ثمة حوادث عديدة، تاريخية ومعاصرة، تبرز صعود اليمين الأوروبي في العالم. لكن، العقد الأخير، الذي شهد تحولات جمّة في الشرق الأوسط، على خلفية اندلاع أحداث ما عرف بـ”الربيع العربي”، وقد نجم عنه تدفق موجات من اللاجئين، في عدة عواصم بأوروبا والغرب، بعث بنقاشات نظرية متفاوتة حول أزمة العرب والمسلمين، وقضايا الهجرة، والتباين الثقافي، وارتباط ذلك بالعنف والتطرف، وكذا القيم الأوروبية.
اليمين الأوروبي والنظام العالمي الجديد
وبغض النظر عن آلية التراكم الرأسمالي، وتأثيراتها على نظام التمثيل السياسي والاقتصادي، فإن تبعات العولمة والنيوليبرالية في توظيف اليمين الأوروبي، جاءت باعتبارها حيلة قصوى لخدمة قيمها وأهدافها الجديدة، والتي من بينها إدارة صراعاتها من خلال تعبئة السخط الشعبي، بفعل التهميش الاجتماعي، داخل قضايا الهوية والدين والقومية. وقد تم شطر العالم إلى نصفين أو عالمين منعزلين. والتعمية عن الأزمات الاقتصادية، والصراعات الجيوسياسية بـ”صدام الحضارات”.
صعد اليمين الأوروبي، في تسعينيات القرن الماضي، بالتزامن مع تدشين منظمة التجارة العالمية، كأحد الأنماط الجديدة للتحالف السياسي والاقتصادي للعولمة والنيوليبرالية. وقد كان اليمين بمثابة السلاح الأيدولوجي الذي جرى توظيفه، لنبذ أشكال الرعاية الاجتماعية التقليدية، وكذا السياسة الحمائية، في عدد من الدول بأوروبا، من بينها بريطانيا وألمانيا، والتي شكلت ممانعة، من خلال أحزاب اليسار، بخصوص الانخراط في هذا النموذج الجديد.
وبالتبعية، ظلت قيم اليمين تستهدف العداء للأجانب، ورفض التنوع الثقافي. إذ تعتبر تلك القوى الراديكالية والمحافظة إن المهاجرين واللاجئين، هم سب تفشي الجريمة، وتنامي البطالة، والحوادث الإرهابية، والتخلف.
الصعود الهائل لليمين المتطرف في أوروبا، وتأثيراته على السياسات الأوروبية، يبرز من خلال حوادث وسياقات عديدة. وبنفس درجة التفاوت الطبقي والكساد الاقتصادي، الذي بلغ ذروته إثر الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008 وانكماش الأوضاع الاجتماعية والمعيشية، ازدادت التباينات بين القيم الحقوقية في الأدبيات السياسية والدستورية بالغرب، وممارسات أحزاب اليمين العنصرية ضد المهاجرين.
دولة الليبرالية الجديدة
وفي حديثه لـ”مصر 360″، يؤكد الدكتور أشرف منصور، رئيس قسم الفلسفة في جامعة الإسكندرية، أنه لا يمكن “فهم الصعود المعاصر السريع لليمين الأوروبي، دون معرفة خلفيته التاريخية والاجتماعية، وأقصد بها دولة الليبرالية الجديدة. هذا النمط من الدولة وسياساتها هو الذي نشأ على خلفيته اليمين الأوروبي. أدت الليبرالية الجديدة إلى تهميش قطاعات عديدة من المجتمع والإفقار. وتركت المجتمع كله دون حماية اجتماعية. فاليمين الأوروبي يمثل سعياً للعودة إلى الدولة القوية، حتى ولو كانت سلطوية وشمولية. فالحالة تستدعيها الآن”.
ومن جهة أخرى، فالخطاب العنصري لليمين الأوروبي، بخاصة ضد المسلمين، إنما سببه “مزاحمة المهاجرين المسلمين للأوروبيين في الوظائف، وما يشكله المسلمون هناك من عبء على الوظائف والدولة”. يقول منصور.
