تقر المادة 18 من الدستور المصري بضرورة أن تكفل الدولة لكل مواطن الحق في الصحة وفي الرعاية الصحية المتكاملة وفقًا لمعايير الجودة. ويشمل ذلك التطعيمات “في حالات الطوارئ أو الخطر على الحياة”. وهو ما “يجرم معه الامتناع عن تقديم العلاج بأشكاله المختلفة لكل إنسان فى حالات الطوارئ أو الخطر على الحياة”. من هنا دفع المحامي الحقوقي خالد علي في دعوى قضائية تقدم بها مؤخرًا بضرورة توفير لقاح كورونا بشكل مجاني لكافة المواطنين.
تلك الدعوى التي تقدم بها “علي” وكيلاً عن إلهامي المرغني نائب رئيس حزب التحالف الشعبي، اختصمت كل من رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس الوزراء، ووزيرة الصحة. وقد جاءت ردًا على ما أعلنته وزيرة الصحة حول عدم مجانية التطعيم ضد فيروس كورونا لكل فئات الشعب. إذ قصرت إتاحة اللقاح بالمجان على الأطقم الطبية في كافة المستشفيات. إلى جانب المواطنين غير القادرين والمدرجين على برامج “تكافل وتكرامة”.
إلهامي المرغني، نائب رئيس حزب التحالف الشعبي، قال -في الدعوى- إنه بالنظر غلى هذا الوباء الشرس يجب أن يكون حرص الحكومة منصبًا على توفير هذه التطعيمات لجميع المواطنين. وذلك بغض النظر عن قدراتهم المادية، ودون إلزامهم أو إجبارهم على دفع أي مبالغ، مهما كانت قيمتها.
وقد ذكرت صحيفة الدعوى “أنه قد يكون من المقبول القول بإن هناك ترتيب أولويات للفئات التي ستحصل على التطعيم شأن الأطقم الطبية، وكبار السن، والأمهات، والذين يقدمون خدمات حيوية واستراتيجية للجمهور.. إلخ حسب قدرة الدولة على استيراد اللقاحات لحين نجاحها فى تصنيعها بالمصانع المصرية”. أما جعل التطعيم بمقابل مادي فهو أمر مخالف لصريح القانون بغض النظر عن قيمة هذا المقابل التي يتم إعلانها الآن، وفق الدعوى.
كما أعلن مدحت الزاهد، رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، والدكتور علاء عوض، انضمامها للدعوى المقامة من فريق دفاع، من أجل توفير لقاح فيروس كورونا المستجد بالمجان لكل مواطني جمهورية مصر العربية.
1315 من الأطقم الطبية تلقوا اللقاح
قبل يومين، أعلنت وزيرة الصحة هالة زايد، أن 1315 من الأطقم الطبية تلقوا الجرعة الأولى من لقاح فيروس كورونا المستجد في 22 مستشفى عزل. وهو أمر ساهم في تراجع مصر 23 مركزًا في تصنيف وكالة بلومبرج للدول من حيث الصمود في مواجهة فيروس كورونا، خلال يناير الجاري. وكانت دول أخرى مثل إسرائيل والإمارات العربية المتحدة، اللتين تقودان العالم في التلقيح ضد كورونا، صعدت إلى المراكز 15 الأولى في التصنيف. بسبب الوتيرة السريعة لعمليات بدء التلقيح. مع إعطاء ما يصل إلى 40 جرعة لكل 100 شخص.
كانت الوزيرة كشفت، في مؤتمر صحفي بمستشفى أبوخليفة في الإسماعيلية، سعر اللقاح المضاد لفيروس كورونا. حيث أوضحت أنه سيتم توزيع اللقاح بين المواطنين بـ”مقابل مادي رمزي” 100 جنيه للجرعة الواحدة، و200 جنيه للجرعتين كحد أقصى. بينما أشارت إلى أن هذا المبلغ ممكن أن يكون أقل.
خلال المؤتمر، أشارت الوزيرة أيضًا إلى عدم طرح اللقاح بالمجان لكافة فئات الشعب. فقالت: “لا نعلم مدى الاستدامة المالية هل سنحتاج للقاح كل 6 أشهر أو سنة أو سيتم التطعيم مرة واحدة فقط”. وأوضحت أن المواطن فوق سن الـ 65 له الأولوية بعد الأطقم الطبية في تلقي اللقاح. وذلك بعد التسجيل على الموقع الإلكتروني الذي سيتم إعلانه للتطعيم أو بالتوجه لأقرب مستشفى بالحي أو المركز. مشيرة إلى أن نظام التسجيل يسمح بإرفاق 3 تقارير طبية للمواطن للتعرف على الأمراض المزمنة لديه.
