في تعريفها للاحتجاز غير القانوني لا تفرق المنظمات الحقوقية العالمية بين الواقعين ضحايا لهذا الفعل. فتضم لهم ذوي المختفون فعليًا، ممن يلقى القبض عليهم في سبيل الضغط على ذويهم المطلوبين للمساءلة. بينما يصنف الاختفاء القسري هنا بأنه انتهاك للقانون الدولي وللمادة (2) من الاتفاقية الدولية لحماية الأشخاص من الاختفاء القسري والاحتجاز غير القانوني. لذلك تعتبره المنظمات الحقوقية “جريمة ضد الإنسانية، وانتهاكًا صارخًا للقوانين الدولية والمواثيق الأممية لحقوق الإنسان”.

“اقتحم الأمن منزلي فجر اليوم، وحين لم يجدونني قبضوا على واحد من أبنائي واصطحبوه لمديرية الأمن حسب قولهم حتى أسلم نفسي”؛ يقول الصحفي مجدي شندي -في رسالة- حول ما حدث لابنه، ويصفه بأنه “اعتقال الوكالة”.

الاحتجاز.. ورقة الضغط

في بث مباشر عبر صفحته الشخصية على “فيسبوك”، يقول “إبراهيم فلفل” أحد العاملين بمصنع سماد طلخا، إن قوات الأمن ألقت القبض على شقيقه وابنه، عندما توجهوا للمنزل للسؤال عنه، ولم يجدوه، قبل أن يقرر “فلفل”، تسليم نفسه لإنقاذ شقيقه وابنه.

البحث عن “إبراهيم” جاء بعد اشتراكه وعمال المصنع الدخول في اعتصام مفتوح، اعتراضًا على قرار نقله للسويس، بالإضافة إلى ما وصفه العمال بتصفية المصنع وتحويله لمشروع سكني.

اقرأ أيضًا.. عمال “الدلتا للأسمدة” يحملون “الأكفان” في مواجهة شبح التصفية

بعدها ألقت قوات الأمن القبض على عدد من العاملين وذهبت للبحث عن “إبراهيم” فلم تجده، لتلقي القبض على أقاربه، ليكونوا ورقة ضغط لتسليم نفسه، ويظهر مصطلح “التنكيل بالأهل”، الذي يمكن استخدامه مع المعارضين الذين كانوا عمالًا هذه المرة، وأوصلت لهم رسالة.

بعد تسليم نفسه أخلت قوات الأمن سبيل شقيق “إبراهيم” وابنه، ثم أخلّت سبيله هو لاحقًا مع مجموعة العمال الذين تم إلقاء القبض عليهم.

في الخامسة فجرًا.. احتجاز الابن رسالة للأب

من الاحتجاجات العمالية للخلافات السياسية يصبح الوضع أكثر وضوحًا، مثل ما حدث العام قبل الماضي 2019، عندما ألقت قوات الشرطة القبض على ابن الصحفي “مجدي شندي” رئيس تحرير صحيفة المشهد، في الخامسة فجرًا بعد اقتحام المنزل، للبحث عن الأب.

وكتب “شندي” حينها عبر حسابه الخاص بـ”فيسبوك”: “اقتحم أفراد من قوات الأمن منزلي فجر اليوم الثلاثاء، وحين لم يجدونني قبضوا على واحد من ابنائي واصطحبوه لمديرية أمن الجيزة -حسب قولهم- حتى أسلم نفسي”، ووصف شندي الأمر بأنه تربص بالصحيفة قبل حجبها، ومحاولات إغلاقها.

اقرأ أيضًا.. اعرف حقك| “الحرية الشخصية وحرمة المنازل”.. صانهما الدستور وانتهكتهما السلطة

استمر الأمر للعام الحالي، فقبل عدة أشهر ألقي القبض على شقيق الصحفي خالد البلشي، رئيس تحرير موقع “درب” ووضعه على ذمة القضية 880 لعام 2020، ووجهت لكمال  تهم نشر أخبار كاذبة والانضمام لجماعة محظورة.

البلشي يرى أن القبض على شقيقه ما هو إلا محاولة للتنكيل به، بسبب مواقفه المعارضة ومشاركته في إعداد مواقع صحفية تنتمي لليسار المصري وتدافع عن قضاياه.

 

خالد البلشي وشقيقه كمال
خالد البلشي وشقيقه كمال

“ملفه نضيف”.. رسالة لي شخصيًا

قال البلشي إن شقيقه كمال يعمل بالسياحة منذ تخرجه، ولا علاقة له بالعمل السياسي “ملفه نضيف”. وشغل العديد من المناصب في مجال السياحة ما بين شرم الشيخ ومرسى علم، وغيرها من المدن المختلفة بعيدًا عن القاهرة، ومع انتشار وباء كورونا، وتوقف وتعليق أغلب الأعمال قرر العودة للقاهرة، ليتم إلقاء القبض عليه.

