على أعتاب مركز صحة المرأة، تنتظر “جيهان” دورها في العلاج مع عشرات السيدات، وأثناء الفحص الروتيني الذي يلجأ إليه البعض للاطمئنان على صحتهن، شعرت “جيهان” أن عليها واجب “الدعم النفسي” لمرضى السرطان.

في الرابع من فبراير من كل عام يحتفل العالم باليوم العالمي للسرطان، بشعار “هذا أنا.. وهذا ما سأفعل” لنشر التوعية بالمرض. لكن اليوم يعتبر فرصة أيضًا للحديث عن قصص ملهمة أكثر من كونها مؤثرة لمحاربين واجهوا المرض.

اقرأ أيضًا.. جميعها مزمنة ..عشرة أمراض تساعد “كورونا” على قتل العجوز

تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية، أظهر أن السرطان يأتي في المرتبة الرابعة لأسباب الوفاة في منطقة شرق البحر المتوسط.

ومن المتوقع أن يتضاعف المعدل في العقدين المقبلين، ليرتفع من 676.500 حالة جديدة في 2018 إلى 1.35 مليون في 2040، ما يُعَدُّ أعلى زيادة نسبية بين جميع الأقاليم.

وبحسب المنظمة يمكن تجنب أكثر من ثلث حالات الإصابة بالسرطان، وعلاج الثلث الثاني إذا اكتشف المرض مبكرًا وعولج علاجًا صحيحًا.

“جيهان الأصيل”: “السرطان خلاني اكتشف نفسي”

“الأصيل” اكتشفت إصابتها بسرطان الثدي في 2016، واستغرقت عامًا كاملًا في العلاج والجراحة لاستئصال الورم والعلاج الكيماوي، لتدرك أنها لم تصب بالمرض صدفةً، لكنه كان نقطة نور لبداية مختلفة اكتشفت فيها نفسها بحسب ما قالت.

الحاصلة على ليسانس الخدمة الاجتماعية، أذهلها اكتشاف قدرات جديدة لديها عندما ذهبت إلى الهلال الأحمر للحصول على دورة تدريبية حول الدعم النفسي.

بعد عام من العمل انتهى الحال بـ”جيهان” مسئولة عن الدعم النفسي، قبل أن تقرر العمل على ذاتها. التحقت بدورات الصدمات وتأثيرها على الجسد، ودبلومة العلاج بالفن والسايكودراما وهي طرق للدعم النفسي باستخدام الفنون.

جيهان في مؤسستها للدعم النفسي

جيهان تحول “بينكي” إلى “كانسر كير إيجبت”

علمت جيهان أن المستشفيات الأخرى لعلاج السرطان، وعددها 19، لا تضم وحدات للدعم النفسي للمرضى، وهو ما قررت أن تتبناه بمبادرة أسمتها “بينكي للدعم النفسي والاجتماعي”.

“فكرت في باقي المرضى الذين يتلقون العلاج في 7 مستشفيات للأورام و12 بها أقسام فقط. الدعم النفسي بيمثل 60% من العلاج، وغيابه بيأثر على المناعة” تقول “جيهان”.

“جيهان” حصلت على جائزة مالية من معهد جوته الألماني بعد تقديمها لفكرة المبادرة والتي رشحت للمراكز الأولى من بين 200 فكرة تتعلق بالريادة الاجتماعية.

بعد العمل على المبادرة قررت “جيهان” عام 2020 تحويل “بينكي” إلى مؤسسة تحت اسم “كانسر كير إيجبت” لتقديم دورات تدريبية للمرضى لمدة 40 ساعة مقسمة على شهرين، من خلال لقاءات أسبوعية تقدم الدعم النفسي لهن.

جيهان: وحدة للدعم القانوني لمريضات السرطان

ولإتمام العلاج النفسي، أنشأت “جيهان” وحدة للدعم القانوني: “لو مريضة سرطان تركها زوجها ولديها مشكلات قانونية تقدم لها الوحدة الدعم القانوني في القضايا لدى محكمة الأسرة مجانًا”. كما تقدم الوحدة إعانات شهرية للسيدات من العمالة المؤقتة.

“جيهان” أيضًا توفر الثدي البديل مجانًا: “نعلم أن استئصال الثدي له تأثير كبير على السيدة. نحن هدفنا الدعم النفسي الكامل، بالإضافة إلى علاج تأثيرات الكيماوي من خلال توفير أطباء بالمجان، لأن مريض الأورام بيصاب بالإحباط إن لم يجد رعاية طبية مكملة”.

جيهان مع عدد من العاملين في المؤسسة

تأثرت “جيهان” بالمشكلات المحيطة بالمريضات ومعاناتهن مع المجتمع: “كنت أرى المريضات والتصرفات من المجتمع المحيط بهن. كنت حريصة خلال المؤسسة على الوصول بالمريضة إلى جودة الحياة من خلال التمكين الاقتصادي والدعم القانوني والنفسي”.

“جيهان” نفسها حصلت على دعم نفسي من زوجها وأسرتها: “العلم الذي أدركته كان داعم قوي لي لفهم مشاعري والتخبطات خاصة وإني مازالت أحصل على علاج هروموني كل 3 أشهر”.

