كشفت بيانات صادرة عن البنك المركزي، الأحد، حجم تأثير جائحة كورونا على الاقتصاد المصري، ألقت معها الضوء على إشارات مهمة كعوامل قوة أنقذت الوضع المصري من مزيد من تفاقم الخسائر.
كورونا يضرب السياحة ويرهق ميزان المدفوعات
وفقًا لبيانات المركزي، فقد سجل العجز في المعاملات الجارية بميزان المدفوعات خلال الربع الأول من العام المالي الحالي (يوليو/سبتمبر 2020) 2.8 مليار دولار، ما يمثل تراجعًا عن العجز المسجل بالربع الأخير من العام المالي السابق “أبريل/يونيو 2020″، الذي سجل 3.8 مليار دولار. لكنها نسبة تتضاعف مقارنةً بالربع المناظر من العام السابق (يوليو/سبتمبر 2019) الذي سجل عجزًا بلغ 1.4 مليار دولار.
تضم المعاملات الجارية صافي إيرادات أو مدفوعات الدولة في أربع قطاعات، هي: تصدير السلع والخدمات وفي مقدمتها السياحة. إلى جانب دخل الاستثمار، وأخيرًا تحويلات العاملين في الخارج.
يعزو تضاعف عجز ميزان المعاملات الجارية في الربع الأول من العام المالي الحالي -وفق البنك المركزي- إلى الصدمة التي تعرض لها قطاع السياحة جراء فيروس كورونا. وقد اقتصرت إيراداته على 800 مليون دولار مقابل 4.2 مليار في الفترة المقارنة ذاتها.
كذلك بلغ عجز متحصلات النقل مقدار 524.5 مليون دولار، لتسجل 1.7 مليار دولار مقابل 2.3 مليار دولار. نتيجة انخفاض متحصلات شركات الطيران بمقدار 3287.1 مليون دولار بسبب كورونا.
وقد ارتفع عجز الميزان التجاري غير البترولي (السلعي) بنحو 526 مليون دولار، مسجلاً 8.7 مليار دولار مقابل 8.2 مليار دولار. نتيجة ارتفاع المدفوعات عن كافة الواردات السلعية غير البترولية، باستثناء المواد الخام، وذلك بمعدل 4.1%، لتسجل نحو 13.4 مليار دولار مقابل 12.9 مليار دولار في الفترة المقارنة.
الميزان التجاري هو الحساب الذي يشمل كافة العمليات التجارية، والتي تتوزع على حسابين ثانويين، هما الميزان السلعي ويحتوي على السلع الصادرة والواردة، والميزان الخدمي الذي يضم الخدمات التي تتم بين الدول مثل خدمات النقل.
تحويلات المصريين بالخارج تنقذ الوضع
أما الميزان التجاري البترولي، فقد شهد -وفق بيانات المركزي- فائضًا بلغ 143.7 مليون دولار خلال الربع الأول من العام المالي الجاري. مقابل عجز بلغ 606.2 مليون دولار خلال نفس الفترة من العام الماضي. وهو ما يرجع إلى التأثر بانخفاض الكميات المستوردة من البترول العام، بمعدل 28.7%، مع تراجع أسعار البترول عالميًا.
وفق بيانات البنك المركزي، حالت تحويلات المصريين العاملين في الخارج دون تفاقم عجز الحساب الجاري في الربع الأول من العام المالي الحالي. بعدما ارتفعت بمعدل 19.6% لتبلغ 8 مليارات دولار مقابل 6.7 مليار في الفترة المقارنة.
مصر تستفيد من تراجع أسعار البترول
كما تراجع عجز ميزان دخل الاستثمار بمقدار 261.2 مليون دولار، خلال الربع الأول من عام 2020-2021 ليسجل نحو 3.1 مليار دولار مقابل نحو 3.3 مليار دولار خلال نفس الفترة من العام الماضي. ذلك لتراجع الأرباح المدفوعة عن الاستثمار المباشر بمقدار 362.3 مليون دولار، لتصل إلى 2.9 مليار دولار، نتيجة تراجع أرباح شركات البترول الأجنبية العاملة بمصر، والتي تأثرت بتراجع أسعار البترول. بينما ارتفعت الأرباح المرحلة التي تمت إعادة استثمارها في رؤوس أموال الشركات القائمة.
