فتح باب السؤال عن جدوى الانفتاح الدرامي في الخليج العربي ما تعرض له مسلسل مسلسل “رشاش” من تأجيل العرض على مجموعة قنوات الـmbc، ذلك وسط اعتراضات سعودية تصدرتها قبيلة العتيبة احتجاجًا على عرض العمل الذي يتناول قصة حياة “رشاش العتيبي” زعيم عصابة سعودية في ثمانينيات القرن الماضي. وهي أزمة لم تكن الأولى منذ حالة الانفتاح التي سعى لها القائمون على الفن في المملكة، وطالت أعمالاً تُعرض عبر القنوات الفضائية وأيضًا على منصات رقمية على حد السواء.
“رشاش”.. عدم الصلاحية للعرض
بدأت أزمة المسلسل الأخير باعتراض أسرة “رشاش العتيبي” نفسها على عرض العمل الذي يحمل قصة الراحل. حيث أكد أفراد من العائلة أن عرض سيرة حياته مرة أخرى أمام الناس ستثير العصبية القبيلية. وهو من عائلة سعودية كبيرة، انتهت قصته بالإعدام. وقد أصدر حساب يحمل اسم القبيلة عبر موقع التدوينات القصيرة “تويتر”، بيان. جاء فيه: “نشاهد في الآونة الأخيرة أن هناك تطاولاً من جانب بعض القنوات على قبيلة عتيبة، لبث بعض المسلسلات التي استخدمت لإثارة الفتنة وشق الصف وضرب وحدة الوطن التي يسعى إليها أعداء الوطن والدولة، ونحن نعبر عن استنكارنا لما تبثه هذه القنوات كمسلسل (رشاش)”.
كما توجهت الأسرة باتهام شخصي لبطل العمل يعقوب الفرحان بأنه يتعمد إهانة القبيلة. إذ أنها لم تكن المرة الأولى التي يقوم فيها الفنان بتجسيد شخصية مثيرة للجدل تنتسب لقبيلة العتيبة. وقد سبق أن جسد جهيمان العتيبي، الذي احتل الحرم المكي “الكعبة” في آواخر السبعينيات. وأيد هذه النظرة اتجاه جماهيري آخر يرفض عرض المسلسل حتى لا يتم تصوير “العتيبي” على أنه بطل فيسعى البعض إلى الاقتداء به.
كان رشاش العتيبي أحد أشهر قطاع الطرق في المملكة العربية السعودية. وله سوابق في الاعتداء المسلح بالرصاص على أفراد الأمن بالمملكة. كما أن له عددًا من القضايا الإجرامية التي انتهت بالقبض على أفراد عصابته، وصلبه لمدة أسبوع بالرياض. وكان هذا في عام 1989.
القائمون على العمل أكدوا أن المسلسل لم يتم إنتاجه وفق وجهة نظر شخصية قد تخضع للتأويل. بل بناءً على السجلات الأمنية للمملكة، وأنه تاريخ يجب عرضه على الشعب السعودي حتى يكون عبرة.
“رشاش” من بطولة يعقوب الفرحان نايف الضفيري، وفايز بن جريس، وسمية رضا، و عزيز غرباوي. وهو عمل من تأليف توني جوردن وسهى آل خليفة وإخراج كولين توج. وقد حاول “مصر 360” التواصل مع البطل يعقوب الفرحان، لكنه لم يرغب بالتعليق على ما حدث أو أي مما وجه إليه.
“ضحايا حلال”.. عرض آخر يوقفه الجمهور
سبق أن أثبت المجتمع السعودي عبر وسائل السوشيال ميديا قدرته على منع عدد من الأعمال التي تعرض عليه عبر الفضائيات. فقد أوقف عرض مسلسل “ضحايا حلال”، الذي كان يعرض على منصة “شاهد.نت”. ما نُظر إليه وقتها بأنه دليل على أن سلطة الجمهور أعلى وأكبر حتى من المنصات التي لا تنطبق عليها أحكام وتشريعات القنوات الفضائية. ذلك بعد أن استجابت الهيئة العامة للثقافة والترفيه لدعوات وقف المسلسل عبر المنصة.