بالأرقام.. مجانية اللقاح لا تمثل عبئًا على الدولة
المحامي محمد فتحي -أحد أعضاء فريق خالد علي- قال إنه لا يمكن الادعاء بأن حصول المواطنين المصريين على التطعيم بالمجان يمثل عبئًا على الموازنة العامة أو خزانة الدولة. ذلك لعدة أسباب. من بينها أن المواطن هو قاطرة التنمية وحماية حياته ورعاية صحته أهم أولويات الدولة. ولا يمكن أن يقدر ذلك بثمن. كما أن القضاء على هذا الوباء بتطعيم كافة المواطنين. إن كان يؤدى إلى تعافي الإنسان منه، هو بالطبع يؤدي إلى تعافي الاقتصاد أيضًا. ومن ثم فإن كل المبالغ التي سيتم دفعها من أجل التطعيم ستساعد في نمو الاقتصاد وتطوره على نحو يفوق بكثير كل ما سيتم دفعه مقابل هذه التطعيمات.
وتساءل فتحي: ما قيمة كل المشاريع التي تقيمها الدولة إن لم نكفل للمواطنين الحق في الحياة والحق فى التطعيم الذي يحميهم من هذا الوباء.
وعن تكلفة التطعيم في حال شمل كل المواطنين، قال فتحي إنه لو تم تطعيم كل المصريين بجرعتين من عقار (شركة موردنا الأمريكية)، وهو أعلى عقار سعرًا في العالم ستصل تكلفة تطعيم مائة مليون مصري إلى 7.4 مليار دولار. أما إن كان التطعيم بجرعتين من عقار (شركة سينوفارم الصينى) ستصل التكلفة إلى 6 مليارات دولار. في حين لو تم التطعيم بجرعتين من عقار (شركة سبوتنيك الروسى) ستصل تكلفته إلى 2 مليار دولار. وأخيرًا لو تم التطعيم بجرعتين من عقار شركة (اكسفورد- أسترازينيكا الانجليزية) ستصل التكلفة إلى 800 مليون دولار فقط. وتلك الأسعار تم ذكرها بموقع “ستاتيستا” الألماني المعني بإحصاء بيانات السوق والمستلهكين.
ولفت فتحي -في الدعوى- أن وزيرة الصحة في تصريحاتها أشارت إلى وجود 3 لقاحات تم اعتمادها في مصر. وهي: ” سينوفارم الصيني، وسبوتنيك الروسي، أسترازينيكا البريطاني”. ما يفيد بأن تكلفة تطعيم كل المصريين جرعتين بالمجان قد تتراوح ما بين 800 مليون دولار و6 مليارات دولار على أقصى تقدير.
الصحة العالمية تحذر من التوزيع غير العادل
“لن يكون كل واحد منا بأمان إلا إذا كنّا جميعًا على مستوى العالم بمأمن من هذا الفيروس”؛ يقول هايكو ماس وزير الخارجية الألماني. بينما تنص كافة المواثيق الدولية والدساتير على ضمان حق المواطن في الحصول على العلاج والدواء. إذ تؤكد الفقرة 1 من المادة 15 بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان. على أن لكل شخص الحق في المأكل والمسكن والرعاية الطبية.
وقد حذر المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم جيبريسوس، مما وصفه بـ”شفير إخفاق أخلاقي كارثي” يتعلق بأزمة كورونا. وأشار إلى كارثية الوضع حال تركت الدول الغنية نظيرتها من الأكثر فقرًا تعاني من نقص اللقاحات.
أدهانوم أعرب كذلك عن استيائه من سلوك الدول الغنية التي تطبق نهج “أنا أولاً” دون النظر إلى الآخرين. فضلاً عن كشفه للقيم التي يتعامل على أساسها مصنعو اللقاح حول العالم. وأكد أن مصنعي اللقاحات يسعون للحصول على موافقة الهيئات الطبية في الدول الغنية. ذلك بدلاً من تقديم بياناتها لمنظمة الصحة من أجل إعطاء الضوء الأخضر لاستخدام اللقاح عالميًا.
مدير الصحة العالمية قال أيضًا إن الشركات نكست بوعودها. إذ تعهدت بوصول متساوي للقاح لكل دول العالم. وهو ما لم يحدث حتى الآن. كما أوضح أن 39 مليون جرعة من لقاح كورونا أعطيت حتى الآن في ما لا يقل عن 49 من الدول الأعلى دخلاً.