في حديثه يوم 23 يناير الماضي، لخص الرئيس عبدالفتاح السيسي مسألة تطوير مرفق السكة الحديد، الذي دفعت مصر من أرواح مواطنيها ثمنا كبيرا لإهماله، بوعد أنه بحلول نهاية العام 2021 لن تكون هناك قطارات قديمة في مصر.  وقال السيسي -حينها خلال افتتاح عدد من المشروعات: “نعمل على رفع كفاءة السكك الحديدية وميكنتها ورفع كفاءة المحطات والمنشآت المدنية والمعدات”. بينما أشار إلى ظروف كورونا التي أجلت الأمر الذي اعتذر عن عدم تمكن الدولة من الوفاء به في وقت سابق.

الموعد الزمني لانتهاء التطوير بالقطارات وعد وزير النقل كامل الوزير بالالتزام به. بعدما أكد أن الهيئة تستعد لتطوير السكك الحديدية بالكامل، سواء على صعيد البنية الأساسية التجديدات والإشارات أو على صعيد الوحدات المتحركة. في الوقت الذي تتم فيه عمليات تجديد العربات القديمة ورفع كفاءتها بالكامل، تزامنًا مع صفقات الاستيراد الخارجية المنتظرة.

تملك مصر الآن خطة واضحة لتطوير هذا المرفق، بإحلال قطارات جديدة محل القديمة المتهالكة، إلى جانب رفع كفاءة أخرى، وهي مسألة وقت حتى تصل الصفقات المتعاقدة عليها الوزارة، فهل ستنجح هذه الخطة في محو آثار الماضي؟

قُدر عدد حوادث القطارات في مصر بـ 12 ألفًا و236 حادثًا، في الفترة بين عامي 2006 و2016. بينما وقع أكثر عدد من الحوادث في عام 2009. في حين شهد عام 2012 أقل عدد من الحوادث نتيجة تكرار توقف الخدمة بعد أحداث الثورة. ذلك وفق إحصائية رسمية أعدتها هيئة السكة الحديد، بالتعاون مع الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.

إلا أن هذا كان قبل حادث العام 2019 الذي أسقط 22 قتيلاً وعشرات المصابين، في مشهد مروع. حينما اندلع حريق ضخم في محطة القطارات الرئيسية بميدان رمسيس في قلب العاصمة المصرية. في أعقاب اصطدام قطار بالحاجز الخرساني داخل المحطة. الأمر الذي لُحق بتحقيقات عاجلة واستقالة اضطر إليها وزير النقل السابق، فضلاً عن فرض ضرورة تطوير هذا المرفق الذي يخدم قطاعًا كبيرًا من المصريين.

 

السكة الحديد.. ثاني أقدم مشروع في العالم

سكك حديد مصر هي الأولى التي تم إنشاؤها في أفريقيا والشرق الأوسط، والثانية على مستوى العالم بعد المملكة المتحدة. بدأ إنشاؤها عام 1834 حين مدت قضبان خطوط السكة الحديد بخط السويس / الإسكندرية. إلا أن العمل ما لبث أن توقف بسبب بعض الأمور السياسية. ثم تم إحياء الفكرة في 1851 لتمتد عبر محافظات مصر من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها.

وتمتلك هيئة السكك الحديد في مصر خطوط حديدية بطول 9570 كم، تخدم عدد 23 محافظة، بينما يبلغ عدد المحطات بها 705 محطة.

سجل وفيات السكة الحديد

منتصف 2020، أصدر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، تقريرًا مفصلاً بشأن حوادث القطارات عام 2019. حيث سجلت مصر نحو 1863 حادثة عام 2019، مقابل 2044 حادثة عام 2018. وذلك بنسبة انخفاض قدرها 8.9%. إلا أنه رغم ذلك الإنخفاض بقى معدل قسوة حوادث القطارات مرتفعًا، مسجلاً 42.4 متوفي / 100 مصاب عـام 2019، مقابل 34.3 متوفي / 100 مصاب عام 2018.

