أثار تعليق وزارة العدل الأمريكية قرار تحصين رئيس وزراء مصر الأسبق، حازم الببلاوي، الذي أصدرته حكومة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، على خلفية قضية تعذيب رفعها ضده الناشط المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين محمد سلطان، الكثير من التساؤلات عن مستقبل هذه القضية، وما يشكله الحكم من تداعيات على مستوى محاسبة المسؤولين، وبالدرجة نفسها ما قد يترتب عليه من توتر في علاقة الرئيس الديمقراطي الجديد جو بايدن ونظام الحكم في مصر.

ما قصة القضية؟

في يونيه 2020، أقام الناشط الأمريكي مصري الأصل محمد سلطان دعوي قضائية أمام المحاكم الأمريكية لملاحقة رئيس وزراء مصر الأسبق حازم الببلاوي (يوليو 2013- فبراير2014)، متهماً إياه “محاولة قتله خارج القانون والأشراف على تعذيبه”، أثناء فترة اعتقاله (أغسطس 2013 – مايو2015).

وأكد سلطان في دعوته أنه “تحمل عذابًا لا يوصف بإشراف من الببلاوي وضباط بارزين آخرين، كما زعم حرمانه من الرعاية الطبية بعد إصابته برصاصة، وضُرب حتى فقد الوعي، واحتُجز في حبس انفرادي، وأُرغم على الاستماع إلى أصوات تعذيب والده في زنزانة مجاورة، بحسب الدعوة.

محمد سلطان -واشنطن
محمد سلطان -واشنطن

كان سلطان قد شارك في الاحتجاجات المؤيدة للرئيس الأسبق محمد مرسي الذى تم عزله في يونيه 2013، حيث وجهت له تهم عديدة في القضية المعروفة إعلامياً “غرفة عمليات رابعة”، وهي الانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين بعدما أدرجتها الحكومة المصرية كتنظيم إرهابي، والتخطيط لقلب نظام الحكم، ونشر أخبار كاذبة، والتواصل مع جهات أجنبية.

ورغم الضغوط الأجنبية، أفرجت السلطات المصرية عنه بعدما تنازل عن الجنسية المصرية، ذلك وقت إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، وسقطت عنه التهم الموجهة إليه.

تحديات قانونية

تواجه الدعوي القضائية التي أقامها الناشط محمد سلطان عدة تحديات قانونية، تشمل الحصانة القضائية التي وفرتها اتفاقية إنشاء صندوق النقد الدولي للعاملين به، فقد نصت الاتفاقية في القسم الثامن على عدم الملاحقة القانونية والقضائية لموظفيها، كما وفرت الأعراف الدولية حصانة أشمل من الملاحقات القضائية في اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية الصادرة 1961 والتي تعد مرجعا لكل الاتفاقيات الدولية لحماية ممثلي الدول والبعثات الدبلوماسية، كذلك اتفاقية الأمم المتحدة لحماية موظفيها والأفراد المرتبطين الصادرة 1994، واللذان يمثلان المرجعية القانونية لحماية الموظفين الدوليين.

ويعمل الببلاوي في المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي، منذ نوفمبر 2014، وبموجب الاتفاقية الدبلوماسية يتمتع بـ”حصانة كاملة” من الإجراءات الجنائية والمدنية والإدارية في الولايات المتحدة.

التحدي القانوني الآخر هو الولاية القضائية، الذي يعد جزءا من السيادة الوطنية للدول، فالاتهام الموجه من الناشط محمد سلطان تم على أرض مصر وبين مصريين، فالولاية القضائية تكون للقضاء المصري التي تعتمد على جنسية الجاني والمجني عليه ومكان الجريمة.

اقرأ أيضا:

ما نعرفه عن المسارات المحتملة في محاكمة روما لقتلة جوليو ريجيني

فرص القضية

استقرت أعمال الدول على حماية موظفي البعثات الدبلوماسية والموظفين الدوليين، إلا انه بالرغم من ذلك تنص هذه الاتفاقيات التي تقدم الحماية القضائية، على أن تكون نطاقها الأعمال التي تخدم وظائفهم ووفقاً للاتفاقيات المبرمة سواء كانت بين دولتين أو عدة دول او اتفاقيات أممية.