وقد تناول المسلسل قضية زواج المسيار في المملكة العربية السعودية. وهو معترف به في المملكة تحت عباءة الدين وعدم الوقوع في الحرام.
وكان المسلسل بطولة سناء بكر يونس، خالد الصقر، وميلا الزهراني، والعنود سعود، ونسرين الراضي. وهو عمل من تأليف السورية نور شيشكلي وإخراج المصري أحمد مدحت.
عن رفض الجمهور السعودي التطور والمواجهة في الأعمال الدرامية، قال الناقد الفني محمد عدلي، إن هذا أمر طبيعي الحدوث، لأن جمهور المملكة ما يزال في مرحلة بداية الانفتاح الفني. ومن البديهي أن يكون لديه تخوف مما سيعرض عليه، والذي قد يحدث إرباكًا بعض الشئ فيما اعتاد الجمهور وجوده لسنوات.
وأضاف عدلي، لـ “مصر 360″، أنه يجب على الدولة إن كانت تسعى إلى إحداث هذه الطفرة أن لا تنصاع وراء تخوفات الجمهور. لأن هذا سيعيد الأمر إلى بدايته، ولن يجعله يتقدم خطوة واحدة. مشيرًا إلى أنه لابد من مواجهة الجمهور بشكل صريح.
الكويت.. تكرار للمعضلة السعودية ولكن
لم تكن المملكة العربية السعودية الوحيدة في دول الخليج التي يتحكم شعبها منعًا وسماحًا لبعض الأعمال الفنية. ففي الكويت تعرض مسلسل “أم هارون” لانتقاد حاد، وإن كان لم يتعرض للإيقاف كما حدث مع الأعمال السعودية. واستكمل العمل حلقاته خلال شهر رمضان الماضي. وهو من بطولته حياة الفهد، وأحمد الجسمي، ومحمد جابر، وسعاد علي. ومن تأليف محمد شمس وعلي شمس ومن إخراج ماندو العدل.
كانت مناهضة هذا العمل مختلفة إلى حد ما بسبب عرضه لحياة اليهود بدول الخليج في حقبة الأربعينيات. وهو ما رفضه الجمهور واتهم القائمين عليه بأنهم يدعون إلى التطبيع مع الكيان الإسرائيلي. فطلب الجمهور مقاطعته ووصل الأمر حد المطالبة إلى منعه، إلا أن الدولة لم تستجب واستكملت حلقاته رغم انتقادات الجمهور الكويتي.
عن هذه المقصلة الخليجية للأعمال الفنية، قالت المخرجة والمؤلفة شهد أمين، إن القائمين على إنتاج الأعمال الدرامية لديهم رغبة في الخروج إلى حالة الانفتاح التي أقرتها الدولة سواء كانت في الحياة الاجتماعية أو الفنية. وأنه يجب على المجتمع الخليجي أن يتقبل الأعمال الفنية بكافة أنواعها وأشكالها، وإدراك أن الفن لا ينقل الصورة الكاملة من الواقع، بل أنه يضفي أشكالاً إبداعية متعددة على العمل سواء في القصة أو الإخراج.
واستطردت أمين، في حديثها لـ”مصر 360″، بأن السينما في المملكة حصلت على حريتها بشكل أكبر عنها في الدراما. وذلك لأن نطاق الأخيرة بالطبع أوسع، ويتم عرضه على فئات أكبر وأكثر تنوعًا. مضيفةً أن الأمر سيأخذ بعض الوقت بالتأكيد حتى يتقبل الجمهور مثل هذه الأعمال. وأنه يجب ألا تنصاع القيادات المسؤولة عن التطوير لمطالب الجمهور الغاضب، لأن ذلك سيكلف عملية التطوير نفسها الكثير وسيوقف الأمر ويعود به إلى نقطة لا يمكن التحرك منها مجددًا.