وانخفض معدل حوادث القطارات إلى 6.3 حادثة / مليون راكب عام 2019، مقـابل 7.9 حادثة/ مليون راكب عام 2018. بينما كانت أكبر حالات حوادث القطارات من نصيب حوادث اصطدام المركبات ببوابة المنافذ (المزلقانات). وقد بلغت 1641 حالة، بنسبة 88.1٪ من إجمالي حالات حوادث القطارات عام 2019. وذلك مقابل 1696 حالة بنسبة 83 ٪ عام 2018.

400 قطار مُعطل.. وخطة ضرورية لإصلاح الوضع

في مارس 2019، كانت هيئة السكك الحديدية تمتلك نحو 800 قطار، منها 400 معطل، أي حوالي “نصف الأسطول“. هذا الوضع المتهالك لقطارات السكة الحديد في مصر دفع وزير النقل الحالي كامل الوزير وزير النقل، للتأكيد على ضرورة الالتزام بتجديد أسطول العربات القديمة بالكامل ورفع كفاءتها. إلى جانب الدفع بعربات جديدة تصل على دفعات شهرية.

ومؤخرًا، قدم الوزير بيانًا يتعدى 150 صفحة -أمام لجنة النقل والمواصلات بمجلس النواب- حول ما حققته مصر من مشروعات في مجال شبكة الطرق منذ 2014. حيث أشار إلى ارتفاع تصنيف مصر في ودة الطرق من 118 إلى 28.

قال الوزير -خلال الجلسة التي عُقدت الأحد- إن وزارة النقل تقوم الاآن بتنفيذ خطة شاملة لتحديث منظومة النقل بشكل كامل. ولفت إلى أن رؤية وزارة النقل تقوم على تنميط تجارة الترانزيت والمساهمة في التنمية التجارية والصناعية، وربط مصر بمحيها الإقليمي.

أيضًا، عرض الوزير عدد المشروعات التي يتم العمل عليها، ويبلغ عددها 2173 مشروعًا، بإجمالي تكلفة 1522 مليار جنيه، من عام 2014 وحتى 2024. منها 220 مليار جنية للسكة الحديد، و63 مليار جنيه لتطوير النقل البحري. فضلاً عن 3 مليارات لصالح تطوير النقل النهري. مضيفًا أنه من المخطط البدء خلال الفترة المقبلة في تنفيذ 140 مشروعًا بإجمالي 671 مليار جنيه.

الصفقة الأضخم في تاريخ السكة الحديد

في سبتمبر 2018، وقعت مصر اتفاقية مع شركة روسية مجرية، لتوريد 1300 عربة سكة حديد. وهي الصفقة التي وصفت بالأضخم في تاريخ هيئة السكك الحديد المصرية، وبلغت قيمتها 1.2 مليار دولار. ووفق بيان لرئاسة الحكومة وقتها، تم الاتفاق على أن تقوم الشركة ببناء ورشة جديدة في مصر لعمل العمرات (الصيانة) الخاصة بهذه العربات. وكذلك تدريب العاملين بالورش على أعمال الصيانة.

وقد أشارت الحكومة المصرية -آنذاك- إلى أن هذه الصفقة ستساهم في تحسين كفاءة التشغيل، خاصةً مع تقادم أسطول هيئة السكك الحديدية من عربات الركاب.

ضخامة تكلفة هذه الصفقة أثارت الكثير من الجدل، خاصة في الفترة الأخيرة. وهو ما ردت عليه الحكومة الإثنين الماضي، وقالت إنها تكلفة أقل من الصفقات المماثلة على مستوى العالم. وقد أضافت الحكومة أن التعاقد على الصفقة تم بعد منافسة قوية بين العديد من الشركات العالمية المتخصصة. حيث قدم التحالف الروسي المجري أفضل سعر وأفضل عرض تمويلي للمشروع.

وتشمل الصفقة 800 عربة مكيفة، مقسمة إلى 500 درجة ثالثة مكيفة وهي خدمة جديدة يتم تقديمها للركاب لأول مرة في تاريخ سكك حديد مصر. فضلاً عن 180 درجة ثانية فاخرة، و90 عربة درجة أولى فاخرة و30 عربة بوفيه مكيفة. هذا بالإضافة إلى 500 عربة درجة ثالثة ذات تهوية ديناميكية.