الخطابات اليمينية المفخخة
وقد تصاعد الخطاب الشعبوي تبعاً لهذه الحالة، ويمثل مفهوم “الإسلاموفوبيا”، إحدى الجداريات المثبتة التي تبرز حركة ونشاط تلك القوى المحافظة، التي دشنت حملة بعنوان: “المدن ضد الأسلمة” في ألمانيا. ثم نظمت، في العام 2014، مسيرة ضد ما يعتبرونه تنامي لـ”نفوذ المسلمين، وتزايد أعداد المهاجرين”. كما أن هذا المفهوم يعد أحد الارتكازات القوية التي يتبناها اليمين ضمن تحليلاته الثقافوية الرائجة بخصوص أزمة الإسلام الراديكالي بالغرب.
المسيرة الاحتجاجية التي خرجت، في مدينة دريسدن الألمانية، على خلفية حادث مجلة “شارلي إيبدو”، ووصفتها المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، بـ”العنصرية”، نجحت في حشد 25 ألف شخص.
وإلى ذلك، يشير التقرير السنوي، الصادر عن هيئة حماية الدستور الألمانية، في النصف الثاني من العام الماضي، إلى تزايد مستمر في أعداد اليمين الأوروبي المتطرف، إذ “كان عددهم، في العام 2018، نحو 24,100 شخصاً، بينما أصبحوا 32,080، نهاية العام 2019”.
وبحسب التقرير الألماني، فإن “عدد المتطرفين من اليمين، ممن صنفوا كمؤهلين لممارسة العنف، قد ارتفع، بحلول نهاية العام 2019، ليصل إلى 13000 شخصاً، بعد أن كانوا 12700، في عام 2018، كما توضح الاستخبارات الألمانية، وذلك بجانب تطور الأعمال الإجرامية الصادرة عن أتباع التيار ذاته، مقارنة بالأعوام السابقة. وتضاعفت نسبة تنفيذهم للجرائم الجنائية، بواقع 9,7%. ووصل عدد الجرائم والعمليات التي نفذوها في 2019 إلى 21,290 عملية، بينما نفذوا في 2018 19,409 جريمة”.
ذئاب منفردة
ويلفت التقرير ذاته إلى التقدم السياسي الذي نجحت أحزاب اليمين تحقيقه في الانتخابات البرلمانية للاتحاد الأوروبي، عام 2019. ففي “فرنسا، فاز حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف، برئاسة ماري لوبين، على ائتلاف حزب الرئيس إيمانويل ماكرون، وحصل على 23% من الأصوات”.
كما أنه “في بريطانيا، فاز حزب بريكسيت، بزعامة السياسي الشعبوي، نايجل فاراج، بنسبة 30% من الأصوات في الاقتراع نفسه”. والأمر ذاته، حدث في إيطاليا، فقد “حقق حزب الرابطة اليميني المتطرف الشعبوي، بزعامة نائب رئيس الوزراءـ ماتيو سالفيني، فوزاً لافتاً، بعدما حصد 34% من الأصوات الانتخابية”.
لا يعد الحادث الإرهابي، الذي وقع في مدينة هاناو الألمانية، العام الماضي، أمراً مباغتاً، حيث تورط شاب ألماني، في العقد الثاني من عمره، في تنفيذ هجوم مسلح وإطلاق النار في أحد الشوارع الذي يرتاده عدد كبير من المهاجرين. وقد خلف تسعة قتلى، من بينهم إمرأة تصادف وجودها أمام كنيس لليهود.
وبحسب الوكالة الأوروبية لتطبيق القانون، فإن عام 2019 شهد تجاوز “عدد الإرهابيين المشتبه بهم الموقوفين من البيض أمثالهم المنحدرين من أصول آسيوية للعام التالي على التوالي”.
وأوضحت الوكالة، المعنىة برصد الإرهاب واتجاهاته في أوروبا، في تقريرها الصادر العام الماضي، أن “المتشددين من اليمين الأوروبي المتطرف، يتمتعون بحرية أكبر للعمل في المنصات الرئيسة لمواقع التواصل الاجتماعي، بالرغم من حملات القمع الإلكترونية المشددة، وذلك بالمقارنة مع المتطرفين الإسلاميين، ويواصلون نشر عقيدتهم”.
عودة الفاشية
وإثر تنامي الخطاب المتشنج لليمين الأوروبي المتطرف، بنزعاته العنصرية والمتشددة تجاه المهاجرين، خاصة العرب والمسلمين، تكررت الحوادث ضد المهاجرين والعرب والمسلمين. ففي بريطانيا نفذ شاب (19 عاماً) هجوماً إرهابياً، باستخدام السلاح الأبيض، في مدينة ستانويل، جنوب شرق لندن، وذلك بعد يوم واحد من حادث آخر على مسجد كرايستشيرش، في نيوزيلندا، نجم عنه مقتل 50 مصلياً.
وبالعودة للهجوم المسلح الذي نفذه الشاب الألماني العشريني في مدينة هاناو، والذي يعد صفحة ثقيلة في سجل الجرائم التي يرتكبها اليمين المتطرف ومؤيدوه في أوروبا، فإن تقرير الأمن الألماني ذكر أن “الإرهاب اليميني، تضاعف، خلال العقد الأخير، في ألمانيا. والشرطة الجنائية الألمانية، تصنف ما يربو على 60 شخصاً كأفراد مرشحين لارتكاب جرائم عنف واعتداءات إرهابية، على خلفية اعتناقهم الأفكار اليمينية المتطرفة”.
وثمة تقرير آخر مماثل، صادر عن الاستخبارات الألمانية، العام الماضي، يقول إن “حجم قوة التهديد الذي يمثله اليمين المتطرف في ألمانيا والعناصر المؤيدة له، يظهر من خلال الأرقام التي تمكنت من تحديدها والوصول لها. فيتواجد نحو 12.700 يميني متطرف يميلون إلى العنف”.
وفي ظل الصراع المحموم الذي شهدته الانتخابات الرئاسية الفرنسية، بين إيمانويل ماكرون، وزعيمة اليمين المتطرف، ماري لوبين، والأخيرة دعت بشدة إلى وقف منح التأشيرات للجزائريين، فإن الرئيس الفرنسي يعمد إلى استرضاء اليمين، بعد أحداث السترات البيضاء، بحسب الباحث السوري، المقيم في باريس، عمار المأمون.
الانفصالية والقيم الجمهورية في فرنسا
ويضيف المأمون لـ”مصر 360″: “ناهيك عن الأحداث التي شهدتها فرنسا من قطع رأس أستاذ التاريخ على خلفية أزمة الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للدين الإسلامي، فقد كان رد فعل ماكرون هو التركيز على القيم الفرنسية، وإعادة النظر في اللائكية والعلمانية. وترجم ذلك من خلال إغلاق عدد من المساجد، وترحيل بعض المشتبه بهم إلى بلدانهم الأصلية. وذلك في محاولة لخلق نسخة من الإسلام تتوافق مع قيم الجمهورية، ولا تشكل تهديداً لها. ولكن الهالة التي أحيطت بهذه السياسات، جعلتها أقرب لليمين المتطرف منها إلى الحفاظ على قيم الجمهورية”.
يزداد الأمر تعقيداً في ملف تاريخ الاستعمار والجزائر، بحسب الباحث السوري، إذ “وظف ماكرون هذا الملف المعقد لصالحه، بصور متفاوتة. فرفض تقديم الاعتذار للشعب الجزائري، لما يحمله ذلك من إدانة للهوية الفرنسية، التي يتغنى بها اليمين المتطرف. وهذه الإشارة الرمزية والسياسية من قبل الرئيس الفرنسي متعمدة ومقصود لإرضاء ومغازلة اليمين”.
و”أغلب الظن، الآن، أن الفرصة مواتية لهذا اليمين في الصعود، أكثر من أي وقت مضى، لاسيما في ظل فضيحة ترامب وخسارته الانتخابية. فالصورة التي ظهر بها مناصرو ترامب، تعتبر صفعة لكل اليمين في العالم. ومن ثم هناك ضرورة لمعالجتها”. يقول المأمون.
توضح الباحثة المصرية، يمنى عاطف، في كتابها المعنون بـ”صعود أحزاب اليمين المتطرف فى أوروبا”، أن قضية الهجرة كانت ولاتزال حجر الأساس لنهضه اليمين المتطرف،في فرنسا، مثلاً، وقد اتضح ذلك من خلال خطابات جون ماري لوبان، والتي عبر عنها من خلال عبارة “الفرنسيون أولاً”، حيث كانت الهجرة بمثابة أولى القضايا في أجنداتهم الانتخابية، واعتبروا أن المهاجرين العرب عامة، والمسلمين، خاصة، هم السبب الرئيسي وراء أي ظاهرة سلبية، تهدد الأمن الأوروبي ككل.
