سبق ظهور تنظيم “داعش” للعلن تحركات خفية للتمكين والانتشار في بلاد مزقتها الحروب والصراعات، فوجد لنفسه موضع قدم لبناء تنظيم جديد ينافس “القاعدة” الذي خفت نجمه مع مقتل زعيمه أسامة بن لادن.
ظهر “داعش” وتصدر لزعامته أبو بكر البغدادي، ليكون على رأس أحد أكثر الجماعات الإرهابية دموية في التاريخ. كما تمكن في سنوات قليلة من التواجد بسوريا والعراق وغيرها من المناطق التي اختارها بعناية، ليستغل التشرذم والصراعات في النمو والتوسع.
لكن في أكتوبر 2019 شنت قوات أمريكية وروسية غارة جوية أودت بحياة “البغدادي” ليصبح أول زعيم لداعش من الماضي، ويترك تنظيمًا بلا قائد.
“داعش”.. تنظيم بلا قائد
بغدادي ترك خلفه تنظيمًا بلا قائد وفتح الباب أمام تكهنات حول مصير التنظيم عقب وفاة مؤسسه الأول. وهل سيكون مصيره على شاكلة القاعدة الذي تقوقع في المناطق النائية إلا من خلال إصدارات مصورة وكلمات مسجلة لقادته.
فور مقتل البغدادي، كانت التساؤلات تنصب حول من يتولى زعامة التنظيم، وهل سيواصل تواجده الدموي بنفس القوة أم سيشهد تراجعًا؟
“البغدادي” عرف جيدًا أن نهايته اقتربت، خاصة بعد تدهور حالته الصحية بعد إصابته خلال إحدى المعارك، لذا عمد إلى تعيين “عبدالله قرداش” خلفًا له.
من هو عبدالله قرداش؟
“أمير عبدالرحمن المولى” ولد عام 1964 في تلعفر العراقية، تخرج في مدرسة القرية الإعدادية ثم التحق بكلية الشريعة وتخرج خطيبًا في كلية الإمام الأعظم قبل أن يعين بالأوقاف في جامع عجيل الياور.
طفولة “أمير” كانت هادئة، نشأ في ظل أسرة متدينة، والده خطيب جامع (الفرقان) في الموصل، ووالدته ربة منزل، وله شقيقين أحدهما أستاذًا جامعيًا وآخر قياديًا في حزب تركماني بزغ نجمه مؤخرًا.
تزوج “أمير” في سن صغيرة، وله ولد يُدعى “محمد”، كانت بدايته بسيطة لكن عرف عنه التشدد الديني ورؤيته الأحادية للأحكام ونزعته لمعاقبة المخالفين.
بعد فترة وجيزة التحق “أمير” بالجيش العراقي إبان حكم الرئيس المخلوع صدام حسين، ووصل إلى رتبة ضابط، لتبدأ عليه ملامح القوة الغاشمة في التعامل مع الآخرين.
نزعة وحشية متأصلة
بعد انتهاء خدمته في الجيش عاد إلى مدينته من جديد إلا أن أمرًا ما طرأ على شخصيته دفعه إلى الانضمام إلى حركة الجهاد السلفي عام 2001، ليغادر إلى أفغانستان للتدريب على السلاح وتلقي الدروس.
بعد عودته اعتقل “أمير” 6 أشهر من قبل جهاز الأمن في عهد صدام إلا أنه سرعان ما أفرج عنه مجددًا، ليعود إلى المنبر مرة أخرى خطيبًا لمسجد السوق القديم.
في تلك الفترة ظهر تغير شديد في طبيعة الشاب، حيث بدأ يجتمع بعدد من قادت الحركات الجهادية، وتحول إلى قاض شرعي يطلق الأحكام دون هوادة.
في ذلك الوقت كان “الزرقاوي” أحد قيادات تنظيم القاعدة ذو النفوذ لبكبير، لذا كان انضمام “أمير” الذي ستصبح كنيته “أبو علاء” إلى تنظيم القاعدة مجرد وقت.
قرداش والبغدادي معًا في السجن
الصدفة قادت “قرداش” لأن يكون زميلًا للبغدادي في مركز اعتقال معسكر بوكا بالبصرة على خلفية علاقته بتنظيم القاعدة. حيث قضى عبدالله والبغدادي 3 سنوات لتتوطد بينهما علاقة كبيرة سيتم استغلالها فيما بعد.
تعرف الاثنان على بعضهما، وعاشا 3 سنوات دون فرقة. عبدالله كان عارفًا بالأمور الشرعية لدراسته في كلية العلوم الشرعية، فضلًا عن عمله خطيبًا لأحد المساجد، في الوقت ذاته كان البغدادي يضع الخطوط العريضة لإطلاق “داعش”.
بعد الإفراج عنه دون معرفة أسباب واضحة، بايع “قرداش” “القاعدة” وبدأ في صقل شخصيته وتدرّج في المناصب ليصبح أحد أعضاء مجلس الشورى، قبل أن يُصاب في قدمه أثناء مواجهة مع القوات الأمريكية في الموصل.
بدايته مع داعش
استمر الحال على ما هو عليه، كان عبدالله قرداش يتولى الأمور الشرعية ويبسط سيطرته على الموصل. بينما بدأ “داعش” في التنامي لتحوله صداقته بـ”البغدادي” لأحد أهم الاختيارات في بناء منظومة داعش.
مع بداية عام 2014، بدأ التواجد الفعلي لداعش على الأرض ليعلن عبدالله قرداش انضمامه للتنظيم ومبايعته له.
خلال تلك الفترة عرف بـ”الأستاذ” و”المدمر”، حظى خلالها باحترام كبير بين أعضاء التنظيم لما عرف عنه من قدراته العسكرية على خلفية تواجده في جيش صدام حسين. كما عرف عنه وحشيته في معاقبة المخالفين داخل التنظيم المعارضين لطريقة إدارة البغدادي.
كيفية اختيار الوريث
“داعش” تحكمه عدة اعتبارات لمن يخلف البغدادي في الزعامة، والخلفية التاريخية أحد أهم هذه العوامل، فضلًا عن خلفيته الشرعية والفقهية.
وحسب قواعد “داعش”، يجب أن ينتمي الخليفة لآل البيت وهو ما يتوفر في قرداش. إذ يقال إنه من قبيلة قريش وينتمي إلى آل بيت النبي ما يرجح كفته ليكون مرشحًا مؤهلًا لخلافة البغدادي.
كما أنه ضابط سابق ودارس للفقه والشريعة مما يجعل منه امتدادًا للقائد الملم بالأمور العسكرية والشرعية فضلًا عن خلفيته التاريخية.