وقد استلمت مصر حتى يناير الماضي 227 عربة جديدة درجة ثالثة ذات تهوية ديناميكية، تفعيلاً للصفقة. بينما من المقرر أن يتوالى وصول العربات الأخرى المتعاقد عليها. وذلك وفقًا للجدول الزمني المتفق عليه. بحيث تم إدخالها الخدمة بمجرد وصولها.

مسارات التطوير

وفق خطة الحكومة، فإن هناك عدة مسارات لإنهاء مشروع تطوير وإعادة هيكلة السكك الحديدية. ويشمل المسار الأول إنشاء خطوط سكك حديدية جديدة مثل القطار المكهرب -الذي يربط العين السخنة بمدينة العلمين الجديدة، مارًا بمدينة السادس من أكتوبر- وكذلك إنشاء خطوط تربط بين أجزاء مختلفة من المحافظات.

وتسعى الحكومة في مسار جديد نحو إنشاء 3 خطوط سكك حديدية: (خط القاهرة – الأقصر بطول 700 كم، وخط الأقصر – الغردقة بطول 300 كم، وخط الإسكندرية – القاهرة بطول 210 كم). وكذلك التخطيط لإنشاء خطين (خط أسوان – مرسى مطروح، وخط سفاجا – أبو طرطور). بينما يشمل مسار آخر تطوير البنية التحتية. سواء على مستوى المحطات أو أنظمة الإشارات أو السكة الحديد أو التحويلات أو إقامة المزلقانات إلكترونية.

هذا فضلاً عن شراء قاطرات وعربات سكك حديدية جديدة، سواء للخطوط الجديدة أو القائمة. بحيث تصب كل هذه المسارات في النهاية في مصلحة التطوير المستهدف للسكك الحديدية.

البنك الدولي وتقديرات إنقاذ الوضع

وفقًا لتقديرات البنك الدولي في ديسمبر 2018، تحتاج مصر إلى إنفاق ما لا يقل عن 10 مليارات دولار (ما يزيد عن 150 مليار جنيه) على إصلاح السكك الحديدية في الفترة بين 2019 و2029. وكانت من بين التوصيات التي تطرق إليها البنك الدولي، أن النقل بحاجة إلى دعوة القطاع الخاص للمشاركة في عملية التطوير.

يرى الخبير الاقتصادي إبراهيم زهران ضرورة استبدال جرارات القطارات المتهالكة والتي انتهى عمرها الافتراضي بجرارات جديدة. مع تشغيل أجهزة التتبع “G.B.S” المعطلة، والتي كانت سببًا في وقوع العديد من الحوادث خلال السنوات الماضية.

استشهد زهران بعدد من الدول التي تعتمد في منظومة السكك الحديدية على نظام الأمان بجهاز “ATC”. إلى جانب التطوير المستمر لجميع أجهزة ووحدات الإشارة. وتطبيق اشتراطات السلامة في صيانة القضبان. ما يسمح بالقضاء تدريجيًا على أخطاء عمال الإشارة وقائدي القطارات. ومن ثم منع وقوع مزيد من الحوادث.

ويوضح الخبير الاقتصادي أن الاعتماد على الجرارات الألمانية القديمة التي تم توريدها إلى سكك حديد مصر بداية السبعينات من القرن الماضي يعد أحد أسباب تكرار حوادث القطارات. وهو يرى أن الاستعانة بالقطاع الخاص هو أحد العوامل الرئيسية الواجب أخذها بالاعتبار ضمن خطة التطوير الحالية. وذلك عبر اتفاقيات شراكة بين القطاعين العام والخاص.

وتسمح التعديلات التي أدخلت على القانون الخاص بإنشاء الهيئة القومية لسكك حديد مصر وأقرها البرلمان في مارس 2018، للحكومة بالتشارك مع القطاع الخاص، والتعاقد مع الشركات؛ لإنشاء وإدارة وتشغيل صيانة مرافق السكك الحديدية.

كتب- محمد السنهوري: