طوال 8 سنوات عاشت “دينا” على كرسي متحرك إثر حادث أصابها بتشوهات بالغة، قاومت الموت، لكنّها ظلت تعاني آثار الحادثة في يديها وجسدها، ورغم محاولاتها للعودة إلى هيئتها الأولى إلا أن الأثر مازال يطاردها.
“دينا الحاروني” في العقد الثاني من العمر، حاصلة على بكالوريوس تجارة، قررت التحايل على أزمتها وإخفائها بالوشم. قررت أن ترسم على ذراعها “تاتو” كبير يخفي الجرح كاملًا، وتوظيف فنها في خدمة الآخرين ممن يعانون من التمييز والوصم لأسباب لا دخل لهم فيها.
دينا الحاروني: الحل في “التاتو”
قصتها كما تقول: “كنت أتألم كلما نظرت إلى جسدي أو نظر أحدهم لي، قررت تغطيتها بالتاتو وبالفعل اختفت أثار الجرح نهائيًا ما حسن حالتي النفسية كثيرًا. بعدها شجعت الفتيات اللاتي يتعرضن للتشوهات بعد الحوادث أو الحروق، على رسم التاتو ومحو أثر المعاناة”.
“وجدت أن النساء بشكل خاص يتعرضن للرفض سواء على الجانب المهني أو الشخصي، وحتى من لديهن ندبات ناتجة عن جروح غائرة لا يستطعن استئناف حياتهن مرة أخرى بعدها” تضيف “دينا”.
كما أوضحت: “تدربت على الرسم الدقيق وبدأت بالقماش والجلد حتى طورت عملي وأصبحت أجيد الرسم على الجسد، رسمت لعدد كبير من السيدات بشكل منفرد. فكرت بعدها في تعميم الفكرة لتكون مبادرة غير هادفة للربح، لتغطية تشوهات غير القادرات على تحمل تكاليف عمليات التجميل”.
دينا: النساء يتعرضن للتنمر بعد الولادة القيصرية
دينا توضح أن هناك عدد كبير من النساء يلجأن لهذا النوع من الرسوم، بعد التنمر والرفض. لكن الأكثر غرابة بالنسبة لها كما تقول، النساء اللاتي يتعرضن للرفض إثر الولادة القيصري. إذ فوجئت بالرفض من قبل الزوج بعد الولادة.
عدد كبير من الرجال في مختلف أنحاء العالم يختزل المرأة في جسدها، ما يجعل الأخيرات حبيسات الشكل في النهاية. فضلًا عن الدور الذي يلعبه الإعلام في تقديم المرأة بصورتها النمطية التقليدية داخل قالب جنسي، مغلفة بمفهوم الموديل، الذي يجعل النساء وسيلة من وسائل الجذب وأحد أدوات تشجيع الاستهلاك.
ورغم زيادة الوعي إلا أن النساء لا تزال تعاني ضغوط معايير الجمال غير الواقعية التي تفرضها وسائل التواصل الاجتماعي. كما أن المنافسة الضارية بين النساء على عرش الأكثر جمالاً يزيد الضغوط عليهن.
رقيب مجتمعي على جمال النساء
من هذا المنطلق لجأ عدد كبير منهن إلى طرق غير تقليدية لإخفاء الندوب الجسدية، للتخلص من الرقيب المجتمعي على مستوى جمالهن.
“هند البنا” 36 عامًا واجهت هى الأخرى التمييز بجميع أشكاله عاطفية كانت أو مجتمعية.
خطيب “هند” تركها رغم قصة حب طويلة، ومن بعدها كان الرفض حليفًا لها. أغلقت الشركات أبواب التوظيف في وجهها لتشعر في النهاية بأنه لا مفر من ابتلاء لم تختاره أبدًا لتحاسب عليه.
“هند” مؤسسة مبادرة “احتواء” أكدت لـ”مصر 360” أنه تم التواصل مع “دينا” للوصول إلى أكبر عدد من المصابين، خاصة أن الأمر سيؤثر بشكل إيجابي عليهن، وسيكون بمثابة رحمة للجميع كما وصفته.
