساءلة أمام القضاء أو دفع أي تعويضات يطلبها المتضررون المحتملون، خلال فترة السنتين المقبلتين.

“عراجي” أضاف أن اللجنة أعدت القانون بناء على طلب من الشركات الدولية المصنعة للقاحات، إذ طلبت هذه الشركات من جميع دول العالم المستوردة للقاحات استصدار مثل هذا القانون في كل دولة على حدة، كشرط أساسي لتوريد اللقاح.

اقرأ أيضًا.. علاء غنام يكتب: حق الصحة في ظل جائحة كورونا

سرية اتفاقيات اللقاح

الصحة العالمية لم تنكر مثل هذه القوانين في العالم. المكتب الإقليمي للمنظمة أكد أن جميع لقاحات كورونا المتداولة في العالم حاليًا لم تحصل على أي موافقات نهائية من الجهات الدولية، بل حصلت على تراخيص بالاستخدام الطارئ.

وتقبل البلدان هذه الاتفاقات لحاجتها الضرورية لهذه اللقاحات. وأكدت الصحة العالمية أنه لا يتاح لها كمنظمة الاطلاع على تفاصيل هذه الاتفاقات بين الدول والمصنعين، حيث يتم الاحتفاظ بسريتها.

والأمر على ما يبدو ليس حكرًا على الدول المستوردة للقاحات فحسب، بل يشمل الدول المصدرة أيضًا. مثلا، “الإندبندنت” البريطانية قالت إن الحكومة البريطانية منحت “فايزر” الأمريكية حصانة ضد أي ملاحقة قضائية قد تتعرض لها بسبب اللقاح الذي تطوره مع “بيونتك” الألمانية.

كما منحت شركة “مودرنا” الحصانة ذاتها، ما يعني أن أي دعوى يرفعها المتضررون المحتملون من اللقاح، لن ينظر فيها.

اللقاح.. حصانة الشركات متعارف عليها ومقبولة

وبرغم الريبة التي تثيرها معرفة مثل هذه المعلومات، إلا أن دكتور إسلام عنان أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة يؤكد أن توفير الحصانة القانونية للشركات المنتجة للقاحات الطبية هو أمر مقبول ومتعارف عليه، خاصة في حالات الأوبئة الجديدة المميتة والمهددة لحياة البشر، حيث يكون الحصول على اللقاح ضرورة ملحة.

ويذهب دكتور وائل صفوت، المستشار السابق لمنظمة الصحة العالمية وعضو الاتحاد الدولي لمكافحة العدوى إلى أبعد من ذلك، فيقول إن توفير هذه الحصانة هو أمر مفيد في الحيلولة دون دخول هذه الشركات في معارك قضائية قد تؤدي إلى تعطيل الإنتاج، خاصة في الفترة الفاصلة بين بدء التلقيح والموافقة النهائية على اللقاحات من جانب منظمة الصحة العالمية.

ومع تفشي المرض، وما تبعه من تدهور اقتصادي عميق، قد تمتد آثاره لعقود مقبلة، فإنه لم يبق هناك خيار أمام الحكومات سوى اختيار “أخف الضررين”، وهو دفع الشركات إلى إنتاج  لقاحاتها سريعاً، ومنحها حصانة مقابل ذلك، مع الاكتفاء بالنتائج الأولية التي حققها اللقاح، خاصة أن المضاعفات التي ظهرت حتى الآن مقبولة وليست بالخطيرة، ويؤكد “صفوت” أن الموافقة على اللقاح من الجهات الصحية المحلية في كل دولة هي ضمانة كافية لأمانه وجودته.