يدفع شقيق البلشي الثمن الصعب وفقًا لوصفه: “أمر صعب لما يتحمل الآخرين تمن اللي بتعمله ده، لو كان اللي بتعمله ده أصلًا حاجة خطيرة وتستحق العقاب أو السجن، بس الأذى اللي بيطول الآخرين ده إحساس صعب وموجع”.

كانت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان طالبت النائب العام بالإفراج فورا عن الصحفي إسلام الكلحي المحرر بموقع درب، وكذلك كمال البلشي شقيق خالد البلشي رئيس تحرير موقع درب، وأن تنأى النيابة العامة بنفسها عن المساهمة في الانتقام البوليسي الذي تمارسه أجهزة السلطة في مصر ضد الصحفي خالد البلشي والعضو السابق بمجلس نقابة الصحفيين بسبب تمسكه بالمهنية والانحياز لقيم الصحافة المهنية بدلا من التهليل والسير في مواكب المؤيدين لهذه السلطة.

وفي السياق ذاته، قالت صابرين النوي، مسؤولة مكتب الشرق الأوسط في منظمة مراسلون بلا حدود، إن هذه الاعتقالات المستهدفة والمتكررة التي تطال محيط خالد البلشي بشكل مباشر هي طريقة واضحة لجعله يدفع ثمن كتاباته الملتزمة بالدفاع عن حقوق الإنسان”، مضيفة أن “التضييق على أقارب الصحفي وسيلة ضغط شنيعة بقدر ما هي مقيتة ومتنافية تماماً مع مقتضيات القانون الدولي”، مشددة في الوقت ذاته على الضرورة الملحة لاتخاذ كل التدابير الممكنة لوضع حد لهذه الممارسات.

التنكيل بالأسر

شندي والبلشي كانا في مصر أثناء القبض على ذويهما، على عكس المدون القرآني رضا عبدالرحمن، الذي ألقي القبض عليه نكاية في عمه وأولاد عمه، المقيمين خارج مصر.

ألقي القبض على عبدالرحمن من منزله يوم 21 أغسطس الماضي، بعد صدور قرار ضبط وإحضار له بناءً على تحريات الأمن الوطني.

ويواجه رضا تُهم الانضمام إلى جماعة داعش الإرهابية، تبني أفكار تكفيرية والترويج لتلك الأفكار بطريقة غير مباشرة عن طريق الأوراق التنظيمية التي تم ضبطها داخل مسكنه، وفقًا لزوجته “سهام محمود”.

اقرأ أيضًا.. ملاحقة أمنية ورفض أزهري.. ماذا تبقى للقرآنيين المصريين؟

رضا من مواليد 1976، يعيش في قرية أبو حريز التابعة لمركز كفر صقر بمحافظة الشرقية، تخرج في كلية التربية بجامعة الأزهر، ويعمل مدرسًا، ولم تكن هذه المرة الأولى التي يتعرض فيها للملاحقة الأمنية، التي بدأت قبل 12 عامًا منذ عام 2008.

محاميه يرى أن حبسه نوع من أنواع التنكيل ورسالة لعمه وأبناء عمه الموجودين خارج مصر، والذين يعتنقون المذهب القرآني، وقالت شقيقته هبة إن أسرتهم مضطهدة بسبب الدكتور أحمد صبحي منصور عمهم وأبناءه، وما يتم مع شقيقها هو نوع من التنكيل بالأسرة كلها.

أحمد صبحي منصور، عم رضا، وهو مفكر إسلامي كان يعمل مدرسًا في جامعة الأزهر، لكنه فُصل في الثمانينيات بسبب إنكاره للسنة النبوية القولية، وتأسيسه المنهج القرآني الذي يكتفي بالقرآن مصدرًا وحيدًا للتشريع الإسلامي، ويعيش حاليًا في الولايات المتحدة الأمريكية هو وأبناءه.

رضا عبدالرحمن

تطور القوانين

تتطور القوانين مع الوقت والأزمنة، لكن الباحث الاجتماعي علي الرجال يرى أنه رغم تطور القوانين، إلا أن ظاهرة ملاحقة الأهالي بدأت منذ فترة حكم محمد علي باشا، ولم تتوقف واستمرت مع الوقت ومع تطور القوانين أيضًا التي تنص على أن العقوبة شحصية، ولكن يتم استخدام هذا النمط للضغط على الأشخاص لتسليم أنفسهم بالإضافة لكونها رسالة للمعارضين.

وتنص المادة 95 من الدستور المصري، على أن العقوبة شخصية، ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، ولا توقع عقوبة إلا بحكم قضائي، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون.

