لم تنعم جمهورية ميانمار بالحكم المدني كثيرًا، حتى فوجئت صباح اليوم الإثنين بانقلاب عسكري قاده الجيش على زعيمة البلاد أونج سان سو كي، وعدد من كبار حزبها الحاكم. قبل ساعات من افتتاح الجلسة الأولى للبرلمان الجديد، الذي حقق فيه حزب “سو كي” انتصارًا ساحقًا على حزب الاتحاد والتضامن للتنمية، المدعوم من الجيش.

بدأ الجيش المعروف محليًا باسم “التاتماداو” إجراءات انقلابه بقطع خطوط الاتصال في جميع أنحاء البلاد. بينما أغلقت البنوك وحجبت القنوات الإخبارية، وكثفت الدوريات العسكرية في المدن. في وقت أعلن مذيع الأخبار على القناة المملوكة للجيش أنه تم تسليم السلطة لقائد الجيش مين أونج هلاينج.

برر الجيش انقلابه على زعيمة البلاد وقادة حزبها “الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية” بما اعتبره “مخالفات وتزوير” في تصويت انتخابات نوفمبر 2020. وهي الانتخابات التي اكتسح فيها حزب الرابطة الوطنية الانتخابات بنسبة أصوات 83%.

رغم نفي لجنة الانتخابات مزاعم التزوير، إلا أن متحدث باسم جيش ميانمار أكد الأسبوع الماضي “إنه لن يستبعد وقوع انقلاب إذا لم يتم التحقيق في مزاعم الجيش بشأن تزوير مزعوم في انتخابات نوفمبر 2020″، حسب سي إن إن.

كانت انتخابات نوفمبر هي التصويت الديمقراطي الثاني في البلاد منذ خروجها صوريًا عن الحكم العسكري في عام 2011. لكن هذا الخروج من حكم الجيش الذي استمر نحو 50 عامًا، كان مصحوبًا بتوترات سياسية. خصوصًا بعد الانتخابات الأخيرة التي قضت على أحلام الجيش في العودة إلى الحكم بشكل ديمقراطي. إذ انتشرت شائعات طيلة الشهرين الماضيين حول تولي الجيش زمام الأمور، وسرعان ما كان النفي بأن الجيش لا يطمح في العودة إلى الحكم.

من هو قائد الانقلاب؟

أونج هلينج (64 عاما) هو قائد جيش ميانمار، درس القانون في جامعة يانجون في 1972-1974. قال أحد زملائه في الدراسة لرويترز في عام 2016: “كان رجلاً قليل الكلام وعادة ما يكون بعيدًا عن الأنظار”.

التحق الجنرال بالجامعة العسكرية الأولى في عام 1974 بعد محاولات عدة لم تنجح، وحسب رويترز التي نقلت شهادات أصدقاء معاصرين لقائد الانقلاب أثناء ما كان طالباً في الجامعة العسكرية، فإنه كان طالباً متوسطاً.

وقال زميل له في التقرير ذاته “تمت ترقيته بانتظام وببطء”، مضيفًا أنه فوجئ برؤية مين أونج هلاينج يرتقي إلى ما وراء الرتب المتوسطة في سلك الضباط. تولى مين أونج هلينج إدارة الجيش في عام 2011 مع بدء الانتقال إلى الديمقراطية. وقال دبلوماسيون في يانجون إنه مع بداية ولاية سو كي الأولى في عام 2016، حول هلاينج نفسه من جندي قليل الكلام إلى سياسي وشخصية عامة.

وبسبب أعمال العنف التي طالت الأقلية المسلمة في ميانمار، تعرض مين أونج هلاينج وثلاثة قادة عسكريين آخرين في عام 2019، إلى سيل من العقوبات الأمريكية، ولا تزال عدة قضايا أمام المحاكم الدولية، بما في ذلك محكمة العدل الدولية مستمرة ومنظورة أمام القضاء الدولي.

قائد جيش ميانمار ورئيسة الوزراء
قائد جيش ميانمار ورئيسة الوزراء

إدانات دولية لانقلاب ميانمار

أثارت عملية الانقلاب العسكري قلق العالم وإدانته، ففي البيت الأبيض أصدرت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض جين بساكي بيانًا. وقالت إن الولايات المتحدة تعارض أي محاولة لتغيير نتائج الانتخابات الأخيرة أو إعاقة التحول الديمقراطي في ميانمار. مشيرةً إلى “إجراءات ضد المسؤولين إذا لم يتم التراجع عن هذه الخطوات”.