قانون الدعم النفسي لمرضى السرطان

تسعى “جيهان” من خلال مؤسستها التي قدمت الدعم المختلف لـ300 مريضة في عام، لتقديم هدية لمرضى الأورام: “نعمل على تحويل الدعم النفسي لمرضى الأورام إلى قانون وتقديمه لمجلس النواب. ده هيفرق جدًا، خاصة أننا كنا نتعامل مع أشخاص فاقدين للأمل واختلفت حياتهم بعد تلقي الدعم النفسي”.

وتختم جيهان قصتها:” كانت تجربة مفيدة جدًا وربنا وضع ذلك الامتحان في طريقي ليوضح لي أنا دوري إيه”.

تقف “علياء حامد” وسط العمال في موقع عملها في العاشر من رمضان. تقول إن الإصرار والتمسك بالحلم كان سبب عودتها للحياة.

علياء: “كنت طفلة جميلة رغم سقوط شعري”

“علياء” 22 عامًا، تعود للماضي عندما فقدت قدمها بعد إصابتها بالسرطان: “في 2009 بعد إجراء أشعة للاطمئنان على سبب تورم قدمي، اكتشفت إصابتي بالسرطان، والكيماوي لم يكن حلًا لوقف انتشار المرض”.

تنظر “علياء” إلى أحد صورها التي تفقد بها شعرها وهي مبتسمة: “كنت طفلة جميلة رغم سقوط شعري”.

ورغم الطرف الصناعي الذي عوض “علياء” عن قدمها المبتورة، تلعب الشابة العشرينية رياضة “التايكندو” وحققت المراكز الأولى في مسابقة الدرع المفتوح لذوي الإعاقة الحركية.

“علياء” تروي مشاعرها التي تتذكرها جيدًا بعد خروجها من المستشفى: “شعرت برهبة من المجتمع. قررت العزلة والاكتفاء بأسرتي فقط بسبب الشفقة التي كنت ألاحظها في عيون الجميع”.

اقرأ أيضًا.. صناعة الداء”.. تفشي “كورنا” يرفع فاتورة الحق في العلاج “

“وتقع وتقوم في الفرح دموع ودموع يا وجع”

“بدأت أواجه المجتمع والخروج في الصف الثاني الثانوي وبدأت بالتطوع الخيري” تصف “علياء” نقطة عودتها إلى نفسها رغم شعورها بالضعف: “زملائي في الجمعية كانوا بيعاملوني أني طبيعية ولا ينقصني شيئ”.

يأتي صوت أغنية “مسار إجباري”: “وتقع وتقوم في الفرح دموع ودموع يا وجع”، لتتابع “علياء” صمودها بعدما رفض طلبها للالتحاق بقسم الجغرافيا بجامعة عين شمس: “أكثر شيئ صعب ومحرج أنه يتم رفضي بسبب إعاقتي الحركية. كان المفروض تشوف قدراتي ثم تحكم”.

“علياء” نجحت بعدها في الالتحاق بقسم الجغرافيا جامعة حلوان: “بدأت أثبت نفسي في القسم وباتدرب في المقاولين العرب واجتزت التدريب بامتياز” معلنة عودتها للحياة مرة أخرى.

ليست النساء فقط محاربات في مواجهة المرض الشرس. “حامد أبو خزيم” أحد المحاربين الرجال.

“كيف تتعايش مع السرطان”

“أبو خزيم” يحاول أن يجمع أكبر قدر ممكن من محاربي السرطان في مجموعة واحدة، أطلق عليها “كيف تتعايش مع السرطان”، لتقديم الدعم المتبادل.

الشاب الثلاثيني، مازال يتلقى العلاج الكيماوي، متمسكًا بالأمل: “أنا مريض سرطان وقلب مفتوح” يحاول توصيل صوت الآلاف.

لم يكتف “حامد” بمعاناته لكنه قرر مشاركة الآخرين وأنشأ مجموعة على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”: “فكرة الجروب كانت وليدة المعاناة التي نعيشها في مرحلة العلاج في المستشفيات والأدوية غير المتوفرة وكثرة الأعداد وتأخير الآشاعات المقطعية بسبب عطل الأجهزة أو عدم وجود الصبغة”.

“حامد” ضم أطباء متخصصين ونفسيين للرد على استفسارات المرضى، بالإضافة إلى التشارك مع أخصائيين اجتماعيين محاربين للسرطان يقومون بعمل جلسات للعلاج النفسي الجماعي.

“الكلمة الطيبة بتفرق”

“مش زعلانين من المرض.. إحنا زعلانين من الظروف الصعبة اللي بنمر بيها”، يعاني مرضى السرطان والأمراض المزمنة من عدم القدرة على العمل أو الحصول على دخل ثابت. كما يحاولون الحصول على معاش “تكافل وكرامة” هو سبيلهم في التغلب على المرض والعلاج: “أكثر من عام ونصف لم أحصل على دخل”.

يجلس “حامد” بعد عودته من جلسة العلاج الكيماوي لمتابعة مجموعته، لتبادل الأمل: “في ظل ظروفي المرضية بنساعد بعض حتى لو بكلمة طيبة بتفرق كتير جدًا مع مريض السرطان”.