وتضيف: “وجد اليمين المتطرف مناخاً ملائماً للصعود في ظل تنامي الإرث الثقافي السلبي ضد الإسلام والمسلمين، وكذا، الدعاية السلبية الناجمة عن المخاوف من العمليات الإرهابية التي تستهدف المجتمعات الأوروبية، الأمر الذي يعمل على تهديد الهويه القوميه لأوروبا، خاصة، مع تزايد أعداد المهاجرين من الدول الإسلامية والعربية، ومواجهة ذلك بدعاية وأفكار متشددة وعنصرية، تشير إلى أن المهاجرين يحتلون الوظائف بدلاً من الأوروبيين، حيث بدأت تتردد عبارات مثل: “المهاجرون يستولون على الوظائف وقوت الشعب الاوروبي”.
اقرأ أيضا:
إرهاب اليمين المتطرف.. هل «ينشط» في ظل جائحة كورونا؟
الرؤية الانتحارية للعالم
الشاب الألماني الذي لولا تعطل سلاحه أثناء تنفيذ هجومه، لكان من المتوقع أن يتضاعف عدد القتلى، فضح العبارات التي دونها حجم التأثيرات الأيدولوجية التي حفرت داخله نزعات سلبية ضد الآخر. فقد كتب على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”: “لا أعتقد أن الأشخاص الذين يضحكون اليوم سيبقون يضحكون في المستقبل”. الجملة التي استعملها الشاب الألماني، تمثل صياغة تأويلية، لأحد الشعارات الخاصة بأدولف هتلر، ودعايته النازية العرقية.
كما دوّن أيضاً: “لقد توصلت إلى استنتاج أولي، مفاده أن هؤلاء الأشخاص كان يجب ألا يكونوا موجودين عندما أتيت أنا إلى هذا العالم، كما يجب رفضهم بالغريزة، حيث ينبغي على عالم البيض، الألمان، الذي ينمو من بينهم الأفضل والأجمل، أن ينقلوا الحرب إلى بلدان غير الجديرين بالحياة، من أجل القيام بحملة إبادة هناك، وهذه الشعوب التالية يجب إبادتها كلياً: المغرب والجزائر وتونس وليبيا ومصر وإسرائيل وسوريا والأردن ولبنان وشبه الجزيرة السعودية كلها وتركيا والعراق وإيران وكازاخستان وتركمانستان وأوزبكستان والهند وباكستان وأفغانستان وبنغلاديش وفيتنام ولاوس وكمبوديا، وصولًا إلى الفلبين”.
لا يمكن الربط الجذري، بصور كلية، بين الهوية أو الدين أو القومية والعنف. بيد أنه مع تنامي العمليات الإرهابية التي تورطت فيها التيارات الإسلاموية، انتشرت غالبية التحليلات لتربط بين الإرهاب والانسداد التاريخي للمجتمعات الإسلامية، التي ترى أن دينها وقع في فخ الراديكالية.
ولم تخرج رؤى هؤلاء عن جدل الهوية، وصراعها مع الآخر، نتيجة مفهوم صدام الحضارات، الذي حاول الغرب تأبيده، لتشكيل رهاب إسلامي، بهدف تنحية العوامل الآخرى، من ناحية، وتخليص نفسه من ظواهر العنف المقترنة بأنظمته السياسية، من ناحية أخرى.
اقرأ أيضا:
نيتشه.. هل أصبح «مُلهم» اليمين المتطرف في الغرب؟
اقتران العنف بالهوية والدين
وفي عبارة لافتة، يقول المفكر الأمريكي، وليام كافانو، في كتابه “أسطورة العنف الديني”: “أرى أن حجج اقتران الدين بالعنف تخدم مصالح محددة لمستهلكيها في الغرب”.
يتفق والرأي ذاته، الفيلسوف الفرنسي، آلان باديو، والذي يتحرى في كتابه: “شرّنا يأتي مما هو أبعد”، فهم بنية المجتمع المعاصر الذي تهيمن عليه الرأسمالية المعولمة، ونظامها الاستغلالي. وقد نجم عن هذا النظام السائد، برأي باديو، سيادة نزعة من الوحشية، نجمت عن التفاوت الطبقي الرهيب، وحالة التهميش والعزل. وبالتبعية، تسببت في ضعف الدول الوطنية والقومية وتقويض كياناتها، وخلق أنظمة أو بالأحرى أنماط مختلفة من القوة تمارس هيمنتها وسيطرتها الخارجية.
