لا نعلم إن كان اعتذار رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام إلى “طبيبة المحلة” كافيًا لتطييب جراحها. السيدة التي برأتها المصادر الرسمية من الاتهامات الفظيعة التي وجهها لها زوجها، وقعت ضحية التسرع الصحفي والرغبة في “الفرقعة” الإعلامية التي تزايدت أَضعافًا في زمن التريند والترافيك. رسمت الصحافة الاتهام وأطلقت على السيدة اسمًا مسيئًا جذابًا لجمهور النميمة وأطلقته عبر الوسائط الإعلامية، إذ أن عجلة (الشير) لابد أن تدور ولا يهم عدد من تدهسهم في طريقها.

لكن إن كانت سيدة المحلة قد عانت من هذا الهجوم المعنوي، فإنها أفضل حظًا ممن عانوا الاغتيالين، المعنوي والمادي، أو لنقل “عانين” بنون النسوة، فمعظم ضحايا صحافة السوشيال ميديا -تمامًا كمعظم ضحايا المجتمع- هن من النساء، وإن كانت سيدة المحلة لا تزال -لحسن الحظ- على قيد الحياة، واستطاعت -مع محاميها- الرد سريعًا على الاتهامات الزائفة. فإن غيرها كن أسوأ حظًا، ومنهن اثنتان -وربما هناك غيرهما ممن لا نعلم- راحتا ضحية “الاغتيالين” قبل شهر من الآن؛ الأولى خنقها زوجها وفرّ هاربا، ثم تم ضبطه قبل أن يغادر المدينة، وسرعان ما اقتبست الصحافة “تصريحاته”، فوجدنا عنوانًا يقول “سيرتها على كل لسان.. موظف يعترف بقتل زوجته بسبب سوء سلوكها”!. هكذا تبنى الخبر اتهام الزوج، ولم يستخدم العنوان حتى عبارة “يتهم” زوجته. لا بل استخدم كلمة “بسبب” سوء سلوكها، هكذا “خبط لزق”، كأنه فرمان صادر باسم الحقيقة لا باسم قاتل يحاول التهرب من عقوبته أو تخفيفها، وعلى الرغم من أن الاتهام، خاطئًا كان أم صحيحًا، لا يمنح الزوج الحق في إزهاق الروح. إلا أن العنوان الصحفي حرم الضحية حتى من نعمة الشك، وقرر استخدام صيغة الإدانة.

وفي اليوم نفسه تقريبًا، بداية يناير الماضي، قتل رجل زوجته المدرّسة، ووقف يدخن بجوارها في الشارع العام، مستخدما، كالعادة، اتهامات الخيانة، وهذه المرة وجدت صحافة الترافيك ما هو أكثر من مجرد جريمة بشعة، إذ استغلت اتهام الزوج لزوجته القتيلة -بين اتهامات عديدة متخبطة- بخيانته مع شخص يتشابه اسمه مع اسم فنان شهير، فأَضافت رشة البهار تلك إلى العناوين، إذ ربما يزيد ذلك من مرات مشاركة الخبر، فوق دماء الأم القتيلة المسجاة في الشارع أمام مدرستها.

وحين نقول “صحافة الترافيك” فإننا للأسف لا نقصد بعض المواقع الصحفية شبه المجهولة، فالأخبار التي ذكرناها هنا وردت بصياغتها تلك في أكبر الصحف والمواقع المصرية، فصحافة الترافيك اسم لطريقة في العمل، تضع عدد الشير فوق أي اعتبارات، وتزداد خطورتها في قضايا الاجتماعيات والحوادث، تلك التي تمس أشخاصًا عاديين ليسوا من الشخصيات العامة، فتضعهم تحت أَضواء الهجوم المعنوي من دون درع يحميهم أو نفوذ يساعدهم على التصدي، وللأسف فإن “تطور” الصحافة إلى عالم الأونلاين قد اصطحب معه تقاليد قديمة في صحافة الحوادث تقرن بين المرأة والشيطان وتعتبرها سبب كل الشرور حتى لو كانت ذبيحة بسكين الزوج أمام أنظار المارة، وأذا أجرى القاريء بحثًا سريعًا باستخدام عبارات من قبيل “بسبب سوء سلوكها” لوجد أن ذلك الاتهام الذي يتبنى دفاع القاتل منتشر في الصحافة انتشارا مرضيّا، ينتقل من خبر لآخر ومن جريمة لأخرى كأنه قاتل تسلسلي يواصل قتل الضحية تلو الأخرى معنويًا بعد أن قٌتلت ماديا، ولا يغيّر فيه حقيقة أن كل قتلة الزوجات يحاولون الوصول إلى حكم مخفف متوسلين بذلك تشويه سمعة ضحاياهم، بل يسعى بعضهم إلى ذلك لمجرد الحصول على طلاق مجاني بلا التزامات، وفي يونيه الماضي رأينا الزوج الذي أرسل إلى بيته عاملاً لديه، محاولاً اختلاق فضيحة جنسية للزوجة ليستطيع تطليقها بلا تكاليف، وإذا بالزوجة تقاوم العامل فيقتلها، لقد أفسدت الزوجة المسكينة الخطة لكن الثمن كان حياتها، لقد قاومت بكل قوة ربما لأنها لم تشأ أن يقترن اسمها بعبارة “سوء سلوكها”، والواقع أن حياتها أغلى من كل الاتهامات والعناوين.

للاطلاع على مقالات أخرى للكاتب.. اضغط هنا