مؤسسة مبادرة “احتواء”
“هند” تصف المعاناة: “نحن لا نستطيع الجلوس في أماكن عامة مثل أي شخص عادي. لا يتقبلنا المجتمع كعنصر مختلف، نحن نتألم ومعرضون لمضاعفات طبية وآلام مزمنة. نحن نحتاج إلى الدعم لا الوصم”.
“ضحى محمد” 24 عامًا، تصف هى الأخلاى معاناتها التي استمرت لسنوات نتيجة وجود جروح أدت إلى تشوه ملحوظ في يديها.
الشابة تقول: “لم أكن قادرة على كشف يدي أمام أحد، لتفادى تعليقات أنتي انتحرتي قبل كدة ولا أيه، وصلت لمرحلة أن هذا عيب كبير فيا، وقررت اللجوء إلى الوشم وتحملت كل الآمل الوخز حتى يتقبلني الجميع”.
“كلما نظرت للجرح تذكرت”
“ضحى” تتفق مع “منى” 30 عامًا بعد أن قررت اللجوء إلى رسم تاتو على ساقها لإخفاء أثر حرق كبير، بعد رحلة علاج نفسي طويلة. قررت التعامل مع هذا الجزء من جسدها بشكل مختلف: “كلما نظرت إلى الجرح تذكرت الحادث”.
رغم تفكيرها في عمليات التجميل إلا أنها تراجعت: “شعرت أني أرغب في وجوده ولكني سأترك عليه أثر مختلف من روحي”.
بالعودة إلى “دينا” التي قالت إن الإقبال على تغطية التشوهات كبير جدًا من السيدات، لكن التركيز الأساسي على الفتيات المقبلات على الزواج واللواتي يعانين من أثار حروق شديدة.
“دينا” تقول أن الزيجة قد تتوقف بسبب تشوهات من هذا النوع: “لا يزال أمامنا وقت طويل على أن يتقبل البعض فكرة جسد يعاني من تشوه ما، والابتعاد عن الجسد المثالي الذي يروج له عن طريق الموديل وصور انستجرام”.
“مبادرة بالمجان”
مؤسسة مبادرة “احتواء” قالت إنه ليس على المتضررات تحمل تكلفة الخامات التي تشكل عائقًا كبيرًا التي تحدد حسب العمر وحجم الجرح.
“يتم اختيار الرسمة والألوان المستخدمة قد تصل تكلفتها إلى 15 ألف جنيه وأكثر. والهدف الأساسي المساعدة. أسعد لحظات في حياة الفتاة عندما تتحول ندباتها إلى مظهر جمالي” تقول “دينا”.
اقرأ أيضًا.. “المُصنفات في الأرض”.. متى تكون المرأة “محترمة” في نظر المجتمع؟
في السنوات الأخيرة لعب مستشفى “أهل مصر” دورًا بارزًا في علاج وتأهيل مصابي الحروق، ومن ضمن المناشدات التي خرجت من أطباء المستشفى، إدراج مصابي الحروق للعمل ضمن فئة الـ5% الخاصة بذوي الإعاقة.
أرقام الصحة العالمية
من ناحية أخرى، يقول تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية، إن عدد حوادث الحروق في مصر بلغ 80 ألف سنة 2015، و25% من ضحايا الحروق من الأطفال في سن 5 سنوات.
كما كشف التقرير أن أكثر من 50% منهم تحت سن الـ20، و37% من الضحايا يلقون مصرعهم بسبب قلة مراكز علاج الحروق التي بتوفر الرعاية الطبية اللازمة لعلاج الضحايا.
التقرير أوضح أيضًا أن أكثر من 60% من حالات الحروق يحتاجون لسرير في العناية المركزة لمدة تبدأ من شهر من الممكن أن تصل لـ 3 أشهر.