كما أن المادة 99 من الدستور، تنص على أن كل اعتداء على الحرية الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة للمواطنين، وغيرها من الحقوق والحريات العامة التي يكفلها الدستور والقانون، جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية ولا المدنية الناشئة عنها بالتقادم. وللمتضرر إقامة الدعوى الجنائية بالطريق المباشر. وتكفل الدولة تعويضًا عادلًا لمن وقع عليه الاعتداء.

اقرأ أيضًا.. القرآنيون المصريون.. قراءة في أفكارهم وعلاقتهم بالدولة والأزهر

وهو ما يتفق معه المحامي محمود علي، موضحًا أنه رغم أن القوانين تنص على أن العقوبة يتم دفع ثمنها فرديًا، إلا أن ما يتم على أرض الواقع يكون دفعًا جماعيًا للعقوبة، وهو الأمر الذي يحدث مع كافة التيارات، بما فيها التيارات المدنية، وليست الإسلامية فقط في رسالة للجميع.

ويضيف علي أن ما يحدث أحد أنواع الضغط على الأهالي للتسليم، أو التنكيل بهم عند وجودهم خارح مصر، وعدم القدرة على ملاحقتهم أمنيًا.

وعن كيفية تعامل الأهالي مع تلك الحالات، أوضح المحامي أنه لا توجد طريقة يمكن من خلالها إثبات هذا الانتهاك، أو معاقبة المسؤول عنه، ففي الحالات السابقة والحالية لم يخرج حكم إدانة واحد حول من قاموا بتك الممارسات مع أهالي المعتقلين.

أسماء غير معروفة

ربما ترتبط الأسماء السابقة بذويهم المعروفة أسمائهم، ولكن هناك أيضًا أسماء غير معروفة تلقى هذا المصير، وهو ما حدث مع “محمد” الذي طلب عدم ذكر اسمه: “من سنتين اتقبض عليا من الشارع في المنصورة، ووقتها عرفت إن هما راحوا البيت يسألوا على والدي ومكنش موجود، وقبضوا عليا، فضلت 3 شهور في أمن الدولة، استجوابات وأنا متغمي، كل اللي بيقوله لي إن لو أبويا جه هما هيسيبوني أمشي”.

يحب محمد والده كما يقول، لكن ما شهده في الثلاثة أشهر كان صعب التحمل: “أنا كنت عارف المكان اللي فيه والدي، وطبعًا أنا بحبه ومش عاوز أعرضه لأذى، بس أنا مقدرتش استحمل أو أواجه كل الصعاب، وفجأة لاقيت نفسي بقولهم على مكانه، أنا كنت خايف مشفش الشارع تاني، كان نفسي بس أشوف نور الشمس، ولما قلت لهم على المكان بعدها بأسبوع سابوني أخرج من غير قضية”.

شرطة

والد “محمد” لا يزال معتقلًا حتى الآن: “أنا كل يوم إحساسي بالذنب بيقتلني، وإنه أنا السبب في حبس أبويا بيخليني عايش في سجن أنا كمان، وفي الزيارات بطلب منه وأتوسل له يسامحني، وهو بيقولي إنه لو مكنتش قلت على مكانه كان هيسلم نفسه لأنه كمان ميقدرش يسيبني أواجه أو أدفع تمن حاجة مليش فيها، وأنا عمري ممشيت في مظاهرة أو كنت عضو في حزب، يمكن كل تهمتي إن والدي كان زمان في حزب سياسي”.

لا يوجد معتقلين سياسيين!

بينما تؤكد عدد من المنظمات الحقوقية العاملة في مصر وخارجها أن أعداد المحبوسين احتياطيًا تتجاوز الـ30 ألفا، تتردد عبارات على الجانب الآخر أنه لا يوجد معتقلين سياسين في مصر، وبالتالي لن يكون هناك تتبع لأسرهم أو تنكيل بهم كما يتم ترويجه، كما يقول عضو مجلس النواب أشرف رشاد، إن ما يتردد مجرد مصطلحات سياسية للمتاجرة فقط، وهدفها التدخل في الشؤون المصرية بدعم من الخارج، كما أن القضاء المصري فوق الشبهات، ويكفل الحريات للجميع.

ويوافقه في الرأي الكاتب الصحفي مصطفى بكري، الذي يوكد أن مصر خالية من المعتقلين السياسيين، وقال في برنامج “حقائق وأسرار” المذاع عبر قناة “صدى البلد”، إنه لا يوجد معتقل سياسي واحد في مصر وإن كل المحتجزين محبوسين بقرار من النيابة العامة.

ولفت إلى الإفراج عن كثير من الأفراد بعد إجراء تحريات صحيحة عنهم، مشيرًا إلى أن هناك استهداف من المؤامرات العديدة التي تحاك ضد مصر من خلال حروب الجيل الرابع والخامس، وهدفها إسقاط الدولة، كما أن مصر مستهدفة مما يكتب في الصحافة العالمية عن أوضاع حقوق الإنسان ووجود معتقلين سياسيين في مصر.