وفي بريطانيا، أدان رئيس الوزراء بوريس جونسون عملية الانقلاب. وقال في تغريدة عبر توتير: “أدين الانقلاب والسجن غير القانوني للمدنيين، بمن فيهم أونج سان سو كي، في ميانمار”. وأضاف: “يجب احترام تصويت الشعب وإطلاق سراح القادة المدنيين”.

على نفس الدرب، سارت أندونيسا وأستراليا واليابان التي عبرت عن قلق من عملية الانقلاب. وطالبت بضبط النفس، والإفراج الفوري عن المدنيين المعتقلين، والعمل على حل الخلافات الانتخابية، وفقًا للآلية القانونية المتاحة.

جيش ميانمار.. أطاحوا بدستور كتبوه ليحميهم

تخضع ميانمار لسلطة الجيش منذ ستينيات القرن الماضي، وللجيش القوة الفعلية والحقيقة في البلاد. وهذا ما يشير إليه دستور البلاد الذي تمت صياغته في عام 2008، ومنح الجيش خصوصية وقوة فعلية في البلاد.

ففي عام 2008، صاغ المجلس العسكري الحاكم دستورًا خصص 25٪ من المقاعد التشريعية للجيش. بالإضافة إلى السيطرة على الوزارات الرئيسية مثل الدفاع والشؤون الداخلية، وسلطة “الفيتو” على القضايا الدستورية.

لهذا، فإن عملية الانقلاب الأخيرة أثارت دهشة المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان في ميانمار، توم أندروز. إذ قال لـ “سي إن إن” تعليقاً على عملية الانقلاب العسكري: “لقد كتبوا -الجيش- الدستور الذي أطاحوا به للتو. إنه يمنحهم قوة هائلة، وقوة اقتصادية، وسلطة سياسية. فكيف إذن ولماذا يقلبون دستورهم؟ هذا أمر لا يصدق”.

تطرق أندروز إلى الوضع الاقتصادي الصعب في ميانمار في ظل جائحة كورونا. فقال إن عملية الانقلاب ضارة للغاية، خاصة وأن البلاد تعاني من صعوبات شديدة بسبب الفيروس.

“لقد مر شعب ميانمار بالكثير. لقد عاشوا عقودًا من الحكم العسكري الوحشي. إنهم يمرون بجائحة. الاقتصاد في وضع صعب بالنسبة للكثيرين. إنه أمر غير عادل للغاية بالنسبة لهم أن يمروا بهذا الآن “. يضيف أندروز.

أونج سان سو كي يلقبها قطاع كبير من شعبها بـ"أم الأمة"
أونج سان سو كي يلقبها قطاع كبير من شعبها بـ”أم الأمة”

ماذا نعرف عن أونج سان سو كي؟

تحظى رئيسة وزراء ميانمار أونج سان سو كي، التي انقلب عليها الجيش، بقدر كبير من التبجيل في البلد البالغ عدد سكانه نحو 54 مليون نسمة، حسب تقديرات البنك الدولي. بينما يعتبرها قطاع كبير من شعبها “أم الأمة”، ذلك بسبب نضالها الكبير على مدار العقود الماضية ضد الحكم العسكري. حيث أمضت نحو 15 عامًا في الاعتقال نظير كفاحها، قبل أن تطوع جهودها في إنهاء الحكم العسكري بالبلاد، وتفوز بأول انتخابات معلنة جرت في البلاد عام 2015. ثم تكرر الفوز لولاية ثانية العام الماضي، حسب ما أفادت “جارديان“.

فازت أونج سان بجائزة نوبل للسلام سنة 1991 عن نضالها السلمي، وبالرغم من ذلك فقد طالتها انتقادات واسعة خلال الأعوام الماضية، بسبب أعمال العنف التي حدثت في حق الأقلية المسلمة في ميانمار.

وتعالت أصوات صحب جائزة نوبل للسلام من زعيمة ميانمار بسبب صمتها، وطالبت منظمة الإيسيسكو ” منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة”، لجنة جائزة نوبل بسحب جائزة السلام من رئيسة وزراء ميانمار، لكنها تعرضت لقرار سحب جائزة وسام الحرية من قبل مجلس مدينة أكسفورد في بريطانيا في عام 2017.

وكانت الزعيمة البارزة قد حصلت على الجائزة في عام 1997 بسبب مكافحتها من أجل الديموقراطية.