يمثل ميزان دخل الاستثمار الفرق بين العوائد المحصلة وتلك المدفوعة من وإلى العالم الخارجي، عن كل من استثمارات محفظة الأوراق المالية، والاستثمارات المباشرة، والودائع المصرفية.
انخفض صافي التدفق للداخل فيما يخص الاستثمار الأجنبي المباشر بمعدل 31.8% ليبلغ مستوى 1.6 مليار دولار مقابل 2.4 مليار دولار. وجاء ذلك بسبب تراجع صافي الاستثمارات في قطاع البترول لصافي تدفق للخارج بلغ 75.3 مليون دولار، مقابل صافي تدفق للداخل بلغ 744.2 مليون دولار في الفترة المقارنة.
كما تراجع صافي التدفقات الواردة من الخارج لغرض الاستثمار في القطاعات غير البترولية. وذلك بمقدار 55.6 مليون دولار، ليسجل نحو 395.5 مليون دولار مدفوعة بانخفاض صافي التدفقات الواردة، بغرض زيادة رؤوس الأموال بمقدار 49.2 مليون دولار، لتسجل 235.1 مليون دولار.
أيضًا، هبطت الاستثمارات الواردة بغرض تأسيس شركات مقدار 27.7 مليون دولار لتسجل 8 ملايين دولار. والتحويلات الواردة لشراء عقارات بمصر بمعرفة غير مقيمين لتسجل 127.6 مليون دولار. في حين ارتفعت حصيلة بيع شركات وأصول إنتاجية لغير مقيمين لتصل إلى 24.5 مليون دولار.
وضع السياحة في ظل كورونا
وكانت غادة شلبي، نائبة وزير السياحة والآثار لشؤون السياحة، أكدت أنه من الصعب الوصول إلى الأرقام المستهدفة للقطاع السياحي المصري، مع استمرار الإغلاق التام أو الجزئي لدى أغلب الدول المصدرة للسياحة في أوروبا والدول العربية. لكنها توقعت تحسنًا في حركة السفر في الربع الثاني من العام الحالي، مع توزيع اللقاحات.
وأشارت إلى حملات تشجيع السياحة، التي تستهدف جذب السياحة الداخلية والشباب، في ظل نسبة الإشغال المسموح فيها بمعدل 50% من طاقة الفنادق. واعتبرت أنه من المهم تشجيع الناس لبدء السياحة بعد فترة الإغلاق الطويلة التي بدأت مارس الماضي. متوقعة أن تكون الأرقام ومؤشرات السياحة في العام 2022 أكثر إيجابية.
الاقتصاد المصري يتعافى
يشير الدكتور وليد جاب الله، الخبير الاقتصادي، إلى أن العجز الكلي في ميزان المدفوعات خلال الربع الأول من العام الأول المالي الحالي أقل من الربع الأخير من العام المالي السابق. وهو أمر يشير إلى أن الاقتصاد المصري يسير في خط التعافي. خاصة وأن الجائحة أثرت على اقتصاديات العالم كله. لافتًا إلى أن ميزان المدفوعات يعتبر أحد المؤشرات التي يمكن عبرها الحكم على الأداء الاقتصادي مثلها مثل معدل النمو.
وأشار إلى أن ميزان المدفوعات تأثر كثيرًا بأداء قطاع السياحة الذي سجل في عام 2020 بالكامل إيرادات 4 مليارات دولار بعدد زوار 3.5 مليون سائح، مقارنة بـ 13 مليار دولار في عام 2019. كما أوضح أن الصادرات تأثرت أيضًا بالإغلاق الذي شهدته الكثير من دول العالم في خضم جائحة كورونا، وتوقف حركة النشاط الاقتصادي في كثير من الدول. لكن توقع تحسنًا في عام 2021 مع بدء عمليات توزيع اللقاح واستئناف الحياة الطبيعية. مضيفًا أن هناك عناصر إيجابية في تقرير البنك المركزي الأخير خاصة فيما يتعلق بالفائض في المنتجات البترولية التي تأتي بفضل الاكتشافات الجدية التي غطت الاحتياجات المحلية.