ينفذ الفيلسوف الفرنسي إلى أزمة الرأسمالية، وتناقضاتها الداخلية، وما ترتب عليها من هيمنة طبقة أوليجاركية، احتكرت في قبضتها المال والثروة، بينما طردت أغلب سكان العالم من مناطق النفوذ، والتبادل الاقتصادي، وسوق العمل والإنتاج. وفي ظل الاختلالات في تلك المنظومة التي تحكم العالم، وتفرض سيادتها، تشكلت في مقابلها “هيمنة العصابات” كبديل عن الدول المنحسرة، والتي أضحت، في تعبير الفيلسوف الألماني، كارل ماركس، وكلاء محليين لرأس المال، المركز في العالم.
وبحسب باديو: “فإن نسبة 1% من سكان العالم، تستحوذ على 46% من الثروات، وهو ما يقترب من النصف تقريباً، ونسبة10% تتملك نحو 86 % من الثروات، بينما نسبة50% من العالم لا تملك شيئاً. ما يعني أن هناك كتلة فقيرة تقارب نصف سكان الأرض، تعيش غالبيتها في أفريقيا وآسيا”.
الجهاد والموت.. مراوحة بين اليمين الأوروبي والإسلاموفوبيا
ومن ثم، هناك ذاتية غربية هي تلك التي تعيش التناقض بين مركزية التفوق والقلق من التدهور والتراجع، حيال الهجمات المعادية من الإسلامويين، فتلجأ إلى سياسة الأمن والتخويف، بهدف حماية نفسها، حسبما يشير باديو، وذلك في مقابل ذاتية أخرى يصفها بـ ذاتية عدمية”، تنزع إلى “منطق التدمير والتآمر في علاقتها بالغرب، وترتدي في سبيل ذلك كل الأغطية الأسطورية، التي توفر، عبر رمزيتها، قطيعة تامة مع الغرب”.
و”الدين في تلك الحالة، والإسلام على وجه الخصوص، ليس هو أساس الفاشية المعاصرة، إنما الفاشية في ما يؤسلم”. كما يحددها باديو. وإذا كان ثمة فرق بين بربرية الفاشيين المعاصرين، وبربرية الرأسمالية المعولمة، فهو مجرد فرق في الدرجة وليس في الجوهر.
وبالعودة إلى ملف الإسلام والمسلمين، يرى الباحث السوري،عمار المأمون، أن “هناك خلط بين الإسلام كدين عالمي، وبين الفئة المسلمة في فرنسا، والإشكالية مع الأخيرة، حسب ماكرون هي “الانفصالية”، أي الانفصال عن قيم الجمهورية وقراراتها، وهو ما يشكل تهديداً للهوية الوطينة، وكذا شكل الدولة”.
اقرأ أيضا:
ماكرون والإسلام السياسي: لا تلعنوا حامل الرسالة!
ويردف الباحث السوري: “لاحظنا دفاع هائل عن تلك القيم الخاصة بالجمهورية الفرنسية، حينما وصل عدد من المسلمين إلى بلديات بعض المحافظات الفرنسية. وبالتالي مشكلة الإسلام في فرنسا هي مشكلة فرنسية، بالأساس، تتعلق بالمهاجرين والمهمشين، ولا تنحصر في الإسلام، ذاته، فقط. وأولئك اللذين يرى فيهم اليمين تهديداً، مهما كان دينهم، تقوم الدعاية ضدهم على اعتبارات عنصرية بحته. وهنا الصراع بين إرضاء طرفين من المواطنين، من مرجعيات أيديولجية مختلفة”.
و”المفترض أن تكون اللائكية الفرنسية هي من تضمن حقوق الطرفين. وهذا ما دفع عدد من المراقبين إلى إعادة النظر في اللائكية، لأن الإسلام وضع نفسه في عداوة معها، بوصفه تهديداً، لا لجانبه الروحي، بل العملياتي واليومي، الذي يخالف القانون الفرنسي”. يختم المأمون.