كما وجهت للقضاء المصري العديد من الانتقادات التي تمس سمعته في مدي استقلاليته والتزامه بالاتفاقيات الدولية والقوانين المصرية المعنية بحماية المواطنين.

يعتمد الناشط محمد سلطان في قضيته على قانون أمريكي صادر في 1999 لحماية ضحايا التعذيب، الذي بموجبه يمكنه ملاحقة الجناة الذين تسببوا في جرائم تعذيب ضد أمريكيين.

كما أن مصر والولايات المتحدة من الدول الموقعة على الاتفاقية الدولية المناهضة للتعذيب الصادرة 1984، التي نصت في مادتها التاسعة على التزام الدول الموقعة على الاتفاقية أكبر قدر من المساعدة فيما يتعلق بالإجراءات الجنائية وتبادل المساعدة.

يشعر فريق الدفاع عن الناشط محمد سلطان بتفاؤل كبير في هذه القضية، بعدما تباطئت الخارجية الأمريكية في آخر موعد للرد على المحكمة والذي كان مقرراً في 22 يناير 2021 حتى تصل إدارة بايدن البيت الأبيض.

من يمثل حازم الببلاوي في القضة؟

يمثل رئيس وزراء مصر الأسبق 3 مكاتب قانونية أمام المحكمة الأمريكية بالعاصمة واشنطن. كما أعلن صندوق النقد الدولي انتهاء عقده في أكتوبر الماضي، ليعود بعدها الببلاوي وزوجته إلى مصر في أكتوبر 2020.

سابقة قضائية

النظام القانوني والقضائي الأمريكي شبيه بالنظام الإنجليزي، حيث إن هناك واقعة شهيرة حدثت مع رئيس وزراء إسرائيل السابقة تسيبي ليفني، التي صدر ضدها مذكرة توقيف بحقها بموجب القوانين الإنجليزية في ملاحقة المتورطين من المسئولين الأجانب رفعها عدد من الفلسطينيين مقيمين بإنجلترا، الأمر الذي نتج عنه أزمة دبلوماسية وقتها 2010 مع دولة إسرائيل التي علقت حوارها الاستراتيجي مع بريطانيا على أثر صدور المذكرة.

وبحسب منظمة هيومن رايتس ووتش، فإن من حق سلطان رفع دعوى قضائية في أمريكا لملاحقة “معذبيه”، وإذا صدر حكم لصالحه، فلن يؤدي إلى عقوبات جنائية، بل حُكم بالتعويض على سوء المعاملة۔

دوافع ومخاوف إدارة بايدن

تأثرت صورة الولايات المتحدة الامريكية مؤخراً أمام العالم وخاصة في ظل إدارة الرئيس المنتهي ولايته ترامب، بعدما أبدي عدم احترام واكتراث لملفات حقوق الانسان، لذا تحاول الإدارة الأمريكية الجديدة ترميم هذه الصورة، وهي إحدى التعهدات الانتخابية للرئيس الديمقراكي بايدن بإعادة الاعتبار للديمقراطية وحقوق الإنسان، كما تعهد بدعوة قادة العالم الحر لقمة عالمية لدعم الديمقراطية.

موقف باين من الرئيس السيسي يبدو معروفا للجميع، بعدما قال إثناء حملته الانتخابية للرئاسة في تغريدة شهيرة له، إنه لن يكون هناك شيكاً على بياض للرئيس المصري الحالي.

الرئيس الأمريكي في تجمع انتخابي خلال استعداده لخوض الرئاسيات التي فاز بها
الرئيس الأمريكي في تجمع انتخابي خلال استعداده لخوض الرئاسيات التي فاز بها

بايدن ذكر في هذه التغريدة عددا من النشطاء المصريين الذين تعرضوا لانتهاكات حقوق الإنسان أثناء وجودهم في مصر ودورهم في الثورة المصرية يناير 2011، أبرزهم الناشط محمد سلطان صاحب الدعوي القضائية. كما أن الرئيس الأمريكي أكد  أنه سيحارب خطر النظم السلطوية اثناء حملته الانتخابية للرئاسة.