ضبابية الوضع في مصر

اللقاحات إذًا ضرورية ومفيدة، لكن من المسؤول عن أي أعراض جانبية أو أضرار مستقبلية قد يتعرض لها متلقي اللقاح؟، طالما أن الشركات المنتجة للقاحات محصنة من أي مسؤولية؟ وهل وفرت الدول الوعي الكافي لدى مواطنيها ليدركوا معنى “الاستعمال الطارئ للقاحات”؟

في مصر، كان الأمر ضبابيا فيما يتعلق بإبرام الدولة لهذا النوع من الاتفاقيات، ومع ذلك يعتقد د. علاء غنام مسئول الحق فى الصحة فى المبادرة المصرية للحقوق الشخصية والخبير فى إصلاح القطاع الصحى أن الأمر في مصر يبدو منظما ومطمئنا إلى حد كبير، فتزامنا مع تفشي فيروس كورونا في مصر والعالم، وافق البرلمان المصري في أغسطس الماضي على قانون “تنظيم التجارب السريرية والإكلينيكية”، الذي يوفر الحماية للمبحوثين في الأبحاث الطبية ويحافظ على حقوقهم، من خلال بنود عدة تحول دون تحويل المبحوثين إلى حقل للتجارب، فالقانون يشترط إعلامهم بأن ما يتناولوه هو قيد التجربة، وأن يجري شرح واف لهم عن كافة التأثيرات الجانبية المحتملة، وتؤخذ موافقتهم كتابيا على الخضوع للتجربة، وتتم متابعتهم طبيا بعد الحصول على اللقاح، والتدخل حال حدوث أي مضاعفات.

قانون تنظيم التجابر السريرية

مسئول الحق فى الصحة فى المبادرة المصرية أكد أن القانون يشترط إعلامهم بأن ما يتناولوه هو قيد التجربة، وأن يجري شرح واف لهم عن كافة التأثيرات الجانبية المحتملة، وتؤخذ موافقتهم كتابيًا على الخضوع للتجربة، بالإضافة إلى الرعاية الطبية بعد التلقيح.

كما نص القانون على تشكيل مجلس أعلى لمراجعة أخلاقيات البحوث الطبية الإكلينيكية، يكون له الحق في تعليق البحث إذا ترتبت عليه آثار جانبية أو أضرار لم تكن متوقعة.

ويشمل القانون عقوبات بالحبس والغرامة على كل من الباحث الرئيس وراعي الدراسة حال عدم الالتزام بأحكامه.

هيئة الدواء المصرية

غنام يضيف أنه وفقًا للقانون، فإن هيئة الدواء المصرية هي الجهة المسؤولة عن تقييم نتائج البحوث الطبية، والمراجعة العلمية للمستحضر الدوائي.

هيئة الدواء وافقت بالفعل على الاستخدام الطارئ للقاح “سينوفارم” الصيني بعد إتمام جميع المراحل التجريبية عليه، وفقًا لما نص عليه القانون.

وقبلها أعلنت وزارة الصحة أن مصر شاركت بـ3000 باحث في الأبحاث التي أجريت حول هذا اللقاح في الصين، وكانت في قلب الحدث وقت تصنيعه.

اقرأ أيضًا.. لقاح كورونا| المتشككون يزدادون.. هل نحن بحاجة للتطعيم ضد المرض؟

كما أكدت وزيرة الصحة دكتورة هالة زايد أنها كانت شخصيًا من بين المتطوعين الذين حصلوا على اللقاح الصيني في مرحلة التجارب، بينما أضافت أن عدة لقاحات أخرى لا زالت في طور التجريب، أهمها أسترازينيكا البريطاني، الذي تسلمت هيئة الدواء أوراقه بالفعل تمهيدًا لمنحه التصريح بالاستخدام الطارئ.

هذا كله لا يمنع السؤال، من المسؤول عن أي ضرر محتمل من تناول لقاحات لازالت في طور التجارب؟، طالما أن الشركات المنتجة لها غير مسؤولة؟

قانون بلا لائحة تنفيذية

“غنام” قال إن هيئة الدواء هي المسؤولة “ضمنيًا” عن تعويض المتضررين المحتملين من اللقاح. لكن هيئة الدواء من جانبها امتنعت عن التعليق على هذه الجزئية، مؤكدة أن اللائحة التنفيذية للقانون لم تصدر حتى اللحظة.