ويتضمن فريق العمل للرئيس بايدن عدداً من المهتمين والمتخصصين في ملفات حقوق الانسان والشرق الأوسط، لذا يعول عليه الكثير من نشطاء حقوق الإنسان في المنطقة العربية لتصحيح البوصلة.

اقرأ أيضا:

هذا ما سيفعله بايدن في حرب اليمن والاتفاق النووي وملف حقوق الإنسان

وتكمن أبرز دوافع إدارة بايدن لاستمرار هذه الملاحقة القضائية هو عقاب النظام المصري بشكل غير مباشر ، خاصة بعدما تم رصد تحول تمويل حكومي مصري لحملة الرئيس المنتهي ولايته ترامب اثناء حملته الانتخابية عام 2016 حسبما نشرت شبكة سي ان ان.

أيضاً تمثل إدانة ترامب الرئيس المنتهية ولايته بإساءة استخدامه للسلطة أمر غاية في الأهمية لدي العديد من صناع القرار في الولايات المتحدة، وتستحدم إدارة بايدن قرار ترامب بمنح الحصانة الدبلوماسية لحازم الببلاوي كقرينة ودليل على حماية المتهمين بجرائم ضد مواطنين أمريكيين، مما يوفر التغطية القانونية لعدم التزام إدارة بايدن في المستقبل بأي التزامات قانونية أو قضائية في ابداء أي تعاون في دعاوي قضائية مستقبلية تجاه المسئولين الأجانب.

ترامب
ترامب

لكن أبرز مخاوف بايدن من هذا التوجه هو توافر الإمكانية القانونية لتقاضي المسؤولين السابقين الأجانب الموجودين على الأراضي الامريكية، الأمر الذي قد يتسبب في العديد من الأزمات الدبلوماسية مع العديد من المسئولين في دول العالم، وخاصة الدول ذات النظم السلطوية أو المعروف عنها الانتهاك الدائم لحقوق الانسان في بلدانها.

يقول المفكر السياسي المقيم بأمريكا مختار كامل، وهو موظف دولي سابق، إن الدافع الرئيسي لإدارة بايدن في هذه القضية هو مجاراة التيار التقدمي في الحزب الديمقراطي الأمريكي، وهو التيار الممول الرئيسي للحزب، مضيفاً أن السياسة العامة الخارجية للإدارة الجديدة تشمل العديد من النقاط منها إعادة الحوار مع إيران وحلفاء أمريكا الأوروبيين وحل الدولتين، كذلك ضمان مزيد احترام حقوق الانسان لدي الدول السلطوية.

يشير كامل إلى أن مجموعة حقوق الإنسان في فريق بايدن لن يظهر تأثيرهم الآن بالرغم من تأثيرهم على صناعة القرار، مستطرداً ان الولايات المتحدة ستستفيد من الانفتاح الديمقراطي منها ترميم صورة أمريكا لدي العالم والوفاء بجزء من التزامها بالدستور والاعلان الأمريكي للاستقلال الذي يتضمن المبادئ التي أقامت الجمهورية.

وبخصوص  القضية المثارة ضد الببلاوي، أوضح كامل أن القرار بيد الخارجية الأمريكية، فالمحكمة استفسرت حول الوضع القانوني لحازم الببلاوي حول تمتعه بالحصانة الدولية باعتباره موظفا دوليا أم لا، مشيراً إلى أن نتائج ذلك ستكون وخيمة إذا أقرت الحكومة الامريكية بأن لا حصانة له، وبالتالي سوف يمنع من دخول الأراضي الأمريكية بعد رجع لمصر.

وبرأي كامل، فإن القرار الأمريكي سيكون بمثابة إنذار للنظام المصري بأن الجرائم التي سترتكب سيكون لها تبعات قانونية.

وبكل تأكيد، ستشكل قضية الببلاوي منعطفا جديدا شديد الخطورة في العلاقة بين القاهرة وواشنطن، كما تعد حال محاكمة المسؤول المصري سابقة قضائية في أمريكا باقتصار الحصانة الدبلوماسية على الأعمال الدبلوماسية أو الموظفين الدوليين بما يسمح بسهولة عملهم وليس كتغطية على جرائم سواء السابقة أو الحالية.