إذن المعلومة المؤكدة حتى الآن هي أن قانون التجارب السريرية ينظم الأمر ويحمي المبحوثين، لكنه في الوقت نفسه يحملهم المسؤولية الشخصية عن قرارهم بتناول اللقاح، شرط توقيعهم على استمارة “الموافقة المستنيرة”.

وزيرة الصحة

أحمد خميس غلوش، عضو الجمعية المصرية للقانون الدولي ورئيس الجمعية العلمية بكلية الحقوق جامعة المنصورة سابقًا قال إن “الموافقة المستنيرة” هي التعبير المكتوب المبني على إرادة حرة وطواعية كاملة.

وأضاف أنه يصدر عن الشّخص ذي الأهلية ويتضمن موافقتـه الصريحة توقيعًا وبصمة على المشاركة في البحث الطبي الإكلينيكي بعد إعلامه وتبصيره بجميـع جوانـب هـذا البحـث.

الموافقة المستنيرة

“غلوش” يضيف أن القانون يعاقب بالحبس كلّ من أجري بحثَا طبّيَّا إكلينيكيَّا دون الحصول على المُوافقة المُستنيرة. فإذا ترتّب على ذلك حدوث عاهة مستديمة تكون العقوبة السّجن المشدّد، وتكون العقوبة السّجن المشدّد الّذي لا تقلّ مدّته عن 10 سنوات إذا ترتّب على الفعل المُشار إليه موت شخص أو أكثر، وتتعدّد العُقوبات بتعدّد المجني عليهم. واشترطت وزارة الصحة المصرية التوقيع على نموذج “الموافقة المستنيرة” قبل الحصول على اللقاح.

نموذج “الموافقة المستنيرة” يوضح أنه تم التصريح بالاستخدام الطارئ للقاح الذي تتلقاه من قبل هيئة الدواء المصرية بعد مراجعة كافة بيانات الفاعلية والمأمونية “قصيرة المدى”.

كذلك، سيراجع مقدم الخدمة الصحية، الوضع الصحي للتأكد من عدم وجود أي موانع قد تمنع التلقيح، ومعرفة المعلومات الصحية الخاصة وتسجيلها بما في ذلك التاريخ الطبي. وحال عدم وجود موانع طبية، سيتم إعطاء الجرعة الأولى من اللقاح عن طريق الحقن العضلي أو تحت الجلد بأعلى الذراع.

“الموافقة المستنيرة” تشير إلى الأعراض المحتملة من تلقي اللقاح. إذ قد تحدث بعض الأعراض الجانبية الشائعة للقاح.

أعراض لا تتطلب علاجًا.. تزول وحدها

كذلك أشار النموذج إلى أن معظم هذه الأعراض لا تتطلب علاجًا معينًا فعادة ما تزول من تلقاء نفسها، بينما يتم إعطاء المرضى الذين يعانون من أعراض شديدة علاجًا تحت إشراف الأطباء. ويؤكد النموذج أنه قد تحدث تفاعلات حساسية شديدة أحيانًا، تتطلب بدورها تلقي العلاج الوقتي.

غلوش أكد أن نموذج “الموافقة المستنيرة” سليم من الناحية القانونية، وهو كفيل بحماية حقوق المبحوثين، شريطة قراءته جيدًا، خاصة البندين الثالث والرابع من النموذج، حيث إن البند الـ4 هو إقرار من المبحوث بأنه فهم كل الجوانب المتعلقة باللقاح، وأن الطبيب أوضح الأمر تفصيلًا ما يعد بموجب القانون موافقة على تلقي اللقاح.

لقاح فايزر

غلوش أكد أنه لا تزال هناك الكثير من الأمور التنظيمية التي ستتضح بشكل أكبر بعد إصدار اللائحة التنفيذية لقانون التجارب السريرية، والتي لم تصدر حتى هذه اللحظة.